... الدرس الحادي و العشرون ...
... رمضان شهر الرحمة بالمسلمين ...
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و بعد .
الرحمة فضل من الله في قلب من يشاء , و إنما يرحم الله من عباده الرحماء .
و الله رحمن رحيم يحب الرحماء و يدعو إلى الرحمة و يأمر عباده أن يتواصوا بالصبر و المرحمة , و قد يفقد الإنسان الرحمة لأسباب منها : كثرة الذنوب و المعاصي فإنها ترين على القلب حتى يعمى و يصبح أشد قسوة من الحجارة . قال تعالى عن بني إسرائيل : (( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )) , و قال سبحانه عنهم لما اعرضوا و تمردوا على شرعه : (( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية )) , و مما يذهب الرحمة الطغيان بالمال و التكبر بالغنى . قال سبحانه : (( كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى )) . و يوم يهذب القلب بالإيمان و العمل الصالح يملأ رحمة و حناناً .
و لعل من الأسباب في ضعف الرحمة كثرة الشبع , فإنه يورث الأشر و البطر , و لذلك جاء شهر الصيام ليكسر هذا الجموح و يحطم هذا التفلت .
فالصائم من أرحم الناس لأنه ذاق الجوع و وجد الظمأ و عاش المشقة , فبدأت نفسه تتوق لرحمة المسلمين و الحنان إليهم و اللطف بهم .
إن الرحمة مطلوبة من كل مسلم لأخيه المسلم , مطلوبة من المسئول الراعي أن يرحم رعيته , و ان يشفق عليهم و ان يلين لهم , صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشفق عليه , و من ولي من أمر أمتي فرفق بهم فأرفق به ) .
و صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( من ولاه الله أمراً من أمر أمتي فاحتجب دون حاجتهم و خلتهم و فقرهم , احتجب الله دون حاجته و خلته و فقره يوم القيامة ) .
و الرحمة تطلب من العالم و الأستاذ بطلابه فيرفق بهم و يتوخى بهم أيسر السبل و أحسن المسالك ليحبوه و ينتفعوا بكلامه , فيجعل الله له أعظم الأجر و اجل المثوبة , و اسمع لقوله سبحانه مادحاً رسوله عليه الصلاة و السلام : ( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) .
و الرحمة تطلب من الإمام بالمأمومين فلا يشق عليهم و لا يدخل الضرر عليهم , بل يكون رحيماً رفيقاً حكيماً , صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه لما أطال معاذ بالناس قال له صلى الله عليه و سلم : ( أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ ) .
و صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال لعثمان بن أبي العاص الثقفي لما قال : يا رسول الله , اجعلني إمام قومي , قال : ( أنت إمامهم و اقتد بأضعفهم و اتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانهم على آذانه أجراً ) .
و الرحمة مطلوبة من الداعية المسلم بالمدعوين فينصح لهم بلطف و يبين لهم بشفقة فلا يفضح و لا يجرح و لا يشهر بالناس و لا يشنع بالعصاة على رؤوس قال عز وجل موصياً موسى و هارون عليهما السلام في دعوتهما لفرعون الطاغية : (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )) , و قال سبحانه : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن )) .
يقول الشافعي :
تعمدني بنصحك في انفراد *** و جنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني و عصيت أمري *** فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
و الرحمة مطلوبة من الوالد بأولاده , و رحمة الوالد و الأم بالأطفال له أعظم الأثر في صلاحهم و فلاحهم و طاعتهم , فإن الصلف و الغلظة باب شؤم , و قد صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه , و ما نزع الرفق من شيء إلا شانه ) .
يا صائماً جاع بطنه , إن آلاف البطون جوعى تنتظر لقمة فهل من مطعم ؟
يا صائماً ظمأت كبده إن آلاف الأكباد ظمأى تنتظر جرعة من ماء فهل من ساقي ؟
يا صائماً يرتدي أجمل اللباس إن آلاف الناس في عري ينتظرون قطعة من قماش فهل من كاسي ؟
اللهم ارحمنا رحمة واسعة تغفر بها الذنب و تمحو بها الخطيئة و تغفر بها الزلل .
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
...نجد علي...
مواقع النشر (المفضلة)