السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيهما أكثر وقاحة: الذي يشتري الشعر أم الذي يبيع المشاعر؟
ألوذ بالمقهى ليلا في الكثير من الأحيان هربا من الأماكن الرسمية، والأصدقاء الرسميين، والكلام الرسمي.. فعلى كرسي المقهى أخلع كوفيتي، وعقالي، وأكشف عن صلعتي «ليلا» جهارا، تاركا لنسيم البحر أن يطرد من رأسي كوابيس النهار، وتوترات الظهيرة.. وغالبا ما أدير ظهري لتلفاز المقهى، مانحا صوت المذيعة الحسناء أذنا واحدة، وتاركا للأخرى أن تنأى بذاتها عن جوانب التلوث السمعي.
كنت لم أزل اعتصر آخر القطرات في فنجاني الأول حينما جاء يجر بعضه بعضا، لهاثه يسبق وصوله، ليرمي بكمية كبيرة من اللحوم والشحوم على الكرسي الهزيل بجواري، وعقب سيمفونية طويلة من الشهيق والزفير، حدق في وجهي مليا ثم قال:
ـ أنت ...... أليس كذلك؟
هممت أن أتبرأ من ذاتي، وأنكر وجودي، وانشغل بمتابعة برنامج سخيف على شاشة التلفاز، ولكنه لم يمهلني أن أفعل، واستطرد قاذفا اسمه في وجهي مصحوبا بنافورة من رذاذ لعابه:
ـ أنا الشاعر الغنائي .... ..... ......
كنت لم التق به من قبل، لكنني سمعت عن ذلك «المعيدي».. يقولون إنه ليس شاعرا ولا متشاعرا، ولكنه مستهلك للشعر، يشتريه بماله الأبيض ليضع عليه اسمه الأسود، ثم يسعى لكي يطيٍره كلاما عابرا في حناجر عابرة..
لم يمهلني طويلا، وراح يهطل شعرا لا يحسن قراءة بعض مفرداته، ولو كان لتلك القصائد أن تعلن براءتها لصاحت بأعلى صوتها في فضاء المقهى: أنقذوني..
وانهمر في صخب اللحظة سؤال مباغت:
ـ ها.. ما رأيك في قصائدي؟
فقلت:
ـ أنت تحتاج إلى مستشار صادق أمين يدقق في صلاحية الصفقات الشعرية، فالتعامل مع أكثر من سوبر ماركت شعري، يجعل من القصائد: سمكا.. لبنا.. تمرا هنديا..
أخاله لم يفهم أو لعله فهم وتغابى، فواصل شكري بحرارة، وهو يرجوني أن أنصفه بكلمة في زاويتي بهذه الصحيفة، وها أنا أفعل..
ويبقى السؤال: أيهما أكثر وقاحة الذي يشتري الشعر أم ذلك الذي يبيع المشاعر؟
_______
منقــــــول
مواقع النشر (المفضلة)