المسلم الصادق الحريص على أمر نفسه.. الطالب لنجاتها.. المجاهد لها.. لحريٌّ به أن يلتمس مواسم الطاعات ليعمل فيها.. ولا يترك للأيام أن تعمل فيه.. فيرتقي بنفسه؛ ينميها.. يزكيها… يُعدّها ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار.. وما ثمَّة غير أصحاب البصيرة ينعمون برحمة الله.. وهم فيها خالدون.
هل تدرى علام الكلام .







يوم العتق من النار:

روى الإمام مسلم في (صحيحه) عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة، إنه ليدني، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء".

فماذا نريد نحن؟

هل نريد أن نعتق فيه من النار؟


يوم العبودية:
هل نريد أن يشهد لنا الله بالعبودية؟
هل نريد أن يباهي الله بنا أهل السماء؟
عند أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثًا غبرًا".


يوم الرحمة:

هل نريد رحمة الله أن تتنزل علينا؟
هل نريد أن ينجينا الله من عذابه؟
روى ابن خزيمة عن جابر رضي الله عنه: "انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجِّين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يومًا أكثر عتقًا من النار، من يوم عرفة".


يوم غسل الذنوب:
هل نريد أن يغسل الله عنا الذنوب؟

هل نريد أن نعود إلى الله ونتوب؟
في مصنف عبد الرزاق من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في حديث الرجلين اللَّذين جاءا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه عن أمر دينهم، وكان من جوابه لهما عن يوم عرفة: "فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوبًا، غسلها الله عنك".


يوم العفو والمغفرة:

هل نريد أن يفيض الله علينا بالعفو والمغفرة؟
هل نريد أن يُشفعنا الله في أسرنا وأقاربنا وأحبابنا؟
عند ابن عبد البر من رواية أنس رضي الله عنه، قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، يوم عرفة: "أفيضوا عبادي مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له".


يوم خير الله:

ما أعظم هذه الخيرات، وما أحلى هذه الفيوضات، وما أجمل هذه الرحمات! كثر خير الله وطاب، في أعظم أيام الدنيا إلى يوم الدين !

روى ابن عبد البر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وكادت الشمس أن تؤوب، فقال: "يا بلال انصت لي الناس" فقام بلال، فقال: انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصت الناس، فقال: "معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا، فاقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات"، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاص؟ فقال: هذا لكم، ولمن أتي بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب).



يوم الله تعالى:

فالعاجز من حُرم خير الله في يوم عرفة، فقد رُوي عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه رأى سائلاً يسأل يوم عرفة، فقال: (يا عاجز! في هذا اليوم تسأل غير الله)، فاجعل هذا اليوم لله، ولا تنشغل بغير الله، عسانا أن ندرب أنفسنا على الانشغال الدائم بالله في حياتنا.


يوم السباق:

وخطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعرفة، فقال: (إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأنضيتم الظهر- أي: أتعبتم رواحلكم- وأخلقتم الثياب- أي: أبليتم ثيابكم- وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته، وإنما السابق اليوم من غُفر له)، فأين السابقون السابقون، هذا يومكم الموعود، وهذا نهاركم المنتظر.


يوم الصيام:

فقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم، أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال: "صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"، رواه مسلم، فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات، بشرط ترك واجتناب الكبائر .


يوم إكمال الدين وإتمام النعمة:

في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آيه؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3)، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.


يوم عيد:

قال صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب" (رواه أهل السّنن).


يوم الميثاق:

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ الميثاق، من ظهر آدم بِنَعْمان- يعني عرفة- وأخرج من صلبه، كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: ﴿... أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)﴾ (الأعراف)" (رواه أحمد وصححه الألباني)، فما أجلّه من يوم! وما أعظمه من ميثاق!


يوم الشباب:

في حفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له"، رواه أحمد.


يوم الدعاء:

بل الإكثار من الدعاء في هذا اليوم، فإنه ترجى إجابة الدعاء فيه: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، رواه الترمذي وحسنه الألباني.

ومن آداب الدعاء في هذا اليوم كما يفعل الحاج، أن يقف الداعي مستقبلاً القبلة رافعًا يديه، متضرعًا إلى ربه معترفًا بتقصيره في حقه، عازمًا على التوبة الصادقة.

بتصرف عن كيف تقضى يوم عرفه وليلة العيد