أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينسحب من أمام دغفل
قصة حدثت لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، وهي درس لنا نستفيد منه في حواراتنا أو نقاشاتنا مع الآخرين ، كي نتقبل الهزيمة بصدر رحب في حال لم تبلغ حجتنا حجة من أمامنا ، وفي حال تفوق محاورنا علينا .
هذه القصة أراد أبو بكر أن يختبر بعضا من القوم ممن وجدهم جلوس قبله ، ولكن حينما قلبوا الاختبار عليه انسحب قبل أن يكملوا أسئلتهم لشعوره بأنه ربما لن يبلغ أعجابهم أو رضاهم .
تعالوا لنرى ماذا حدث مع صدّيق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعلى رضي الله عنهما . قال على : فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر ، وكان نسّابة (أي عارفا بالأنساب) ـ فسلم فردوا عليه السلام ، فقال : ممن القوم ؟ قالوا من ربيعة . فقال : من هامتها أم من لهازمها ( أي من أشرافها أم من أوسطها ) ؟ قالوا : من هامتها العظمى . قال : فأي هامتها العظمى أنتم ؟ ذهل الأكبر ؟ قالوا نعم . قال: أفمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم بسطام ذو اللواء ومنتهى الأحياء ؟ قالوا: لا . قال: أفمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار ؟ قالوا :لا . قال: أفمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفاسها ؟ قالوا : لا . قال: أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة ؟ قالوا : لا . قال : أفأنتم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا . قال : أفأنتم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا . قال : فلستم ذهلا الأكبر ، أنتم ذهل الأصغر .
فقام اليه غلام منهم حين بقل وجهه ( أي ظهر ونجم ) يقال له دغفل فقال :
[poem=font="times new roman,6,darkred,normal,no rmal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
إن على سائلنا أن نسألـه = والعبء لا تعرفه أو تحمله
[/poem]
يا هذا ، إنك سألتنا فلم نكتمك شيئا من أمرنا ، فممن الرجل ؟ قال : رجل من قريش ، قال : بخ بخ ( كلمة تقال عند الرضى بالشيء) أهل الشرف والرياسة، فمن أي قريش أنت ؟ قال : من تيم بن مرة . قال: أفمنكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر وكان يدعى مجمّعا ؟ قال : لا . قال : أفمنكم هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ؟ قال : لا . قال : أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الذي كان بوجهه قمرا يضيء ليل الظلام الداجي ؟ قال: لا . قال : أفمن المفيضين بالناس أنت ؟ قال: لا . قال: أفمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل الرفادة أنت ؟ قال: لا . قال : أفمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا . قال: أفمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا . واجتذب أبو بكر زمام ناقته ورجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ( إنسحب أبو بكر رضى الله عنه ) .
فقال دغفل :
[poem=font="times new roman,6,darkred,normal,no rmal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
صادف در السيل در يدفعه = يرفعه حينا وحينا يضعـه
[/poem]
يقول دغفل إن أبا بكر صادف ندا مثله في الأنساب باستطاعته أن يرفع خصمه ويخفضه كيفما شاء .
ثم قال لأبي بكر - رضى الله عنه - : أما والله لو ثبت لأخبرتك أنك من زمعات قريش ( أي من زوائد قريش ) أو ما أنا دغفل ! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال على رضى الله عنه : قلت لأبي بكر : لقد وقعت من الأعرابي على باقعة ( أي داهية ) قال : أجل إن لكل طامة طامة ، وإن البلاء موكول بالمنطق .
التعليق :
* في قول أبو بكر - رضي الله عنه - لكل طامة طامة اعتراف بمقدرة محاوره على التفوق عليه ، وهذه من شيم الكرام الشجعان الذي يحفظ للغير حقهم .
* في قوله : إن البلاء موكول بالمنطق : أي أن بعض ما يصيب الناس من المكاره نتيجة عكسيه لكلامهم .
في هذا الخبر دروس مستفادة لعل منها :
1- عدم البحث في خصائص الناس .
2- عدم التقليل من شأن الناس .
3- احترام الخصم حتى مع اختلاف وجهات النظر .
مواقع النشر (المفضلة)