... الدرس التاسع ...
... كيف يصوم اللسان ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و آله وصحبه وبعد ..
للسان صيامٌ خاصٌّ به يعرفه الذين هم عن اللغو معرضون , و صيام اللسان دائم في رمضان , و غير رمضان , ولكن اللسان في رمضان يتهذب ويتأدب , صح عنه عليه الصلاة والسلام : (( أنه قال لمعاذ رضي الله عنه : " كُفَّ عليك هذا , وأشار إلى لسانه " فقال معاذ : أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (( ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )) .
ضرر اللسان عظيم , وخطرها جسيم , كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويبكي ويقول : " هذا أوردني الموارد " .
اللسان سبع ضارٍ , و ثعبان ينهش , ونار تلتهب .
لسانك لا تذكر بها عورة امرئ **** فكلك عورات وللناس ألسن
ابن عباس رضي الله عنهما يقول للسانه : " يا لسان قُل خيراً تغنم أو اسكت عن شرٍّ تسلم , رحم الله مسلماً حبس لسانه عن الخنا , وقيده عن الغيبة , ومنعه من اللغو , وحبسه عن الحرام " .
رحم الله من حاسب ألفاظه , و رعى ألحاظه , و أدب منطقه و وزن كلامه .
يقول تبارك اسمه : ( ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ ) , فكل لفظة محفوظة , وكل كلمة محسوبة , وقوله : ( و ما ربك بظلام للعبيد ) , صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( من يضمن لي ما بين لِحيْيهِ و ما بين فخذيه أضمن له الجنة )) .
احذر لسانك أيها الإنسان **** لا يلدغنك إنه ثعبان
و الله الموت زلة لفظةٍ **** فيها الهلاك وكلها خسران
لما تأدب السلف الصالح بأدب الكتاب والسنة , وزنوا ألفاظهم و احترموا كلامهم , فكان نطقهم ذكراً , ونظرهم عبراً , وصمتهم فكراً , ولما خاف الأبرار من لقاء الواحد القهار , أعملوا الألسنة في ذكره وشكره , وكفُّوا عن الخنا و البذاء والهراء .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (( و الله ما في الأرض أحقُّ بطول حبسٍ من لسانٍ )) , يريد الصالحون الكلام فيذكرون تبعاته و عقوباته و نتائجه فيصمتون .
كيف يصوم من أطلق للسانه العنان ؟ كيف يصوم من لعب به لسانه وخدعه كلامه وغرَّه منطقه ؟ كيف يصوم من كذب و اغتاب , وأكثر الشتم و السُّباب و نسيّ يوم الحساب ؟ كيف يصوم من شهد الزور ولم يكف عن المسلمين الشرور ؟
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) , وهل الإسلام إلا عمل و تطبيق ومنهج و انقياد وسلوك و امتثال , يقول جلَّ اسمه : ( و قل يا لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ) , و التي هي أحسن هي اللفظ المؤدب الجميل البديع الذي لا يجرح هيئةً و لا شخصاً , و لا عرض مسلم و لا ينال كرامة مؤمن , يقول عزّ من قائل : ( و لا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) .
فكم من صائم أفسد صومه يوم فسد لسانه وساء منطقه و اختل لفظه ؟ ليس المقصود من الصيام الجوع والظمأ , بل التهذيب و التأديب .
في اللسان أكثر من عشرة أخطاء إذا لم يتحكم فيه .
من عيوبه الكذب , و الغيبة , و النميمة , و البذاء , و السبّ , و الفُحش , و الزور , و اللعن , و السخر , و الاستهزاء , و غيرها .
رب كلمة هوى بها صاحبها في النار على وجهه أطلقها بلا عنان وسرّحها بلا زمام , وأرسلها بلا خطام .
اللسان طريق للخير , وسبيل للشر , فيا لقرة عين من ذكر الله به واستغفر وحمد وسبح وشكر وتاب , ويا لخيبة من هتك به الأعراض وجرح بها الحرامات وثلم به القيم .
يا أيها الصائمون رطبوا ألسنتكم بالذكر , وهذبوها بالتقوى , وطهروها من المعاصي .
اللهم إنا نسألك ألسنةً صادقة , و قلوياً سليمة , و أخلاقاً مستقيمة .
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
... نجد علي ...
مواقع النشر (المفضلة)