السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزتي شبكة الانترنت : أعتذر إليك
د. فايز بن عبد الله الشهري
عزيزتي شبكة الانترنت: اسمحي لي - وأنا أقلّب سِجلّ علاقتي معك - أن اكتب هذه الرسالة الاعتذارية إليك لعلّي أريح ضميري وأخرج من حالات الضيق والانزعاج التي ألمّت بي وسأشرح أسباب ذلك. أقول لك بشجاعة - لا فخر فيها - بأنني أحد أولئك الذين أسهموا خلال سنوات مضت في تشويه اسمك وصورتك ما جعل البعض يسمّونك أم الشرور أو الشبكة الإباحية أو طريق الشيطان. بكل أمانة لم أكن أعي آثار ما عملت إلا حين قدّر الله أن أعيش قرابة العشرة أيام وحيدا من أهلي منقطعا إليك أفتّش دفتر أيامي على صفحاتك محاولا استعادة (أمجادي الالكترونية) حين كنت أباهي الرفاق الأشباح بقدرتي على جندلة الرؤوس بسيوفي الالكترونية المسلولة على رقاب الأبرياء الغافلين.
عزيزتي شبكة الانترنت: كنت في سنتي الأولى على مقاعد الجامعة حين بدأت علاقتي معك، قَدِمتُ إليك وحيدا بلا أصدقاء غريبا بلا رفاق فكنتِ لي نعم الصديق في ليالي الوحدة، وخير الرفيق حين عزّ الرفاق على ابن القرية الذي أنكرته المدينة القاسية. أنتِ فتحتِ لي كل أبواب منتدياتك البيضاء ومكتباتك الغنية ولكنني لم استطع تجاوز بعض عقدي النفسية والاجتماعية، أو لعلني بعد أن استسهلت الخطيئة الالكترونية الأولى استمرأت السلوك المعاكس وطاب لي طريق الحرية الالكترونية فمشيت الدرب المظلم حتى اصطدمت بسياج الضمير وهو ينازع بقايا الكرامة.
عزيزتي الانترنت: أعلم ألا عذر لي وان اعتذرتُ فقد قادتني النفس الأمارة إلى شوارعك الخلفية طائعا مختارا ولم ألبث إلا قليلا حتى تبوّأتُ بأعمال وأقوال لا تشرّف مكان الصدارة في عالم الانترنت السفلي وصنعتُ لنفسي اسما مجلجلا مرعبا لكن - بكل حزن - تلك الصدارة كانت أشبه بلمعة ضوء القش المحترق، أما اسمي (المستعار) الذي تردد صداه في كل منازلة انترنتية فلم يكن سوى عنوان بائس لقناع تعيس ارتديه من بين عشرات الأقنعة التي صنعتها.
عزيزتي الانترنت أعلمُ أن اعتذاري هذا لن يمحو مئات الصفحات الالكترونية التي سودتها بقبيح الفعل والكلام بحق الكبار والصغار من أبناء وطني، وأوقن أن ندمي الصادق هذا لن يمسح تعاسة الضحايا الذين كانوا هدفا استراتيجيا ثابتا لسهامي الالكترونية التي كنت أتفنن في تسميم روؤسها بمخلوط الغيبة والبهتان.
عزيزتي الانترنت هذه (اعترافات) نادم بعد أن تمكنت في خلوتي القصيرة هذه من مراجعة ذاتي متأملا مجمل حواراتي في صالوناتك الالكترونية (ووقائعي) في مواقعك الجماهيرية. وأنا اليوم على أبواب التخرج من الكلية بعد أن تأخرت فصلين دراسيين. سأحتفل قريبا بزواجي ودخولي إلى المجتمع وقد عقدت العزم على بذل جهدي كي أكون عنصرا ايجابيا نافعا هدفه النجاح والإنتاج ونسيان ما فات. ولكن ترى هل يمكنني تحقيق هذه الأمنية والعيش بقية حياتي بهدوء وسلام؟
لا أنتظر منك جوابا محددا - عزيزتي الانترنت - ولكن هل من شمعة أمل استنير بها لأخرج من دهاليز الظلام الالكتروني الذي اخترت العيش فيه لسنوات... لا أخفيك أنني على وشك التعافي ولكن بقيت في الحلق غصّات وفي العين دمعات أخشى أن تؤرق لحظات السلام التي تضيء روحي الآن. . أما السبب فتفكيري الدائم في مصير تراثي الالكتروني الضخم بعد أن توزّعته عشرات المنتديات والمواقع ما بين كتابات لا تليق ومقاطع فيديو وصور خادشة لكل ذوق وخلق... وأخشى ما أخشاه أن أجدها في مستقبل الأيام تتربّص بابني أو ابنتي خاصة وأن الانترنت - كما يقولون - أرشيف ما هبّ ودبّ عليها من محتويات.
عزيزتي شبكة الانترنت اعتذر إليك... وأعلم أن كثيرين مثلي يودون الاعتذار فهل تقبلين وتصفحين .
__________
منقــــول
مواقع النشر (المفضلة)