خطبة عن مفهوم العبادة بعنوان “الإفادة في تحقيق العبادة” من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف العبادة وأهميتها وما هي أنواع العبادة ويبين شروط قبول العبادة.


العبادة في الإسلام
إنَّ للعبادة في الإسلام منزلةً رفيعةً، ومكانةً جليلة، تجعل الحديثَ عنها في غاية الأهمِّيَّة، ولا يُستثنى مِن ذلك زمانٌ أو مكانٌ أو إنسانٌ؛ قال تعالى في سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). (سورة الذاريات)


قال الشافعي رحمه الله: خلق الله تعالى الخلق لعبادته.

وقال بن جرير الطبري – رحمه الله -: أي: لعبادتنا والتَّذلُّل لنا.


ولمَّا كانت صُور العبادات وأشكالُها توقيفيَّةً، يُرجع في بيانها إلى الشَّارع الحكيم، احتاج البَشرُ إلى الأنبياء والمرسَلين – عليهم الصَّلاة والسَّلام – الذين يَتلقَّوْن عن الله – سبحانه – أوامرَه ونواهيَه عن طريق الوحي.


قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ غ– فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ غڑ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). (سورة النحل:36)


قال سهل التستري: العبادة زينة العارفين، وأحسن ما يكون العارف إذا كان في ميادين العبودية والخدمة، يترك ما له لما عليه.


ويقول بن جرير الطبري: ولقد بعثنا أيها الناس في كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة، (واجتنبوا الطاغوت) يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم، ويصدكم عن سبيل الله، فتضلوا.


ومن ثم يجب على العُلماءِ والدُّعاة إلى الله تعالى أن يُبيِّنوا للنَّاس كلَّ ما يتعلَّق بالعبادة، وما يُصلحها مِن شروطٍ وأركان، أو يُفسدها مِن نواقضَ ومُبطلات، فالعلماء هُمْ ورثةُ الأنبياء.


وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن -: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ). (صحيح البخاري:1496)


فالحديث دليلٌ على أهمِّية تعليمِ الفرائض والواجبات الشرعيَّة، مِن العِبادات والأخلاق، بعدَ غَرْس الإيمانِ وتصحيحِه.


العبادة لغة واصطلاحا
العبادة لغة هي: التَّذلُّل والخُضوع؛ قال الرازي: أصلُ العُبوديةِ الخُضوعُ والذُّلُّ، والتَّعبيد التَّذليل، يقال: طريقٌ مُعبَّد، والتَّعبيد أيضًا الاستعباد، وهو اتِّخاذ الشَّخص عبدًا…، والعِبادة الطَّاعة والتَّنسُّك.


العبادة اصطلاحا هي: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه، مِن الأقوالِ والأفعالِ الظَّاهرة والباطنة.


وهذا التَّعريف يفيد شُموليةُ معنى العبادة لكلِّ حركاتِ العباد وسَكناتهم، فكلُّ فعلٍ، أو ترْكٍ من المكلفين يُمكن أن يكونَ عبادةً وقُربةً باستحضار النِّيَّة، وقصد الطَّاعة منه، وبموافقةِ الشَّرع في طريقة تطبيقه وأدائه.


ومن تعريف العبادة: أنها امتثالُ أوامرِ الله، واجتنابُ نواهيه.


ويُنبِّه هذا التَّعريف على مسألةٍ خطيرةٍ، ألا وهي: بيانُ مصدر تلقِّي الأوامر والنَّواهي المتعلِّقة بالعِبادة، فليس لأحدٍ غير الله تعالى أن يشرع للعباد شعائر أو شرائع.


قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (سورة الشورى:21)، فلا يَحقُّ لأحدٍ مِن المخلوقين أن يشرع للنَّاس الشَّرائع، أو يضعَ لهم الأديان، أو يحسن أو يقبح لا عالِم، ولا ولي ولا أَمير، ولا غيرهم.


لأن الله تعالى يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ غڑ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَظ°كِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ غڑ أُولَظ°ئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ). (سورة الحجرات:7)


أنواع العبادة
والعبادة على أنواعٍ كثيرة، وصُورٍ متعدِّدة؛ ومنها:


الدُّعاء: قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (سورة البقرة:186)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الدُّعاءُ هو العبادةُ). (صحيح الجامع:3407)
والخوفُ: قال تعالى: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين). (سورة آل عمران:175)
والرَّجاء: قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا). (سورة الإسراء:57)
والاستعانة: قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). (سورة الفاتحة:5)
والاستغاثة: قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ). (سورة الأنفال:9)
وأركان الإسلام وسيأتي ذكرها.
والعمل عبادة لما رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ). (المتجر الرابح:306)


درجات العبادة
الفرائض والواجبات، والسُّنن والمستحبات، ومنها ما هي على مجموع الأُمَّة، ومنها ما على أَعيانهم، وسببُ اختلاف درجاتِ العِبادة وتفاوتها هو ما يَقتضيه خِطابُ الشَّارع، مِن طلبِ الفِعْل أوِ التَّرك، ومِن الجَزمِ وعَدمه.


فالفرضُ أو الواجبُ في الشَّرع: هو ما يُثاب فاعلُه، ويعاقب تارُكه، ومِن أمثلتِه:


أركان الإسلام الشهادتان و الصَّلوات الخمس، وصومُ رمضان، وحجُّ بيت الله الحرام لمَن استطاع إليه سبيلًا.
وما أوجبه الله في كتابه وحده.
ويليه في الرتبة: المندوب أو المُستحب: وهو ما يُثاب فاعلُه، ولا يُعاقب تارُكه، ومن أمثلته: صلاةُ ركعتي الفجر، وصَومُ يومي الإثنين والخميس.


أحب العبادات إلى الله
أحب العبادات إلى الله هي الفرائضُ والواجباتُ، ثم يَليها السُّنن والمُستحبَّات، دلَّ على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: (مَنْ عادَى لي وَلِيًّا فقد آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ أَحَبّ إِليَّ مِمَّا افْتَرضْتُ عَليْه، وما يَزالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإِذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِها، وَرِجْلَهُ الَّتي يَمْشي بِها، وإِنْ سَأَلني لأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ). (صحيح البخاري:6502)


شروط قبول العبادة
لا تقبل العبادة إلا بشرطين هما في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىظ° إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَظ°هُكُمْ إِلَظ°هٌ وَاحِدٌ غ– فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). (سورة الكهف:110)


شرط قبول العبادة الأول: صلاح العمل
صلاح العمل ويكون بموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإتباع طريقه، والمراد بها الاقتداءُ برسول الله صلى الله عليه وسلم في أداء العبادة، وعدمُ مخالفة سُنَّته وطريقتِه، وقد دلَّ على وجوبِ الإتباع نصوصٌ كثيرةٌ مِنَ الكتاب والسُّنَّة؛ منها:


قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). (سورة الأحزاب:21)


وقوله سبحانه: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ). (سورة النور:54)


وقوله سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (سورة النور:63)


أدلة الإتباع مِنَ السُّنَّة؛ منها:


روى البخاري في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة: (وصَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي). (صحيح البخاري:6008)


وروى مسلم في صحيحه عن جابر، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ). (صحيح مسلم:1297)


وكلُّ ما ورد في النهيِ عن الإحداث في الدِّين دليلٌ على شَرْط المتابعة، كما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن أَحْدَثَ في أَمرِنا هذا ما لَيسَ منه، فهو رَدٌّ). (صحيح مسلم:1718)


شرط قبول العبادة الثاني: عدم الشرك بالله
يعني الإخلاص في العبادة وهو: أن يَقصدَ بعبادته وجهَ الله وثوابَه، ولا يُشرك فيه غيرَه، والدَّليل على هذا الشَّرْط مِن القرآن قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). (سورة البينة:5)


وقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). (سورة الكهف:110)


وقوله – عز وجل -: (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَه دِينِي). (سورة الزمر:14)


ويدلُّ عليه منَ السُّنَّة ما رواه البخاري في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى). (صحيح البخاري:1)


وما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا). (صحيح مسلم:1715)


أهمية العبادة ومنزلتها في الإسلام
للعبادةِ في الإسلام مكانةٌ رفيعةٌ، ومنزلةٌ عاليةٌ، تتجلَّى هذه الأهمية وتظهر هذه المكانة في الأمور التَّالية:


العبادةُ هي الغايةُ مِن خَلْق الجِنِّ والإِنس: قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)). (سورة الذاريات)


إفرادُ العبادةِ لله تحرر منَ الخُضوع والذُّلِّ لكلِّ معبودٍ باطل: قال الله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ). (سورة الحجر:42)


وقال أيضًا: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ غ– فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). (سورة الأعراف:194)


النَّصْر والتَّمكين لعباد الله الصَّالحين: قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ غ— وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). (سورة الحج:41)


الإضافة التَّشريفيَّة إلى الله تعالى: قال تعالى منوِّهًا بصفات عبادِه الصالحين: (وَعِبَادُ الرَّحْمَظ°نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). (سورة الفرقان:63)


وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىظ° غڑ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ غڑ أُولَظ°ئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ غ– وَأُولَظ°ئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)). (سورة الزمر)


دخول الجَنَّة، ونيل رضوان الله الأكبر: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)). (سورة الكهف)


أثر العبادة على الفرد والمجتمع
إنَّ أداءَ العبادات التي شَرَعها اللهُ على وجهها، وطاعة الله فيما أَمر به مِنَ الشَّرائع والشَّعائر، له آثارٌ حسنةٌ وطيِّبةٌ على سلوك الأفراد والمجتمعات؛ لأنَّ سعادة الأُمم الحقيقيَّة في صِحة عقائدها، وطاعة ربِّها – سبحانه وتعالى.


أثر الصلاة
فالصَّلاة هي عِمادُ الدِّين: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ غڑ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). (سورة النساء:103)


والصلاة تغسل الذنوب؛ كما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطايا). (صحيح مسلم:667)


حكمة مشروعية الصلاة
الصلاة ليست مجرد عدد من الركعات يؤديها المسلم وينتهي الأمر عند خروجه من المسجد، لا فالصلاة هي من أقوى العبادات التي تقوى صلة العبد بربه، وتعود المسلم على النظام وضبط الوقت، وتبعده عن ارتكاب المعاصي، وتطهره من سوء القول وسوء العمل.


قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ غ– إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىظ° عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ غ— وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ غ— وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). (سورة العنكبوت:45)


والصلاة بها يشعر المسلم بأنه جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، فمن خلال صلاة الجماعة تتوحد الأمة وينتشر التراحم والتعاطف والمساواة بين أفراد المجتمع المسلم لأن ربهم واحد وقبلتهم واحدة ودستورهم هو القرآن وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.


فالغرض الحقيقي من الصلاة يتحقق على خير وجه عندما تكون الصلاة جماعة، فروح كل صلاة روح اجتماعية، حتى الراهب يعتزل جماعة الناس لعله يوفق في محرابه إلى محبة الله والجماعة، والطائفة المتعبدة هم أناس اجتمعوا معا يحييهم أمل واحد فيجمعون أمرهم على هدف مقرر، ويفتحون أعماق أنفسهم لتلبية باعث واحد.


وإنها لحقيقة سيكولوجية أن الاجتماع ينمي قوى الإدراك عند الرجل العادي ويعمق شعوره، ويحرك إرادته إلى درجة لا يعرفها في عزلته ووحدته، وعلى هذا فإن صلاة الجماعة في الإسلام – إلى جانب ما لها من قيمة فكرية – تشير إلى الأمل في تحقيق الوحدة الضرورية للبشر كحقيقة من حقائق الحياة، وذلك بالقضاء على جميع الفوارق التي تميز بين إنسان وأخر.


أثر الصوم
وكذلك الصَّوم يُعين على التَّقوى، ويُربِّي عليها، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (سورة البقرة:183)


حكمة مشروعية الصوم
وكذلك شرع الإسلام الصوم: فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكودة.


روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). (صحيح البخاري:1903)


ويقول أيضا فيما رواه البخاري في صحيحه: (والصِّيامُ جُنَّةٌ، فإِذَا كان يومُ صِيامِ أَحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَهُ أحدٌ أوْ قاتَلهُ فَلْيَقُلْ: إِنِي صائِمٌ). (صحيح البخاري:1904)


من هنا فإن الصيام دعوة إلى ضبط النفس والتحلي بالأخلاق الكريمة، والصبر على تحمل الآخرين، وتزكية للنفس وتطهير للقلب، ومراقبة للرب جل جلاله.


وصوم رمضان عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن في تربية العقول والأرواح، وتنظيم الحياة، وهو يوحد بين المسلمين في أوقات الفراغ والعمل، وأوقات الطعام والشراب، ويفرغ عليهم جميعا صبغة الإنابة والرجوع إلى الله، ويرطب ألسنتهم بالتسبيح والتقديس ويعفيها عن الإيذاء والتجريح، ويسد عليهم منافذ الشر والتفكير فيه بمحبة الخير والبر لعباد الله، ويغرس في نفوسهم خلق الصبر الذي هو عدة الحياة، وهكذا يريد الله أن يكون الإنسان.


أثر الزكاة
الزكاة – وهي فريضةٌ اجتماعيَّةٌ – جاء بها الإسلام لتطهيرِ نفوس الأغنياءِ مِن الشُّحِّ والبخلِ، وتطهيرِ نفوس الفقراء من الغِلِّ والحسدِ، كما قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ غ– إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ غ— وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (سورة التوبة:103)


كما شُرعتِ الزَّكاةُ أيضًا لإقامة شَعائرِ الإسلام، كالجهادِ، وبناء المساجد، والمدارس، وغيرها؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ غ– فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ غ— وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (سورة التوبة:60)


والزكاة تعد علاجا عمليا بعيد الغاية لضعف النفس وتحصينها من أدواء الشح والأثرة وعبادة المال.


والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هي أولا غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعاون والألفة بين شتى الطبقات، فتنظيف النفس من أدران النفس، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى.


أثر الحج
وأمَّا فريضةُ الحجِّ، فهي مدرسةٌ ربَّانيَّةٌ متكاملةٌ، تُقوِّي صلةَ العبد بربِّه بما تُزكِّي من نفسِه، وتُحسِّن من أخلاقه، وتُعوِّدُه على البذل والتَّضحية.


قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ غڑ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ غ— وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ غ— وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىظ° غڑ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ). (سورة البقرة:197)


وقد يحسب البعض أن السفر إلى البقعة المقدسة للمستطيع لأداء فريضة الحج والقيام بأداء المناسك إنما هذه عبادات غيبية أمرنا الله بها.


حكمة مشروعية الحج
إن الحج لم يشرع لمجرد ذكر الله، ولا لمجرد طواف المسلم منفردا ببدنه حول بيت الله الحرام، ولا مجرد وجوده واكتحال عينه بالمشاهد المقدسة، وإنما شرع لذلك وأعم منه، شرع ليكون السبيل لجمع المتفرق، ولم المشتت، وتقابل الآراء بالآراء، ثم ليعود المجتمعون وقد حملوا مسؤولياتهم المشتركة، وأخذ كل منهم نصيبه منها، يعمل مع أهله ومواطنيه على تحقيقها والقيام بواجبها في حفظ إنسانيتهم، ورسم طرق سعادتهم وليتكون من جميعهم أمة واحدة، تلك هي المثالية الفاضلة التي أعلى الله شانها ورفع ذكرها.


وللحج دوره البارز في تحقيق التكافل الاجتماعي، وإطعام الجائعين، والعطف على البؤساء المحرومين من خلال ذبائح الهدى يقول سبحانه: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ). (سورة الحج:28)


والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الآخَرُ يقي المجتمعَ من العقائدِ الفاسدة، والطِّباع المُعوجَّة، والسلوكيات المُنحرفة: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ غڑ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). (سورة المائدة:63)


وهكذا نَرَى الآثارَ الإِيجابيَّة للعبادات أيًّا كان نوعُها تُشكِّل عاملًا ضروريًّا في بناء الفرد المسلم بناءً كاملًا، يشمل الجوانبَ العَقديَّة والعِباديَّة والسلوكيَّة، وفي تكوين المجتمع المثالي الذي عَجزتْ كلُّ الفلسفات والقوانين والآداب على تصويره، وتحديدِ ملامحه الحضاريَّة.


فالعبادات في الإسلام لم تقتصر على الشعائر التعبدية المعروفة من صلاة وزكاة وصوم وحج، بل تشمل كل حركة وكل عمل ترتقي به الحياة ويسعد به الناس.


فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنية والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث أداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومجاهدة الكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والدعاء والذكر، وحب الله تعالى ورسوله، وخشيته لله تعالى والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر والحكمة والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك كله من العبادة.


فإن لم يستفد المرء منها بما يزكي قلبه وينقى لبه ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى.


قال تعالى: (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىظ° (74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَظ°ئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىظ° (75)). (سورة طه)


فالعبادةَ كما سبق بيانه هي الغايةُ من الوجود الإنسانيِّ، ولا تكونُ للحياةِ أية أهمِّيَّة ما لم تكن جميعُ مظاهرِها مُعبِّرةً عن معاني التَّذلُّل والخُضوع لله سبحانه وتعالى.