السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العناق (24) ساعة
قرأت هذا الرأي (لفرجينيا ساتير) تقول فيه: إننا في حاجة إلى أربعة (أحضان) في اليوم الواحد من أجل أن نبقى أحياء ـ وهي تقصد بالحضن (العناق) في ما أظن ـ، وتمضي قائلة: ونحتاج إلى ثمانية مثلها في اليوم من أجل أن نستمر، ونحتاج إلى اثني عشر حضنا آخر في اليوم من أجل أن ننمو ونتطور.
الواقع أنني عندما قرأتها وحسبتها وإذا هي 24، ومعنى ذلك أنه يجب عليّ لكي أحصل على تلك المزايا أن أعانق أي إنسان أو كائن (كل ساعة)، وإذا افترضنا أن لديّ الشجاعة والصبر وعدم التقزز لأحضن أو أعانق كل من أقابله، فهذا بالطبع يتطلب مني في اليوم الواحد (16) عناقا فقط، تبقى هناك (8) ساعات ضائعة هي ساعات النوم، فكيف يتسنّى لي فيها العناق؟! حقاً إنها معضلة، لأن هذا يتطلب مني أن أضبط جرس المنبّه ليوقظني كل ساعة لأبحث عمّن أعانقه سريعاً، وأعود بعدها على وجه السرعة لكي لا تفوتني ساعة النوم؟!
حاولت أن أفعل ذلك خلال يوم واحد، فوجدت هناك البعض مَن تقبّل عناقي مجاملة، وهناك مَن شكّ بعقلي، وهناك مَن صدّني بعنف، وهناك مَن كاد ينطحني برأسه، بل ان شرطياً وجدته على باب إحدى الدوائر الحكومية، وعندما سلمت عليه ومددت له يدي وجذبته بكل براءة أريد معانقته وإذا به يتراجع مندهشاً ويقفز للخلف خطوتين، ويدفعني من صدري بيده اليسرى، فيما كانت يده اليمنى تنتزع المسدس سريعاً من خاصرته، لأنه اعتقد أنني أنوي به شراً، ومعه الحق في اعتقاده، فاعتذرت له بشدة، وأردت أن أشرح له سبب حركتي تلك، وما هي الحكمة من فلسفة مدام (ساتير) من قضية العناق، غير أنه أخرسني عندما صاح بي بصوته الجهوري الأجش قائلاً: ابتعد عني أحسن لك، لا أريد أن أسمع منك أية كلمة أو تبرير، ووالله لو انك لم تتحرك من أمامي في هذه اللحظة لجعلتك تندم على اليوم الذي ولدت فيه.
وبحكم أنني لا أريد أن أندم على اليوم الذي ولدت فيه، بل إنني بالعكس فرحان بقدومه وفخور به لأنه أفسح لي المجال لكي أحيا، خصوصاً أن ذلك اليوم كان ماطراً وربيعياً، ومع ذلك احتراماً لذلك الشرطي (لا خوفاً) منه ـ انتبهوا ـ لهذا فقط تواريت عن ناظريه (وخلقته) في أقل من لحظة.
وقررت من ذلك اليوم الأول المشؤوم أن أقاطع العناق نهائياً حتى لو لم أبق حياً، وحتى لو لم أستمر، وحتى لو لم أنمُ وأتطور.
وصدقوني أنه لم (ينُبْني) من بعض تلك العناقات، غير المجاملة، أو كسر الخاطر، أو التلطخ (بالعرق)، أو (هزة البدن) بالتهديد.
ولو أن العناق اليومي يكون حسب المزاج وما تشتهي النفس من مقاييس ومواصفات وأسماء، عندها من الممكن أن يبيع الإنسان أحياناً الدنيا وما فيها من أجل عناق واحد بالسنة، لا (24) عناقاً (خائباً) في اليوم.. وهذا يذكّرني ببيت شعر نبطي لأنثى لوّعها العشق عندما قالت:
اللي يبينا عيّت النفس تبغيه / واللي نبيه عيّا البخت لا يجيبه.
وترجمته باللهجة المصرية أن: اللي هوّ عايِزنا إحنا قرفانين منو / واللي إحنا عايزينه ملناش فيه نصيب.
___________
منقـــول
مواقع النشر (المفضلة)