الله لا يعيدها من (عشّوة)

الله لا يعيدها من (عشّوة)

لست من هواة التردد على المطاعم، إلا إذا كنت معزوماً، عندها فلا بأس.

ومن تجربتي المتواضعة في هذا الميدان أزعم أن للأكل في المطاعم أصولا وواجبات (إتيكيتات).

وسبق لي أن ذهبت مع مجموعة في معية أحد (الكبراء) الذي دعانا للعشاء، فلبينا دعوته فرحين مرحبين ومتسابقين، ومن ناحيتي أعترف أنني تعمدت ألا أفطر وأتغدى قبل ليلة العشاء تلك، ممنياً نفسي ومعدتي بأكلة معتبرة ترد الروح، وترخي الأعصاب، وتنشط مجرى الدم في الأوردة والشرايين.

نزلنا من ثلاث سيارات كلها كانت فارهة، غير أن (أفره) واحدة منها كانت سيارة صاحب الدعوة، الذي لاحظت عليه قبل أن ندخل إلى المطعم أن العرق كان يتصبب من جبينه رغم أننا كنا في عز الشتاء، كما أن مشيته كانت مترنحة ورجلاه متخالفتين رغم أننا كنا في أول الليل، فعزوت ذلك إلى انه قد يمر بوعكة خفيفة.

رحب بنا ـ أو بمعنى أصح ـ رحب به مدير المطعم و(الغراسين)، وتوجهنا إلى طاولتنا الكبيرة المستديرة المزدانة بالورود والشموع و(الغرسونات) الجميلات الأنيقات المبتسمات المنحنيات من شدة الأدب.

وقبل أن يطلب صاحب الدعوة قائمة الطعام طلب قائمة المشروبات، واختار بعد السؤال والجواب، والأخذ والرد، نوعا معينا من العصير، فلما سكبوا له قليلا منه في كأسه وتذوقه، هز رأسه باشمئزاز دلالة على أنه غير مستساغ ولا يعجبه، فأحضروا له زجاجة عصير أخرى، فهز رأسه مرة أخرى بقرف، ثم الثالثة، والرابعة هي فقط التي وافق عليها بعد شيء من التردد مع (تنهيدة) وكأنه يقول: الله يعين.

وهذه العملية استغرقت ما لا يقل عن نصف ساعة قبل أن يقدموا لنا قائمة الطعام، ووضعت خلالها (هرّتي) بالخبز والزبد مع الكثير من الماء إلى درجة أنني (انبشمت).

أخذ السيد صاحب الدعوة يطلب لنا أصناف الأكل (على كيفه)، ومنها أنواع لا آكلها أنا شخصياً حتى لو وضعوا السيف على عنقي، ومع ذلك لزمت الصمت ممنياً نفسي أن هناك على الأقل (شوربة وسلطة) وهذه لا خلاف عليها.. وعندما أحضروا الشوربة وهي أول الأصناف ارتشفتها و(بلبعتها) خلال اقل من خمس دقائق.. ولكي تكونوا في الصورة، أقول: انه مضى علينا إلى الآن أكثر من ساعة كاملة منذ دخولنا المطعم إلى آخر ملعقة شوربة شطبت عليها من طبقي الذي أصبح الآن (فاضي) (ويلمع)، وحذا حذوي الجميع بمدد زمنية متفاوتة، والوحيد الذي لم يحذ حذوي هو صاحب الدعوة (الله يحرسه)، حيث انه كان يملأ ملعقته بالشوربة، ويرفعها من طبقه ولا يدخلها من فمه، ويأخذ بالحديث والكلام والثرثرة، وتكون عيني طوال هذه المدة معلقة على الملعقة المتأرجحة، وبدلاً من أن تستقر في فمه وإذا بها تعود مرة أخرى للطبق لتمتلئ وترتفع وتهبط و(هكذا دواليك)، ويرتفع ويهبط معها ضغطي.

دخلنا إلى الآن في الساعة الثالثة من الزمن والعمر وما زلنا في مرحلة (الشوربة) ولم نصل بعد إلى مرحلة (السلطة) وما بعد مرحلة السلطة. أخذت أفكر، بل أخذت احلم (بسندوتش) الجبنة، وبمختلف أنواع الزيتون، فقمت من مكاني مدعياً أنني أريد (التواليت)، وانطلقت ماشياً ـ آسف ـ اقصد انطلقت راكضاً للخارج، ووجدت السيارات الثلاث الفارهات رابضات أمام بوابة المطعم الفاخر مثلما تربض التماسيح على ضفاف البحيرة.

استغرب (الشوفيرات) ـ أي السائقون ـ من ركضي وأنا ببدلتي (الاسموكنغ).. تركتهم ودلفت إلى أول شارع جانبي، وأشرت (لتاكسي)، وطلبت منه أن يوصلني إلى مطعم (ماكدونالد)

ـ على فكرة هذا المقال هو مقال إعلاني (مجاني) ـ

________
منقـــول

شكرا لك ... بارك الله فيك ... تحياتي .

مشكور لتشريفك للموضوع

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .