... الدرس الخامس عشر ...
... رمضان طريق التوبة ...
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و بعد ..
فإن من أعظم ما يعود على المسلم من النفع في هذا الشهر الكريم توبته و إنابته إلى ربه و محاسبته لنفسه و مراجعته لتاريخه .
باب التوبة مفتوح , و عطاء ربك ممنوح , و فضله تعالى يغدو و يروح , و لكن أين التائب المستغفر ؟ , قال تعالى : (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله , إن الله يغفر الذنوب جميعاً , إنه هو الغفور الرحيم )) .
و هذا الشهر هو موسم التوبة و المغفرة و شهر السماح و العفو , فهو زمن أغلى من كل غال , و أنفس من كل نفيس .
صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) .
الإساءات منا كثيرة , و العفو منه أكثر , الخطأ منا كبير , و رحمته أكبر , الزلل منا عظيم , و مغفرته أعظم :
سبحان من يعطي و نخطيء دائماً *** و لم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطيء و لا يمنعه *** جلاله عن العطا لذي الخطا
قال تعالى : (( و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم , و من يغفر الذنوب إلا الله , و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون )) .
لم يصروا أبداً , أخطأوا و أنبوا فاستغفروا , و أساؤا فندموا فغفر الله لهم .
صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : (( رغم أنف من أدركه رمضان فلم يغفر له )) , إنها فرصة لا تتكرر أبداً و لا تعود إلا نادراً , فهل من مجتهد حريص ؟
ذنوب العام كل العام تمحى لمن صدق مع الله في رمضان إذا اجتنب الكبائر , النقص طيلة السنة , العيوب المتراكمة تصحح في رمضان .
صح في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول : (( يا عبادي إنكم تذنبون بالليل و النهار , و أنا أغفر الذنوب جميعاً , فاستغفروني أغفر لكم )) .
من طبيعتنا الذنب و لكن منا من يتوب و ينيب و يستغفر مولاه , و منا من يصر و يستمر و يكابر , و هذا هو المغبون المخذول عن طريق الهداية .
أتوب إليك يا رحمن مما *** جنت نفسي فقد كثرت ذنوب
و أشكو يا إلهي من معاص *** أصابتني و آذتني عيوب
صح في الحديث القدسي أن الله يقول : ( يا ابن آدم , إنك ما دعوتني و رجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي ) .
يا صائمون هذا الشهر فرصتنا للتوبة النصوح , و هذه الأيام غنيمة لنا فهل نبادر الغنيمة و الفرصة ؟
و بادر بالتوبة النصوح *** حتى احتضر و انتزاع الروح
لا تحتقر شيئاً من المآثم *** و إنما الأعمال بالخواتم
صام معنا قوم في العام الماضي ثم ردوا لمولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين , مضوا بأعمالهم و تركوا أثارهم .
فيا ليت شعري ما نقول و ما الذي *** نجيب به و الأمر إذ ذك أصعب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا *** و في كل يوم واعظ الموت يندب
و من علامات قبول الصائمين الصدق في التوبة , و العزم على عدم العودة و الندم على ما فرط العبد في جنب الله عز وجل .
يقول سبحانه : (( و هو الذي يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون )) .
و صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( و الذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) .
متى ينوب من لم يتب في رمضان و متى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان ؟
إن بعض الصائمين يستقيم حاله و يصلح باله في رمضان , فإذا انتهى الشهر و انصرم الصيام , عاد إلى حالته القديمة , و سيرته الأولى , فأفسد ما أصلح في رمضان , و نقض ما أبرم في رمضان , فهو عمره في هدم و بناء و نقض و إبرام , قال تعالى : (( و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً )) .
كان الكثير من السلف إذا انتهى شهر رمضان بكوا لفراقه, و تأسفوا على رحيله و ندموا على انتقاله , و ذلك لكثرة صلاحهم و صفاء قلوبها و إشراق نفوسهم .
اللهم وفقنا لما وفقت إليه عبادك الصالحين , و اهدنا صراطك المستقيم .
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
... نجد علي ...
مواقع النشر (المفضلة)