+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 5 من 8
  1. #1
    نجدعلي will become famous soon enough نجدعلي will become famous soon enough الصورة الرمزية نجدعلي
    تاريخ التسجيل
    08 / 09 / 2006
    الدولة
    مجهولة
    المشاركات
    115
    معدل تقييم المستوى
    342

    Icon1 ..:: الروحانية ::..





    ..:: الروحانية ::..



    الحديث عن تلك الروحانية فيه حقيقة الروح وزادها و علاقتها بالصيام..

    الروح والنفس واحد غير أن الروح مذكر والنفس مؤنثة عند العرب، ولما سئل اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح، نزل قوله تعالى: (( و يسئلونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي ))

    وروى الأزهري بسنده عن ابن عباس في قوله: (( ويسئلونك عن الروح )) قال؛ إن الروح قد نزل في القرآن بمنازل ، ولكن قولوا كما قال الله جلا وعلا: (( قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً )) الإسراء 85

    قال ابن الأثير: " وقد تكرر ذكر الروح في الحديث كما تقرر في القرآن، ووردت فيه على معان، والغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد، وتكون به الحياة، وقد أطلق على القرآن والوحي والرحمة وعلى جبريل.. " إلى آخر كلامة رحمة الله.

    والروح سماوية علوية، والجسد أرضى سفلي، وعند موت الإنسان كل يتجه إلى أصله فالروح إلى السماء، والجسد إلى الأرض، ومن الناس من همته في الثرى ومنهم من همته في الثريا، فمنهم من يسعى لحياة الروح ومنهم من يسعى لحياة الجسد، وحياة الروح باتصالها بالسماء بالخوف والخشية والمراقبة والإخلاص لله جل وعلا، والروح والجسد لا غنى لأحدهما عن الآخر، إلا إذا أصبح الجسد لا هم له إلا شهوته وهواه، وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم ) ، ومن الناس من نسى روحه وغفل عنها وعن حقوقها، فعبدها لجسده وشهواته، فأصبحت حياته هموماً وغموما ً و أكدارا وأحزانا ليس له هم إلا أن يرضى هواه.

    مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، وأطيب ما فيها حلاوة الإيمان ولذة الطاعة، فالإنسان جسد وروح وشهوة وعقل، والجسد تتبع لها شهوة، والروح تتبع لها العقل، والصراع دائم بين الفريقين؛ الجسد والشهوة معاً والروح والعقل معاً، ومتى شبع البطن تحركت الشهوة، ومن خلا البطن هدأ السد وانطلقت الروح تنمو وتنشط، ففي الصيام حلاوة لا يدركها إلا من صام من أجل الله بصدق.

    ولا يعرفها إلا الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وهذه هي الروحانية العجيبة التي نحياها في رمضان، روحانية صائم؛ بذرها بالجوع وسقاها بالدموع وقواها بالركوع وحسنها الخشوع والخضوع، روحانية صائم؛ فيها السعادة واللذة والأفراح والأشواق ما لا يبثه لسان ولا يصفه بيان، روحانية صائم؛ فيها الأرواح تهتز وترتاح وتطير بغير جناح، فهي في أفراح وأفراح.

    روحانية الصائم ؛ فيها من الحنين لجنات النعيم ما تورمت له أقدام المتهجدين، وبذل له الثمين، وسُمع له الأنين.

    روحانية صائم ؛ لا يعرفها العاشقون، ولا المتصوفة الواجدون، بل هي والله حكر على المحبين الصادقين والمخلصين العارفين.

    روحانية صائم ؛ تخلصت من أسر الهوى والشهوة وحيل النفس والشيطان.

    روحانية صائم ؛ عاش في جنة الدنيا، وفى الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، ولكن كم بين خلى وسجيا وواجد وفاقد وكاتم ومبد.

    معاشر المسلمين:

    هذه أفراح الروح عند انتصارها؛ وفك أسرها من شهوات الجسد، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: "فالروح المطلقة من أسر الهوى، من أسر البدن وعلائقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة الصعود إلى الله والتعلق بالله ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه" انتهى كلامه رحمه الله.

    أطلق الأرواح من أصفادها *** في بهيج من رياض الأتقياء
    غاديات رائحات كالسنا *** سابحات بين آفاق الضياء
    إنها يا شهر ظمأى فاسقها *** مشتهاها من ينابيع الصفاء
    شهوة الأجساد قد ألقت بها *** في قفار ليس فيها من رواء
    ما غذاء الجسم في ألوانه *** فيه للأرواح شيء من حباء
    إنما الأرواح تحيا بالذي *** في صيام الجسم تزجيه السماء
    يا ربيع الروح اقبل وأعطها *** صولجان الحكم في دنيا الشقـاء
    كي يعيش الناس من آلائها *** في رفاء وازدهار وارتقاء
    هل درى أهل الحجا أن الذي *** شيطن الإنسان في الأرض اشتهاء
    زورق الشيطان في وجدانه *** طعمه فيها من الإفراط داء
    ما ارتقت إلا بزهر أنفس *** في طعامي عنه عاشت في غناء
    واطمأنت في حياة الروح لا *** تبتغي إلا لقيمات وماء
    إنما سلطانها من دونه *** كل سلطان به الإنسان باء
    حسبه أن اخضع النفس التي *** تسترق الناس حتى الأقوياء
    أي سلطان يكف النفس عن *** موبقات غير قيد كالوجاء
    إنه الصوم الذي أوصى به *** رحمة بالناس رب الحكماء
    فيه ترويض لطبع جامح *** فيه روض فيه للمرض شفـاء
    فيه للإحساس إرهاف فلا *** يأخذ الدنيا بعين الأغبياء



    وصف الروحانية

    أيها الأحبة:هذه الروحانية لا نعرف كنهها، ولا نستطيع وصفها حتى من ذاق طعمها وعرف حلاوتها من أولئك الأفذاذ الذين تسعى بهم أعمالهم يوماً.

    تسعى بهم أعمالهم شوقاً إلى *** الجنات شوق الخيل بالركبان
    صبروا قليلاً فاستراحوا دائماً *** يا عزة التوفيق للإنسان
    رفعت لهم في السير أعلام السعـ *** ـادة والهدى يا ذلة الحيران


    أقول حتى هؤلاء الذين ذاقوا طعمها وعرفوا حلاوتها ما استطاعوا وصفها ولا التعبير عن وجدها إلا بألفاظ عامة، لم تفصح عن حقيقة الشعور، واسمع لبعضهم يقول: "إنه ليمر بالقلب لحظات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي نعيم"، أنه شعور عام لا يستطيع وصفه بأكثر من هذا، فإن لم ترها العين فقد أبصرها القلب، واسمع للآخر يقول: "أنا جنتي وبستاني في صدري فماذا يفعل أعدائي بي، سجني خلوة، ونفى سياحة، وقتلى في سبيل الله شهادة" وهذا ثالث لم يجد ما يعبر به عن السعادة واللذة التي يحبها إلا بقوله: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" إنها حلاوة الإيمان وطعم الصلة بالله، أنها أفراح الروح لا تنقل بالكلمات، إنما تسرى في القلب فيستروحها ويهش لها ويندى بها. وكأني بك أيها الصائم تقول : "أيها المتحدث ترفّق.. فنفوسنا تشقّق.. وقلوبنا تُحرّق.. ودموعنا تَدفّق.. "

    فكيف السبيل لهذا النعيم؟ كيف نصوم وكيف نقوم لنجد ما وجد أولئك الرجال؟

    كيف السبيل ؟

    فكيف السبيل لهذا النعيم؟ كيف نصوم وكيف نقوم لنجد ما وجد أولئك الرجال؟


    فأقول؛ أما الكيفية؛ فصم وقم كما كان يصوم ويقوم قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" (آل عمران 31)

    ولكن الأهم: لماذا نصوم؟ نعم لماذا نصوم؟

    سؤال مهم يجب أن يسأله المسلم نفسه خاصة في شهر رمضان، وحتى لا يتحول هذا الشهر من عبادة لها أهداف ومقاصد عظيمة إلي عادة ثقيلة، كان لابد من الإجابة عن هذا السؤال، فكثير من الناس يصومون، ولكن قليل أولئك الذين يعرفون لماذا يصومون.. هذا هو الفرق بين العادة والعبادة ؛ لماذا نصوم ؟ يحدد لك الهدف والغاية التي من أجلها فرض صوم رمضان. ووضوح الهدف في آي عمل تقوم به يسهل عليك ذلك العمل، ويدفعك الاجتهاد والمجاهدة للوصول إليه (أي للهدف)..

    وفي رمضان؛ أنت تمسك عن الطعام والشراب والجماع أكثر من نصف يوم لماذا؟ تجوع وتعطش لماذا؟ تسهر وتتعب لماذا؟ أصناف الطعام بين يديك والماء البارد بين عينيك فلا تمد يدك إليه؛ لماذا؟ ماذا تريد من كل هذا؟ ما هو الهدف؟ إلى أي شئ تريد أن تصل؟ ربما حدثتك نفسك فقالت: لماذا الله أمرنا بالصيام؟ ولماذا فرض علينا شهر رمضان؟

    فأقول؛ حاشا الله عز وجل أن يكون المراد تجويعنا وتعطيشنا وإتعابنا وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم من الأم بولدها، بل إن الله قال في آخر آيات الصيام (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) البقرة 185

    وربما تقول أيها الحبيب؛ إننا نصوم رمضان لأن الله أمرنا بصيامه، فتجب الطاعة والاستجابة لله بما أمر.

    فأقول؛ نعم إن الاستجابة لله ورسوله أمر واجب على كل مسلم ومسلمة، ولو لم تتبين لنا الثمرة والحكمة من هذا الأمر، فنحن أسلمنا واستسلمنا لله جل وعلا، فيجب علينا طاعة الله، فإن الخير كل الخير فيما أمر الله ورسوله به، لتكن هناك ثمرة وغاية عظيمة بينها الله عز وجل من شهر الصيام بقوله: (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة 183

    وقد يستبد الجوع بي ويهدني *** ظمأ ويخفت في حياتي كفاح
    لكن تقوى الله تحفز همتي *** ويشد من أزرى لديك صلاح
    وأراك يا رمضان رحلة مؤمن *** ألف الطريق وأُنسه بطاح
    وأراك حين تجيء توقظ ما غنى *** عاماً بقلب اثخنته جراح
    فإذا بآلاء اليقين تظلني *** وإذا المحبة غدوة ورواح
    وإذا أنا روح تحلق في المدى *** بسنن يلوح وللصفاء يتاح


    الهدف من الصوم

    إذا فالغاية الأولى والهدف الأسمى من صيام رمضان.

    *** هو إعداد القلوب للتقوى ومراقبة الله.
    *** إعداد القلوب لخشية الله.


    فالصوم يجعل القلوب لينة رقيقة، يجعلها ذات شفافية وحساسية، يجعلها وجلة حية.. يوقظ القلوب، فإذا فسد الناس في زمن من الأزمان فإن صلاحه لا يكون بالتشدد والتنطع، فليبدأ الصلاح بإعداد القلوب وبث حرارة الإيمان فيها، وخوف الله ومراقبته، فالإسلام لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى ومراقبة الله والخوف منه.

    ثمار الصيام

    ومن اعظم ثمار الصيام، تربية القلوب على مراقبة الله وتعويدها على الخوف والحياء منه.

    ويقول القسطلاني -رحمه الله- معدداً ثمرات الصوم؛ يقول: "ومنها رقة القلب وغزارة الدمع، وذلك من أسباب السعادة، فإن الشبع مما يذهب نور العرفان، ويقضى بالقسوة والحرمان" انتهى كلامه رحمة الله.

    إذاً ما علاقة الشرب والأكل بالتقوى؟ فالأكل والشرب للبطن والتقوى مكانها القلب؛ فما دخل ذا بذا؟

    اسمع رعاك الله الإجابة؛ أليس كثرة الطعام والشراب لها أثر كبير على فساد القلب وغفلته؟ فالبطنة تذهب الفطنة كما يقال، والشبع يقسي القلب ويعميه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ملأ أبن آدم وعاء شراً من بطنه" كما في الترمذي وحسنه، وقال عمرو بن قيس: "إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب"، وقال الحارث بن كلدة؛ وهو الطبيب العربي المشهور: "الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء"، وقال سفيان الثوري: "إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل".. ولذلك فان تقليل الطعام والشراب ومباشرة النساء ينور القلب ويوجب رقته، ويزيل قسوته، فالصيام فيه كسب للنفس وتحلية القلب للذكر والفكر.

    والصيام يضيق مجارى الدم التي هي مجارى الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر ثورة الشهوة والغضب.

    واسمع لأهل التجارب والخبرات ممن عاشوا في عالم الروحانيات؛ فقد روى عن ذي النون المصري -رحمه الله- وهو العبد الصالح أنه قال: "تجوّع بالنهار وقم بالأسحار، ترى عجبا من الملك الجبار"، وقال يحي بن معاذ: "من شبع من الطعام عجز عن القيام"، فهل عرفت أيها الأخ الحبيب بعد هذا كله علاقة الطعام والشراب بالتقوى؟!


    يتبع ..........









    رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
    إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ






    ... محبكم في الله ...
    ...نجد علي...

     
  2. #2
    المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية المودة
    تاريخ التسجيل
    17 / 08 / 2004
    العمر
    32
    المشاركات
    20,806
    معدل تقييم المستوى
    26158

    افتراضي رد: ..:: الروحانية ::..

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ... تحياتي .

     
  3. #3
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26548

    افتراضي رد: ..:: الروحانية ::..

    جزاك الله خيرا .. مع الشكر لموضوعك القيم

     
  4. #4
    نجدعلي will become famous soon enough نجدعلي will become famous soon enough الصورة الرمزية نجدعلي
    تاريخ التسجيل
    08 / 09 / 2006
    الدولة
    مجهولة
    المشاركات
    115
    معدل تقييم المستوى
    342

    افتراضي رد: ..:: الروحانية ::..






    مشكورين على مروركم الطيب بطرحي المتواضع
    و جزاكم الله خير
    الله يوفقنا لما فيه الخير و الصلاح في الدنيا و الاخرة
    جعلكم الله من صوام و قوام هذا الشهر الفضيل
    آمين ... اللهم آمين










    رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
    إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ






    ... محبكم في الله ...
    ...نجد علي...

     
  5. #5
    نجدعلي will become famous soon enough نجدعلي will become famous soon enough الصورة الرمزية نجدعلي
    تاريخ التسجيل
    08 / 09 / 2006
    الدولة
    مجهولة
    المشاركات
    115
    معدل تقييم المستوى
    342

    افتراضي رد: ..:: الروحانية ::..





    ..:: الروحانية ::..


    معاشر المسلمين:

    إن الإمساك عن الطعام والشراب في رمضان ليس هدفاً في ذاته، بل هو وسيلة لرقة القلب وانكساره وخشيته لله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه" كما في البخاري، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ( ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث ) رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم،، فهل الهدف من صيام رمضان واضح لك الآن ؟؟

    هذه هي حقيقة الصيام فلا تحرم نفسك منها أيها الأخ؛ أما إن كان الأمر ترك الطعام والشراب فما أهون الصيام، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك من الكذب والمحارم؛ وجماع ذلك خوف القلب من الله ومراقبته، وإلا فتنبه وأحذر فربما دخلت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر ) ، نعوذ بالله من حال هؤلاء.. والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري

    إذا؛ فليس رمضان إمساك عن الطعام والشراب فقط؛ وسجوداً وركوعا، والقلب هو القلب قاس عاص غافل لاه، الغناء يطرب الآذان، وللعينين أُطلق العنان، واللسان غش وكذب وغيبته نميمة وسب ولعان.

    وصدق من قال:


    إذا لم يكن في السمع منى تصامم *** وفى العين غض وفي منطقي صمتُ
    فحظي إذا من صومي الجوع والظمأ *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت ُ


    فأف ثم أف لنفوس لم يهذبها الجوع ولم يربها السجود والركوع، فالصيام تدريب للنفوس وتعويد لها على الصبر وترك الشهوات.

    يدخل رمضان ويخرج وبعض النفوس لم تتغير، يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه، ومعاصيه هي معاصيه، وربما يركع ويسجد، ويسهر ويتعب وحاله هي حاله، ولسانه هو لسانه.. نعوذ بالله من حال هؤلاء.

    فلو قيل لأهل القبور تمنوا، لتمنوا يوماً من رمضان، وهؤلاء؛ كلما خرجوا من ذنب دخلوا في آخر، بل ربما لا تحلو لهم الشهوات والفتن في المعاصي والسيئات إلا في شهر رمضان والله المستعان.

    يا هؤلاء .. أنتم في رمضان شهر التوبة والغفران.

    يا هؤلاء فيه تغلق أبواب النيران وتفتح الجنات، وتصفد الجان.. فدونك نفسك أيها الإنسان.

    يا هؤلاء .. أما تنفعكم العبر؟ أما عصيتم وستر؟ اعرفوا قدر من قدر.. فقد آن الرحيل وأنتم على خطر، لكن عند الممات يأتيكم الخبر؛ نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.

    قال ابن رجب -رحمه الله- : "كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر، لا يزيد صاحبه إلا بعداً، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به، لا يورث صاحبه إلا مقتاً ورداً، يا قوم أين آثار الصيام!! أين أنوار القيام!! إن كنت تنوح يا حمام الباني للبين أين شواهد الأحزان!! أجفانك للدموع أم أجفاني، لا تقبل دعوى بلا برهان" انتهى كلامه رحمه الله .

    أيها المسلم:

    ليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفوس، بل هو لتربيتها وتزكيتها ولينها ورقتها، فالقرآن يعلمنا أن الصوم إنما فرض لنذوق طعم الإيمان ونشعر براحة القلب وسعادة النفس ولذة الحياة وكل ذلك في مراقبة الله والخوف منه، فتقوى الله اعظم كنز يملكه العبد في الدنيا، وليس أشقى والله على وجه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس بالله بتقوى الله.

    وقد يقول قائل؛ كيف نصل للهدف؟ أو كيف تحصل ثمرة الصيام (تقوى الله)؟

    فأقول؛ علاقة الصيام بتقوى الله تظهر من وجوه كثيرة فأرعني سمعك وانتبه لهذه الأسئلة..

    ألا يمكن وأنت صائم في نهار رمضان أن تختفي عن أعين الناس فتأكل وتشرب وتفعل ما تشاء لا يعلم بك أحد من الناس ولا تطلع عليك عين من عيون الخلق؟؟ اسأل نفسك ما الذي يمنعك؟ ما الذي يردك؟ لأنك تعلم أن الله يراك ومطلع عليك ويعلم ما تخفي وما تعلن..

    أليس في هذا تربية للقلب؟ وارتباط بخالقه وخوفه وخشيته ومنه؟ أليس من صام بمثل هذه المعاني وبمثل هذه المشاعر إزداد صلة بالله وخشية وخوفاً من الله وازداد تذوقاً بصيام رمضان وراحة للنفس والبال؟ وهذا اعظم زاد للروح، فالصوم أمر موكول إلى نفس الصائم لا رقيب عليه إلا الله، فهو سر بينك وبين ربك، سر بين العبد وربه، ولولا استشعاره لرقابة الله وانه يراه لما صبر عن هذه الشهوات.

    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
    ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا إن ما تخفي عليه يغيب
    لهونا لعمر الله حتى تتابعت *** ذنوب على آثارهم بذنوب
    فيا ليت أن الله يغفر ما مضى *** ويأذن في توباتنا فنتوب


    سؤال ثان ؛ عند الوضوء للصلاة، وفى المضمضة والاستنشاق، لماذا تحرص أيها الأخ الحبيب أن لا يفوت إلى حلقك قطرة ماء؟ لماذا كل هذا الحرص مع انه لا يطلع عليك أحد من الناس ولا يعلم بك أحد لو أدخلت جرعة ماء فكيف بقطرة؟ سبحان الله من علمك هذا الأدب؟ من علمك هذا الحرص العجيب؟ إنها رقابة الله، فأنت على يقين انه يرى قطرة الماء هذه لو سالت إلى حلقك، فيا سبحان الله. إننا نرى المرأة في رمضان، نراكِ أيتها الأخت الكريمة من بعد صلاة الظهر إلى غروب الشمس، وأنت في مطبخك تقفين أمام أصناف المأكولات والمشروبات، تراها بعينيها، وتشم روائحها المغرية بأنفسها، وربما ذاقت ذلك بطرف لسانها فأخرجته بحركة سريعة عجيبة سبحان الله تأملوا هذا الموقف.. تأمليه أيتها الأخت هي جائعة وعطشى ولوحدها لا يراها أحد من الناس، فلماذا لا تمد يدها فتأكل وتشرب؟ من الذي يمنعها؟ من يردها؟ إنها حلاوة الروح، حلاوة الروح بصلتها بالله، بخوفها من الله فهي تعلم أن الله يراها ومطلع عليها ويعلم حالها، فأي تهذيب وأي تأديب هذا الذي أحدثه الصيام في النفوس؟ فما رأيكن أيتها الصائمات هل عرفتن لماذا نصوم!!

    إذا فخلاصة الأمر نقول؛ أن تجويع البطن والفرج لبضع ساعات فيه حياة الروح.. فيه حياة للقلب.

    وأنت أيتها الأخت إنسانة بروحك وقلبك لا ببطنك وفرجك، فنحن نأكل لنعيش ولسنا نعيش لنأكل، ومن ذاق حلاوة الروح وراحة القلب، بان له الفرق، فانكسار النفس وخلو البطن وتضييق مجارى الدم فوائد للصيام، مفادها حياة الروح المتمثلة برقة القلب ولينة وخوفه وخشيته من الله جل وعلا.

    وإذا ملك العبد قلباً بهذه الصفات،انضبط قوله وفعله وحاله، إذ لا يمكن أبدا أن يمتثل لترك هذه الشهوات؛ الطعام والشراب والجماع، وهى حلال فيتعداها إلى الحرام من كذب وظلم وغش ومشاهدة للحرام وسماع للغناء، سواء كان في الليل أو النهار، وسواء كان في رمضان أو غير رمضان، فنرى من صلى وصام وترك الشراب والطعام في رمضان لعلمه أن الله رقيب عليه، مطلع عليه، سيترك الحرام في غير رمضان أيضاً لأن الله لا يزال مطلعاً عليه، وعليماً لحالة؛ وهنا يشعر الإنسان بلذة الصيام؛ هنا تشعرين أيتها الأخت بلذة شهر رمضان، وبالمعاني الجميلة لشهر رمضان فهي تصوم لبناء ذلك السد المنيع بين النفس وشهواتها وصدق بشر بن الحارث بقوله: "ولا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سداً"، هذا السد هو خوف الله ومراقبته في السر والعلن، هذا السد الذي جعلك في رمضان تمسك عن الطعام والشراب بهذه الدقة العجيبة، هو السد الذي جعل ذلك الرجل في غير رمضان والمرأة ذات المنصب والجمال تدعوه فيقول لها: "إني أخاف الله" مع وجود المغريات فهي ذات منصب وذات جمال، وهى التي تدعوه؛ لكنها تقوى القلوب؛ لكنها حياة الإيمان؛ لكنه الخوف من الله الذي من أجله فرض الصيام..

    فأين حال هذا الرجل من حال أولئك الذين لا يجدون لملاحقة النساء وبنات المسلمين لذة إلا في شهر رمضان؛ نعوذ بالله من حال هؤلاء.. هدانا الله وإياهم لما فيه الحق واتباع هذا الدين.

    هذا السد هو الذي جعلك تحرص على صلاة الجماعة في رمضان، هو السد نفسه الذي جعل تلك الصغيرة في غير رمضان تمتنع عن مزج اللبن بالماء وتقول كلمتها المشهورة "إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا".

    هذا السد الذي جعلك أيتها المرأة المسلمة توخيت كل الحرص على ألا يفوت لحلقك شئ من الطعام عند المذاق خوفاً ومراقبة لله في رمضان، هو السد المنيع الذي جعل تلك المرأة تمتنع في غير رمضان عن الوقوع في الزنا لما غاب عنها زوجها طويلاً مع جيش المسلمين وكانت تردد هذه الأبيات:

    تطاول هذا الليل وأسود جانبه *** وأرقني ألا خليل ألاعبه
    فو الله لولا الله أنى أراقبه *** لحرك من هذا السرير جوانبه
    ولكن تقوى الله عن ذا تصدني *** وحفظاً لبعلي أن تنال مراكبه


    قال ابن القيم: "بالحب والخوف والرجاء يذوق المسلم حلاوة الإيمان، ومن استطال الطريق ضعف مشيه" انتهى كلامه رحمه الله

    إذا فلماذا نخاف الله ونراقب الله في رمضان، ونصوم ونصلى ونفعل الخير كله ونهمل؛ بل ويترك البعض ذلك في غير رمضان، عجيب أمر تلك النفوس، إن الله الذي يطلع عليك في رمضان يطلع عليك في رجب وشعبان وغيرهما من الشهور. فالله فرض الصيام ثلاثين يوماً تدريباً وتذكيراً للنفوس برقابة الله عليها، وصدق الله: ( لعلكم تتقون ) أي من أجل أن تتقوا، ومن لم يصم بهذه المعاني فليتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الآنف الذكر؛ (( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر ))

    أيهـا الراجي ثمار الصوم أعط الصوم حقه
    من خشوع واصطبار والتداد بالمشقــة
    وانطلاق في سبيل العيش في رفق ورقة
    طارحاً عن روحك المغلـول بالشهوات رقة
    إن في هذا لعبد الجسـم طول العام عتقه



    يتبع .........








    رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
    إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ






    ... محبكم في الله ...
    ...نجد علي...

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك