[align=justify]اَلْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالَاهُمْ وَبَعْدُ, فَمَا زِلْنَا نَتَحَدَّثُ فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلَى الْقُرْآَنِيِّينَ عَنِ السُّنَّةِ, وَاَنَّهَا مَصْدَرٌ اَصْلِيٌّ مِنْ مَصَادِرِ التَّشْرِيعِ الْاِسْلَامِيّ, وَكُلَّمَا مَرَّتْ مَعَنَا آَيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ سَوَاءً مِنْ قَرِيبٍ اَوْ مِنْ بَعِيدٍ, فَاِنَّنَا نَقِفُ عِنْدَهَا وَقْفَةً وَلَوْ كَانَتْ قَصِيرَة, فَمَثَلاً قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلّ{اِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ, اِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ, يَدُ اللهِ فَوْقَ اَيْدِيهِمْ(نَعَمْ اَخِي, وَالْمُبَايَعَةُ هِيَ الْمُعَاهَدَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْنِ, عَلَى تَنْفِيذِ اَمْرٍ اَوِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ اَوْ عَنْ نَهْيٍ, نَعَمْ اَخِي, وَلَابُدَّ اَنْ يَتَحَقَّقَ فِي الْمُبَايَعَةِ عُنْصُرُ الرِّضَا, اَيْ لَاتَكُونُ الْمُبَايَعَةُ بِالْاِكْرَاه, نَعَمْ اَخِي الْقُرْآنِيُّ, وَهَذِهِ الْمُبَايَعَةُ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ اَصْحَابِهِ الْكِرَامِ, حَدَثَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ, فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى{اِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ, اِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله(اَيْ اِنَّ الَّذِينَ يُعَاهِدُونَكَ, اِنَّمَا يُعَاهِدُونَ اللهَ, فَكَانَتْ طَاعَةُ رَسُولِ اللهِ كَطَاعَةِ اللهِ بِدَلِيل{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ اَطَاعَ الله(فَمَا دَامَتْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةً اَيُّهَا الْاَخُ الْقُرْآنِيّ, فَالْعَمَلُ بِسُنَّتِهِ كَذَلِكَ يَكُونُ وَاجِباً, نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ اِذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَهُ اَهَمِّيَّةً, اَنْ يَضَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّهُ اَوْ يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ, وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْعَزِيمَةِ فِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الصَّفْقَةِ اَوِ الْعَقْدِ الَّذِي اَبْرَمَاهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا, نَعَمْ اَخِي, وَهَذِهِ الْبَيْعَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ وَاَصْحَابِهِ, سُمِّيَتْ بَيْعَةَ الرِّضْوان, وَسَبَبُهَا: اَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاَهْلِهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ, حِينَمَا جَاءَ اِلَى مَكَّةَ لِيَعْتَمِرَ, صَدَّتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ, فَحَاوَلَ رَسُولُ اللهِ اَنْ يَتَفَاوَضَ مَعَ قُرَيْشٍ, فَمَنْ يُرْسِلُ مِنْ اَجْلِ تِلْكَ الْمُفَاوَضَاتِ؟ فَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اِلَّا اَنْ اَوْعَزَ اِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ, فَقَالُوا يَارَسُولَ الله: اِنَّ خَيْرَ مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ لِمَكَانَتِهِ فِي قُرَيْشٍ؟ وَلِاَنَّهُمْ يُحِبُّونَهُ وَيُقَدِّرُونَه, نَعَمْ اَخِي, فَاَوْعَزَ رَسُولُ اللهِ اِلَى عُثْمَانَ اَنْ يَدْخُلَ اِلَى قُرَيْشٍ لِيَتَفَاوَضَ مَعَهُمْ, وَحَدَثَ اَنَّ قُرَيْشاً قَالَتْ لِعُثْمَانَ: نَحْنُ نَسْمَحُ لَكَ اَنْ تَطُوفَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَتَعْتَمِرَ! فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا اَفْعَلُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللهِ يُصَدُّ وَيُمْنَعُ عَنْهُ! نَعَمْ اَخِي, فَتَاَخَّرَتْ عَوْدَةُ عُثْمَانَ اِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, نَعَمْ اَخِي, وَدَائِماً فِي اَيَّامِ الْقَلَاقِلِ وَالْاَحْدَاثِ, تَحْدُثُ الشَّائِعَات, فَاُشِيعَ بِاَنَّ قُرَيْشاً قَتَلَتْ عُثْمَان! وَطَبْعاً جَرَتِ الْعَادَةُ اَنَّ الرُّسُلَ لَايُقْتَلُون, بِمَعْنَى لَوْ اَنَّ دَوْلَةً اَرْسَلَتْ رَسُولاً اِلَى دَوْلَةٍ اُخْرَى, حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ الْعَدَاوَةُ وَالْحَرْبُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ, فَيَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّسُولِ اَوِ الدُّبْلُومَاسِي, وَاَنْ يَعُودَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ سَالِماً, دُونَ اَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِدَلِيل{وَاِنْ اَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ, فَاَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ, ثُمَّ اَبْلِغْهُ مَاْمَنَه( نَعَمْ اَخِي, وَمَضَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ فِي اَيَّامِهِمْ اَنَّ الرُّسُلَ لَايُقْتَلُون, فَلَمَّا اُشِيعَ ذَلِكَ عَنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ, اِغْتَاظَ الْمُسْلِمُونَ كَثِيراً وَمِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ, وَهِيَ شَجَرَةٌ هُنَاكَ مَعْرُوفَةٌ اُزِيلَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ مِنْ اَجْلِ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا اَشْبَاهُ قَوْمِ شُعَيْبٍ مِنْ اَصْحَابِ الْاَيْكَةِ فِي عِبَادَتِهِمْ لِلشَّجَرِ الْكَثِيرِ الْمُلْتَفّ, نَعَمْ اَخِي, فَعَزَمَ اَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ عَلَى اَنَّهُ لَابُدَّ مِنْ مُنَاجَزَةِ قُرَيْشٍ وَمُقَاتَلَتِهَا وَمُحَارَبَتِهَا اِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ صَحِيحاً؟ لِاَنَّهَا هِيَ الْمُعْتَدِيَة, فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ, يَاْتِي وَيَضَعُ يَدَهُ فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ, وَيُبَايِعُهُ عَلَى اَنْ يَبْقَى مَعَهُ اِلَى آَخِرِ رَمَقٍ كَمَا يُقَال, وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ اَنَّ الْاِشَاعَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَقْتَلِ عُثْمَانَ كَانَتْ كَاذِبَةً! وَاَنَّهُ لَا اَصْلَ لَهَا! وَلَكِنَّ اَصْلَ نَوَايَاهُمُ الصَّادِقَةِ بِمُبَايَعَةِ اَصْحَابِهِ الْكِرَامِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, بَقِيَ مَحْفُوظاً عِنْدَ اللهِ ثَوَاباً خَالِصاً لِوَجْهِ اللهِ, وَيَالَيْتَنَا كُنَّا مَعَهُمْ؟ لِنَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً بِرِضْوَانِ الله تَعَالَى, نَعَمْ اَخِي, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اَفْضَلِيَّةِ عُثْمَانَ ذِي النُّورَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ اللهِ! حِينَمَا اسْتَنْفَرَ الرَّحْمَنُ مَلَائِكَتَهُ وَعَرْشَهُ مِنْ اَجْلِهِ! قَبْلَ اَنْ يَسْتَنْفِرَ رَسُولَ اللهِ وَاَصْحَابَهُ الْاَجِلَّاء! فَنَزَلَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيم{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ اِذْ يُبَايِعُونَك{اِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ اِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ, يَدُ اللهِ فَوْقَ اَيْدِيهِمْ(اِذاً مُبَايَعَتُهُمْ لَكَ يَارَسُولَ اللهِ تُعْتَبَرُ مُبَايَعَةً لِلهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{يَدُ اللهِ فَوْقَ اَيْدِيهِمْ(وَهُنَا وَقْفَةٌ لَابُدَّ مِنْهَا مَعَ عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَعُلَمَائِهِ! فَمَا هُوَ مَعْنَى يَدُ اللهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّوْحِيد؟ وَنَقُولُ بِاخْتِصَار: عُلَمَاءُ السَّلَفِ يَقُولُونَ: يَدُ اللهِ! وَاَعْيُنُ اللهِ! وَاَقْدَامُ اللهِ! هَذِهِ اُمُورٌ نَكِلُ اَمْرَهَا اِلَى الله, بِمَعْنَى اَنَّنَا نَعْتَقِدُ اَنَّ لِلهِ يَداً وَعَيْناً وَقَدَماً! وَلَكِنَّهَا جَمِيعاً لَيْسَتْ كَاَيْدِي الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا اَعْيُنِهِمْ وَلَا اَقْدَامِهِمْ ,وَلَكِنَّهَا يَدٌ وَعَيْنٌ وَقَدَمٌ تَلِيقُ بِذَاتِهِ وَجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, نَعَمْ اَخِي, وَاَمَّا عُلَمَاءُ الْخَلَفِ فَيَقُولُون: يَدُ اللهِ! بِمَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْمُرَاقَبَةِ عَلَى هَذِهِ الْبَيْعَة, وَنَقُولُ لِلشيعة: مَاذَا تَقُولُونَ فِيمَا قَالَهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ؟ قَالُوا عُلَمَاءُ السَّلَفِ مُجَسِّمُون! وَنَقُولُ لِلشِّيعَة: وَمَاهُوَ الْعَيْبُ فِي هَذَا التَّجْسِيمِ اِذَا كَانَ تَجْسِيماً غَيْرَ مَحْدُودٍ وَلَانِهَايَةَ لَهُ وَيَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَذَاتِهِ الْعَلِيَّة؟ وَالْاَدْهَى مِنْ ذَلِكَ اَنَّ اللهَ تَعَالَى اَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ؟ هَلْ تُرِيدُونَ اَنْ تَعْبُدُوا هَوَاءً غَيْرَ مُجَسَّم؟ وَهَلْ اَفْئِدَتُكُمْ هَوَاء؟ وَنَقُولُ لِلشِّيعَةِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْهَوَاءُ عَدِيمَ اللَّوْنِ فَمَنْ قَالَ لَكُمْ اَنَّ الْهَوَاءَ غَيْرُ مُجَسَّمٍ وَلَايَحْتَلُّ حَيِّزاً سَوَاءً كَانَ هَذَا الْحَيِّزُ مَحْدَوداً اَوْ غَيْرَ مَحْدُود؟ فَاِذَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ اَنْ تَعْبُدُوا اللهَ عَلَى اَنَّهُ كَالْهَوَاءِ اللَّطِيفِ اَوِ النُّورِ اللَّطِيفِ! فَاِنَّ الْهَوَاءَ وَالنُّورَ مُجَسَّمَانِ اَيْضاً! بِدَلِيلِ اَنَّ الظُّلْمَةَ مَوْجُودَةٌ بِمَا فِيهَا مِنَ الْهَوَاءِ وَلَايُمْكِنُكُمْ اِنْكَارُهَا, بِمَعْنَى اَنَّ وُجُودَ الظَّلَامِ الْمُجَسَّمِ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ النُّورِ الْمُجَسِّمِ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ! فَهَلْ تُرِيدُونَ اَنْ تَعْبُدُوا اِلَهَاً لِلنُّورِ وَاِلَهاً آَخَرَ لِلظَّلَامِ اَيْضاً وَهُمَا جَمِيعاً مُجَسَّمَان؟ فَلَايُمْكِنُكُمُ الْهَرَبُ مِنَ التَّجْسِيمِ بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَبَداً وَلَوْ صَحَّحْتُمْ عَقِيدَتَكُمْ اِلَّا اِذَا كَانَ وُجُودُ اللهِ مَعْدُوماً وَهَذَا لَايَقُولُ بِهِ اِلَّا الْمَجْنُونُ الَّذِي يُرِيدُ اَنْ يَعْبُدَ اِلَهاً مَعْدُوماً اَوْ عَدَماً لَاوُجُودَ لَهُ اَصْلاً! وَنَقُولُ لِلْوَهَّابِيَّة: مَاذَا تَقُولُونَ فِيمَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْخَلَف؟ قَالُوا: عُلَمَاءُ الْخَلَفِ مُعَطّلَة! وَنَقُولُ لِلْوَهَّابِيَّة: وَمَاذَا عَطَّلُوا؟ قَالُوا: عَطَّلُوا مَااَثْبَتَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْاَيْدِي وَالْاَعْيُنِ وَالْاَقْدَامِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَه! وَنَقُولُ لِلْوَهَّابِيَّة: وَكَيْفَ السَّبِيلُ اِلَى تَصْحِيحِ عَقِيدَتِهِمْ؟ قَالُوا: اَنْ يَجْمَعُوا اَقْوَالَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مَعَ اَقْوَالِهِمْ مُوقِنِينَ بِهَا جَمِيعاً وَمِنْ دُونِ فَصْلٍ لِاَقْوَالِهِمْ عَنْ اَقْوَالِ عُلَمَاءِ السَّلَف! وَنَقُولُ لِلْوَهَّابِيَّة: فِعْلاً كَلَامُكُمْ صَحِيح, فَاِذَا اَثْبَتُوا مَااَثْبَتَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ, فَلَاغُبَارَ عَلَى عَقِيدَتِهِمْ فِي اَيِّ كِنَايَةٍ يُطْلِقُونَهَا عَلَى الْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ وَمَااِلَى هُنَالِكَ مِمَّا اَثْبَتَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ مِنْ اَعْضَاءَ لَيْسَتْ كَاَعْضَاءِ الْمَخْلُوقِينَ؟ لِاَنَّ كَلَامَ اللهِ فِي اِثْبَاتِ الْيَدِ الْاِلَهِيَّةِ لَهُ سُبْحَانَهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الَّذِي اَطْلَقَهُ عُلَمَاءُ السَّلَف! كَمَا اَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْكِنَايَةَ الَّتِي اَطْلَقَهَا عُلَمَاءُ الْخَلَفِ اَيْضاً! وَلَكِنَّهُ لَايَحْتَمِلُ اَبَداً اَنْ نَفْصِلَ مَااَطْلَقَهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الْاِثْبَاتِ وَعَدَمِ التَّعْطِيلِ عَمَّا اَطْلَقَهُ عُلَمَاءُ الْخَلَفِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ يُؤَدِّي بِنَا اِلَى اِنْكَارِنَا لِلْكِنَايَةِ الَّتِي اَطْلَقَهَا الْخَلَفُ وَاِلَى اَنْ نَكُونَ غَيْرَ مُوقِنِينَ بِهَا وَهَذَا يُؤَدِّي بِنَا اِلَى الْكُفْرِ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ؟ لِاَنَّهُ يُؤَدِّي بِنَا اِلَى تَعْطِيلِ الْقُوَّةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْقُدْرَةِ الَّتِي اَطْلَقَهَا الْخَلَفُ وَوَصْفِهَا بِالْعَجْزِ وَالشَّلَل! نَعَمْ اَخِي كَمَا اَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ اَيْضاً اَنْ نَفْصِلَ مَااَطْلَقَهُ عُلَمَاءُ الْخَلَفِ* مِنَ كِنَايَةِ الْيَدِ الْاِلَهِيَّةِ عَنِ الْقُوَّةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْقُدْرَةِ, *عَمَّا اَطْلَقَهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الْاِثْبَاتِ لِوُجُودِ الْيَدِ الَّتِي تَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُنْكِرْ سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ وُجُودَهُ مِنْ هَذِهِ الْاَعْضَاء! وَلَكِنَّهُ اَنْكَرَ تَمَاثُلَهَا وَتَشَابُهَهَا مَعَ اَعْضَاءِ مَخْلُوقَاتِهِ بِقَوْلِهِ{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً اَحَد(نعم اخي وَالْخُلَاصَةُ اَنَّهُ لَابُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ اَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مُوقِنِينَ بِهَا جَمِيعاً, وَلَا يَنْفَعُ اِيمَانَنَا مُطْلَقاً اَنْ نَخْتَارَ مِنْ اَقْوَالِ اَحَدِ الْفَرِقَيْنِ مُنْفَصِلاً عَنْ اَقْوَالِ الْفَرِيقِ الْآَخَرِ بِحُجَّةِ اَنَّهُ لَاغُبَارَ عَلَى عَقِيدَتِنَا اِذَا اعْتَقَدْنَا بِاَقْوَالِ اَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الِاعْتِقَادِ بِاَقْوَالِ الْآَخَرِ! فَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا اَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ؟ لِاَنَّنَا بِحَاجَةٍ اِلَى اَقْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ مَعاً لِيَكْمُلَ اِيمَانُنَا, وَاِلَّا فَاِنَّ اِيمَانَنَا يَبْقَى نَاقِصاً وَلَا يْنْفَعُنَا الْاِيمَانُ النَّاقِصُ عِنْدَ اللهِ اَبَداً .. نَعَمْ يَارَسُولَ الله! اَنْتَ تُبَايِعُهُمْ, وَهُمْ يُبَايِعُونَكَ, وَعَلَيْكَ اَنْ تَتَصَوَّرَ اَيْضاً اَنَّ يَدَ اللهِ فَوْقَكُمْ وَفَوْقَ اَيْدِيكُمْ! نَعَمْ اَخِي, اِنَّهُ تَظْلِيلٌ اِلَهِيٌّ لِمَعْنَى الْمُبَايَعَة! وَهَذَا التَّظْلِيلُ يُفِيدُ بِاَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الْمُبَايَعَةِ الَّتِي مِنْ اَهَمِّ اَرْكَانِهَا السُّنَّةُ الشَّرِيفَة(اِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ اِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله(وَكَلِمَةُ اللهِ جَاءَتْ مَنْصُوبَةً؟ لِاَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَه{يَدُ الله(وَاَمَّا هُنَا فَكَلِمَةُ يَد هِيَ مُضَاف, وَقَدْ جَاءَتْ كَلِمَةُ اَللهِ مَجْرُورَة؟ لِاَنَّهَا مُضَافٌ اِلَيْهَا اَيْ اِلَى الْيَد{فَمَنْ نَكَثَ, فَاِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ(وَكَلِمَةُ نَكَثَ هُنَا فِي الْآيَةِ: بِمَعْنَى خَانَ الْعَهْدَ اَوِ الْبَيْعَةَ اَوِ الْمُبَايَعَة, وَلِذَلِكَ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: فَاِنَّمَا اِثْمُ خِيَانَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ, اَيْ يَعُودُ عَلَيْهِ, بِمَعْنَى اَنَّ تَدَاعِيَاتِ نَكْثِهِ مُبَايَعَتَهُ وَخِيَانَتِهِ الْخَطِيرَةِ وَعَوَاقِبِهَا الْوَخِيمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, سَيَعُودُ حَصَادُهَا الْمُرُّ عَلَيْهِ اِنْ لَمْ يَتُبْ اِلَى اللهِ نَصُوحاً, نَعَمْ اَخِي, وَ قَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ: اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَى اَنَّهُ لَمْ يَنْكُثْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ اَيْ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ الْاَجِلَّاءِ هَذِهِ الْمُعَاهَدَةَ الَّتِي عَاهَدُوا بِهَا وَعَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, نَعَمْ اَخِي, فَاِنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا الشِّيعَةُ بِاَنَّهُمْ نَكَثُوهَا فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ, فَاِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: اِنَّ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ حَصَلَتْ بِسَبَبِ اِشَاعَةٍ كَاذِبَةٍ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ بَنَى اللهُ عَلَيْهَا مَابَنَى مِنَ الرِّضْوَان! فَمَا بَالُكُمْ وَقَدْ حَصَلَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ بَعْدَ تَدَاعِيَاتٍ مِنْ اِشَاعَةٍ حَقِيقِيَّةٍ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ يَقُولُ اللهُ فِيهَا{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَايُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ اِنَّهُ كَانَ مَنْصُورَا(فَاِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ السَّمَوَاتِ الْعُلَى وَالْعَرْشَ وَالْمَلَائِكَةَ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ اَجْلِ يَهُودِيِّ ذِي ظُلُمَاتٍ مِنَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ لِلْاِسْلَامِ وَاَهْلِهِ وَلَكِنَّهُ مَظْلُوم بِدَلِيل{اِنَّا اَنْزَلْنَا اِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا اَرَاكَ اللهُ وَلَاتَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمَا(فَكَيْفَ لَايَسْتَنْفِرُهَا سُبْحَانَهُ جَمِيعاً* عَلَى عَلِيٍّ وَاَهْلِ بَيْتِهِ بِقَوْلِهِ{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً(*مِنْ اَجْلِ ذِي النُّورَيْنِ الْمَظْلُومِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ(نَعَمْ اَخِي{وَمَنْ اَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ اَجْراً عَظِيمَا(قَرَاَ حَفْصٌ وَالزُّهْرِيُّ بِبِنَاءِ الْهَاءِ عَلَى الضَّمَّةِ فِي كَلِمَةِ عَلَيْهُ وَهِيَ بَعْضُ لَهَجَاتِ الْعَرَبِ! فَبَدَلَ اَنْ يَقُولُوا مَثَلاً{صِرَاطَ الَّذِينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ(فَاِنَّهُمْ يَقُولُونَ{صِرَاطَ الَّذِينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهُمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهُمْ وَلَا الضَّالّين(بِمَعْنَى اَنَّهُمْ يَبْنُونَ هَذَا الضَّمِيرَ وَهُوَ هَاءُ الْغَائِبِ عَلَى الضَّمَّة فِي لَهْجَتِهِمْ وَهِيَ قِرَاءَةُ حَفْصٍ وَالزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ الَّتِي مَعَنَا فَقَطْ دُونَ بَاقِي الْقُرْآَن وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{عَلَيْهُ اللهَ( نَعَمْ اَخِي, وَاَمَّا مَاعَدَا حَفْصٍ وَالزُّهْرِيِّ, فَقَرَؤُوهَا عَلَى الْاَصْلِ بِالْكَسْرِ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{عَلَيْهِ الله( وَكَلِمَةُ اَللهَ هُنَا هِيَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ الْمُرَقَّقِ! لِمَاذَا الْمُرَقَّق؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ الْقَاعِدَةَ التَّجْوِيدِيَّةَ فِي عِلْمِ التَّجْوِيدِ تَقُول: اِذَا كَانَ مَاقَبْلَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ كَسْرَةٌ اَصْلِيَّةٌ اَوْ طَارِئَةٌ عَارِضَةٌ, فَاِنَّ لَامَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ تُرَقَّق, نَعَمْ اَخِي: فَالْكَسْرَةُ الْاَصْلِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلاً بِسْمِ الله, وَاَمَّا الْكَسْرَةُ الطَّارِئَةُ الْعَارِضَةُ, فَمَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{بَلِ(لِمَاذَا؟ لِاَنَّ كَلِمَةَ بَلْ هِيَ فِي الْاَصْلِ لَيْسَتْ مَكْسُورَة, وَاِنَّمَا هِيَ سَاكِنَةٌ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{بَلْ(وَلَكِنْ مَاهِيَ قِصَّةُ الْكَسْرَةِ الَّتِي طَرَاَتْ عَلَيْهَا فَجْاَةُ وَمِنْ دُونِ سَابِقِ اِنْذَار؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّ الْقَاعِدَةَ النَّحَوِيَّةَ الْعَرَبِيَّةَ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْكَ شَرْعاً اَنْ تَحْفَظَهَا تَقُول: لَايَلْتَقِي سَاكِنَانِ فِي اللَّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ, وَاِنَّمَا يَلْتَقِيَانِ فِي اللُّغَةِ الْاَجْنَبِيَّة, فَمَاهُمَا هَذَانِ السَّاكِنَانِ اللَّذَانِ لَا يَلْتَقِيَان؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَمَّا السَّاكِنُ الْاَوَّلُ, فَهُوَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{بَلْ(وَاَمَّا السَّاكِنُ الثَّانِي, فَهُوَ اللَّامُ اَيْضاً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{اَللهُ( وَهِيَ لَامُ التَّضْعِيفِ الْمُشَدَّدَةِ الَّتِي جَمَعَتْ لَاماً سَاكِنَةً وَلَاماً مُتَحَرِّكَةً فِي لَفْظِ الْجَلَالَة, وَلِذَلِكَ نَقْرَؤُهَا فِي كَلِمَةِ بَلْ بِكَسْرَةٍ طَارِئَةٍ اَوْعَارِضَةٍ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي فِي حَالَةِ الْوَصْلِ وَمِنْ دُونِ سُكُونٍ اَصْلِيَّة{بَلِ اللهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِين(وَلَكِنْ نَقْرَؤُهَا بِسُكُونٍ اَصْلِيَّةٍ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ وَمِنْ دُونِ كَسْرَةٍ عَارِضَةٍ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{بَلْ(نَعَمْ اَخِي, وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَاَ قَوْلَهُ تَعَالَى عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{عَلَيْهِ اللهَ(نَعَمْ اَخِي: اَلْبُلَغَاءُ يَقُولُونَ اِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَاَهَا{عَلَيْهُ اللهَ(جَمَعَتْ مَابَيْنَ شِدَّةِ الْعَهْدِ فِي مَعْنَاهُ وَفِي لَفْظِهِ, بِمَعْنَى اَنَّ هَذِهِ الْمُعَاهَدَةَ ثَقِيلَةٌ وَشَدِيدَةٌ, فَلَفْظُهَا كَذَلِكَ جَاءَ ثَقِيلاً فِي قِرَاءَةِ حَفْصٍ وَالزُّهْرِيِّ, خِلَافاً لِقَرَاءَةِ غَيْرِهِمَا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّرْقِيقِ الَّذِي اَوْضَحْنَاه, وَلِذَلِكَ جَاءَ حَفْصٌ وَالزُّهْرِيُّ بِهَذِهِ الضَّمَّةِ مِنْ بَعْضِ لَهَجَاتِ الْعَرَبِ؟ حَتَّى يَكُونَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ مُفَخَّماً؟ لِيُفِيدَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ مَعاً ثِقَلَ هَذِهِ الْمُعَاهَدَةِ فِي قِرَاءَةِ حَفْصٍ وَالزُّهْرِيِّ؟ وَلِيُفِيدَ ثِقَلَهَا فِي الْمَعْنَى فَقَطْ دُونَ اللَّفْظِ اَوِ النُّطْقِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا, وَلِذَلِكَ جَاءَتْ قِرَاءَةُ حَفْصٍ وَالزُّهْرِيِّ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{فَمَنْ اَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ اَجْراً عَظِيمَا(وَاَمَّا قِرَاءَةُ غَيْرِهِمَا{فَمَنْ اَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللهَ(نَعَمْ اَخِي, وَقُرِاَتْ اَيْضاً هَذِهِ الْآًيَةُ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{فَسَنُؤْتِيهِ( بِنُونِ الْمُتَكَلّمِ الْمُفْرَدِ الْمُعَظّمِ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, نَعَمْ اَخِي, لَكِنْ قَدْ يَقُولُ قَائِل: مَابَالُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي كَلِمَةِ{(اَ)للُهَ؟(وَاَق ُولُ لَكَ اَخِي: تُكْتَبُ وَتُلْفَظُ فِي حَالَةِ الْبَدْءِ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{اَللهَ( وَلَكِنَّهَا تُكْتَبُ وَلَاتُلْفَظُ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي{بَلِ اللهُ(لَكِنْ قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ اَيْضاً: لِمَاذَا سُمِّيَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بِهَذَا الِاسْمِ مِنَ الرِّضْوَان؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ عَنْهَا{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ اِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ, فَعَلِمَ مَافِي قُلُوبِهِمْ, وَاَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ, وَاَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيبَا(نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا كَانَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ{فَعَلِمَ مَافِي قُلُوبِهِمْ(وَاَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَاَعْنِي بِذَلِكَ الصَّحَابَةَ الْكِرَام, فَوَاللهِ الَّذِي لَا اِلَهَ اِلَّا هُو, لَوْ عَلِمَ اللهُ اَنَّهُمْ سَيَنْكُثُونَ الْعَهْدَ, مَاقَالَ اَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ, وَاِلَّا فَاِنَّ خَبَرَ اللهِ خَالَفَ الْوَاقِعَ فِي رِضَاهُ عَنْهُمْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الَّذِي يُفِيدُ الْمُسْتَقْبَلَ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَهُوَ قَوْلُهُ رَضِيَ وَمِثْلُهُ اَيْضاً قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْبَعِيد{وَاِذْ (قَالَ) اللهُ يَاعِيسَى بْنَ مَرْيَمَ اَاَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ( نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا لَايَلِيقُ بِذَاتِ اللهِ وَلَا بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ! اَنْ يَكُونَ رَاجِعاً فِي هِبَتِهِ الَّتِي وَهَبَهَا لَهُمْ مِنْ رِضَاهُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشَبِّهُهُ بِذَلِكَ كِلَابُ اَهْلِ النَّارِ مِنَ الشِّيعَةِ قَبَّحَهُمُ اللهُ! حِينَمَا لِسَانُ حَالِهِمْ يَقُولُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ اَنَّهُ الرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ الَّذِي يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ وَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيرَا, فَاِذَا كَانُوا لَايَرْضَوْنَ ذَلِكَ لِاَنْفُسِهِمْ اَنْ يَرْجِعُوا فِي هِبَتِهِمْ كَالْكِلَابِ الَّتِي تَرْجِعُ لِتَلْحَسَ خُرَاءَهَا وَخُرَاءَ مُعَمَّمِيهَا وَلَاتَرْضَى حَتَّى اَنْ تَهَبَهُ لِدِيدَانِ الْاَرْضِ! فَكَيْفَ يَرْضَوْنَ اَنْ يَهَبُوا عُيُونَهُمْ اَوّلاً ثُمَّ اَجْسَادَهُمْ لِدِيدَانِ الْاَرْضِ وَلَوْ رَغْماً عَنْهُمْ؟ هَلْ هُمْ اَوْفِيَاءُ لِدِيدَانِ الْاَرْضِ اَكْثَرَ مِنْ وَفَاءِ الْكِلَابِ لَهَا وَلَهُمْ؟ وَيَالَيْتَ وَفَاءَهُمْ لِلهِ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ مِعْشَارَ وَفَائِهِمْ لِهَذِهِ الدِّيدَانِ وَلِمَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ الله! فَاَيْنَ وَفَاؤُهُمْ لِلهِ وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{اِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اَنْفُسَهُمْ وَاَمْوَالَهُمْ بِاَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُون( مَعَاذَ اللهِ! وَلَكِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ ذَلِكَ لِلهِ اَنْ يَكُونَ كَخِسَّتِهِمْ وَخِسَّةِ كِلَابِهِمْ مِنَ الْمُعَمَّمِينَ عَلَى عَامَّةِ الشِّيعَةِ! اَنْ يَرْجِعُوا فِي قَيْءِ اَسْيَادِهِمْ بِاَلْسِنَتِهِمْ لَا بِاَلْسِنَةِ اَسْيَادِهِمْ! وَاَنْ يَزْحَفُوا عَنْهُمْ اِلَى التُّرْبَةِ الْحُسَيْنِيَّةِ دُونَ اَنْ يُحَرِّكَ اَسْيَادُهُمْ سَاكِناً! وَاِنَّمَا يَنْهَقُونَ كَالْحَمِيرِ بِقَوْلِهِمْ كَمْ كُنَّا نَتَمَنَّى اَنْ نَكُونُ مَعَكُمْ! نعَم اَخِي, اِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ عَلَى اللهِ اَنْ يَكُونَ خَسِيساً مِثْلَ كِلَابِهِمْ بَلْ اَحْقَرَ مِنْهُمْ خِسَّةً! حِينَمَا يَرْجِعُ سُبْحَانَهُ عَمَّا وَهَبَهُ مِنْ رِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ لِلصَّحَابَةِ وَالْاَزْوَاجِ وَالْآَلِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ فِي اَكْثَرِ مِنْ آًيَةٍ وَمِنْهَا{وَالسَّابِقُونَ الْاَوَّلُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْاَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِاِحْسَانٍ, رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ, وَاَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْاَنْهَار( نَعَمْ اَخِي, فَهَذَا مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى اَنْ يَرْجِعَ عَمَّا وَهَبَهُ لَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجَنَّاتِ وَهَذَا النَّعِيمِ وَلَوْ اَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَامَّةَ الْمَنْطِقِيَّةَ تَقُولُ لَاشَيْءَ عَلَى اللهِ مُسْتَحِيل وَلَكِنَّهَا كَلِمَةُ حَقٍّ اُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ اِذَا طَبَّقْنَاهَا عَلَى الصَّحَابَةِ وَالْاَزْوَاجِ وَالْآَلِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ جَمِيعاً وَعَاهَدُوهُ وَكَانُوا خَيْرَ مَنْ نَفَّذَ الْعَهْدَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام.. نَعَمْ اَخِي, وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: فَهَذِهِ الْآَيَةُ الْكَرِيمَةُ, هِيَ مِنَ الْاَدِلَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, نَعَمْ اَخِي, وَنَاْتِي الْآَنَ اِلَى سُورَةِ مُحَمَّدٍ, وَفِيهَا قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اَطِيعُوا اللهَ, وَاَطِيعُوا الرَّسُولَ, وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ(نَعَمْ اَخِي, وَفِيمَ نُطِيعُ الله؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيم, وَاَطِيعُوا رَسُولَهُ اَيْضاً فِي حَيَاتِهِ وَهُوَ حَيٌّ, وَفِي اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ اَيْضاً, وَلِذَلِكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ, حِينَمَا كَانَ يُرْسِلُ رُسُلَهُ وَقُضَاتَهُ اِلَى الْاَقَالِيمِ وَاِلَى الْوِلَايَاتِ, كَانَ يَمْتَحِنُهُمْ وَيَخْتَبِرُهُمْ, فَلَمَّا اَرْسَلَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, سَاَلَهُ بِمَ تَحْكُمُ اِذَا عَرَضَتْ عَلَيْكَ قَضِيَّة؟ قَالَ بِكِتَابِ الله, قَالَ فَاِنْ لَمْ تَجِدْ, قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ الله, قَالَ فَاِنْ لَمْ تَجِدْ, فَقَالَ اَجْتَهِدُ رَاْيِي وَلَا آَلُو, نَعَمْ اَخِي, قَالَ لَهُ رَسُولُ الله: اِذْهَبْ فَقَدْ عَيَّنَّاكَ قَاضِياً عَلَى الْيَمَنِ! فَاِذَا صَدَرَتْ مُشْكِلَةٌ اَوْ قَضِيَّةٌ اَمَامَكَ, فَبِاَيِّ شَيْءٍ تَحْكُمُ؟ فَقَالَ بِكِتَابِ اللهِ, فَقَالَ لَهُ: اِذَا لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ عِلَاجٌ اَوْ حَلٌّ اَوْ جَوَابٌ اَوْ فَتْوَى عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ, فَبِاَيِّ شَيْءٍ تَحْكُمُ؟ فَقَالَ بِسُنَّةِ رَسُولِ الله, وَنَقُولُ لِلْقُرْآنِيِّين: وَهَذَا دَلِيلٌ آَخَرُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالسُّنَّة, قَالَ فَاِنْ لَمْ تَجِدْ, قَالَ اَجْتَهِدُ رَاْيِي لَا آَلُو, نَعَمْ اَخِي, وَكَلِمَةُ لَا آَلُو, بِمَعْنَى لَا اُقَصِّرُ فِي الِاجْتِهَادِ, بِمَعْنَى اَنِّي سَاَبْذُلُ قُصَارَى جُهْدِي, وَطَبْعاً اَخِي فَاِنَّ الْقِيَاسَ نَوْعٌ مِنْ اَنْوَاع ِالِاجْتِهَادِ, فَاِذَا حَدَثَتْ قَضِيَّةٌ وَلَايُوجَدُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْاِجَابَةِ عَلَيْهَا, فَاِنِّي اُفَتِّشُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَنْ قَضِيَّةٍ تُمَاثِلُهَا, فَاَقِيسُهَا عَلَيْهَا وَاُصْدِرُ الْحُكْمَ كَمَا يَقُولُ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَمَاذَا فَعَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ سَمَاعِهِ لِمَا قَالَهُ مُعَاذ؟ ضَرَبَ فِي صَدْرِهِ! وَقَال اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ اِلَى مَايُرْضِي اللهَ وَرَسُولَه, نَعَمْ اَخِي, وَهَذِهِ الضَّرْبَةُ عَلَى صَدْرِ مُعَاذٍ, هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ لِمُعَاذٍ وَاِعْجَابِهِ بِهِ وَاِقْرَارِهِ لِمَا قَالَهُ, بِدَلِيلِ اَنَّهَ حَمِدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اَنْ وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَه, نَعَمْ اَخِي, لَكِنْ قَدْ يَقُولُ قَائِل: نَحْنُ نَعْلَمُ اَنَّ الْمَصَادِرَ الْاَصْلِيَّةَ هِيَ الْقُرْآَنُ وَالسُّنَّةُ وَالْاِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ, فَلِمَاذَا لَمْ يَذْكُرْ رَسُولُ اللهِ الْاِجْمَاعَ فِي هَذَا الْحَدِيث؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ الْاِجْمَاعَ لَايَلِيقُ اَنْ يَكُونُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ بِدَلِيل{لَاتُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِه{وَمَاكَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَامُؤْمِنَةٍ اِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ اَمْراً اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ{فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَايَجِدُوا فِي اَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيمَا(نَعَمْ اَخِي, فَالْاِجْمَاعُ لَايَلِيقُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ اَنْ يَكُونَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ, وَاِنَّمَا يَكُونُ الْاِجْمَاعُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ؟ لِاَنَّ الْمَرْجِعَ لَهُمْ هُوَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَيَاتِهِ فِي كُلِّ الْاُمُورِ الَّتِي نَطَقَ اللهُ بِهَا وَرَسُولُهُ قَوْلاً اَوْ فِعْلاً اَوْ تَقْرِيراً, وَاَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ, فَاِنَّ الْمَرْجِعَ فِيمَا سَكَتَ عَنْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ غَيْرَ نَسْيَانَ سُبْحَانَهُ وَلَكِنْ رَحْمَةً بِالنَّاسِ جَمِيعاً, هُمُ الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْاَنْبِيَاءِ, وَلَوِ اخْتَلَفُوا فَاِنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِلنَّاسِ جَمِيعاً, لَكِنْ ضِمْنَ حُدُودِ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ وَالنَّصِّ النَّبَوِيِّ, وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الِاجْتِهَادَ خَارِجَ مَوْرِدِ النَّصَّيْنِ سَوَاءً كَانَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْاَزْوَاجِ اَوِ آَل ِالْبَيْتِ اَوِ الصَّحَابَةِ اَوِ التَّابِعِينَ اَوْ اَتْبَاعِ التَّابِعِينَ اَوْ خَلَفِهِمْ اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُمُ الْمَرْجِعُ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, وَلِذَلِكَ هَؤُلَاءِ يَجْتَهِدُونَ, فَاِذَا اَجْمَعُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى رَاْيٍ وَاحِدٍ, كَانَ ذَلِكَ اِجْمَاعاً لَايَجُوزُ شَرْعاً لِاَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُخَالَفَتُهُ, نَعَمْ اَخِي, فَاِذَا وَافَقَتِ الْاَكْثَرِيَّةُ, وَخَالَفَتِ الْاَقَلّيَّةُ, فَاِنَّ رَاْيَ الْاَكْثَرِيَّةِ يُسَمَّى رَاْيَ الْجُمْهُور, فَحِينَمَا نَقُولُ فِي دِرَاسَاتِنَا الْاِسْلَامِيَّةِ هَذَا رَاْيُ الْجُمْهُورِ, فَالْمَعْنَى اَنَّهُ رَاْيُ الْاَكْثَرِيَّة, نَعَمْ اَخِي, وَكَانَتِ الْاَقَلّيَّةُ الْمُخَالِفَةُ تَنْزِلُ عَلَى رَاْيِ الْاَكْثَرِيَّةِ فِي الْاُمُورِ الْعَامَّة, نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ بَعَثَ اِلَيَّ اَحَدُ الْاِخْوَةِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: اَحْيَاناً نَسْمَعُ حَدِيثاً يَذُمُّ الرَّاْيَ وَيَقْدَحُ فِيهِ وَيَعْتَبِرُهُ اتِّبَاعاً لِلْهَوَى, ثُمَّ نَسْمَعُ حَدِيثاً آَخَرَ يَمْدَحُ الرَّاْيَ! فَلِمَاذَا هَذَا التَّنَاقُضُ بَيْنَ حَدِيثَيْنِ صَحِيحَين؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَاتَنَاقُضَ وَلَاتَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ؟ لِاَنَّ الرَّاْيَ الْمَذْمُومَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ, هُوَ الَّذِي يُعَارِضُ نَصّاً مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ, كَاَنْ يَاْتِيَ اِنْسَانٌ مَا مَثَلاً, ثُمَّ يَقُولُ عَنِ الْقُرْآنِ اَنَّهُ قَالَ كَذَا وَعَنِ السُّنَّةِ اَنَّهَا قَالَتْ كَذَا, لَكِنَّ رَاْيِي خِلَافَ ذَلِكَ مِمَّا قَالَا, فَهَذَا هُوَ الرَّاْيُ الْمَذْمُوم, نَعَمْ اَخِي, وَاَمَّا الرَّاْيُ الَّذِي يُسْتَنْبَطُ مِنَ النُّصُوصِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَهَلْ يَكُونُ مَمْدُوحاً اَوْ مَذْمُوماً؟ بَلْ يَكُونُ مَمْدُوحاً يَااَخِي, نَعَمْ اَخِي, وَحِينَمَا اَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ اِلَى بَعْضِ الْمَنَاطِقِ, فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَارَسُولَ الله, هَلْ اَكُونُ كَالْحَدِيدَةِ الصَّمَّاءِ الْقَاسِيَةِ؟ اَمْ كَالْحَدِيدَةِ الْمُحَمَّاةِ اللَّيِّنَة؟ بِمَعْنَى هَلْ آَخُذُ النُّصُوصَ الْقُرْآنِيَّةَ وَالنَّبَوِيَّةَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَالْحَدِيدَةِ الصَّمَّاءِ (كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ الْحَرْفِيِّينَ فِي اَيَّامِنَا) اَمْ اَنْظُرُ اِلَى رُوحِ النَّصِّ وَاُلَيِّنُهُ كَمَا يُلَيِّنُ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ بِالنَّارِ اِلَى دَرَجَةِ تَمْيِيعٍ غَيْرِ مُتَسَيِّبٍ فَوْضَوِيٍّ مُسْتَهْتِرٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اَحْكُمُ بِنَاءً عَلَى رُوحِ النَّصّ؟ نَعَمْ اَخِي, وَاَضْرِبُ لَكَ مَثَلاً فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ اَوْ صَدَقَتِهَا حَتَّى تَفْهَمَ مَعْنَى كَلَامِ الْاِمَامِ عَلِيٍّ فِي النَّصِّ الَّذِي يَحْتَاجُ اَنْ نَنْظُرَ اِلَى رُوحِهِ كَمَا نَنْظُرُ اِلَى حَرْفِيَّتِهِ الصَّارِمَة, فَمَثَلاً نَحْنُ نَعْلَمُ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ اَنَّ الْحَنَفِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ اِلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ نَظَرُوا اِلَى رُوحِ النَّصِّ النَّبَوِيِّ الَّذِي يُحَدِّدُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الْقَمْحِ اَوْ مِنَ الشَّعِيرِ اَوْ مِنَ الزَّبِيبِ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ, وَبَعْضُهُمْ قَالَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَد, نَعَمْ اَخِي, وَغَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي اَيَّامِنَا هُوَ الرُّزُّ اَوِ الْقَمْحُ اَوِ الْبُرْغُلُ اَوِ الْعَدَسُ اِلَى غَيْرِ ذَلِك, نَعَمْ اَخِي, فَالْحَنَفِيَّةُ نَظَرُوا اِلَى رُوحِ النَّصِّ الَّذِي يُحَدِّدُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ بِهَذِهِ الْاَشْيَاءِ فَقَالُوا: حِينَمَا يَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[اَغْنُوهُمْ عَنِ الْمَسْاَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْم(وَهُوَ يَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ السَّعِيدِ الَّذِي لَايَنْبَغِي اَنْ يَظْهَرَ فِيهِ فَقِيرٌ يَتَسَوَّل( فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: اَنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يُشِيرُ اِلَى اَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَيْسَ التَّحْدِيدُ بِهَذِهِ الْاَشْيَاءِ بِعَيْنِهَا اَوْ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ, وَاِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْاِغْنَاء, نَعَمْ اَخِي, وَالْاِغْنَاءُ قَدْ يَكُونُ بِهَذِهِ الْمَوَادِّ التَّمْوِينِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, وَقَدْ يَكُونُ الْاِغْنَاءُ بِالنُّقُودِ اَيْضاً وَخَاصَّةً فِي اَيَّامِنَا هَذِهِ فِي الْمُدُن, فَحِينَمَا اَخِي تُعْطِي الْفَقِيرَ مِنَ الْاَرُزِّ مَثَلاً, فَرُبَّمَا هُوَ لَيْسَ بِحَاجَةٍ اِلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ التَّمْوِينِيَّةِ, فَيَذْهَبُ لِبَيْعِهَا, فَيَلْقَى هَذَا الْفَقِيرُ مِنْ جَشَعِ التُّجَّارِ وَطَمَعِهِمْ وَاسْتِغْلَالِهِمْ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ كَانُوا فِيهَا مِنَ الزَّاهِدِينَ مَاهُوَ بِغِنَى عَنْهُ, نَعَمْ اَخِي, فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِحَرْفِيَّةِ النَّصِّ الصَّارِمَةِ, اَضَرُّوا بِالْفَقِيرِ, وَرُبَّمَا لَايُفْتُونَ لِمَصْلَحَةِ الْفَقِيرِ فِي فَتَاوِيهِمْ اَبَداً, وَاَمَّا رُوحُ النَّصِّ, فَتَاْبَى عَلَى الْفَقِيرِ ذَلِكَ؟ عَمَلاً بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام [لَاضَرَرَ وَلَاضِرَار(وَهُوَ قَاعِدَة شَرْعِيَّة مَعْرُوفَة(نَعَمْ اَخِي وَرُوحُ النَّصِّ تَقْتَضِي مِنْكَ اَنْ تَقْضِيَ حَوَائِجَ هَؤُلَاءِ, وَاَنْ تُغْنِيَهُمْ عَنِ السُّؤَالِ, وَكَمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْمَوَادِّ التَّمْوِينِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللهِ, فَاِنَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ بِالنُّقُود, فَانْظُرْ اَخِي اِلَى رُوحِ النَّصِّ وَمَايَجْلِبُهُ اِلَى الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ مِنَ الْمُرُونَةِ! فَاِنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا الْمُتَشَدِّدُونَ الْحَرْفِيُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{اِنْ يَكُنْ غَنِيّاً اَوْ فَقِيراً فَاللهُ اَوْلَى بِهِمَا(فَاِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: اِنَّ اللهَ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي مَعْرِضِ الْعَدْلِ, وَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي مَعْرِضِ الْاِحْسَانِ وَالْاِغْنَاء, نَعَمْ اَخِي, وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ يَارَسُولَ الله, هَلْ اَكُونُ كَالْحَدِيدَةِ الصَّمَّاءِ؟ اَمْ كَالْحَدِيدَةِ اللَّيِّنَة؟ نَعَمْ اَخِي, حِينَمَا تُحَمِّي الْحَدِيدَ عَلَى النَّارِ, فَاِنَّكَ تَسْتَطِيعُ اَنْ تُطَوِّعَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْقَى حَدِيداً, وَكَذَلِكَ النَّصُّ الْقُرْآَنِيُّ اَوِ النَّبَوِيُّ, فَاِنَّكَ تَسْتَطِيعُ اَنْ تُطَوِّعَهُ لِمَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْقَى نَصّاً, وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ بَلْ كُنْ كَالْحَدِيدَةِ الْمُحَمَّاةِ؟ حَتَّى يَبْقَى هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ بِنُصُوصِهِ الْقُرْآَنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ, صَالِحاً لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَان(وَنَحْنُ هُنَا نَتَكَلَّمُ عَنْ بَعْضِ فُرُوعِ الدِّينِ لَا عَنْ اُصُولِهِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَغَيْرِهَا, فَلْيَحْذَرِ جَمِيعُ الْاِخْوَةِ اَنَّهُ مَانَبِيٍّ اَرْسَلَهُ اللهُ اِلَى قَوْمِهِ اِلَّا قَالَ لَهُمُ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ اِلَهٍ غَيْرُهُ, فَلَا مَجَالَ هُنَا اَبَداً لِتَطْوِيعِ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ اِلَى مَايُرْضِي الصُّلْبَانَ الْخَنَازِيرَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ الْبَاطِلَةِ وَغَيْرَهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْعَيَاذُ بِالله) نَعَمْ اَخِي, فَاِنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا الْحَرْفِيُّونَ الصَّارِمُونَ الْمُتَشَدِّدُونَ بِاَنَّهُمْ لَيْسُوا بِحَاجَةٍ اِلَى اَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَلَا اَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَاَنَّهُمْ يَكْتَفُونَ بِقَوْلِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاَنَّهُمْ بِغِنَى عَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْاَقْوَالِ مُسْتَدِلّينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{اَلْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَاَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاِسْلَامَ دِيناً(فَاِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: اِنَّ هَذَا مِنَ الْمُضْحِكِ الْمُبْكِي؟ لِاَنَّ كَلَامَكُمْ حَقُّ اُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ الَّتِي تُرِيدُونَ الِاسْتِغْنَاءَ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْاَقْوَالِ, هَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَفْهَمُهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا؟ فَمَا هِيَ الْفَائِدَةُ اِذاً؟ وَمَاهُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذّكْرِ اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُون( نَعَمْ اَخِي, اَنَا اَقْرَاُ الْقُرْآَن, وَاَنْتَ تَقْرَاُ الْقُرْآَن, وَهُنَاكَ اَيْضاً مِنَ الْاُمِّيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَى اللِه مَالَايَعْلَمُونَ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآَن! وَهُنَاكَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَايَعْلَمُونَ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ, وَمَعَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نَرِيدُ اَهْلَ الِاخْتِصَاصِ فِي كُلِّ عِلْمٍ مِنَ الْعُلُوم, فَنَحْنُ حِينَمَا نَتَحَدَّثُ فِي مُشَارَكَاتِنَا عَنْ آَرَاءِ الْفُقَهَاءِ, فَهَلْ آَرَاءُ الْفُقَهَاءِ تَتَعَارَضُ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّة وَهَذِهِ نَاحِيَة؟ وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْاُخْرَى, فَاِذَا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْآَرَاءُ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ, فَلَاحُجَّةَ لِلْمُتَشَدِّدِينَ الْحَرْفِيِّينَ هُنَا اَيْضاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ كُلَّ اِمَامٍ مِنَ الْاَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ, كَانَ يَقُولُ لِتِلْمِيذِهِ: اِذَا رَاَيْتَ رَاْيِي يُخَالِفُ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ اَوِ النَّبَوِيَّ, فَاضْرِبْ بِهِ عُرْضَ الْحَائِطِ وَاعْمَلْ بِالنَّصّ(اِيَّاكَ اَخِي اَنْ تَقُولَ عَرْضَ الْحَائِطِ كَمَا يَنْطِقُهَا مَنْ يَحْمِلُ شَهَادَةَ الدُّكْتُورَاه الْمُخْزِيَة فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّة! بَلْ قُلْ عُرْضَ الْحَائِطِ بِمَعْنَى وَسَطِ الْحَائِط( نَعَمْ اَخِي فَلَاحَجَّةَ لِهَؤُلَاءِ الْحَرْفِيِّينَ الصَّارِمِينَ اَبَداً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ رَسُولَ اللهِ اَقَرَّ الْقِيَاسَ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ, بِدَلِيلِ قَوْلِ مُعَاذ اَجْتَهِدُ رَاْيِي وَلَا آَلُو (وَلَااُقَصِّر( وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ, بَلْ ضَرَبَ فِي صَدْرِهِ رِضاً بِمَا يَصْنعُ, فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْمُتَشَدِّدُونَ الْحَرْفِيُّون, مَنْ هُوَ جَدِيرٌ؟ وَمَنْ هُوَ اَهْلٌ لِهَذَا الْقِيَاس؟ وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ اَنْ نَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقِيَاس؟ هَلْ نَضْرِبُ بِآَرَاءِ الْفُقَهَاءِ الْقِيَاسِيَّةِ عُرْضَ الْحَائِطِ ثُمَّ نَاْتِي اِلَى الْعَوَامِّ لِيَقِيسُوا لَنَا اُمُورَ دِينِنَا الْاَصْلِيَّةِ اَوِ الْفَرْعِيَّةِ وَيَخِيطُوهَا وَيُفَصِّلُوهَا عَلَى هَوَاهُمْ وَبِمَا يَقُولُونَ عَلَى اللِه مَالَايَعْلَمُون؟ نَعَمْ اَخِي, وَاِنَّكَ لَتَعْجَبُ اَشَدَّ الْعَجَبِ مِنْ وَقَاحَةِ بَعْضِ الْحَرْفِيِّينَ الْمُتَشَدِّدِينَ فِي قَوْلِهِمْ: هَاتُوا لَنَا حَدِيثاً صَحِيحاً عَنْ رَسُولِ اللهِ يُلْزِمُنَا بِاتِّبَاع ِاَبُو حَنِيَفَةَ اَوِ الشَّافِعِيِّ اَوْ مَالِك اَوْ اَحْمَد اَوِ الْاَوْزَاعِيِّ اَوْ غَيْرِهِمْ! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: فِعْلاً كَلَامُكُمْ صَحِيح, فَلَايُوجَدُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ يَاْمُرُنَا بِاتِّبَاعِ هَؤُلَاءِ, وَلَكِنَّ كَلَامَكُمْ حَقُّ اُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّنَا مَاْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءً كَانُوا اَحْنَافاً اَوْ شَافِعِيَّةً اَوْ مَالِكِيَّةً اَوْ حَنْبَلِيَّةً اَوْ وَهَّابِيَّةً اَوْ تَيْمِيَّةً اَوْ سَلَفِيَّةً اَوْ خَلَفِيَّة, وَنَحْنُ نَدُورُ مَعَ الْحَقِّ كَيْفمَا دَارَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَقُّ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالشِّيعَةِ اَوِ الصُّوفِيَّةِ! فَاِنَّنَا مَاْمُورُونَ بِاتِّبَاعِهِ لَا اتِّبَاعِهِمْ وَلَااتِّبَاعِ عَقَائِدِهِمُ الْبَاطِلَة بِدَلِيل{وَلَاتَبْخَسُوا النَّاسَ اَشْيَاءَهُمْ( نَعَمْ اَخِي, فَنَحْنُ مَاْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ النُّصُوصَ وَيَسْتَنْبِطُونَ مِنْهَا الْاَحْكَامَ, فَهَلْ يَجُوزُ لَكَ شَرْعاً اَخِي اَنْ تَاْتِيَ اِلَى اَيِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ ثُمَّ تَقُولَ لَهُ اَنَا اخْتَرْتُكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ جَمِيعاً لِتَسْتَنْبِطَ لِيَ الْاَحْكَامَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّة؟ هَلْ يَقُولُ بِذَلِكَ عَاقِلٌ يَخَافُ اللهَ يَااَخِي؟ اَمْ هَذَا ضَلَالٌ مُبِين؟ نَعَمْ اَخِي, فَحِينَمَا تَشْتَكِي مِنْ وَجَعٍ فِي عَيْنَيْكَ مَثَلاً, فَهَلْ تَاْتِي اِلَى اِنْسَانٍ لَايَفْقَهُ شَيْئاً فِي طِبِّ الْعُيُونِ لِيُعَالِجَ لَكَ الْاَلَمَ اَوْ يُصَحِّحَ لَكَ بَصَرَكَ الضَّعِيفَ بِسَبَبِ انْحِرَافٍ اَوْ غُبَاشٍ اَوْ مَاءٍ زَرْقَاءَ فِي الْعُيُونِ اَوْ مَرَضٍ فِي شَبَكَيَّةِ الْعُيُونِ اَوْ مَرَضٍ فِي قَرْنِيَّتِهَا؟ اَمْ تَاْتِي لِتَسْاَلَ عَنْ اَطِبَّاءِ الْعُيُونِ لِيُقَالَ لَكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنَ النَّاسِ؟ لِتَسْاَلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ جَدَارَتِهِمْ؟ لِيَخْتَارَ لَكَ النَّاصِحُونَ مِنَ النَّاسِ اَمْهَرَهُمْ, نَعَمْ اَخِي فَاِذَا اَتَيْتَ اِلَى اِنْسَانٍ لَايَفْقَهُ شَيْئاً فِي طِبِّ الْعُيُونِ؟ لِيُجْرِيَ لَكَ عَمَلِيَّةً جِرَاحِيَّةً فِي الْعُيُونِ, فَرُبَّمَا يُعْمِيكَ اَكْثَرَ فَاَكْثَرَ حَتَّى تَخْسَرَ نَاظِرَيْكَ, وَكَذَلِكَ اِذَا اَتَيْتَ اِلَى اِنْسَانٍ لَايَفْقَهُ شَيْئاً فِي دِينِكَ؟ فَرُبَّمَا يُعْمِي قَلْبَكَ اَكْثَرَ فَاَكْثَرَ حَتَّى تَسْتَسْلِمَ لِلشَّيْطَانِ وَتَخْسَرَ دِينَكَ وَاِيمَانَكَ, فَانْظُرْ اَخِي اِلَى دِعَايَةِ هَؤُلَاءِ الْخُبَثَاءِ الْحَرْفِيِّينَ الْمُتَشَدِّدِينَ وَالْقُرْآنِيِّينَ اَيْضاً وَمَا جَلَبُوا اِلَى هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ مِنْ هَدْرٍ لِثَقَافَتِنَا وَهَدْرٍ لِمَا جَاءَ بِهِ تُرَاثُنَا الْاِسْلَامِيُّ الرَّائِعُ الَّذِي وَرِثْنَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ مِنْ كُنُوزٍ فِقْهِيَّةٍ عَجِزَ عَنِ الْمَجِيءِ بِهَا كِبَارُ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ قَدِيماً وَحَدِيثاً, نَعَمْ اَخِي, وَلَايَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ وَفَهْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَاُفُقٍ وَاسِعٍ, اَنَّ هُنَاكَ اُمُوراً مُسْتَجِدَّةً طَارِئَةً فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ وَتَحْتَاجُ اِلَى اجْتِهَادٍ! لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً آَنَذَاكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ اِلَى فَتْرَةٍ طَوِيلَة, فَجَاءَ عُلَمَاءُ الْفِقْهِ الْاِسْلَامِيِّ؟ لِيَقِيسُوا الْاَشْبَاهَ عَلَى النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْاُمُورِ الْمُسْتَجَدَّةِ, ثُمَّ يُصْدِرُونَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِحَقّهَا, وَلِذَلِكَ اَخِي حِينَمَا نَاْخُذُ مِنَ الْفِقْهِ مَانَحْتَاجُهُ مِنْ اَحْكَامٍ, فَلَابُدَّ لَنَا مِنَ الرُّجُوعِ اِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ لَا اِلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالَايَعْلَمُون, وَحِينَمَا نُرِيدُ اَنْ نَاْخُذَ مِنَ الْحَدِيثِ, فَاِنَّنَا نَرْجِعُ اِلَى كُتُبِ الْحَدِيث, وَحِينَمَا نَحْتَاجُ اِلَى التَّفْسِيرِ, نَرْجِعُ اِلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ, وَهَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلُّغَةِ اَيْضاً اِلَى كُتُبِ اللُّغَة, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَاْخُذُ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ حَسَبَ اخْتِصَاصِه, وَاَمَّا اَنْ نَاْتِيَ اِلَى اِنْسَانٍ عَادِيٍّ مِنَ النَّاسِ غَيْرَ مُتَخَصِّصٍ! وَلَايَعْرِفُ شَيْئاً عَنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ! وَرُبَّمَا لَايَعْرِفُ الْمَنْصُوبَ مِنَ الْمَجْرُورِ! وَلَا الْفَاعِلَ مِنَ الْمَفْعُولِ! وَلَايَعْرِفُ الْمَجَازَ مِنَ الْحَقِيقَةِّ! وَلَايَعْرِفُ الْمُطْلَقَ مِنَ الْمُقَيَّدِ! وَلَا الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُفَصَّلِ! وَلَا النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ! وَلَايَدْرِي شَيْئاً عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا! اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُصْطَلَحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ الضَّرَورِيَّةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ اَنْ يَتَعَلَّمَهَا رَغْماً عَنْهُ! فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي! هَلْ هَذَا نَقُولُ لَهُ خُذْ مِنْ كِتَابِ اللهِ بِنَفْسِكَ وَمِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ وَلَا حَاجَةَ لَكَ اِلَى اَنْ تَاْخُذَ مِنْ فِقْهِ الْاِمَامِ الْاَعْظَمِ اَبُو حَنِيفَةَ وَلَا مِنْ فِقْهِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي فَاضَتْ بِحَارُ الْاَرْضِ وَاَنْهَارُهَا مِنْ عُلُومِهِ هُوَ وَشَيْخُهُ مَالِكٌ وَتِلْمِيذُهُ اَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل وَلَا مِنْ شَيْخِ الْاِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَلَا مِنَ الشَّيْخِ الْآَخَرِ لِلْاِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ(وَلَانُزَكِّي عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ اَحَداً مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرَهُمْ وَلَا اَنْفُسَنَا اَيْضاً) اَمْ نَقُولُ لَهُ بَلْ اَنْتَ بِحَاجَةٍ اِلَى آَرَاءِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء, نَعَمْ اَخِي فَمَا بَالُكَ اِذَا قُلْتُ لَكَ اَنَّ جَامِعَاتِ الْعَالَمِ الْاِسْلَامِيَّةَ كُلَّهَا تَاْخُذُ بِآَرَاءِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء؟ فَهَلْ كُلُّ هَذِهِ الْجَامِعَاتِ عَلَى ضَلَالٍ اِلَّا هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيِّينَ الْمُتَشَدِّدِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ اَنَّهُمْ عَلَى صَوَابٍ فِي تَجَاهُلِهِمْ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء! ثُمَّ اَيْنَ هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيُّونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذِّكْرِ اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُون( نَعَمْ اَخِي, كَانَ الْاِمَامُ مُحَمَّد عَبْدُهُ رَحِمَهُ اللهُ فَقِيهاً عَظِيماً فِي الْمَدْرَسَةِ الْعَقْلِيَّة, وَلَكِنَّهُ مَعَ الْاَسَفِ كَانَ مُغَالِياً فِيهَا وَمُبَالِغاً كَمَا كَانَ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ قَبْلِهِ اَيْضاً عَلَى نَفْسِ الْمِنْوَال, وَلَكِنَّ هَذَا لَايَحْمِلُنَا عَلَى تَجَاهُلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَقِّ هَذَا الِاْمَامِ وَاَمْثَالِهِ[لَايَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً, اِنْ كَرِهَ مِنْهُ خُلُقاً رَضِيَ مِنْهُ خُلُقاً آَخَر(وَاِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ, وَلَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْاُخُوَّةِ الْاِيمَانِيَّةِ مِنْ بَابِ اَوْلَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(فَبَدَاَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآَيَةِ بِمُبَشِّرَاتٍ مِنَ الْخَيْرِ مِمَّا نَكْرَهُ, وَلَمْ يَبْدَاْ بِمَا نُحِبُّ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ حَقِيقَةَ اِيمَانِكَ اَخِي تَظْهَرُ اَوّلاً فِي مَاتَكْرَهُ كُرْهاً صَحِيحاً لِلشَّرِّ, وَكُرْهاً خَاطِئاً مُحَرَّماً لِلْخَيْرِ الَّذِي تَحْسَبُهُ شَرّاً لَكَ, قَبْلَ اَنْ تَظْهَرَ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ فِي مَا تُحِبُّ حُبّاً صَحِيحاً مِنَ الْخَيْرِ, وَحُبّاً خَاطِئاً مُحَرَّماً لِلشَّرِّ الَّذِي تَحْسَبُهُ خَيْراً لَكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ(فَبَدَاَ سُبْحَانَهُ هُنَا بِكُرْهِكَ لِلطَّاغُوتِ وَكُفْرِكَ بِهِ وَعَدَاوَتِكَ لَهُ, قَبْلَ اَنْ يَبْدَاَ بِمَحَبَّتِكَ لِلهِ فِي قَوْلِهِ{وَيُؤْمِنْ بِالله( نَعَمْ اَخِي وَالْكُرْهُ وَالْمَحَبَّةُ هُنَا صَحِيحَان, وَاَمَّا الْكُرْهُ وَالْمَحَبَّةُ هُنَاكَ فِي قَوْلِهِ{وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا {وَعَسَى اَنْ تُحِبُّوا( فَهُمَا خَاطِئَانِ غَالِباً نَعَمْ اَخِي, فَجَاءَ رَجُلٌ اِلَى مَجْلِسِ الْاِمَامِ مُحَمَّدٍ عَبْدُهُ, فَقَالَ لَهُ: اَنْتُمْ تَقُولُونَ اَنَّ الْقُرْآَنَ يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ شَيْء! فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ اِنَّهُ شَرِيعَةٌ مُتَكَامِلَةٌ فِيهَا كُلُّ شَيْء, فَقَالَ لَهُ: اُرِيدُ اَنْ اَسْاَلَكَ سُؤَالاً عَنْ قَفّيزٍ(كَمِّيَّةٍ( مِنَ الْحِنْطَةِ اَوِ الطَّحِينِ كَمْ اُقَّةُ(رَغِيفِ(خُبْزٍ يَسْتَطِيعُ الْعَجَّانُ اَنْ يَصْنَعَ مِنْهُ خُبْزاً؟ فَرَفَعَ الْاِمَامُ سَمَّاعَةَ الْهَاتِفِ وَطَلَبَ الْفَرَّانَ لِيَسْاَلَهُ! فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: سَاَلْتُكَ اَنْتَ شَخْصِيّاً وَلَا اُرِيدُ اَنْ اَسْاَلَ الْفَرَّانَ! اَلَسْتَ تَزْعُمُ اَنَّ الْقُرْآَنَ شَرِيعَةٌ كَامِلَةٌ فِيهَا كُلُّ شَيْء؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذّكْرِ اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُون(فَهَذِهِ الْآَيَةُ تُثْبِتُ اَنَّ الْقُرْآَنَ يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؟ لِاَنَّهَا تَاْمُرُنَا اَنْ نَبْحَثَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي عَلَّمَهَا اللهُ لِآَدَمَ وَكَانَتْ تَجْهَلُهَا الْمَلَائِكَةُ بِقَوْلِهَا{سُبْحَانَكَ رَبَّنَا لَاعِلْمَ لَنَا اِلَّا مَاعَلَّمْتَنَا( فَقَالَ لَهُ: وَلَكِنَّ اللهَ عَلَّمَ آَدَمَ الْاَسْمَاءَ كُلَّهَا وَنَحْنُ اَبْنَاؤُهُ, فَمَا حَاجَتُهُ وَحَاجَتُنَا اِلَى الْقُرْآَن؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ عَلَّمَهُ الْاَسْمَاءَ كُلَّهَا, وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ بِحَاجَةٍ اِلَى كَلَامِ اللهِ مِنَ الْقُرْآَنِ وَغَيْرِهِ بِدَلِيل{وَلَقَدْ عَهِدْنَا اِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ, فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمَا(نَعَمْ اَخِي, وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ الْاِمَامُ: اَنَا لَا اَدْرِي شَيْئاً عَنِ الْقَفِّيزِ وَكَمْ يَصْنَعُ مِنْ اَرْغِفَةِ الْخُبْزِ اِلَّا اِذَا سَاَلْتُ اَهْلَ الِاخْتِصَاصِ وَهُمُ الطَّحَّانُونَ وَالْعَجَّانُونَ وَالْخَبَّازُونَ والْفَرَّانُون, وَالْقُرْآَنُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً عَنِ الطَّحِينِ وَلا الْعَجِينِ وَلَا كَمْ يَسْتَطِيعَانِ اَنْ يَصْنَعَا مِنْ اَرْغِفَةِ الْخُبْزِ, وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ {فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذِّكْرِ(وَالْقُرْآَنُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً عَنْ تَحْرِيمِ الْوَشْمِ, وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ تَحْرِيمَهُ فِي قَوْلِهِ{مَاآَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ, وَمَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( نَعَمْ اَخِي, وَحِينَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً(فَهِمَهُ عُمَرُ فَهْماً, وَفَهِمَهُ عَلِيٌّ فَهْماً آَخَرَ, فَنَزَلَ عُمَرُ عَلَى فَهْمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, نَعَمْ اَخِي, فَاِذَا كَانَ عُمَرُ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْاَمْرُ! فَمَا بَالُنَا بِالنَّاسِ الْعَادِيِّين؟ هَلْ نَاْمُرُهُمْ اَنْ يَبْحَثُوا بِاَنْفُسِهِمْ عَنِ الْعَقَائِدِ وَالْاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ دُونِ الرُّجُوعِ اِلَى عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَاَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَاَتْبَاعِهِمْ اِلَى يَوْمِنَا هَذَا اِلَى قِيَامِ السَّاعَة؟ هَلْ بَحَثَ عُمَرُ بِنَفْسِهِ عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْلِ وَالْفِصَالِ وَالسَّبْعَةِ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْاَةِ اللَّذَيْنِ رَآَهُمَا يَزْنِيَانِ بِاُمِّ عَيْنَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ كَثِيرَةٍ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ مُتَجَاهِلاً وُزَرَاءَهُ وَحَاشِيَتَهُ مِنَ الصَّحَابَة؟ مَاذَا لَوْ بَحَثَ وَلَمْ يَجِدْ بُغْيَتَهُ؟ نَعَمْ اَخِي, اِنَّهُ لَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ لَامَثِيلَ لَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيِّينَ وَمَنْ خَدَعُوهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْبُسَطَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَهُمْ اَنْتُمْ مَاْمُورُونَ بِالْاَخْذِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ لَاغَيْر وَمَالَكُمْ وَلِلْفَقِيهِ فُلَان وَلِلْفَقِيهِ الْآَخَر وَلِمَاذَا تُوجِعُونَ رُؤُوسَكُمْ وَتُتْعِبُونَ اَنْفُسَكُمْ فِيمَا لاَطَائِلَ تَحْتَهُ وَلَافَائِدَةَ مِنْهُ؟ وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: اِنَّهَا كَلِمَةٌ ظَاهِرُهَا الرَّحْمَةُ وَبَاطِنُهَا مِنْ قِبَلِهَا فِيهِ الْعَذَابُ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى, نَعَمْ اَخِي{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اَطِيعُوا اللهَ, وَاَطِيعُوا الرَّسُول( نَعَمْ اَخِي, اَطِيعُوا, وَاَطِيعُوا, اِنَّهُ اَمْرٌ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ بِتَكْرَارِ كَلِمَةِ اَطِيعُوا لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الرَّسُولَ اَحْيَاناً يَاْتِي بِحُكْمٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الْقُرْآَن, وَرَبُّنَا هُوَ الَّذِي اَجَازَ لَهُ اَنْ يَكُونَ مُشَرِّعاً, وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَتْ كَلِمَةُ اَطِيعُوا مَرَّتَيْنِ, بِمَعْنَى اَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَايُشَرِّعُ مِنْ عِنْدِهِ اَوْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ, بَلْ بِاِجَازَةٍ لَا مِنْ جَامِعَاتِ الصُّلْبَانِ الْخَنَازِيرِ الْخَوَنَةِ فِي اُورُوبَّا وَبَارِيسَ وَلَنْدَنْ وَرُوسْيَا, وَاِنَّمَا بِاِجَازَةٍ مِنَ اللهِ سُبْحَانَه, نَعَمْ اَخِي, وَلِذَلِكَ{اَطِيعُوا اللهَ, وَاَطِيعُوا الرَّسُولَ, وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ( نَعَمْ اَخِي, وَكَمَا نَقُولُ دَائِماً: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَاْخُذُ مِنَ الْقُرْآَنِ حَسَبَ اخْتِصَاصِه, فَمَثَلاً هُنَاكَ مِنْ يُفَسِّرُ تَفْسِيراً عَامّاً قَوْلَهُ تَعَالَى{لَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ( فَمَثَلاً نَنْظُرُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, فَنَرَى اَنَّ الْقُرْآَنَ ذَكَرَ لَنَا اَشْيَاءَ تُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَل, فَمَثَلاً قَوْلُهُ تَعَالَى{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْاَذَى(نَعَمْ اَخِي فَهَذِهِ الْآَيَةُ تَحَدَّثَتْ عَنِ الصَّدَقَة, نَعَمْ اَخِي, بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ اَنَّ الصَّدَقَةَ لَاتَكُونُ اِلَّا فِي الْمَالِ فَقَطْ! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: بَلْ كُلُّ مَعْرُوفٍ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ صَدَقَةً عِنْدَ الله, فَاِذَا حَصَلَ فِيهِ الرِّيَاءُ اَوِ الْمَنُّ, بَطَلَ ثَوَابُهُ عِنْدَ الله, وَلِذَلِكَ يَقُولُ سُبْحَانَهُ {لَاتُبْطِلُوا(اَيْ لَاتُفْسِدُوا اَعْمَالَكُمْ وَمِنْهَا صَدَقَاتِكُمْ, اَيْ لَاتُضَيِّعُوا ثَوَابَهَا بِشَيْئَيْنِ: بِالْمَنِّ, وَالْاَذَى, نَعَمْ اَخِي, وَالْمَنُّ هُوَ: اَنْ تَذْكُرَ فَضْلَكَ عَلَى اَخِيكَ وَتَقُولَ لَهُ مَثَلاً: اَنْتَ لَوْلَا اَنَا لَحَدَثَ لَكَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَصَائِب, فَتَجْرَحُهُ وَتَجْرَحُ كَرَامَتَهُ اَمَامَ النَّاسِ اَوْ بَيْنَكَ وَبَيْنَه, نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ كُنَّا نَزْرَعُ فِي اَرَاضِينَا الزِّرَاعِيَّةِ نَبْتَةَ الْفُولِ, فَتَاْتِي نَبْتَةٌ اُخْرَى تُسَمَّى الْمَنَّ, فَتُحْرِقُ الْفُولَ الَّذِي نَزْرَعُهُ, مِمَّا يُؤَدِّي اِلَى خَرَابِ مَوْسِمِ الْفُولِ, وَلَايَبْقَى لَنَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْفُولِ لِنَبِيعَهُ؟ لِاَنَّ لَوْنَهُ يَصِيرُ اَسْوَدَ, وَحَتَّى اَيَادِينَا يُصْبِحُ لَوْنُهَا اَسْوَدَ حِينَمَا نَقْطُفُهُ وَنَجْنِيه, وَلِذَلِكَ اَخِي الْاِنْسَان, اِيَّاكَ اَنْ تُخْرِبَ ثَوَابَ عَمَلِكَ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْاِحْسَانِ وَالْجَمِيل, وَاِيَّاكَ اَنْ تُحْرِقَهُ بِالْمَنِّ كَمَا احْتَرَقَ هَذَا الْفُول, الَّذِي كُنَّا نُرِيدُ اَنْ نَبِيعَهُ مَكْيُول, فَذَهَبَ تَعَبُنَا اَدْرَاجَ الرِّيَاحِ وَاَصَابَتْنَا الْحَسْرَةُ وَالْاَلَمُ فِي جِسْمٍ مَعْلُول, فَحَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ اِنَّا اِلَى اللهِ رَاغِبُونَ مِنْ فَضْلِهِ بِالتَّعْوِيضِ الْبَدِيل, مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيل, وَاِنَّا لِلهِ وَاِنَّا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل, وَنُفَوِّضُ اَمْرَنَا اِلَى اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ وَهُوَ خَيْرُ مَاْمُول, لَا اِلَهَ اِلَّا اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنَّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِين, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَاِسْرَافَنَا فِي اَمْرِنَا وَثَبِّتْ اَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ يَارَزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وَيَا رَحْمَنُ يَارَحِيمُ يَاجَلِيل, نَعَمْ اَخِي{لَاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْاَذَى(فَاِذَا فَعَلْتَ اَخِي مَعْرُوفاً مَعَ اِنْسَانٍ مَا! فَلِمَاذَا تُرِيدُ اَنْ تَسْتَعْبِدَهُ؟ وَلِمَاذَا تُرِيدُ اَنْ يَكُونَ رَهْنَ اِشَارَتِكَ فِيمَا لَايُرْضِي اللهَ؟ نَعَمَ اَخِي, كُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ ثَوَابَ الصَّدَقَة, نَعَمْ اَخِي, وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مِمَّا يُبْطِلُ الطَّاعَاتِ, ارْتِكَابُ الْكَبَائِر, نَعَمْ اَخِي, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً: اِنْسَانٌ يَصُومُ وَلَايُصَلّي, وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ اَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ عَلَيْهِ, وَيَعْتَرِفُ اَنَّهُ مُسْتَهْتِرٌ بِهَا, وَلَكِنَّهُ لَايُصَلّي كَسَلاً, فَهَلْ اِذَا صَامَ قُبِلَ مِنْهُ؟ اَمْ لَايُقْبَل؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلْ يُقْبَلُ, وَلَكِنْ لَاثَوَابَ لَهُ عَلَى الصَّوْمِ, وَاِنَّمَا اَسْقَطَ عَنْهُ فَرِيضَةَ الصَّوْمِ فَقَطْ, دُونَ اَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوَابٌ عَلَى صَوْمِهَا(وَكَاَنَّهُ صَامَ رَفْعاً لِلْعَتَبِ كَمَا يُقَالُ(لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً اَبْطَلَتْ ثَوَابَ الصَّوْمِ, اَلَا وَهِيَ تَرْكُ الصَّلَاةِ كَسَلاً, نَعَمْ اَخِي, فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْكَبَائِرِ اَنَّهَا تُبْطِلُ الطَّاعَاتِ: اَيْ تُبْطِلُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ, نَعَمْ اَخِي, وَكَذَلِكَ الْكَبَائِرُ تُبْطِلُ تَكْفِيرَ السَّيِّآَتِ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ, وَلِذَلِكَ لَايُكَفّرُهَا, بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ لَايَمْحُو صَغَائِرَ الذُّنُوبِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَتَّى يَتَخَلَّى اَوّلاً عَنْ كَبَائِرِهَا بِدَلِيل{اِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَاتُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيِّآَتِكُمْ(وَاِلَّا{تَ رَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ, وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِهَذَا الْكِتَابِ لَايُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَاكَبِيرَةً اِلَّا اَحْصَاهَا{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ( وَاَمَّا مَنْ يَتَخَلَّى عَنْ كَبَائِرِ الذّنُوبِ وَيَسْتَغْفِرُ نَصُوحاً وَيَتُوبُ نَصُوحاً نَادِماً, فَاِنَّ اللهَ يُضَاعِفُ لَهُ الْحَسَنَاتِ اِلَى دَرَجَةِ اَنَّهُ{مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ( نَعَمْ اَخِي{وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ(ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مُسْتَدِلّينَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ اِلَى اَنَّ الْمُتَنَفّلَ اِذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ, نَعَمْ اَخِي, فَالْمُتَنَفّلُ فِي بِدَايَةِ الْاَمْرِ لَيْسَ مُلْزَماً بِالنَّافِلَةِ كَنَافِلَةِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَثَلاً, لَكِنَّهُ مَادَامَ قَدْ بَاشَرَ بِالْاِحْرَامِ بِهِمَا, فَقَدْ اَلْزَمَ نَفْسَهُ, وَعَلَيْهِ اَنْ يُتَمِّمَ مَابَدَاَ بِهِ مِنْ هَذِهِ النَّافِلَة, نَعَمْ اَخِي, وَاسْتَنَدَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِهَذِهِ الْآَيَةِ عَلَى وُجُوبِ اِتْمَامِ النَّافِلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ(بِمَعْنَى اَنَّكَ اَخِي بَدَاْتَ بِعَمَلِ الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ نَفْلاً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَرِيضَة, فَلَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تُبْطِلَهُ, فَاِذَا اَبْطَلْتَهُ, كَانَ وَاجِباً عَلَيْكَ اَنْ تُعِيدَهُ, فَمَثَلاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: لَوْ اَنَّ اِنْسَاناً صَامَ نَفْلاً يَوْمَ الِاْثْنَيْنِ مَثَلاً, ثُمَّ خِلَالَ النَّهَارِ اَفْطَرَ, فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ هَذَا الْيَوْمِ؟ لِاَنَّهُ بَدَاَ بِهِ, وَاَمَّا قَبْلَ اَنْ يَبْدَاَ بِهِ, فَهُوَ حُرٌّ اِنْ اَرَادَ اَنْ يَتَجَاهَلَ صِيَامَهُ وَلَاشَيْءَ عَلَيْهِ(وَنَحْنُ هُنَا نَتَحَدَّثُ عَنِ النَّافِلَةِ, وَاَمَّا الْفَرْضُ فَلَاحُرِّيَّةَ لَهُ مُطْلَقاً, اِلَّا اِذَا كَانَ مَرِيضاً اَوْ مُسَافِراً اَوْ حَائِضاً اَوْ نُفَسَاءَ, فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ, اِلَّا لِمَنْ لَايَسْتَطِيعُ الْقَضَاءَ, فَعَلَيْهِ الْفِدْيَة( وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَرَ: حِينَمَا يَبْدَاُ بِصَلَاةِ السُّنَّةِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ اَجْلِ السَّفَرِ, فَجَاءَ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَسْتَعْجِلُوهُ؟ حَتَّى لَاتَفُوتَهُمُ الطَّائِرَةُ اَوْ يَفُوتَهُمُ الْقِطَارُ مَثَلاً, فَسَلَّم وَخَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ قَاطِعاً لَهَا, فَهُنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: وَجَبَ عَلَيْهِ اِعَادَتُهَا لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ بَدَاَ بِهَا وَلَمْ يُكْمِلْهَا, فَوَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ( فَمَا دُمْتَ اَخِي قَدْ بَدَاْتَ بِفِعْلِ خَيْرٍ, فَيَجِبُ عَلَيْكَ اِتْمَامُهُ, نَعَمْ اَخِي, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَرَ: فَلَوْ اَنَّكَ مَثَلاً اَخِي تَقُودُ سَيَّارَتَكَ فِي بَلَدٍ بَعِيدَةٍ اَوْ فِي قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْجَبَلِ اَنْتَ مُقِيمٌ فِيهَا مَعَ عَائِلَتِكَ وَاَوْلَادِكَ اَوْ فِي مِنْطَقَةٍ مَقْطُوعَة, فَجَاءَ اِنْسَانٌ فِي وَقْتٍ مُتَاَخِّرٍ مِنَ اللَّيْلِ يَبْحَثُ عَمَّنْ يُوصِلُهُ اِلَى مَدِينَةِ طَرْطُوسَ مَثَلاً, فَالْتَقَيْتَ بِهِ وَاَوْقَفْتَ لَهُ سَيَّارَتَكَ, ثُمَّ عَرَضْتَّ عَلَيْهِ مُتَبَرِّعاً اَنْ تُوصِلَهُ بِالْمَجَّانِ اِلَى مُبْتَغَاهُ, ثُمَّ قُلْتَ لَهُ لَااُرِيدُ مِنْكَ اُجْرَةً بَلْ سَاُوصِلُكَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُ لِوَجْهِ الله, ثُمَّ قَطَعْتَ بِهِ بِسَيَّارَتِكَ نِصْفَ الْمَسَافَةِ, ثُمَّ طَرَاَ طَارِىءٌ فُجَائِيٌّ اَحْوَجَكَ اَنْ تَعُودَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اَوْصَلْتَهُ مِنْهُ ؟ لِتُغِيثَ مَنِ اسْتَنْجَدَ بِكَ مِنْ عَائِلَتِكَ وَاَوْلَادِكَ عَبْرَ الْهَاتِفِ الْمَحْمُولِ مَثَلاً, فَقُلْتَ لَهُ اَنَا لَااُرِيدُ مِنْكَ اُجْرَةً, وَلَكِنِّي لَنْ اُكْمِلَ مَعَكَ الطَّرِيقَ اِلَى نِهَايَتِهِ, فَانْزِلْ هُنَا عَلَى الرَّحْبِ وَالسَّعَةِ, وَابْحَثْ عَمَّنْ يُكْمِلُ مَعَكَ الطَّرِيقَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُ اَنْ تَصِلَ اِلَيْهِ فِي هَذَا اللَّيْلِ الْمُوحِشِ الْبَهِيمِيّ! فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي السَّائِقُ الْمُتَبَرِّع: لَايَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ اَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ اِلَى هَلَاكِ هَذَا الْاِنْسَان؟ بِسَبَبِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ اَوِ الضِّبَاعِ اَوِ الْكِلَابِ الْمَسْعُورَةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ بِكَثْرَةٍ فِي اللَّيْل, فَاَنْتَ اَخِي السَّائِقُ بَدَاْتَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ هَذَا الْاِنْسَانِ, فَوَجَبَ عَلَيْكَ شَرْعاً اَنْ تُتِمَّهُ وَلَوْ لَمْ تَاْخُذْ مِنْهُ اُجْرَةً وَهَذَا رَاْيُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّة, وَاَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: اِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ اِتْمَامِ الْمَعْرُوفِ ضَرَرٌ يَقَعُ عَلَى اِنْسَانٍ كَهَذَا الضَّرَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَثَلاً مِنْ وُحُوشِ الطُّرُقِ وَقُطَّاعِهَا, فَلَايَجِبُ اِتْمَامُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَة, فَمَثَلاً اَخِي الْفَلَّاحُ فِي الْقَرْيَةِ: اَنْتَ وَعَدْتَّ جَارَكَ مَثَلاً اَنَّكَ غَداً سَتُعْطِيهِ الْمِحْرَاثَ لِيَحْرُثً الْاَرْضَ, فَاعْتَمَدَ جَارُكَ عَلَى وَعْدِكَ لَهُ, وَاَحْضَرَ السَّمَادَ وَالْبِذَارَ وَغَيْرَهَا مِنْ مُسْتَلْزَمَاتِ الزَّرْعِ, فَهُنَا يَجِبُ عَلَيْكَ اَنْ تُوفِيَ بِالْعَهْدِ وَلَوْ كُنْتَ مُتَبَرِّعاً عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّكَ وَعَدْتَّهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَاذَا اَيْضاً؟ لِاَنَّكَ اِذَا وَعَدْتَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفْتَ الْعَهْدَ اَوِ الْوَعْدَ, اَلْحَقْتَ بِهِ الضَّرَرَ, وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الْاَرْبَعَة حَنَفِيّ وَمَالِكِيّ وَشَافِعِيّ وَحَنْبَلِيّ, لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ مَيَّزُوا فِي نَاحِيَةٍ وَقَالُوا: اِذَا كَانَ الْاَمْرُ اَمْرَ صَلَاةٍ اَوْ صَوْمٍ اَوْعِبَادَاتٍ, وَبَدَاْتَ بِهِ وَلَمْ تُتْمِمْهُ, فَاِنَّهُ لَايَتَضَرَّرَ اَحَدٌ مِنَ النَّاسِ, وَلَايَتَضَرَّرُ الْوَاحِدُ الْاَحَدُ اَيْضاً سُبْحَانَهُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ عِبَادَتِكَ, وَلَوْ اَنَّكَ لَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَسْتَغْنِيَ اَنْتَ عَنْ شُكْرِهِ بِهَذِهِ الْعِبَادَة, وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ: مَيَّزُوا *بَيْنَ التَّبَرُّعِ لِلنَّاسِ بِالنَّافِلَةِ الَّذِي يُؤَدِّي عَدَمُ اِتْمَامِهِ اَوْ اِكْمَالِهِ اِلَى اِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ ,فَيَجِبُ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ, فَاِذَا لَمْ يُلْحِقْ ضَرَراً بِالنَّاسِ, فَلَايَجِبُ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ, وَ*بَيْنَ التَّبَرُّعِ لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ بِالنَّافِلَةِ الَّذِي لَايُؤَدِّي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَلَاعَدَمُ اِتْمَامِهِ اِلَى اِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْخَالِقِ وَلَا بِالنَّاسِ, فَلَايَجِبُ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ وَلَا اِعَادَتُهُ وَلَاقَضَاؤُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ, خِلَافاً لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ اَوْجَبُوا اِتْمَامَهُ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ, فَاِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ اِتْمَامَهُ بِسَبَبِ عُذْرٍ قَاهِرٍ, فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ, وَيَجِبُ عَلَيْهِ اِذَا كَانَ مُتَبَرِّعاً لِلنَّاسِ وَخُيِّرَ بَيْنَ ضَرَرَيْنِ لَاحَلَّ وَسَطَ يُرْضِي الْجَمِيعَ بَيْنَهُمَا, اَنْ يَخْتَارَ الضَّرَرَ الْاَخَفَّ, وَيُحَاوِلَ مَثَلاً اَنْ يُؤَمِّنَ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ اِلَى مَدِينَةِ طَرْطُوسَ بِسَيَّارَةٍ اُخْرَى, ثُمَّ يَعُودَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مُضْطَّرٌّ اَنْ يَعُودَ اِلَيْهِ بِاَقْصَى سُرْعَةٍ ؟ لِيُغِيثَ مَنِ اسْتَنْجَدَ بِهِ مِنْ عَائِلَتِهِ وَاَوْلَادِهِ عَبْرَ الْهَاتِفِ الْمَحْمُولِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِق.. فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي, هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيُّونَ الْمُتَشَدِّدُونَ الَّذِينَ يَدْعُونَ اِلَى نَبْذِ اَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ! وَاَنْ يَبْحَثَ كُلُّ مُسْلِمٍ فِي الْقُرْآَنِ وَالسُّنَّةِ بِنَفْسِهِ عَنِ الْاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ! دُونَ الِاسْتِعَانَةِ بِالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ! هَلْ يَفْهَمُونَ هَذَا الْمَفْهُومَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اَقْوَالِ الْفُقَهَاء؟ هَلْ يَفْهَمُونَ هَذَا الْمَعْنَى مَهْمَا قَرَؤُوا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْاَحَادِيثِ الصَّحِيحَة؟ هَلْ يَسْتَطِيعُونَ اَنْ يَكْتَشِفُوا هَذِهِ الْمَفَاهِيمَ مَهْمَا بَحَثُوا وَاقْتَصَرُوا عَلَى تَعَبِهِمْ وَجُهْدِهِمْ؟ وَمَهْمَا زَعَمُوا اَنَّهُمْ رِجَالٌ كَمَا اَنَّ الْفُقَهَاءَ الْقُدَامَى رِجَال؟ نَعَمْ اَخِي, هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ الْعِظَامُ, مَاذَا اَسَاؤُوا لَنَا؟ لَقَدْ غَاصُوا بِكَ اَخِي, وَتَعَمَّقُوا مَعَكَ اِلَى اَغْوَارِ هَذِهِ الْآَيَة, بَلْ اِلَى اَغْوَارِ آَيَاتٍ كَثِيرَةٍ, وَاسْتَخْرَجُوا اللُّؤْلُؤَ الْمَكْنُونَ مِنْ اَجْمَلِ الْاَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الشَّرْعِيَّة الَّتِي تُنَشِّطُ الرِّيَاضِيَّاتِ الذّهْنِيَّةِ فِي عُقُولِنَا, اَلَيْسَ ذَلِكَ خَيْرٌ لَنَا مِنْ اَنْ نَقْضِيَ مُعْظَمَ اَوْقَاتِنَا فِي حَلِّ الْكَلِمَاتِ الْمُتَقَاطِعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَوَافِهِ الْاُمُورِ وَسَفَاسِفِهَا فِيمَا لَاطَائِلَ تَحْتَهُ وَلَانَتَيجَةَ وَلَافَائِدَةَ تُذْكَرُ اِلَّا ضَيَاعُ الْوَقْتِ؟ فَكَيْفَ تَاْتِي اَخِي وَتَقُولُ: لَااُرِيدُ اَنْ اَفْهَمَ الْقُرْآَنَ عَلَى فَهْمِ الْفُقَهَاءِ الْاَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ! بَلْ اُرِيدُ اَنْ اَفْهَمَ الْقُرْآَنَ وَالسُّنَّةَ وَحْدِي دُونَ مُشَارَكَةِ اَحَدٍ مِنْهُمْ! وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هَذَا شَيْءٌ هُرَاءٌ, وَشَيْءٌ فِيهِ ضَلَالٌ وَاِضْلَالٌ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى؟ لِاَنَّكَ اَخِي لَاتَسْتَطِيعُ مَهْمَا عَلَا شَاْنُكَ, اَنْ تَسْتَغْنِيَ عَنْ خِبْرَةِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ, كَمَا اَنَّكَ لَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَسْتَغْنِيَ عَنْ خِبْرَةِ الْخُبَرَاءِ فِي اسْتِخْرَاجِ النَّفْطِ فِي بَلَدِكَ الَّذِي اكْتَشَفُوا فِيهِ وَلَوْ حُقُولاً هَائِلَةً مِنَ النَّفْطِ وَالْغَاز, فَهَلْ تَاْتِي وَتَقُولُ: لَاحَاجَةَ لِي بِهِمْ بَلْ سَاَسْتَخْرِجُهُ بِنَفْسِي؟ وَهَلْ تَاْتِي وَتَقُولُ: لَاحَاجَةَ لِي اِلَى خِبْرَةِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ, بَلْ سَاَسْتَخْرِجُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ مِنَ الْقُرْآَنِ وَالسُّنَّةِ بِنَفْسِي وَدُونَ مَسَاعَدَةِ اَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ اَقْوَالِهِمْ قَدِيماً وَحَدِيثاً؟ وَرُبَّمَا تَكُونُ اُمِّيّاً لَاتَفْقَهُ شَيْئاً فِي دِينِكَ! فَهَلْ هَذِهِ بِدَايَةٌ صَحِيحَةٌ فِي دَرِاسَتِكَ لِلْاِسْلَامِ وَعَقَائِدِه ِوَاَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَخْلَاقِه؟ وَهَلْ هَذِهِ هِيَ اَخْلَاقُ الْاِسْلَامِ؟ اَنْ تَتَجَاهَلَ مَنْ اَحْسَنَ اِلَيْكَ بِعِلْمِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء{وَهَلْ جَزَاءُ الْاِحْسَانِ اِلَّا الْاِحْسَان(وَهُوَ اَنْ تُحْسِنَ اِلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ بِنَشْرِ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عُلُومِهِمْ,اَمَا يَكْفِيكَ اَخِي اَنَّكَ لَا تَدْفَعُ لَهُمْ مِنْ جَيْبِكَ صَدَقَةً جَارِيَة؟ وَاَنَّكَ لَسْتَ وَلَداً صَالِحاً مِنْ اَوْلَادِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ؟ فَهَلْ تُرِيدُ اَيْضاً اَنْ يَنْقَطِعَ ثَوَابُ عَمَلِهِمْ اِلَى الْاَبَدِ بِتَجَاهُلِ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عُلُومِهِمْ؟ اَمَا عَلِمْتَ اَخِي اَنَّ مَنْ اَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ(وَلَوْ مِنْ عُلُومِهِمْ[ لَعَنَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى حِيتَانُ الْبَحْرِ( فَانْظُرْ اَخِي اِلَى هَذَا *الْفَهْمِ الْفِقْهِيِّ الرَّائِعِ وَقَارِنْ بَيْنَهُ وَ*بَيْنَ تَفْسِيرِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ الْفُقَهَاءِ... وَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ بِسَبَبِ مَرَضِي فَادْعُوا اللهَ لِي اَيُّهَا الْاِخْوَةُ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ وَقُولُوا آَمِين, وَسَلَامُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ مِنْ اُخْتِكُمْ فِي اللهِ غصون, وَآَخِرُ دَعْوَانَا اَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين

[/align]