بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وسار على هديه وهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

يسير الزمان بسرعة، وتلد الحضارة الإنسانية الكبيرة الجديد والجديد كل يوم، وتتابع التغيرات في الوسائل، لتحمل كل يوم طريقة جديدة للوصول إلى الغايات.

ونظرة واحدة إلى التعليم في السعودية قبل 100 سنة، حيث الكتاتيب وألواح الخشب، والأنظمة البدائية في إنجاز مهمة التعليم - ترينا كيف أن الفرق كبيرٌ بين تلك المشاهد واليوم، ولله تعالى الحمد والمنَّة.

إلاَّ أنَّ صُورة التعليم اليوم تنبئنا عن تغيُّر حقيقي، لم يطُل الأدوات أو الأنظمة التعليمية فقط، بل طال أيضًا المشارب التي تحمل العلم والتربية إلى الجيل.

فقبل 20 سنة، كانت أماكن التعليم محدودة، المدرسة وأساتذتها، أو المنزل والأسرة، أما اليوم فقد دخلت على الخط مواقع أخرى كثيرة، فالإعلام الفضائي بات يمارس دورًا تربويًّا، والرفاق سواء كانوا صالحين أم فاسدين، والإنترنت وغيره، وبالتالي فإنَّ تكامُل النظام التعليمي لا يقتصر على المناهج والمدارس والأساتذة، ولو كانت هذه العوامل هي الأساس لهذا النظام، ولكن يَتَطَلَّب جُهُودًا أكبر خارج حدود المدرسة.

طرائق التدريس هي الأخرى تطلب تغييرًا، فالتلقين في الفصول، والرتابة في الجدول اليومي، باتت من الأمور التي تساعد على فَشَل النظام التعليمي أكثر من نجاحه، والعصر الحديث يلد لنا أساليب تعليمية وتربوية ذات جدوى أكبر منَ الأنظمة المتقادمة، فهناك مثلاً التعليم التعاوني، والتعليم بالمرح، وغيرها، وكلها أساليب تضفي تغييرًا على الجوِّ الدراسي، وتساعد في جذب الطلاب إلى العمليَّة الدراسيَّة أكثر.

المناهج يجب أن تعيش تغييرًا حقيقيًّا، لا يقتصر على الطبعات، ولكن يمتد إلى ما تحمله تلك المناهج الكبيرة والثقيلة، ولَكَم عجبت حينما علمت من أحد الرفاق أن أخاه الذي يدرس في إحدى الجامعات في الولايات المتحدة، يأخذ ما نأخذه نحن في الصف الثالث الثانوي، وبذلك فنحن متقدمون على طلاب السنة الثانية في الجامعات الأمريكية، وهذا نبَّه عليه كثيرون من متخصصي التعليم؛ حيث ذكروا أن المناهج السعودية من أكثر المناهج صعوبة واحتواء على المعلومات، والسؤال هنا: هل يتحدد نجاح العملية التعليمية بثقل المواد؟

في الواقع الإجابة هي: (لا)، والدليل: أن ما ذاكرناه قبل حوالي عشرة أشهر إبان اختبارات الثانوية العامة، نسيناه بأكمله الآن إلا قليلاً، وبالتالي فهذا يدل على مشكلة حقيقية في تعليمنا، والحقيقة أن هذا الزمان هو زمان التخصُّص في التعليم، ففيما كان الأقدمون ينبغون في مجالات علمية عدة مرة واحدة، فإن الحصول على مخازن علمية اليوم، يتطلب أسلوبًا في التخصص العلمي، يساعد الطالب على تركيز ذهنه في اتجاه واحد، مع تعزيز هذا الاتجاه بموادَّ أخرى موضوعة بناء على تصنيف واقعي يراعي مقدرة الطلاب المختلفين، ويكون من ضمنها مواد اللغة العربية والدين بشكل أساسي.

تعليمنا - وللأسف الشديد - يُخرِج حَمَلة شهادات، يبحثون عن مقاعد في الجامعة، وبالتالي فإن الضغط يزداد على الجامعات، مع أن بإمكاننا الاستفادة من سنين الثانوية؛ بحيث نخرج طلابًا قادرين على الاستغناء عن الدراسة الجامعية، والانخراط في سوق العمل مباشرة مع بعض الدورات التعليمية البسيطة، أو توجيه قدراتهم في مجالات البحث العلمي والابتكار، نريد أن يتخرج من تعليمنا علماء، وليس حملة شهادات.

الإعلام ينسف ما يبنيه التعليم، وهذه مشكلة كبيرة، ففيما نقرأ في كتاب الثقافة الإسلامية عن العفَّة والحياء وغض البصر، يأتي الإعلام الشهواني المنتشر ليهدم كل تلك القيم، ويدعو إلى التفسُّخ والإباحية والرذيلة؛ بل يتعدى إلى العبث بالعقائد، والنخر في الشرع الإسلامي المطهَّر، وبذلك فالجهود التي تُبذل تضيع هباءً مبثوثاً، أمام عدوٍّ فَتَحنا له الباب على مصراعيه.

يجب أن تعود إلى تعليمنا قيمته الحقيقية، فهو ليس أداة للوُصُول إلى الرزق والوظيفة بالنسبة للطالب أو للأستاذ أو للإداريين، بل هو مشروع مهم وكبير وخطير في آن واحد، تبنى عليه كثير من معالم المستقبل الإسلامي، وهذا ما يجب أن يعيه كل أولئك المنخرطين في العملية التربوية والتعليمية.

نسأل الله تعالى العلي القدير، أن يوفق القائمين على التعليم، ويعينهم على القيام بمهمتهم على أكمل وجه وأحسن صورة.

مصعب خالد