... الدرس الرابع و العشرون ...
... رمضان يدعو إلى حفظ الوقت ...
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و بعد .
فما أسرع انصرام العمر و مرور الأيام و تعاقب الليالي :
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق و ثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثان
وصف الله جواب اللاعبين و المفرطين يوم القيامة فقال تعالى : (( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين , قالوا لبثتم يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين , قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون , أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً و انكم إلينا لا ترجعون , فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم )) .
قال احد الصالحين : العمر قصير فلا تقصره بالغفلة , و هذا حق , فإن الغفلة تقصر الساعات و تستهلك الليالي .
و صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة و الفراغ ) , فكثير من الناس صحيح معافى فارغ و عمره يمر أمامه لا يستفيد منه و لا يستثمره .
و قد صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع و ذكر عمره فيما أبلاه ) , العمر كنز من أنفقه في طاعة الله وجد كنزه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم , و إن أنفقه في الغفلة و المعاصي و اللهو و اللعب ندم ندامة ما بعدها ندامة , و قال : يا حسرتنا على ما فرطنا فيها .
الليل و النهار مطيتان تنقلان الإنسان إلى السعادة الأبدية أو إلى الخسران .
كان السلف الصالح يبادرون أنفاسهم في حفظ أوقاتهم و لهم في ذلك قصص عجيبة , منهم من كان يقرأ القرآن الكريم و هو في سياق الموت كالجنيد بن محمد فقال له أبناؤه : أجهدت نفسك , قال : و من أحق الناس بالإجهاد إلا أنا .
و كان الأسود بن يزيد التابعي يصلي أكثر الليل فقال له بعض أصحابه : لو ارتحت قليلاً , قال : الراحة أريد , يعني في الآخرة .
و جلس سفيان الثوري في الحرم مع قوم يتحدثون فقام من بينهم فزعاً و هو يقول : نجلس هنا و النهار يعمل عمله .
من السلف من قسم نهاره و ليله إلى ساعات , فساعات صلاة و تلاوة و ذكر و تفكر و طلب علم و كسب حلال و نوم , لم يكن للعب عندهم وقت .
أما المتأخرون فأصيبوا بمصيبة ضياع الوقت إلا من رحم ربك , كثرة نوم و بطالة و غفلة و شرود و إسراف في المباحات و الملهيات , و جلسات لا فائدة فيها , و اجتماعات إن لم تكن معصية كانت طريقاً إلى المعصية و سبباً لها .
من أعظم ما ينظم الوقت و يرتب الأعمال الصلوات الخمس , يقول عزّ من قائل : (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً )) .
فبعد الفجر و هو زمن الحفظ و التلاوة و الذكر و التأمل , و من ارتفاع الشمس إلى الظهر هو وقت العمل و الكسب و التجارة و طلب العلم و السعي في الأرض , و بعد صلاة الظهر خاصة لطلبة العلم هو وقت قراءة المجاميع العامة و كتب التاريخ , و بعد العصر هو زمن المكتبة و التحصيل الجاد و تحقيق المسائل , و بعد المغرب لزيارة الأخوان و استقبال الأصحاب , و بعد صلاة العشاء للأهل ثم النوم فقيام آخر الليل , و يوم الخميس زمن راحة و نزهة مباحة , و يوم الجمعة يوم عبادة و تلاوة و ذكر و استعداد للجمعة بغسل و سواك و طيب و لباس و تبكير .
و شهر رمضان مدرسة لتنظيم وقت المسلم و استثمار هذا الوقت فيما يقرب من الله عز وجل .
الصائم في النهار متفرغ للعبادة إذ هو معافى من تهيئة الطعام و إعداده و تحضيره و التشاغل به و هذه الأمور تأخذ وقتاً طويلاً و قد توفر هذا الوقت للصائم فزاده في وقت العبادة و العمل الصالح .
من الناس من لا يدري ما معنى الصيام فهو في غفلة كبرى و في سبات عميق , قطع نهاره نوماً و قطع ليله سفراً ضائعاً :
يا مذهباً ساعات عمر مالها *** عوض و ليس لفوتها إرجاع
أنفقت عمرك في الخسار و إنه *** عمل ستأتي بعده أوجاع
اللهم احفظ علينا أعمارنا و ثبت أقدامنا و استعملنا في طاعتك يا رب العالمين .
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
...نجد علي...
مواقع النشر (المفضلة)