[align=center]ادعت "إسرائيل" انتصارا سياسيا في حربها على حزب الله، وفي المقابل روج

زعيم حزب الله لانتصاراستراتيجي وتاريخي على القوات "الإسرائيلية" وهكذا

خرج الطرفان من الحرب بانتصار مظفر، فيما تركوا الخسارة تبحث لها عن

صاحب فلا تجد، وتبقى الأعين تدور عجبا من حرب انتصر فيها طرفاها!

حقيقية لكل طرف أن يروج لما يشاء من بشريات نصر حاسم ، وأن يدغدغ

مشاعر الجماهير المتعطشة هنا أو هناك بأحاديث الصمود والتحدي متسولا

تصفيقا أو هتافا أو حتى زعامة عما قريب تتكشف حقيقتها

ويظهر ما كان يغلفها من تزيين وتزييف مفضوح.

ولكننا نقول: بعيدا عن الخطابات المؤدلجة والمنطلقات المسيجة بأطر عقدية،

وتلمسا لنظرة سياسية ومقاربة واقعية، إن ثمة وقفة لابد منها عند هذا الادعاء

من قبل حزب الله، إنه خرج من هذه الحرب منتصراانتصارا تاريخيا واستراتيجيا،

على أن نتبعها بأخرى نفند فيها الأجندة الحقيقة للحزب، والتي دخل بها الحرب

لنقف من قريب نرى من ضغط "زر" الحرب وجنى المكاسب من وراءها، على

أن نختم بالتعرض لما ادعته "إسرائيل" هي الأخرى من نصر انتزعته

انتزاعا من حزب الله.

حزب الله وحقيقة الانتصار:

الحديث عن الانتصار في معركة حربية لابد وأن ينطلق من الأهداف المحددة

التي رسمها هذا الطرف أو ذاك لخوض المعركة، والأجندة التي تبناها ومن أجل

مفرداتها غامر بإشعال تلك الحرب.

حقيقة ما قاله حزب الله من أن السعي من وراء العملية التي قام بها وأسفرت عن

أسر جنديين "إسرائيليين" ومقتل ثمانية في 12 يوليو الماضي -هو تحرير الأسرى

واستعادة شبعا اللبنانية التي تحتلها "إسرائيل".

ومن المفترض في جردة الحساب الختامية التي منها ينطلق مفهوم النصر أو

الهزيمة أن يحقق الطرف الذي يدعى النصر بعضا من تلك الأهداف، أو على أقل

تقدير أن يحافظ على قدر من المكاسب قد سبق وحققها.

وعلى مستوى تلك الحرب وفيما يخص حزب الله نجد أن الأمر جد مختلف، فكيف

يعد منتصرا ويزف البشرى للجماهير ويلهب مشاعرها بأحاديث النصر و"إسرائيل"

تحتل أجزاء من الجنوب لم تكن تحتلها من قبل

وتفرض الحصار البري والبحري والجوي على لبنان كلها؟

أمن قبيل الانتصار للحزب وأجندته أن يعلن رئيس الأركان "الإسرائيلي" دان حلوتس

أن الجيش قد يبقى لأشهر في المنطقة الحدودية في جنوبي لبنان، ويعلن مدينة

عيترون منطقة عسكرية محظورة على المدنيين؟!

وكيف يراد لنا أن نصدق نصره وهو مع ما أعلنه من صمود أمام الآلة الحربية

العسكرية "الإسرائيلية" كان يستجدى وقفا لإطلاق النار ولم يتمكن من

حماية لبنان من التدمير؟

حيث دمر أكثر من‏15‏ ألف منزل بالكامل، ونحو 900 مبنى ومحل تجاري،

هذا فضلا عن البنية التحتية من محطات الكهرباء والجسور والتي تبلغ تكلفتها

3.5 مليار دولار، و‏فر أكثر من‏916‏ ألف لبناني من منازلهم

وهو ما يشكل ربع عدد السكان تقريبا، وبلغ عدد القتلى والجرحى‏ نحو‏1100‏ قتيل

و‏3700‏ جريح غالبيتهم العظمي من المدنيين؟!

وكيف لنا أن نخدع بنصره المدعى وهو يقبل بوقف إطلاق النار لا يرقى إلى أدني مستوى

من الطموحات التي كان يريد تنفيذها اللهم إلا إذا كان مصدقا أن القرار 1701 هو

في ذاته انتصارا ساحقا وبنوده تشكل نصرا حاسما على العدو" الإسرائيلي" وهي

البنود التي تتغافل عن الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين اللبنانيين، وكأن أرواحهم

وأموالهم وممتلكاتهم شئ لا يستحق الالتفات .. وهو ذاته القرار الذي يمنح

"إسرائيل" الحق في شن هجمات داخل الأرض اللبنانية بذريعة أنها "هجمات دفاعية" ..

وهو كذلك القرار الذي يتجاهل شبعا المحتلة ويجعلها "بند" يبحث فيما بعد ..

ولم يعالج مسألة الأسرى والمعتقلين والمختطفين اللبنانيين في السجون "الإسرائيلية"

وجعلها أيضا "بند" يتم فيما بعد تناوله ؟!

كما وافق حزب الله على انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود، وهو ما يعني عمليا نهاية

العمليات العسكرية للحزب، أو الخوض قي اقتتال داخلي.

فهل هذا وغيره من بنود انهزامية أرتآها نصر الله وحزبه نصرا استراتيجيا وتاريخيا

مظفرا يُزف لى الأمة الإسلامية؟!!

من هذه الزوايا يمكن النظر إلى حقيقة الانتصار الذي يدعيه حزب الله ومدى مصداقيته

ومطابقته لمجريات لأحداث في الواقع، ولكن حزب الله فيما يبدو ينظر لحقيقة الانتصار

من زاويا مغايرة طالما مجت من شاهدتها الجماهير العربية ولكنها للأسف مشاهد

طوتها ذاكرة الشعب العربي، ولكن فظتها ذاكرة التاريخ.

كانت زاوية النظر بذاتها التي راجت وانطلت على الأمة وصدقتها إلى حين عام 1967 بأنه

ما بقى الزعيم" ناصر[ جمال عبد الناصر] حيا والنظام في البلد قائما لم يمح فقد

انتصر العرب عن بكرة أبيهم على لعدو "الإسرائيلي" الذي لم يستطع النيل من

الزعيم ونظامه، ولا بأس إن احتلت الأرض وقتل من قتل

وشرد من شرد وهدم ما هدم من البيوت والبنى التحتية، فما فوق البلد قد عاش

ومن فوق الشعوب قد بقي وهذا هو المهم!!

ذات المشهد ونفس المشاعر هي التي خالطت نفوسا متعطشة لنصر حتى وإن كان

لا ينالها منه سوى الاسم

فقط بل وتقدم في سبيله تضحيات وهو في الحقيقة خداع بصر جرها إليه "قابليتها المؤقتة"

لتصديق لزعامات الورقية وحاجتها في سنوات القهر والذل لمفردات الـ "نصر" التي

غابت عن أجيالا بكاملها تربت علىمفاهيم الانكسار والهزيمة النفسية.

حقيقة نتلمس من الأعذار لهذه الشعوب التي تشرئب أعناقها وتطمح نفسها لنصر يتوج هامتها وهامة

أمتها فقد طال الظلام والكبت وتسرب كثير من اليأس إلى النفس من مرارة الهزائم وعلقم الخيانات

المتوالية، ولكن كيف نتلمس العذر لمن يزيف على الأمة مفاهيم النصر ويدغدغ مشاعرها ببريق الشعارات

ويقدم تضحياتها قربانا لأجندته وطموحاته التي لم تلتقي مع طموحاتها وتطلعاتها يوما.

"نصر" أي أجنده وأي نصر؟!

إذا ما ذهبنا ننظر لهذه الحرب من منظور مغاير لما يراد لنا أن ننظر من خلاله، وبالأجندة الحقيقة لا

التي يروج لها حزب الله زيفا وتدليسا لأمكننا الاقتراب وفهم حقيقة الجهة التي جنت المكاسب

وحققت قدرا لا بأس به من أجندتها.

حزب الله لا يخفي ولاءه الأيديولوجي للنظام الإيراني، فقد جاء نصا في بيان صادر عن الحزب

في 16 فبراير 1985 بعنوان "من نحن وما هي هويتنا؟" "إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها

في إيران، وأسـست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة،

تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضرا بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي

الخميني، دام ظله، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".

ويعتبر حزب الله خليفة الخميني ، علي خامنئي، المرجعية الدينية العليا، وولي أمر المسلمين جميعا.

ومع اشتعال الحرب أكد خامنئي بصورة واضحة أن بلاده لن تتخلى عن دعم حزب الله في حربه ضد

"إسرائيل" وأرسل تهنئة للحزب بعد انتهاء العمليات الحربية وصدور القرار 1701 نص فيها على

"إن الذي أهديتموه للأمة الإسلامية بجهادكم وصمودكم المنقطع النظير يفوق حدود وصفي."

هذا على مستوى التبعية الدينية، أما عن التبعية والدعم المادي فيُقدر دخـل الحزب من إيران عام 1990م

بثلاثة ملايين دولار ونصف المليون، وخمسين مليون عام 1991م، وقُدر بمائة وعشرين مليونا في 1992م،

ومائة وستين في 1993م، وقد وصلت إلى 300 مليون دولار في السنوات الأخيرة.

فالحزب في حقيقة الأمر يستقى مرجعيته العلمية ودعمه المادي من إيران، ومن ثم فهو لا يتحرك

بأجندة لبنانية ولكن مفردات الأجندة برمتها إيرانية، وقد تتلاقى وقد تتعارض مع المصالح اللبنانية،

وفي النهاية لا غالب ولا ترجيح إلا للمصلحة الإيرانية الصرفة.

وإذا ما ذهبنا نتأمل فسنجد أن العملية التي قام بها حزب الله من أسر جنديين "إسرائيليين" وقتل ثمانية

في 12 يوليو قلبت الطاولة اللبنانية على رئوس أصحابها ونقضت تعهدا تقدم به الحزب سابقا في مؤتمر

الحوار الوطني، من أنه لن يقوم بعمل من شأنه جر البلاد إلى الحرب، وجاءت متزامنة بشكل يبعث الريبة مع

تعثر مفاوضات كبير المفاوضين الإيرانيين علي لارجاني مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن

وألمانيا، بشأن عرض الحوافز المقدم لها للتخلي عن الطموح النووي وتخصيب اليورانيوم، حيث وصف

الاتحاد الأوربي نتائج المحادثات التي جرت يوم 11 يوليو في بروكسل بين مسئول السياسة الخارجية

للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ولاريجانى بأنها مخيبة للآمال.

فالسؤال إذن الذي يطرح نفسه: ماذا أرادت إيران من وراء العملية، وهل حققت ما تصبو إليه من الحرب؟

أهدافها الرئيسة نراها تتمثل في بنود عدة لعل من أهمها التأكيد على أنها قادرة على خلط أوراق اللعب

في المنطقة التي يراد لها ولادة جديدة، وأنها عنصر أساس في "التحريك" لا يمكن تجاهله ولا التغاضي

عن مصالحه الإستراتيجية وطموحاته التوسعية.

وكذلك تخفيف الضغوط الغربية التي بدأت تضيق الخناق على النظام للتخلي عن طموحه النووي، حيث

كانت كلمة الفرقاء قريبة من الالتئام بعد العروض المقدمة من الدول الأوروبية، وتذكير الولايات المتحدة

بأنه إذا ما استخدمت القوة العسكرية لضرب منشآتها النووية فإن لديها "وسائل للإزعاج" ولن تقف

مكتوفة الأيدي.

وإلى حد كبير تمكنت إيران من تحويل الانتباه عنها فيما يخص برنامجها النووي، فقد علق مجلس الأمن

المداولات حول إمكانية فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إيران في حال لم ترد على العرض

الأوروبي إلى أجل غير مسمى، ولم تكن كذلك على رأس اهتمامات قمة الدول الثمان الكبار في روسيا

منتصف الشهر الماضي، حيث استحوذت الحرب على الاهتمام، وصرح حينها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن

بأن الحديث حول فرض عقوبات على إيران سابق لأوانه.

كما حملت التصريحات التي أطلقتها الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتحميل إيران مسئولية خطف "حزب الله"

للجنديين إشارة بعلم وصول الرسالة، وأنه قد تم استيعابها جيدا.

"إسرائيل".. نمر من ورق:

راحت "إسرائيل" هي الأخرى تتسابق لتعلن انتصارا في الحرب، وقد يكون صحيحا أن القرار 1701 والذي

أصدره مجلس الأمن حقق ل"إسرائيل" ما كانت تصبو إليه، ولكن فاعليات الحرب ذاتها كشفت حقيقة

"النمر الورقي" الذي تترس بآلته الحربية وتباهى بإمكانياته العسكرية وقدرته على هزيمة الجيوش العربية

مجتمعة وأنه سحقها في ست ساعات مع الرأفة!!

فلم تستطع الآلة الحربية "الإسرائيلية" أن تحقق نصرا حاسما على مقاتلي حزب الله طيلة ما يزيد عن شهر

من الطلعات الجوية والقذف الصاروخي والمدرعات والآليات والدبابات التي كانت تتباهها "إسرائيل" بأنها

لا نظير لها على مستوى العالم، وهي التي لم تصمد أمام صواريخ ليست على درجة عالية

من التطور والحداثة.

ولم تستطع الإمدادات العسكرية الأمريكية أن ترجح كفة الجانب "الإسرائيلي" وتجعله قادرا على حسم

المعركة، بل وقفت الآلة العسكرية لمن تدعى أنها رابع أقوي دولة في العالم عاجزة عن وقف صواريخ

الكاتيوشا التي نالت من نظرية الأمن "الإسرائيلية" التي ذهبت ترسخها على مدار السنوات التي غرست

فيها في المنطقة، وأنها فقط صاحبة الذراع الطويلة التي تضرب أينما تشاء في الوقت الذي تشاء

دون أن يكون لخصومها القدرة على تهديدها من الداخل.

ومع سقوط النظرية الأمنية "الإسرائيلية" وقوة الردع التي تدثرت بها لسنوات طويلة كان السقوط المروع

للأنظمة التي تتعلل بعدم قدرتها على مواجهة "إسرائيل" بدعوى الواقعية وفهم المتغيرات الدولية، وأن

خيارها أبدا لن يكون غير خيار "السلام" وإن تمادت "إسرائيل" في غيها وزادت من انتهاكاتها لأهل

الديار في فلسطين ولبنان والجولان المحتل، فالجيوش العربية ما صنعت إلا لحفظ هيبة النظام

واستعراض القوة وردع "الأعداء" الداخليين المتربصين ليل نهار بالكرسي وصاحبه.

لقد أضرت الحرب حقيقة بقوة الردع التي تغنت بها "إسرائيل" دوما، وخلقت قناعة بأن الفارق العسكري

الذي تضمنه لها الولايات المتحدة يمكن أن يعوض بأدوات أخرى كثيرة ما وجد التصميم على ذلك.

وإنصافا نقول: إن لحزب الله أن يتباهى بأنه كشف الحجم الحقيقي ل"إسرائيل" وأزاح السدل عن

نمر ورقي لطالما خوف الغادي والرائح من أصحاب القلوب المرتعشة، كما وأنه أماط اللثام وترك غالب

الأنظمة سافرة حتى من ورقة التوت أمام شعوبها ومن قبل أمام التاريخ.

نقول ختاما: إن جردة الحساب لن تجعل من طرفي الحرب منتصرا وفقا لأجندته المعلنة التي دخل بها الحرب،

ولكن قد تجعل من حزب الله منتصرا إلى حين بالنظر إلى ما حققه للأجندة الإيرانية، حيث مثلت

الحرب فرصة لإيران لالتقاط الأنفاس وترسيخ محوريتها لقضايا المنطقة على رافعة حزب الله، فيما

تبقى لبنان تحتل الصدارة في منظومة الخاسرين بلا منازع.[/align]