+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 6 إلى 10 من 11
  1. #6
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الأول

    القضاء بكتاب القاضي إلى القاضي
    32 - الأصل في القضاء به السّنّة ، والإجماع ، والمعقول : أمّا السّنّة فما روى الضّحّاك بن سفيان قال : « كتب إليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن ورّث امرأة أشيم الضّبابيّ من دية زوجها » . وأجمعت الأمّة على القضاء بكتاب القاضي إلى القاضي . وأمّا المعقول فلأنّ الحاجة داعية إليه . فإنّ من له حقّ في بلد غير بلده قد يشقّ عليه السّفر إليه والمطالبة بحقّه إلاّ بكتاب القاضي ، فوجب قبوله . والكتاب على ضربين : أحدهما : أن يكتب بما حكم به ، وذلك مثل أن يحكم على رجل بحقّ ، فيغيب قبل إيفائه ، أو يدّعي حقّاً على غائب ، ويقيم به بيّنةً ، ويسأل الحاكم الحكم عليه ، فيحكم عليه ويسأله أن يكتب له كتاباً يحمله إلى قاضي البلد الّذي فيه الغائب فيكتب له إليه ، أو تقوم البيّنة على حاضر فيهرب قبل الحكم فيسأل صاحب الحقّ الحاكم الحكم عليه وأن يكتب له كتاباً يحمله ، ففي هذه الصّور الثّلاث يلزم الحاكم إجابته إلى الكتابة ، ويلزم المكتوب إليه قبوله . الضّرب الثّاني : أن يكتب بعلمه بشهادة شاهدين عنده بحقّ لفلان ، مثل أن تقوم البيّنة عنده بحقّ لرجل على آخر ، ولم يحكم به ، فيسأله صاحب الحقّ أن يكتب له كتاباً بما حصل عنده . فإنّه يكتب له ، ويذكر في الكتاب ما شهد به الشّاهدان ليقضي بشهادتهما القاضي المكتوب له . فيجب على القاضي المكتوب إليه أن يقضي بذلك إذا توافرت شروط قبوله .
    محلّ القضاء بكتاب القاضي وشروطه :
    33 - لا خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة في جواز القضاء بكتاب القاضي إلى القاضي في الجملة ، غير أنّهم يختلفون فيما يكتب فيه القاضي إلى القاضي ، وفي الشّروط الواجب تحقّقها في الكتاب . فعند الحنفيّة : يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في غير الحدود والقصاص . وعند المالكيّة والشّافعيّة يجوز القضاء بكتاب القاضي إلى القاضي في الأموال والحدود والقصاص ، وكلّ ما هو من حقوق العباد . وعند الحنابلة يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد به المال ، كالقرض والغصب ، ولا يقبل في حدّ للّه تعالى . وهل يقبل فيما عدا ذلك ، مثل القصاص والنّكاح والطّلاق والخلع والنّسب ؟ على روايتين . فأمّا حدّ القذف فإن قيل : إنّه حقّ للّه تعالى ، فلا يقبل فيه ، وإن قيل : إنّه حقّ الآدميّ ، فهو كالقصاص . وفي كلّ مذهب تفصيلات وشروط : فمنهم من يشترط أن يكون بين القاضي الكاتب والقاضي المكتوب إليه مسافة قصر ، سواء أكان المكتوب به حكماً أم شهادةً ومنهم من لا يشترط ذلك ، ومنهم من يشترط المسافة في الكتابة بالشّهادة دون الحكم . ويشترط بعض الفقهاء أن يكون كلّ من الكاتب والمكتوب إليه على ولاية القضاء حين الكتابة ، وحين الحكم ، ومنهم من يشترط أن يكون كلّ على الولاية حين الكتابة فقط . ومثل كتاب القاضي إلى القاضي : أن يكون لقاضيان في بلد واحد ، ويؤدّي أحدهما إلى الآخر مشافهةً . وكلّ ما يتعلّق بكتاب القاضي إلى القاضي من شروط وغيرها إجراءات تختلف باختلاف الأزمان والأعراف . وقد وضع الفقهاء القواعد والشّروط بحسب ما رأوه مناسباً في أزمنتهم . وقوام الأمر في ذلك هو الاستيثاق من أنّ المكتوب صادر من قاض مختصّ بكتابة ما كتب . وقد تغيّرت الإجراءات والأعراف وتضمّنت قوانين المرافعات في العصور الحديثة إجراءات تعود كلّها إلى الضّبط والاستيثاق ، ولا تنافي نصّاً ولا حكماً فقهيّاً ، ومن ثمّ فلا بأس من تطبيقها والعمل بها .
    حجّيّة الخطّ والختم :
    34 - مذهب الحنفيّة والمالكيّة ووجه عند الشّافعيّة وأحد أقوال ثلاثة للإمام أحمد أنّه يعمل بالخطّ إذا وثق به ولم توجد فيه ريبة من محو أو كشط أو تغيير ، وذلك في الأموال وما يشبهها ممّا يثبت مع الشّبهة ، كالطّلاق والنّكاح والرّجعة . وهذا في المعاملات بين النّاس . أمّا ما يجده القاضي في السّجلاّت السّابقة على تولّيه فمذهب الحنفيّة والمالكيّة ، والمشهور من مذهب الشّافعيّة ، وأحد أقوال ثلاثة للإمام أحمد : أنّه يعمل بما فيها إذا انتفت الرّيبة . وبالنّسبة لما وجد في السّجلاّت الّتي تمّت في عهده فالفقهاء مجمعون على أنّه إن تيقّن أنّه خطّه ، وذكر الحادثة ، فإنّه يعمل به وينفذ . وهذا كلّه فيما إذا أنكر السّند من يدّعى عليه بما فيه . ومن الفقهاء من يرى أنّه إن تيقّن أنّه خطّه يعمل به وإن لم يذكر الحادثة ، ومن يتتبّع أقوال الفقهاء جميعاً في حجّيّة الخطّ والختم يتبيّن له أنّ المعوّل عليه هو الاستيثاق من صحّة الكتابة ، وعدم وجود شبهة فيها ، فإن انتفت عمل بها ونفذت ، وإلاّ فلا . وقد استحدثت نظم وآلات يمكن بواسطتها اكتشاف التّزوير في المستندات . فإن طعن على سند ما بالتّزوير أمكن التّحقيق في ذلك . وهذا ما تجري عليه المحاكم الآن . وليس في قواعد الشّريعة ما يمنع من تطبيق النّظم الحديثة إذ هي لا تخالف نصّاً شرعيّاً ، ولا تجافي ما وضعه الفقهاء من قواعد وضوابط رأوها مناسبةً في أزمنتهم .
    القضاء بقول القافة :
    35 - القافة جمع قائف ، وهو في اللّغة : من يتّبع الأثر . وفي الشّرع الّذي يتتبّع الآثار ويتعرّف منها الّذين سلكوها ، ويعرف شبه الرّجل بأبيه وأخيه ويلحق النّسب عند الاشتباه ، بما خصّه اللّه تعالى به من علم ذلك . فعند الأئمّة الثّلاثة : مالك والشّافعيّ وأحمد ، أنّه يحكم بالقافة في ثبوت النّسب ، خلافاً للحنفيّة . ويرجع في تفصيل ذلك إلى مصطلح ( قيافة ) .
    القضاء بالقرعة :
    36 - القرعة : طريقة تعمل لتعيين ذات أو نصيب من بين أمثاله إذا لم يمكن تعيينه بحجّة . وقد نصّ الفقهاء على أنّه " متى تعيّنت المصلحة أو الحقّ في جهة ، فلا يجوز الإقراع بينه وبين غيره ، لأنّ في القرعة ضياع ذلك الحقّ المعيّن والمصلحة المعيّنة . ومتى تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التّنازع ، دفعاً للضّغائن والأحقاد ، وللرّضا بما جرت به الأقدار ، وهي مشروعة في مواضع » . وتفصيل ذلك موطنه مصطلح ( قرعة ) .
    القضاء بالفراسة :
    37 - الفراسة في اللّغة : الظّنّ الصّائب النّاشئ عن تثبيت النّظر في الظّاهر لإدراك الباطن . ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن ذلك . وفقهاء المذاهب لا يرون الحكم بالفراسة ، فإنّ مدارك الأحكام معلومة شرعاً ، مدركة قطعاً . وليست الفراسة منها . ولأنّها حكم بالظّنّ والحزر والتّخمين ، وهي تخطئ وتصيب . ولكنّ ابن القيّم أورد حججاً على شرعيّة العمل بالفراسة ، وساق على ذلك شواهد وأمثلةً . وتفصيل الكلام في مصطلح ( فراسة ) .
    القضاء بقول أهل المعرفة ( الخبرة ) :
    38 - اتّفق فقهاء المذاهب على جواز القضاء بقول أهل المعرفة فيما يختصّون بمعرفته إذا كانوا حذّاقاً مهرةً . ومن ذلك الاستعانة في معرفة قدم العيب أو حداثته . ويرجع إلى أهل الطّبّ والمعرفة بالجراح في معرفة طول الجرح ، وعمقه وعرضه ، وهم الّذين يتولّون استيفاء القصاص . وكذلك يرجع إلى أهل المعرفة من النّساء فيما لا يطّلع عليه غيرهنّ كالبكارة .
    القضاء بالاستصحاب :
    39 - الاستصحاب في اللّغة الملازمة وعدم المفارقة . وفي الاصطلاح : هو استبقاء الوصف المثبت للحكم حتّى يثبت خلافه . وقد ذهب الجمهور ( المالكيّة والحنابلة وأكثر الشّافعيّة ) إلى أنّه حجّة سواء أكان في النّفي أم الإثبات . وأمّا الحنفيّة فقد تعدّدت الآراء عندهم في حجّيّته بين الإطلاق والتّقييد ، فمنهم من منع حجّيّته ، ومنهم من قيّدها بأنّه حجّة للدّفع لا للإثبات . وللاستصحاب أنواع وأقسام . وتفصيل ذلك موطنه ( استصحاب ) .
    القضاء بالقسامة :
    40 - من معاني القسامة في اللّغة اليمين مطلقاً ، إلاّ أنّها في عرف الشّرع تستعمل في اليمين باللّه تبارك وتعالى ، بسبب مخصوص ، وعدد مخصوص ، وعلى أشخاص مخصوصين ، على وجه مخصوص . 41 - ومحلّ القسامة يكون عند وجود قتيل في محلّة لا يعرف قاتله . فذهب مالك والشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه إلى أنّه إذا لم يكن هناك عداوة ولا لوث ( أي شبهة قويّة توجب غلبة الظّنّ بصحّة التّهمة ) كانت هذه الدّعوى كسائر الدّعاوى : البيّنة على المدّعي ، والقول قول المنكر . وليس في ذلك يمين ، لأنّ النّكول عن اليمين بذل ، ولا بذل في الأنفس ، فلا يحلّ للإنسان أن يبيح لغيره قتل نفسه ، وعليه القصاص إن فعل . وأمّا إذا كان هناك لوث ، كالعداوة الظّاهرة ، وادّعى أولياء القتيل على معيّن أنّه قتله ، حلف من الأولياء خمسون أنّ فلاناً هو قاتله عمداً ، فيستحقّون القصاص ، أو خطأً ، فيستحقّون الدّية . وذهب أبو حنيفة إلى أنّ القسامة لا توجّه إلاّ إلى المدّعى عليهم ، فيختار أولياء القتيل خمسين من أهل المحلّة ، فيحلفون أنّهم ما قتلوه ، ولا يعرفون له قاتلاً . فيسقط القصاص ، وتستحقّ الدّية . وفي ذلك تفصيل واختلاف ، موطن بيانه بحث القسامة .
    القضاء بالعرف والعادة :
    42 - العرف : ما استقرّ في النّفوس من جهة العقول ، وتلقّته الطّباع السّليمة بالقبول . ويدخل في هذا التّعريف " العادة " على أنّهما مترادفان . وقيل : العادة أعمّ ، لأنّها تثبت بمرّة ، وتكون لفرد أو أفراد . وهما حجّة ، لبناء الأحكام عليهما ، ما لم يصادما نصّاً أو قاعدةً شرعيّةً . ويستند إليهما في تفسير المراد . وفي ذلك خلاف وتفصيل موطنه الملحق الأصوليّ .
    أثر
    التّعريف
    1 - من معاني الأثر في اللّغة : بقيّة الشّيء ، أو الخبر . ويقال : أثّر فيه تأثيراً : ترك فيه أثراً . ولا يخرج استعمال الفقهاء والأصوليّين للفظ « أثر " عن هذه المعاني اللّغويّة . فيطلقون الأثر - بمعنى البقيّة - على بقيّة النّجاسة ونحوها ، كما يطلقونه بمعنى الخبر فيريدون به الحديث المرفوع أو الموقوف أو المقطوع ، وبعض الفقهاء يقصرونه على الموقوف ، ويطلقونه بمعنى ما يترتّب على الشّيء ، وهو المسمّى بالحكم عندهم ، كما إذا أضيف الأثر إلى الشّيء فيقال : أثر العقد ، وأثر الفسخ ، وأثر النّكاح وغير ذلك .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) :
    2 - علامة الشّيء تكون قبله ، وأثره يكون بعده ، تقول : الغيوم والرّياح علامات المطر . ومجرى السّيول : أثر المطر ، دلالةً عليه ، وليس برهاناً عليه . والمأثور : يطلق على القول والفعل ، أمّا الأثر فلا يطلق إلاّ على القول . والخبر غالباً ما يطلق على الحديث المرفوع ، والأثر ما نسب إلى الصّحابة . الحكم الإجماليّ :
    3 - يختلف الحكم تبعاً للاستعمالات الفقهيّة أو الأصوليّة . أمّا الاستعمال بمعنى بقيّة الشّيء : فالحكم أنّه إن تعذّر إزالة أثر النّجاسة فيكون معفوّاً عنه . وأمّا الاستعمال بمعنى ما يترتّب على الشّيء ، فالفقهاء يعتبرون الأثر في العقد هو ما شرع العقد له ، كانتقال الملكيّة في البيع ، وحلّ الاستمتاع في النّكاح . وأمّا الاستعمال بمعنى الحديث الموقوف أو المرفوع فموطن تفصيله الملحق الأصوليّ .
    ( مواطن البحث )
    4 - يبحث استعمال الأثر بمعنى ما يترتّب على الشّيء في كتب الفقه كلّ مسألة في بابها . أمّا بمعنى بقيّة الشّيء فقد بحثها الفقهاء في الطّهارة عند الحديث عن أثر النّجاسة ، وفي الجنايات عند الكلام عن أثر الجناية .
    إثم
    التّعريف
    1 - الإثم لغةً : هو الذّنب . وقيل : أن يعمل ما لا يحلّ له . وفي اصطلاح أهل السّنّة : الإثم استحقاق العقوبة . وعند المعتزلة . لزوم العقوبة . والاختلاف بين التّعريفين يدور على جواز العفو وعدمه عند كلّ من الفريقين .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) :
    2 - الذّنب : قيل هو الإثم . وعلى هذا يكون مرادفاً للإثم . الخطيئة : من معانيها الذّنب عن عمد . وهي بهذا المعنى تكون مطابقةً للإثم . وقد تطلق على غير العمد فتكون بهذا المعنى مخالفةً للإثم ، إذ الإثم لا يكون إلاّ عن عمد . الحكم الإجماليّ :
    3 - يتعلّق الإثم ببعض الأمور منها : أ - ترك الفرض : فيأثم تارك فرض العين ، كترك الصّلاة . وكذلك يأثم تارك فرض الكفاية إذا تركه الكلّ ، كصلاة الجنازة .
    ب - ترك الواجب : إذا اعتبر مرادفاً للفرض فهو مثله في الحكم . وأمّا إن اعتبر غير مرادف للفرض - وهو صنيع الحنفيّة - فإنّه يأثم الفرد - وكذلك الجماعة - بتركه إثماً ليس كإثم ترك الفرض .
    ج - ( ترك السّنن إذا كانت من الشّعائر ) : إذا كانت السّنّة المؤكّدة من الشّعائر الدّينيّة ، كالأذان والجماعة فتركه يستلزم الإثم على الجماعة في الجملة . وكذلك الالتزام بترك السّنّة المؤكّدة موجب للإثم عند البعض . والحقّ أنّ ترك الفرض والواجب والسّنّة المؤكّدة في هذه الحالة كلّه يرجع إلى الحرام .
    د - ( فعل الحرام والمكروه ) : فعل الحرام موجب للإثم . أمّا المكروه فإذا كان مكروهاً كراهةً تحريميّةً يأثم فاعله . أمّا إذا كان مكروهاً كراهةً تنزيهيّةً ، فلا يأثم فاعله .
    ترك المباح أو فعله :
    4 - لا يلزم من فعل المباح أو تركه إثم ولا كراهة ، مثل العمل بالقراض والمساقاة . الإثم وعوارض الأهليّة :
    5 - تعلّق الإثم بأفعال المكره والنّاسي والمخطئ والسّكران فيه تفصيل واختلاف بين الفقهاء ، ويرجع إليه في مواطنه .
    ( الإثم والحدود ) :
    6 - قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة : الحدود لا تذهب الآثام ( العقوبة الأخرويّة ) ولا تكون مطهّرةً ، وقال الشّافعيّ : هي مطهّرة للمسلم ، وغير مطهّرة للكافر .
    إجابة
    التّعريف
    1 - الإجابة في اللّغة : رجع الكلام . والإجابة والاستجابة بمعنًى واحد ، تقول : أجابه عن سؤاله واستجاب له إذا دعاه إلى شيء فأطاع ، وأجاب اللّه دعاءه قبله ، واستجاب له كذلك . وجواب القول قد يتضمّن إقراره ، وقد يتضمّن إبطاله ، ولا يسمّى جواباً إلاّ بعد الطّلب . ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ . والإجابة قد تكون بالفعل ، كإجابة الدّعوة إلى الوليمة ، وقد تكون القول ، سواء كانت بجملة كردّ السّلام ، أم بحرف الجواب فقط كنعم وبلى ، حيث يؤخذ به في الأحكام . وقد تكون بالإشارة المفهومة . وقد يعتبر السّكوت إجابةً كسكوت البكر عند استئذانها في النّكاح .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) :
    2 - الإغاثة هي : الإعانة والنّصرة . والإجابة قد تكون إعانةً وقد لا تكون . والإجابة لا بدّ أن يسبقها طلب ، أمّا الإغاثة فقد تكون بلا طلب . والقبول هو التّصديق والرّضا ، أمّا الإجابة فقد تكون تصديقاً ورضاً وقد لا تكون .
    ( الحكم الإجماليّ )
    3 - يختلف الحكم التّكليفيّ للإجابة بحسب الأمر المطلوب . فالإجابة إلى دعوة الإسلام ، والعمل بما خوطب به الإنسان من فرائض الدّين ، وإجابة الأمير للجهاد ، أمور واجبة بلا خلاف . وما كان لدفع ضرر عن الغير ، كإجابة المستغيث ، فإجابته أمر واجب باتّفاق ، حتّى إنّ الصّلاة تقطع لإجابته . وما كان لقطع الخصومة والمنازعة ، كإجابة المدّعى عليه أمام القاضي ، وكالإجابة في تحمّل الشّهادة ، فهو واجب باتّفاق . وقد تكون الإجابة مستحبّةً كإجابة المؤذّن وهي أن تقول مثل ما يقول . وقد تكون الإجابة محرّمةً كالإجابة للمعصية . أمّا الإجابة في العقود فهي ما قابلت الإيجاب . وتسمّى في عرف الفقهاء بالقبول . وأمّا الإجابة من اللّه سبحانه وتعالى فهي القبول الّذي يرجوه الإنسان من اللّه بدعائه وعمله .
    ( مواطن البحث )
    4 - للإجابة أحكام متعدّدة مفصّلة في مواطنها ، ومن ذلك : إجابة الوليمة في باب النّكاح ، وإجابة الوالدين في باب الجهاد ، وفي باب الصّلاة ، وردّ السّلام أثناء خطبة الجمعة ، والسّعي لنداء الجمعة والإجابة ( القبول ) في العقود ، كالوصيّة والبيع وغير ذلك .
    إجارة تعريف الإجارة :
    1 - الإجارة في اللّغة اسم للأجرة ، وهي كراء الأجير وهي بكسر الهمزة ، وهو المشهور . وحكي الضّمّ بمعنى المأخوذ وهو عوض العمل ، ونقل الفتح أيضاً ، فهي مثلّثة ، لكن نقل عن المبرّد أنّه يقال : أجّر وآجر إجاراً وإجارةً . وعليه فتكون مصدراً وهذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحيّ .
    2 - وعرّفها الفقهاء : بأنّها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض . ويخصّ المالكيّة غالباً لفظ الإجارة بالعقد على منافع الآدميّ ، وما يقبل الانتقال غير السّفن والحيوان ، ويطلقون على العقد على منافع الأراضي والدّور والسّفن والحيوانات لفظ كراء ، فقالوا : الإجارة والكراء شيء واحد في المعنى .
    3 - وما دامت الإجارة عقد معاوضة فيجوز للمؤجّر استيفاء الأجر قبل انتفاع المستأجر ، على التّفصيل الّذي سيرد في موضعه ، كما يجوز للبائع استيفاء الثّمن قبل تسليم المبيع ، وإذا عجّلت الأجرة تملّكها المؤجّر اتّفاقاً دون انتظار لاستيفاء المنفعة ، على ما سيأتي بيانه .
    الإجارة من حيث اللّزوم وعدمه :
    4 - الأصل في عقد الإجارة عند الجمهور اللّزوم ، فلا يملك أحد المتعاقدين الانفراد بفسخ العقد إلاّ لمقتض تنفسخ به العقود اللاّزمة ، من ظهور العيب ، أو ذهاب محلّ استيفاء المنفعة . واستدلّوا بقوله تعالى { أوفوا بالعقود } وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجوز للمكتري فسخ الإجارة للعذر الطّارئ على المستأجر مثل أن يستأجر دكّاناً يتّجر فيه ، فيحترق متاعه أو يسرق ، لأنّ طروء هذا وأمثاله ، يتعذّر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها ، وذلك قياساً على هلاك العين المستأجرة ، وحكى ابن رشد أنّه عقد جائز .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) : البيع :
    5 - مع أنّ الإجارة من قبيل البيع فإنّها تتميّز بأنّ محلّها بيع المنفعة لا العين . في حين أنّ عقود البيع كلّها التّعاقد فيها على العين . كما أنّ الإجارة تقبل التّنجيز والإضافة ، بينما البيوع لا تكون إلاّ منجزةً . والإجارة لا يستوفى المعقود عليه فيها وهو المنفعة دفعةً واحدةً ، أمّا في البيوع فيستوفى المبيع دفعةً واحدةً . كما أنّه ليس كلّ ما يجوز إجارته يجوز بيعه ، إذ تجوز إجارة الحرّ لأنّ الإجارة فيه على عمل ، بينما لا يجوز أن يباع لأنّه ليس بمال .
    ( الإعارة ) :
    6 - تفترق الإجارة عن الإعارة في أنّ الإجارة تمليك منفعة بعوض ، وأنّ الإعارة إمّا تمليك منفعة بلا عوض ، أو إباحة منفعة ، على خلاف بين الفقهاء تفصيله في موطنه .
    ( الجعالة ) :
    7 - تفترق الإجارة عن الجعالة في أنّ الجعالة إجارة على منفعة مظنون حصولها ولا ينتفع الجاعل بجزء من عمل العامل وإنّما بتمام العمل ، وأنّ الجعالة غير لازمة في الجملة .
    ( الاستصناع ) :
    8 - تفترق الإجارة ( في الأجير المشترك ) عن عقد الاستصناع ( الّذي هو بيع عين شرط فيها العمل ) في أنّ الإجارة تكون العين فيها من المستأجر والعمل من الأجير ، أمّا الاستصناع فالعين والعمل كلاهما من الصّانع ( الأجير ) .
    صفة الإجارة ( حكمها التّكليفيّ ) ودليله :
    9 - عقد الإجارة الأصل فيه أنّه مشروع على سبيل الجواز . والدّليل على ذلك الكتاب والسّنّة والإجماع والمعقول : أمّا الكتاب فمنه قوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ } . ومن السّنّة ما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « من استأجر أجيراً فليعلمه أجره » ، وقوله : « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه » ، وقوله : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وعدّ منهم رجلاً استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره » . وكذلك فعله عليه الصلاة والسلام وتقريره . وأمّا الإجماع فإنّ الأمّة أجمعت على العمل بها منذ عصر الصّحابة وإلى الآن وأمّا دليلها من المعقول فلأنّ الإجارة وسيلة للتّيسير على النّاس في الحصول على ما يبتغونه من المنافع الّتي لا ملك لهم في أعيانها ، فالحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان ، فالفقير محتاج إلى مال الغنيّ ، والغنيّ محتاج إلى عمل الفقير . ومراعاة حاجة النّاس أصل في شرع العقود . فيشرع على وجه ترتفع به الحاجة ، ويكون موافقاً لأصل الشّرع . وهذه هي حكمة تشريعها .
    الفصل الثّاني أركان عقد الإجارة تمهيد :
    10 - يختلف الفقهاء في تعداد أركان عقد الإجارة ، فالجمهور على أنّها : الصّيغة ( الإيجاب والقبول ) ، والعاقدان ، والمعقود عليه ( المنفعة والأجرة ) ، وذهب الحنفيّة إلى أنّها الصّيغة فقط ، وأمّا العاقدان والمعقود عليه فأطراف للعقد ومن مقوّماته ، فلا قيام للعقد إلاّ باجتماع ذلك كلّه . فالخلاف لفظيّ لا ثمرة له . الصّيغة :
    11 - صيغة عقد الإجارة ما يتمّ بها إظهار إرادة المتعاقدين من لفظ أو ما يقوم مقامه ، وذلك بإيجاب يصدره المملّك ، وقبول يصدره المتملّك على ما يرى الجمهور ، في حين يرى الحنفيّة أنّ الإيجاب ما صدر أوّلاً من أحد المتعاقدين والقبول ما صدر بعد ذلك من الآخر . وتفصيل الكلام في الصّيغ موطنه عند الكلام عن العقد .
    12 - جمهور الفقهاء على أنّ الإجارة تنعقد بأيّ لفظ دالّ عليها ، كالاستئجار والاكتراء والإكراء . وتنعقد بأعرتك هذه الدّار شهراً بكذا ، لأنّ العاريّة بعوض إجارة . كما تنعقد بوهبتك منافعها شهراً بكذا ، وصالحتك على أن تسكن الدّار لمدّة شهر بكذا ، أو ملّكتك منافع هذه الدّار سنةً بكذا ، أو عوّضتك منفعة هذه الدّار سنةً بمنفعة دارك ، أو سلّمت إليك هذه الدّراهم في خياطة هذا ، أو في دابّة صفتها كذا ، أو في حملي إلى مكّة ، فيقول : قبلت ، مع أنّ هذه الألفاظ لم توضع في اللّغة لذلك ، لكنّها أفادت في هذا المقام تمليك المنفعة بعوض .
    13 - وتوسّع الحنابلة في ذلك حتّى قالوا : تنعقد الإجارة بلفظ أجّرت وما في معناه كالكراء ، سواء أضافه إلى العين ، نحو أجرتكها أو أكريتكها ، أو أضافه إلى النّفع ، نحو قوله : آجرتك نفع هذه الدّار ، أو : ملّكتك نفعها . وتنعقد أيضاً بلفظ بيع مضافاً إلى النّفع ، نحو قوله : بعتك نفعها ، أو : بعتك سكنى الدّار ، ونحوه . وقالوا : التّحقيق أنّ المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأيّ لفظ كان من الألفاظ الّتي عرف بها المتعاقدان مقصودها ، فإنّ الشّارع لم يحدّ حدّاً لألفاظ العقد ، بل ذكرها مطلقةً . وانعقادها بلفظ البيع مضافاً إلى المنافع قول عند الحنفيّة أيضاً ، وقول عند الشّافعيّة ، لأنّه صنف من البيع ، لأنّه تمليك يتقسّط العوض فيه على المعوّض ، كالبيع ، فانعقد بلفظه .
    14 - وفي القول الأصحّ عند الشّافعيّة وقول عند الحنفيّة لا تنعقد الإجارة بلفظ : بعتك منفعتها ، لأنّ المنفعة مملوكة بالإجارة ، ولفظ البيع وضع لتمليك العين ، فذكره في المنفعة مفسد ، لأنّه ليس بكناية عن العقد ، ولأنّه يخالف البيع في الاسم والحكم ، ولأنّ بيع المعدوم باطل ، والمنافع المعقود عليها معدومة وقت العقد كما يقول الحنفيّة .
    الإجارة بالمعاطاة .
    15 - أجاز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة التّعاقد بالأفعال في الأشياء الخسيسة والنّفيسة ما دام الرّضا قد تحقّق ، وفهم القصد ، وهو قول عند الشّافعيّة اختاره النّوويّ وجماعة . وقيّد القدوريّ الحنفيّ الجواز بأنّه في الأشياء الخسيسة دون النّفيسة . وهو قول أيضاً عند الشّافعيّة ، والمذهب عندهم المنع ، والعبرة بما تدلّ عليه ظروف الحال ، كأن تكون العين المؤجّرة معدّةً للاستغلال ، كمن يبيت في الخان ( الفندق ) فإنّه يكون بأجر . وبناءً على أصل مذهب الشّافعيّة من منع عقود المعاطاة لو دفع ثوباً إلى خيّاط ليخيطه ، ففعل ، ولم يذكر أحدهما أجرةً ، فلا أجرة له . وقيل : له أجرة مثله لاستهلاكه منفعته . وقيل : إن كان معروفاً بذلك العمل بالأجر فله أجرة مثله ، وإلاّ فلا .
    تنجيز الإجارة وإضافتها وتعليقها :
    16 - الأصل في الإجارة أن تكون منجزةً ، فإذا لم يوجد ما يصرف الصّيغة عن التّنجيز ، أو لم ينصّ على بداية العقد ، فإنّ الإجارة تبدأ من وقت العقد ، وتكون منجزةً . هذا ، ويختلف الحكم في إضافة صيغة الإجارة إلى المستقبل بين أن تكون إجارةً على عين أو ثابتةً في الذّمّة . فالإجارة الثّابتة في الذّمّة هي الواردة على منفعة موصوفة مع التزامها في الذّمّة ، كأن يستأجر سيّارةً موصوفةً بصفات يتّفق عليها ، ويقول : ألزمت ذمّتك إجارتي إيّاها . فإن أطلق ولم يذكر الذّمّة كانت إجارة عين . وإجارة العين هي الواردة على منفعة معيّن ، كالعقار والحيوان ومنفعة الإنسان . فالجمهور لم يفرّقوا بين هذين في صحّة الإضافة للمستقبل . وذهب الشّافعيّة في الأصحّ عندهم إلى أنّ الإضافة صحيحة فيما يثبت في الذّمّة ، لا فيما كانت واردةً على الأعيان ، إلاّ في بعض صور مستثناة أجازوا فيها الإضافة في إجارة الأعيان إذا كانت المدّة بين العقد وبين المدّة المضاف إليها زمناً يسيراً ، كأن تعقد الإجارة ليلاً لمنفعة النّهار التّالي ، أو يعقد الإجارة على سيّارة للحجّ قبل أن يبدأ ، بشرط أن يكون قد تهيّأ أهل بلده . على أنّ الرّافعيّ والنّوويّ يريان أنّ التّفرقة لفظيّة ، لأنّ إجارة الذّمّة أيضاً واردة على العين ، أي على منفعتها .
    17 - ولمّا كان الأصل في الإجارة اللّزوم كما سبق فلا يستقلّ أحد العاقدين بفسخها ، إلاّ أنّ الإمام محمّداً - في إحدى الرّوايتين عنه - يقول : إنّ الإجارة المضافة يجوز لكلّ من طرفي العقد الانفراد بفسخها قبل حلول بدء مدّتها .
    18 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإجارة غير قابلة للتّعليق - كالبيع - وصرّح قاضي زاده من الحنفيّة بذلك ، وقال : « الإجارة لا تقبل التّعليق » . وقد تردّ الإجارة في صورة التّعليق ، ولكنّها في الحقيقة إضافة ، كما لو قال لخيّاط : إن خطت هذا الثّوب اليوم فبدرهم ، أو غداً فبنصف درهم . ويمكن أن يقال : إنّ هذه الصّورة من قبيل تعليق الحطّ من أجر - وهو جائز - لا تعليق الإجارة .
    19 - يشترط في الصّيغة لانعقاد العقد أن تكون واضحة الدّلالة في لغة المتعاقدين وعرفهما ، قاطعةً في الرّغبة ، دون تسويف أو تعليق ، إلاّ ما يجوز من ترديد الإجارة بين شيئين ، كأن يقول : آجرتك هذه الدّار بكذا شهريّاً ، أو هذه الدّار بكذا ، فقبل في إحداهما - على ما سيأتي عند الكلام عن محلّ العقد .
    20 - ويشترط أن يكون القبول موافقاً للإيجاب في جميع جزئيّاته ، بأن يقبل المستأجر ما أوجبه المؤجّر ، وبالأجرة الّتي أوجبها ، حتّى يتوافق الرّضا بالعقد بين طرفيه . كما يشترط اتّصال القبول بالإيجاب في مجلس العقد إن كانا حاضرين ، أو في مجلس العلم إن كان التّعاقد بين غائبين ، دون أن يفصل بين القبول والإيجاب فاصل مطلقاً عند الشّافعيّ ، لاشتراطه الفوريّة ، ولا فاصل بعيد عن موضوع التّعاقد ، أو مغيّر للمجلس ، عند الجمهور الّذين يعتبرون المجلس وحدةً جامعةً للمتفرّقات ، دالّةً على قيام الرّغبة . وبيان ذلك في مصطلح ( عقد ) 21 - ويشترط في الصّيغة لصحّة العقد عدم تقييدها بشرط ينافي مقتضى العقد ، أو يحقّق مصلحةً لأحد المتعاقدين أو لغيرهما لا يقتضيها العقد ، كأن يشترط المؤجّر لنفسه منفعة العين فترةً ، على خلاف وتفصيل للفقهاء في ذلك ، موطنه الكلام عن الشّرط وعن العقد عامّةً .
    22 - كما يشترط لنفاذ الإجارة - فضلاً عن شروط الانعقاد والصّحّة - صدور الصّيغة ممّن له ولاية التّعاقد . كما يشترط خلوّ الصّيغة من شرط الخيار ، إذ خيار الشّرط يمنع حكم العقد ابتداءً ، ولا معنًى لعدم النّفاذ إلاّ هذا . ويشترط للزوم الإجارة ، فضلاً عن جميع الشّروط السّابقة ، خلوّها من أيّ خيار . ويقول الكاسانيّ : لا تنفذ الإجارة في مدّة الخيار . لأنّ الخيار يمنع انعقاد العقد في حقّ الحكم ما دام الخيار قائماً ، لحاجة من له الخيار إلى دفع الغبن عن نفسه . واشتراطه جائز في الإجارة عند كلّ من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وقول للشّافعيّة في الإجارة على معيّن . أمّا الإجارة في الذّمّة فقد منع الشّافعيّة خيار الشّرط فيها ، كما منعوه في قول عندهم في الإجارة على معيّن .
    المبحث الثّاني
    العاقدان وما يشترط فيهما العاقدان :
    23 - من أركان عقد الإجارة عند غير الحنفيّة العاقدان - المؤجّر والمستأجر - والحنفيّة يعتبرونها من أطراف العقد لا من أركانه . ويشترط فيهما للانعقاد العقل ، فلا تنعقد الإجارة من المجنون ولا من الصّبيّ الّذي لا يميّز ، فلا خلاف في أنّها لا تنعقد إلاّ من جائز التّصرّف في المال . ويشترط في العاقدين للصّحّة أن يقع بينهما عن تراض ، فإذا وقع العقد مشوباً بإكراه فإنّه يفسد . كما يشترط الشّافعيّة والحنابلة ومن معهم للصّحّة ولاية إنشاء العقد ، فعقد الفضوليّ يعتبر عندهم فاسداً . ويشترط في العاقدين للنّفاذ عند أبي حنيفة ألاّ يكون العاقد مرتدّاً إن كان رجلاً ، لأنّه يرى أنّ تصرّفاته تكون موقوفةً ، بينما الصّاحبان وجمهور الفقهاء لا يشترطون ذلك لأنّ تصرّفات المرتدّ عندهم نافذة . كما يشترط أن يكون العاقد له ولاية إنشاء العقد عند الحنفيّة والمالكيّة الّذين يرون أنّ الولاية شرط للنّفاذ ، بينما يرى الآخرون أنّها شرط للصّحّة كما سبق .
    إجارة الصّبيّ :
    24 - إجارة الصّبيّ المميّز نفسه بأجر لا غبن فيه تصحّ إن كان مأذوناً له من وليّه ، خلافاً للشّافعيّة ، إذ منعوها مطلقاً ، فإن وقعت استحقّ أجراً . واختلفوا هل هو المسمّى أو أجر المثل . وإن كان محجوراً عليه كان العقد موقوفاً على الإجازة عند الحنفيّة ، وفي الرّاجح عند المالكيّة وروايةً عن أحمد ، لأنّ الولاية شرط للنّفاذ لا للصّحّة ، وكان العقد غير صحيح عند الشّافعيّة وفي قول عند المالكيّة ورواية عن أحمد ، لأنّ الولاية عندهم شرط لصحّة العقد وانعقاده لا لنفاذه .
    25 - وإجارة من له الولاية على الصّبيّ نفس الصّبيّ أو ماله نافذة ، لوجود الإنابة من الشّرع . وإذا بلغ الصّبيّ قبل انتهاء المدّة الّتي تمّ عليها عقد الإجارة ففي لزوم العقد اتّجاهان ، فقيل بلزوم العقد لأنّه عقد لازم عقد بحقّ الولاية ، فلم يبطل بالبلوغ ، كما لو باع داره أو زوّجه . وهو قول للشّافعيّة اعتبره الشّيرازيّ الصّحيح في المذهب ، وقول للحنابلة اعتبره ابن قدامة المذهب ، وهو مذهب الحنفيّة في إجارة أمواله . والاتّجاه الثّاني أنّه يصير غير لازم ، ويخيّر في الإجارة ، لأنّه بالبلوغ انتهت الولاية ، وهو مذهب المالكيّة ، وقول عند كلّ من الشّافعيّة والحنابلة ، ومذهب الحنفيّة في إجارة نفس الصّغير ، لأنّ في استيفاء العقد إضراراً به لأنّه بعد البلوغ تلحقه الأنفة من خدمة النّاس ، ولأنّ المنافع تحدث شيئاً فشيئاً ، والعقد ينعقد على حسب حدوث المنافع ، فكان له خيار الفسخ ، كما إذا عقد ابتداءً بعد البلوغ . وهناك قول عند الحنابلة أنّه إذا أجّره مدّةً يتحقّق بلوغه في أثنائها فإنّ العقد لا يلزم بعد البلوغ ، لأنّنا لو قلنا بلزومه فإنّه يفضي إلى أن يعقد الوليّ على جميع منافعه طول عمره ، وإلى أن يتصرّف فيه في غير زمن ولايته عليه ، أمّا إذا أجّره لمدّة لا يتحقّق بلوغه فيها فبلغ فإنّ العقد يكون لازماً .
    محلّ الإجارة : الكلام هنا يتناول منفعة العين المؤجّرة ، والأجرة . أوّلاً - منفعة العين المؤجّرة :
    26 - المعقود عليه في الإجارة مطلقاً عند الحنفيّة هو المنفعة ، وهي تختلف باختلاف محلّها . وعند المالكيّة والشّافعيّة أنّ المعقود عليه إمّا إجارة منافع أعيان ، وإمّا إجارة منافع في الذّمّة . واشترطوا في إجارة الذّمّة تعجيل النّقد ، للخروج من الدّين بالدّين . وعند الحنابلة محلّ العقد أحد ثلاثة : الأوّل : إجارة عمل في الذّمّة في محلّ معيّن أو موصوف . وجعلوه نوعين : استئجار العامل مدّةً لعمل بعينه ، واستئجاره على عمل معيّن في الذّمّة كخياطة ثوب ورعي غنم . الثّاني : إجارة عين موصوفة في الذّمّة . الثّالث : إجارة عين معيّنة لمدّة محدّدة . .
    ويشترط لانعقاد الإجارة على المنفعة شروط هي :
    27 - أوّلاً : أن تقع الإجارة عليها لا على استهلاك العين . وهذا لا خلاف فيه ، غير أنّ ابن رشد روى أنّ هناك من جوّزها في كلّ منهما لأنّ ذلك كلّه منفعة مباحة . كما توسّع الشّافعيّة في المنفعة فأدخلوا الكثير من الصّور . ويتفرّع على هذا صور كثيرة تستهلك فيها العين تبعاً كإجارة الظّئر ، وإنزاء الفحل ، واستئجار الشّجر للثّمر . فالحنفيّة ينصّون على أنّ الإجارة لا تنعقد على إتلاف العين ذاتها ، والمالكيّة ينصّون على أنّه لا يجوز استيفاء عين قصداً ، كما نصّ الحنابلة على أنّ الإجارة لا تنعقد إلاّ على نفع يستوفى مع بقاء العين إلاّ إذا كانت المنافع يقتضي استيفاؤها إتلاف العين كالشّمعة للإضاءة .
    28 - ثانياً : أن تكون المنفعة متقوّمةً مقصودة الاستيفاء بالعقد ، فلا تنعقد اتّفاقاً على ما هو مباح بدون ثمن لأنّ إنفاق المال في ذلك سفه . والمذاهب في تطبيق ذلك الشّرط بين مضيّق وموسّع . وأكثرهم في التّضييق الحنفيّة ، حتّى إنّهم لم يجيزوا استئجار الأشجار للاستظلال بها ، ولا المصاحف للنّظر فيها . ويقرب منهم المالكيّة ، لكنّهم أجازوا إجارة المصاحف وإن كرهوا ذلك . بينما توسّع الحنابلة ، حتّى أجازوا الإجارة على كلّ منفعة مباحة . ويقرب منهم الشّافعيّة ، إلاّ أنّهم لم يجيزوا بعض ما أجازه الحنابلة ، كإجارة الدّنانير للتّجميل ، والأشجار لتجفيف الثّياب ، في القول الصّحيح عندهم .
    29 - ثالثاً ويشترط أن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء . وليست طاعةً مطلوبةً ، ولا معصيةً ممنوعةً . وهذا الشّرط موضع تفصيل وخلاف بين المذاهب مذكور فيما بعد ( ف 108 ) 30 - رابعاً : ويشترط في المنفعة لصحّة الإجارة : القدرة على استيفائها حقيقةً وشرعاً . فلا تصحّ إجارة الدّابّة الفارّة ، ولا إجارة المغصوب من غير الغاصب ، لكونه معجوزاً عن تسليمه ، ولا الأقطع والأشلّ للخياطة بنفسه ، فهي منافع لا تحدث إلاّ عند سلامة الأسباب . وعلى هذا فلا تجوز إجارة ما لا يقدر عليه المستأجر ، ويحتاج فيه إلى غيره . وانبنى على هذا القول بعدم جواز استئجار الفحل للإنزاء ، والكلب والباز للصّيد ، والقول بعدم جواز إجارة الظّئر دون إذن زوجها ، لأنّه مانع شرعيّ يحول دون إجارتها . وتفصيل ذلك فيما بعد ( ف 116 ) 31 - خامساً : ويشترط فيها أيضاً لصحّة الإجارة : أن تكون معلومةً علماً ينفي الجهالة المفضية للنّزاع . وهذا الشّرط يجب تحقّقه في الأجرة أيضاً ، لأنّ الجهالة في كلّ منهما تفضي إلى النّزاع . وهذا موضع اتّفاق .
    معلوميّة المنفعة :
    32 - تتعيّن المنفعة ببيان المحلّ . وقد تتعيّن بنفسها كما إذا استأجر رجلاً لخياطة ثوبه وبيّن له جنس الخياطة . وقد تعلم بالتّعيين والإشارة ، كمن استأجر رجلاً لينقل له هذا الطّعام إلى موضع معلوم .
    33 - وقد أدّى اشتراط بيان محلّ المنفعة إلى تقسيم الإجارة إلى إجارة أعيان تستوفى المنفعة من عين معيّنة بذاتها بحيث إذا هلكت انفسخت الإجارة كاستئجار الدّور للسّكنى ، وإلى إجارة موصوفة في الذّمّة تستوفى المنفعة ممّا يحدّد بالوصف ، فإذا هلكت بعد التّعيين قدّم المؤجّر غيرها . وعند الحنابلة وفي رأي عند الشّافعيّة اشتراط رؤية العين المؤجّرة قبل الإجارة ، وإلاّ فللمستأجر خيار الرّؤية . غير أنّ الحنابلة يقصرون اشتراطه على بعض الإجارات ، كرؤية الصّبيّ في إجارة الظّئر ، وفي إجارة الأرض للزّراعة ، بينما الشّافعيّة يعمّمون ذلك .
    34 - ويعتبر جمهور الفقهاء العرف في تعيين ما تقع عليه الإجارة من منفعة ، فكيفيّة الاستعمال تصرف إلى العرف والعادة . والتّفاوت في هذا يسير لا يفضي إلى المنازعة . وللشّافعيّة في استحقاق الأجر بعد استيفاء المنفعة أربعة أوجه : الأوّل : أنّه تلزمه الأجرة وهو قول المزنيّ ، لأنّه استهلك عمله فلزمه أجرته . والثّاني : أنّه إن قال له : خطه ، لزمه . وإن بدأ الرّجل ، فقال : أعطني لأخيطه ، لم تلزمه . وهو قول أبي إسحاق ، لأنّه إذا أمره فقد ألزمه بالأمر . والعمل لا يلزم من غير أجرة لزمته ، وإذا لم يأمره لم يوجد ما يوجب الأجرة ، فلم تلزم . والثّالث : أنّه إذا كان الصّانع معروفاً بأخذ الأجرة على الخياطة لزمه ، وإذا لم يكن معروفاً بذلك لم يلزمه ، وهو قول أبي العبّاس ، لأنّه إذا كان معروفاً بأخذ الأجرة صار العرف في حقّه كالشّرط . والرّابع : وهو المذهب ، أنّه لا يلزمه بحال ، لأنّه بذل ماله من غير عوض فلم يجب له العوض ، كما لو بذل طعامه لمن أكله . ومن هنا يتبيّن أنّ أبا العبّاس من الشّافعيّة مع الجمهور في تحكيم العرف .
    35 - وتتعيّن المنفعة أيضاً ببيان المدّة ، إذا كانت المنفعة معروفةً بذاتها ، كاستئجار الدّور للسّكنى . فإنّ المدّة إذا كانت معلومةً كان قدر المنفعة معلوماً ، والتّفاوت بكثرة السّكّان يسير ، كما يرى الحنفيّة . ويرى الصّاحبان أنّ كلّ ما كان أجرةً يجب بالتّسليم ، ولا يعلم وقت التّسليم ، فهو باطل ، ويرى الإمام جوازه . وهذا الشّرط غير مطّرد ، فلا بدّ منه في بعض الإجارات ، كالعبد للخدمة ، والقدر للطّبخ ، والثّوب للّبس . وفي البعض لا يشترط . والحنابلة وضعوا ضابطاً واضحاً ، فهم يشترطون أن تكون المدّة معلومةً في إجارة العين لمدّة ، كالدّار والأرض والآدميّ للخدمة أو للرّعي أو للنّسج أو للخياطة ، لأنّ المدّة هي الضّابط للمعقود عليه ، ويعرف بها . وقيل فيها : إنّه يشترط أن يغلب على الظّنّ بقاء العين فيها وإن طالت المدّة . وأمّا إجارة العين لعمل معلوم ، كإجارة دابّة موصوفة في الذّمّة للرّكوب عليها إلى موضع معيّن ، فإنّه لا اعتبار للمدّة فيها . ويوافقهم الشّافعيّة في ذلك عموماً . ويقرب من هذا المالكيّة ، إذ قالوا : يتحدّد أكثر المدّة في بعض الإجارات ، كإجارة الدّابّة لسنة ، والعامل لخمسة عشر عاماً ، والدّار حسب حالتها ، والأرض لثلاثين عاماً . أمّا الأعمال في الأعيان ، كالخياطة ونحوها ، فلا يجوز تعيين الزّمان فيها .
    36 - كما تتعيّن المنفعة بتعيين العمل في الأجير المشترك ، وذلك في استئجار الصّنّاع في الإجارة المشتركة ، لأنّ جهالة العمل في الاستئجار على الأعمال جهالة مفضية إلى المنازعة ، فلو استأجر صانعاً ، ولم يسمّ له العمل ، من الخياطة أو الرّعي أو نحو ذلك ، لم يجز العقد ، وإنّما لا بدّ من بيان جنس العمل ونوعه وقدره وصفته . أمّا في الأجير الخاصّ فإنّه يكفي في إجارته بيان المدّة . يقول الشّيرازيّ : إن كانت المنفعة معلومة القدر بنفسها ، كخياطة ثوب ، قدّرت بالعمل ، لأنّها معلومة في نفسها فلا تقدّر بغيرها . . . وإن استأجر رجلاً لبناء حائط لم يصحّ العقد حتّى يذكر الطّول والعرض وما يبنى به .
    37 - وتتعيّن المنفعة ببيان العمل والمدّة معاً : كأن يقول شخص لآخر : استأجرتك لتخيط لي هذا الثّوب اليوم . فقد عيّن المنفعة بالعمل ، وهو خياطة الثّوب ، كما عيّنه بالمدّة ، وهو كلمة : اليوم . وللفقهاء في هذا الجمع بين التّعيين بالعمل والمدّة اتّجاهان : اتّجاه يرى أنّ هذا لا يجوز ، ويفسد به العقد إذ ، العقد على المدّة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل إذ يعتبر أجيراً خاصّاً ، وببيان العمل يصير أجيراً مشتركاً ، ويرتبط الأجر بالعمل . وهذا هو رأي أبي حنيفة والشّافعيّة ورواية عند الحنابلة . والاتّجاه الثّاني جواز الجمع ، لأنّ المقصود في العقد هو العمل ، وذكر المدّة إنّما جاء للتّعجيل . وهو قول صاحبي أبي حنيفة والمالكيّة ورواية عند الحنابلة . وسيأتي بيان هذا عند الكلام عن الأجير الخاصّ والأجير المشترك .
    38 - ويشترط في المنفعة للزوم العقد ، ألاّ يطرأ عذر يمنع الانتقاع بها ، كما يرى الحنفيّة على ما ذكرنا عندهم ، لأنّ الإجارة وإن كان الأصل فيها أنّها عقد لازم اتّفاقاً ، ولا يجوز فسخها بالإرادة المنفردة ، إلاّ أنّهم قالوا : إنّها شرعت للانتفاع ، فاستمرارها مقيّد ببقاء المنفعة ، فإذا تعذّر الانتفاع كان العقد غير لازم . وقد نصّ المالكيّة أيضاً على أنّ الإجارة تفسخ بتعذّر ما يستوفى فيه المنفعة ، وإن لم تعيّن حال العقد ، كدار وحانوت وحمّام وسفينة ونحوها . وكذا في الدّابّة إن عيّنت . وقالوا : إنّ التّعذّر أعمّ من التّلف . ويتّجه الشّافعيّة في قول عندهم إلى اعتبار العذر مقتضياً الفسخ ، إذ قالوا بانفساخ العقد بتعذّر استيفاء المعقود عليه ، كمن استأجر رجلاً ليقلع له ضرساً ، فسكن الوجع على ما سيأتي عند الكلام عن انقضاء الإجارة بالفسخ .
    إجارة المشاع :
    39 - إذا كانت العين المتعاقد على منفعتها مشاعاً ، وأراد أحد الشّريكين إجارة منفعة حصّته ، فإجارتها للشّريك جائزة بالاتّفاق . أمّا إجارتها لغير الشّريك فإنّ الجمهور ( الصّاحبين من الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة وفي قول لأحمد ) يجيزونها أيضاً ؛ لأنّ الإجارة أحد نوعي البيع ، فتجوز إجارة المشاع كما يجوز بيعه ، والمشاع مقدور الانتفاع بالمهايأة ، ولهذا جاز بيعه . جاء في المغني : واختار أبو حفص العكبريّ جواز إجارة المشاع لغير الشّريك . وقد أومأ إليه أحمد ، لأنّه عقد في ملكه ، يجوز مع شريكه ، فجاز مع غيره كالبيع ، ولأنّه يجوز إذا فعله الشّريكان معاً فجاز لأحدهما فعله في نصيبه مفرداً كالبيع . وعند أبي حنيفة وزفر وهو وجه في مذهب أحمد لا تجوز لأنّ استيفاء المنفعة في الجزء الشّائع لا يتصوّر إلاّ بتسليم الباقي ، وذلك غير متعاقد عليه ، فلا يتصوّر تسليمه شرعاً . والاستيفاء بالمهايأة لا يمكن على الوجه الّذي يقتضيه العقد ، إذ التّهايؤ بالزّمن انتفاع بالكلّ بعض المدّة ، والتّهايؤ بالمكان انتفاع يكون بطريق البدل عمّا في يد صاحبه ، وهذا ليس مقتضى العقد . .
    المطلب الثّاني
    الأجرة 40 - الأجرة هي ما يلتزم به المستأجر عوضاً عن المنفعة الّتي يتملّكها . وكلّ ما يصلح أن يكون ثمناً في البيع يصلح أن يكون أجرةً في الإجارة ، وقال الجمهور : إنّه يشترط في الأجرة ما يشترط في الثّمن . ويجب العلم بالأجر لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من استأجر أجيراً فليعلمه أجره » ، وإن كان الأجر ممّا يثبت ديناً في الذّمّة كالدّراهم والدّنانير والمكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة فلا بدّ من بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره . ولو كان في الأجر جهالةً مفضيةً للنّزاع فسد العقد ، فإن استوفيت المنفعة وجب أجر المثل ، وهو ما يقدّره أهل الخبرة . 41 - وجوّز الجمهور أن تكون الأجرة منفعةً من جنس المعقود عليه . يقول الشّيرازيّ : ويجوز إجارة المنافع من جنسها ومن غير جنسها ، لأنّ المنافع في الإجارة كالأعيان في البيع . ثمّ الأعيان يجوز بيع بعضها ببعض فكذلك المنافع . ويقول ابن رشد : أجاز مالك إجارة دار بسكنى دار أخرى . ويقول البهوتيّ ما خلاصته : يجوز إجارة دار بسكنى دار أخرى أو بتزويج امرأة ، لقصّة شعيب عليه السلام ، لأنّه جعل النّكاح عوض الأجرة . ومنع ذلك الحنفيّة ، إلاّ أن تكون الأجرة منفعةً من جنس آخر ، كإجارة السّكنى بالخدمة . 42 - ومن الفقهاء من لا يجيز أن تكون الأجرة بعض المعمول ، أو بعض النّاتج من العمل المتعاقد عليه ، لما فيه من غرر ، لأنّه إذا هلك ما يجري فيه العمل ضاع على الأجير أجره ، وقد « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطّحّان » ، ولأنّ المستأجر يكون عاجزاً عن تسليم الأجرة ، ولا يعدّ قادراً بقدرة غيره . وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . ومثاله : سلخ الشّاة بجلدها ، وطحن الحنطة ببعض المطحون منها ، لجهالة مقدار الأجر ، لأنّه لا يستحقّ جلدها إلاّ بعد السّلخ ، ولا يدري هل يخرج سليماً أو مقطّعاً . وذهب الحنابلة إلى جواز ذلك إذا كانت الأجرة جزءاً شائعاً ممّا عمل فيه الأجير ، تشبيهاً بالمضاربة والمساقاة ، فيجوز دفع الدّابّة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها ، والزّرع أو النّخل إلى من يعمل فيه بسدس ما يخرج منه ، لأنّه إذا شاهده علمه بالرّؤية وهي أعلى طرق العلم . والمالكيّة في بعض الصّور الّتي يمكن فيها علم الأجر بالتّقدير يتّجهون وجهة الحنابلة ، فيقولون : إن قال : احتطبه ولك النّصف ، أو : احصده ولك النّصف ، فيجوز إن علم ما يحتطبه بعادة . ومثل ذلك في جذّ النّخل ولقط الزّيتون وجزّ الصّوف ونحوه . وعلّة الجواز العلم . ولو قال : احتطب ، أو : احصد ، ولك نصف ما احتطبت أو حصدت ، فذلك جائز على أنّه من قبيل الجعالة . وهي يتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة . وقد أورد الزّيلعيّ الحنفيّ صورةً من هذا القبيل ، وهي أن يدفع إلى الحائك غزلاً ينسجه بالنّصف . وقال : إنّ مشايخ بلخ جوّزوه لحاجة النّاس ، لكن قال في الفتاوى الهنديّة : الصّحيح خلافه .
    أثر الإخلال بشرط من الشّروط الشّرعيّة :
    43 - إذا اختلّ شرط من شروط الانعقاد بطلت الإجارة ، وإن وجدت صورتها ، لأنّ ما لا ينعقد فوجوده في حقّ الحكم وعدمه بمنزلة واحدة . ولا يوجب فيه الحنفيّة الأجر المسمّى ، ولا أجر المثل الّذي يقضون به إذا ما اختلّ شرط من شروط الصّحّة الّتي لا ترجع لأصل العقد والّتي يعتبرون العقد مع الإخلال بشيء منها فاسداً ، لأنّهم يفرّقون بين البطلان والفساد ، إذ يرون أنّ العقد الباطل ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه . أمّا الفاسد فهو عندهم ما شرع بأصله دون وصفه . ولذا كان للعقد وجود معتبر من ناحيته ، فجهالة المأجور ، أو الأجرة ، أو مدّة العمل ، أو اشتراط ما لا يقتضيه عقد الإجارة من شروط ، كلّ ذلك يجب فيه أجر المثل عندهم باستيفاء المنفعة ، بشرط ألاّ يزيد أجر المثل عن المسمّى عند الإمام وصاحبيه . أمّا من غير استيفاء شيء من المنفعة فلا شيء له عند الحنفيّة وفي رواية عن أحمد . 44 - وجمهور الفقهاء لا يفرّقون بين العقد الباطل والعقد الفاسد في هذا ، ويرون العقد غير صحيح بفوات ما شرط الشّارع ، لكونه منهيّاً عنه . والنّهي يقتضي عدم وجود العقد شرعاً ، سواء أكان النّهي لخلل في أصل العقد ، أو لوصف ملازم له ، أو طارئ عليه . والنّهي في الجميع ينتج عدم ترتّب الأثر عليه ، ويكون انتفاع المستأجر غير مشروع ، ولا يلزمه الأجر المسمّى ، وإنّما يلزمه أجر المثل بالغاً ما بلغ إذا قبض المعقود عليه ، أو استوفى المنفعة ، أو مضى زمن يمكن فيه الاستيفاء ، لأنّ الإجارة كالبيع ، والمنفعة كالعين ، والبيع الفاسد كالصّحيح في استقرار البدل ، فكذلك في الإجارة ، هذا عند الشّافعيّ . ومثله مذهب مالك وأحمد فيما إذا كان قد استوفى المنفعة أو شيئاً منها . وأمّا إذا كان قد قبض المعقود عليه ، ومضى زمان يمكن فيه الاستيفاء ، فعن أحمد رواية بلزوم أجر المثل ، لأنّه عقد فاسد على منافع لم يستوفها ، فلم يلزمه عوضها . .

     
  2. #7
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الأول

    الفصل الثّالث أحكام الإجارة الأصليّة والتّبعيّة المطلب الأوّل أحكام الإجارة الأصليّة 45 - إذا كانت الإجارة صحيحةً ترتّب عليها حكمها الأصليّ ، وهو ثبوت الملك في المنفعة للمستأجر ، وفي الأجرة المسمّاة للمؤجّر . وهناك أحكام تبعيّة ، وهي التزام المؤجّر بتسليم العين للمستأجر ، وتمكينه من الانتفاع بها ، والتزام المستأجر بالمحافظة عليها . وإذا كانت الإجارة على عمل ، والأجير مشترك ، فإنّ الأجير يلتزم بالقيام بالعمل مع المحافظة على العين ، وتسليمها بعد الانتهاء من العمل . وإن كان الأجير خاصّاً كان الأصل المدّة ، وكان العمل تبعاً ، وإن كانت الإجارة على العمل فقط ، كالمعلّم والظّئر ، كان الالتزام منصبّاً على العمل أو على المدّة ، حسبما كانت إجارةً مشتركةً أو خاصّةً . وسيأتي بيان ذلك .
    تملّك المنفعة ، وتملّك الأجرة ، ووقته :
    46 - يتّجه الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الأجرة لا تستحقّ بنفس العقد ، وإنّما تستحقّ باشتراط التّعجيل أو استيفاء المعقود عليه . وزاد الحنفيّة : التّعجيل بالفعل . يقول الكاسانيّ ما حاصله : إنّ الأجرة لا تملك إلاّ بأحد معان ثلاثة : أحدها : شرط التّعجيل في نفس العقد لقوله صلى الله عليه وسلم : « المسلمون عند شروطهم » . . . والثّاني : التّعجيل من غير شرط ، قياساً على البيع في جواز تعجيل الثّمن قبل تسليم المبيع ، لأنّ الإجارة بيع كما تقدّم . الثّالث : استيفاء المعقود عليه ، لأنّه لمّا ملك المعوّض فيملك المؤجّر العوض في مقابلته ، تحقيقاً للمعاوضة المطلقة ، وتسويةً بين العاقدين . 47 - والقاعدة عند المالكيّة التّأجيل ، خلافاً للبيع ، فالأصل فيه التّعجيل ، إلاّ في أربعة مسائل يجب فيها تعجيل الأجرة ، وهي : إن شرط ذلك ، أو جرت به العادة كما في كراء الدّور والدّوابّ للسّفر إلى الحجّ ، أو إذا عيّن الأجر ، كأن يكون ثوباً معيّناً ، فإنّه يجب التّعجيل ، فإن لم يشترط التّعجيل في هذه الحالة فسدت الإجارة . ويجب التّعجيل أيضاً إذا كان الأجر لم يعيّن والمنافع مضمونةً في ذمّة المؤجّر . فإن شرع فيها فلا بأس ، وإن لم يشرع لأكثر من ثلاثة أيّام فلا يجوز إلاّ إذا عجّل جميع الأجر ، وإلاّ أدّى إلى ابتداء الدّين بالدّين . وقيل : لا بدّ من تعجيل جميع الأجرة ولو شرع ، لأنّ قبض الأوائل ليس قبضاً للأواخر . على أنّه يستثنى من وجوب تعجيل جميع الأجرة ( فيما إذا لم يشرع في استعمال المأجور ) - على القول المعتمد - صورة يتعسّر فيها الشّروع وهي : ما إذا كان محلّ الإجابة دابّةً للسّفر ونحوها ، وكانت مسافة السّفر بعيدةً ، والسّفر في غير وقت سفر النّاس عادةً ، وكانت الأجرة كثيرةً ، فلا يشترط تعجيل جميعها بل يكتفى بتعجيل اليسير من الأجرة الكثيرة ، فإن كانت يسيرةً وجب تعجيل جميعها . وهذا في غير الصّانع والأجير ، فليس لهما أجرة إلاّ بعد التّمام عند الاختلاف ، وأمّا عند التّراضي فيجوز تعجيل الجميع وتأخيره . كما قالوا : تفسد الإجارة إن وقعت بأجر معيّن ، وانتفى عرف تعجيل المعيّن ، لأنّ فيه بيعاً معيّناً يتأخّر قبضه ، وليس لأنّه دين بدين . وتفسد في هذه الحالة ، ولو عجّل الأجر بالفعل بعد العقد ، إذ لا تصحّ إلاّ إذا شرط تعجيله وعجّل . وقالوا : إذا أراد الصّنّاع والأجراء تعجيل الأجرة قبل الفراغ ، وامتنع ربّ العمل ، حملوا على المتعارف بين النّاس ، فإن لم يكن لهم سنّة لم يقض لهم بشيء إلاّ بعد الفراغ . وأمّا في الأكرية في دار أو راحلة أو في الإجارة على بيع السّلع كالسّمسرة ، أو نحوها ، فبقدر ما مضى ، فإذا لم يكن الأجر معيّناً ، ولم يشرط تعجيله ، ولم تجر العادة بتعجيله ، ولم تكن المنافع مضمونةً ، فلا يجب تعجيل الأجر . وإذا لم يجب التّعجيل كان مياومةً ، أي كلّما استوفى منفعة يوم ، أو تمكّن من استيفائها ، لزمته أجرته ، أو بعد تمام العمل . 48 - ويتّجه الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العقد إذا أطلق وجبت الأجرة بنفس العقد . ويجب تسليمها بتسليم العين والتّمكين من الانتفاع وإن لم ينتفع فعلاً ، لأنّه عوض أطلق ذكره في عقد المعاوضة فيستحقّ بمطلق العقد كالثّمن والمهر . فإذا استوفى المنفعة استقرّت الأجرة . وإن كانت الإجارة على عمل فإنّ الأجر يملك بالعقد أيضاً ، ويثبت ديناً في ذمّة المستأجر بمجرّد العقد ، لكن لا يستحقّ تسليمه إلاّ عند تسليمه العمل أو إيفائه أو يمضي المدّة إن كان الأجير خاصّاً . وإنّما توقّف استحقاقه على تسليم العمل لأنّه عوض . وفارق الإجارة على الأعيان ، لأنّ تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها . وإذا استوفى المستأجر المنافع ، أو مضت المدّة ، ولا حاجز له عن الانتفاع ، استقرّ الأجر ، لأنّه قبض المعقود عليه ، فاستقرّ البدل ، أو لأنّ المنافع تلفت باختياره . وإذا تمّت الإجارة ، وكانت على مدّة ، ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى تلك المدّة ، ويكون حدوثها على ملكه ، لأنّه صار مالكاً للتّصرّف فيها ، وهي مقدّرة الوجود .
    إيجار المستأجر العين لآخر :
    49 - جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والأصحّ عند الحنابلة ) على جواز إيجار المستأجر إلى غير المؤجّر الشّيء الّذي استأجره وقبضه في مدّة العقد ، ما دامت العين لا تتأثّر باختلاف المستعمل ، وقد أجازه كثير من فقهاء السّلف ، سواء أكان بمثل الأجرة أم بزيادة . وذهب القاضي من الحنابلة إلى منع ذلك مطلقاً لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « نهى عن ربح ما لم يضمن » والمنافع لم تدخل في ضمانه ، فلم يجز . والأوّل أصحّ لأنّ قبض العين قام مقام قبض المنافع .
    إيجار المستأجر لغير المؤجّر بزيادة
    49 م - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك مطلقاً ، أي سواء أكانت الأجرة الثّانية مساويةً أم زائدةً أم ناقصةً ، لأنّ الإجارة بيع كما تقدّم ، فله أن يبيعها بمثل الثّمن ، أو بزيادة أو بنقص كالبيع ، ووافقهم أحمد في أصحّ الأقوال عنده . وذهب الحنفيّة إلى جواز الإجارة الثّانية إن لم تكن الأجرة فيها من جنس الأجرة الأولى ، للمعنى السّابق ، أمّا إن اتّحد جنس الأجرتين فإنّ الزّيادة لا تطيب للمستأجر . وعليه أن يتصدّق ، وصحّت الإجارة الثّانية لأنّ الفضل فيه شبهة . أمّا إن أحدث زيادةً في العين المستأجرة فتطيب الزّيادة لأنّها في مقالة الزّيادة المستحدثة . وذهب الحنابلة في قول ثان لهم إلى أنّه إن أحدث المستأجر الأوّل زيادةً في العين جاز له الزّيادة في الأجر دون اشتراط اتّحاد جنس الأجر أو اختلافه ، وسواء أذن له المؤجّر أو لم يأذن . وللإمام أحمد قول ثالث أنّه إن أذن المؤجّر بالزّيادة جاز ، وإلاّ فلا . فجمهور الفقهاء يجيزونه بعد القبض على التّفصيل السّابق . 50 - أمّا قبل القبض فيجوز عند المالكيّة مطلقاً عقاراً كان أو منقولاً ، بمساو أو بزيادة أو بنقصان ، وهو غير المشهور عند الشّافعيّة وأحد الوجهين عند الحنابلة ، لأنّ المعقود عليه هو المنافع ، وهي لا تصير مقبوضةً بقبض العين فلا يؤثّر فيها القبض . وفي المشهور عند الشّافعيّة ووجه آخر عند الحنابلة : لا يجوز ، كما لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز ذلك في العقار دون المنقول . وذهب محمّد إلى عدم الجواز مطلقاً . وهذا الخلاف مبنيّ على اختلافهم في جواز بيع العقار قبل قبضه . وقيل إنّه لا خلاف بينهم في عدم جواز ذلك في الإجارة . 51 - وأمّا إجارة العين المستأجرة للمؤجّر فالمالكيّة والشّافعيّة يجيزونها مطلقاً ، عقاراً أو منقولاً ، قبل القبض أو بعده ، وهو أحد وجهين للحنابلة . والوجه الثّاني لهم أنّه لا يجوز قبل القبض ، بناءً على عدم جواز بيع ما لم يقبض . ومنع الحنفيّة إيجارها للمؤجّر مطلقاً ، عقاراً كان أو منقولاً قبل القبض أو بعده ، ولو بعد مستأجر آخر . وهل إذا أجّرها ثان للمؤجّر الأوّل تبطل الإجارة الأولى ؟ رأيان : الصّحيح لا تبطل والثّاني تبطل ، وذلك لأنّ إيجارها للمؤجّر تناقض ، لأنّ المستأجر مطالب بالأجرة للمؤجّر ، فيصبح دائناً ومديناً من جهة واحدة ، وهذا تناقض .
    المطلب الثّاني
    الأحكام التّبعيّة الّتي يلتزم بها المؤجّر والمستأجر التزامات المؤجّر أ - ( تسليم العين المؤجّرة ) :
    52 - يلتزم المؤجّر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه ، وذلك بتسليمه العين حتّى انتهاء المدّة أو قطع المسافة . ويشمل التّسليم توابع العين المؤجّرة الّتي لا يتحقّق الانتفاع المطلوب إلاّ بها حسب العرف . ويترتّب على أنّ التّسليم تمكين من الانتفاع أنّ ما يعرض أثناء المدّة ممّا يمنع الانتفاع بغير فعل المستأجر يكون على المؤجّر إصلاحه ، كعمارة الدّار وإزالة كلّ ما يخلّ بالسّكن ، مع ملاحظة ما سبق من اشتراط القدرة على التّسليم واشتراط بيان المنفعة وتحديدها . 53 - وفي إجارة العمل يكون الأجير هو المؤجّر لخدماته ، وقيام الأجير بالعمل هو التزامه بالتّسليم . فإن كان العمل يجري في عين تسلّم للأجير - وهو أجير مشترك - كان عليه تسليم المأجور فيه بعد قيامه بالعمل . وإن كان العمل لا يجري في عين تسلّم للأجير فإنّ مجرّد قيامه بالعمل المطلوب يعتبر تسليماً ، كالطّبيب أو السّمسار ، وإن كان الأجير خاصّاً كان تسليم نفسه للعمل في محلّ المستأجر تسليماً معتبراً . وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد .
    ب - ( ضمان غصب العين ) . 54 - جمهور الفقهاء على أنّه إذا غصبت العين في إجارة الأعيان المعيّنة يثبت للمستأجر الخيار بين أن يفسخ العقد ، أو ينتظر مدّةً يسيرةً ليس لمثلها أجر ، ريثما تنتزع من الغاصب . وفي إجارة ما في الذّمّة ليس للمستأجر الفسخ . وعلى المؤجّر الإبدال ، وليس للمستأجر مخاصمة الغاصب في العين . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إن تعذّر بدلها على المؤجّر فللمستأجر الفسخ . وتنفسخ بمضيّ المدّة إن كانت على مدّة ، وإن كانت على عين معيّنة لعمل ، كذا إلى جهة ، كان له الفسخ . وإن كانت على عين معيّنة لمدّة ، خيّر بين الفسخ وبين إبقاء العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل . فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى . وإن كان الغاصب هو المؤجّر فلا أجرة له . ويرى قاضي خان من الحنفيّة أنّه لا تنفسخ الإجارة بغصب العين ، ولو غصبت بعض المدّة فبحسابه . واتّجه صاحب الهداية إلى أنّها تنفسخ بالغصب . أمّا الأجرة فتسقط ، لأنّ تسليم المحلّ إنّما أقيم مقام تسليم المنفعة للتّمكّن من الانتفاع ، فإذا فات التّمكّن بالغصب فات التّسليم . ولذا فإنّ المنفعة لو لم تفت بالغصب ، كغصب الأرض المقرّرة للغرس مع الغرس ، لا تسقط الأجرة .
    ج - ( ضمان العيوب ) :
    55 - يثبت خيار العيب في الإجارة ، كالبيع . والعيب الموجب للخيار فيها هو ما يكون سبباً لنقص المنافع الّتي هي محلّ العقد ولو بفوات وصف في إجارة الذّمّة ، ولو حدث العيب قبل استيفاء المنفعة وبعد العقد . ويكون المستأجر بالخيار بين فسخ العقد وبين استيفاء المنفعة مع الالتزام بتمام الأجر ، على ما سيأتي في موضعه عند الكلام عن الفسخ للعيب .
    التزامات المستأجر : أ - دفع الأجرة ( وحقّ المؤجّر في حبس المعقود عليه ) :
    56 - الأجرة تلزم المستأجر على ما سبق . فإن كانت معجّلةً حقّ للمؤجّر حبس ما وقع عليه العقد حتّى يستوفي الأجرة عند الحنفيّة والمالكيّة وفي قول للشّافعيّة ، لأنّ عمله ملكه ، فجاز له حبسه ، لأنّ المنافع في الإجارة كالمبيع في البيع . ولا يحقّ له ذلك في القول الآخر عند الشّافعيّة ، وهو مذهب الحنابلة ، لأنّه لم يرهن العين عنده . ولكلّ صانع ، لعمله أثر في العين ، كالقصّار والصّبّاغ ، أن يحبس العين لاستيفاء الأجر عند من أجاز له الحبس . وكلّ صانع ، ليس لعمله أثر في العين كالحمّال ، فليس له أن يحبسها عندهم ، لأنّ المعقود عليه نفس العمل ، وهو غير قائم في العين ، فلا يتصوّر حبسه ، خلافاً للمالكيّة حيث أثبتوا له حقّ الحبس .
    ب - استعمال العين حسب الشّرط أو العرف والمحافظة عليها :
    57 - يتّفق الفقهاء على أنّ المستأجر يلزمه أن يتّبع في استعمال العين ما أعدّت له ، مع التّقيّد بما شرط في العقد ، أو بما هو متعارف ، إذا لم يوجد شرط ، وله أن يستوفي المنفعة المعقود عليها ، أو ما دونها من ناحية استهلاك العين والانتفاع بها . وليس له أن ينتفع منها بأكثر ممّا هو متّفق عليه . فإذا استأجر الدّار ليتّخذها سكناً فلا يحقّ له أن يتّخذها مدرسةً أو مصنعاً ، وإن استأجر الدّابّة لركوبه الخاصّ فليس له أن يتّخذها لغير ذلك ، ( على التّفصيل الّذي سيأتي في موضعه عند الكلام عن إجارة الأرض والدّور والدّوابّ ) . وعلى المستأجر إصلاح ما تلف من العين بسبب استعماله . ولا خلاف في أنّ العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر ، فلو هلكت دون اعتداء منه أو مخالفة المأذون فيه ، إلى ما هو أشدّ ، أو دون تقصير في الصّيانة والحفظ ، فلا ضمان عليه ، لأنّ قبض الإجارة قبض مأذون فيه ، فلا يكون مضموناً . وسيأتي تفصيل هذا في موضعه .
    ج - رفع المستأجر يده عن العين عند انتهاء الإجارة :
    58 - بمجرّد انقضاء الإجارة يلزم المستأجر رفع يده عن العين المستأجرة ليستردّها المؤجّر ، فهو الّذي عليه طلب استردادها عند انقضاء الإجارة . وإن استأجر دابّةً ليصل بها إلى مكان معيّن لزم المؤجّر استلامها من هذا المكان ، إلاّ إذا كان الإجارة للذّهاب والعودة . ومن الشّافعيّة من قال : يلزم المستأجر ردّ العين بعد انقضاء الإجارة ، ولو لم يطلبها المؤجّر ، لأنّ المستأجر غير مأذون في إمساكها بعد انقضاء العقد ، فلزمه الرّدّ كالعاريّة . وتفصيل ذلك سيرد في موضعه عند الكلام على أنواع الإجارة .
    الفصل الرّابع انقضاء الإجارة :
    59 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإجارة تنتهي بانتهاء المدّة ، أو بهلاك المعقود عليه المعيّن ، أو بالإقالة . وذهب الحنفيّة إلى أنّها تنقضي أيضاً بموت أحد المتعاقدين ، أو طروء عذر يمنع من الانتفاع بالعين المستأجرة ، وذلك بناءً على أنّهم يرون أنّ الأصل في الأجرة أنّها تتجدّد بتجدّد المنفعة . وذهبت غير الحنفيّة إلى عدم انقضاء الإجارة بهذه الأمور بناءً على أنّهم يرون أنّ الأجرة تثبت بالعقد ، كالثّمن يثبت بنفس البيع . وتفصيل ذلك فيما يلي : أوّلاً - انقضاء المدّة :
    60 - إذا كانت الإجارة محدّدة المدّة ، وانتهت هذه المدّة ، فإنّ الإجارة تنتهي بلا خلاف . غير أنّه قد يوجد عذر يقتضي امتداد المدّة ، كأن تكون أرضاً زراعيّةً ، وفي الأرض زرع لم يستحصد ، أو كانت سفينةً في البحر ، أو طائرةً في الجوّ ، وانقضت المدّة قبل الوصول إلى الأرض . 61 - وإذا كانت الإجارة غير محدّدة المدّة ، كأن يؤجّر له الدّار مشاهرةً كلّ شهر بكذا دون بيان عدد الأشهر ، فإنّ لكلّ ذلك أحكاماً مفصّلةً سيأتي ذكرها .
    ثانياً - انقضاء الإجارة بالإقالة :
    62 - كما أنّ الإقالة جائزة في البيع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « من أقال نادماً بيعته أقال اللّه عثرته يوم القيامة » فهي كذلك جائزة في الإجارة ، لأنّ الإجارة بيع منافع .
    ثالثاً - انقضاء الإجارة بهلاك المأجور :
    63 - تفسخ الإجارة بسبب هلاك العين المستأجرة بحيث تفوت المنافع المقصودة منها كلّيّةً ، كالسّفينة إذا نقضت وصارت ألواحاً ، والدّار إذا انهدمت وصارت أنقاضاً ، وهذا القدر متّفق عليه . وأمّا إذا نقصت المنفعة ففي ذلك خلاف وتفصيل سيأتي في موضعه .
    رابعاً : فسخ الإجارة للعذر :
    64 - الحنفيّة ، كما سبق ، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين ، أو بالمستأجر ( بفتح الجيم ) ، ولا يبقى العقد لا زمّاً ، ويصحّ الفسخ ، إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر ، لأنّه لو لزم العقد حينئذ للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد . فكان الفسخ في الحقيقة امتناعاً من التزام الضّرر ، وله ولاية ذلك . وقالوا : إنّ إنكار الفسخ عند تحقّق العذر خروج عن الشّرع والعقل ، لأنّه يقتضي أنّ من اشتكى ضرسه ، فاستأجر رجلاً ليقلعها ، فسكن الوجع ، يجبر على القلع . وهذا قبيح شرعاً وعقلاً . ويقرب منهم المالكيّة في أصل جواز الفسخ بالعذر ، لا فيما توسّع فيه الحنفيّة ، إذ قالوا : لو كان العذر بغصب العين المستأجرة ، أو منفعتها ، أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة ، أو حمل ظئر - لأنّ لبن الحامل يضرّ الرّضيع - أو مرضها الّذي لا تقدر معه على رضاع ، حقّ للمستأجر الفسخ أو البقاء على الإجارة . 65 - وجمهور الفقهاء على ما أشرنا لا يرون فسخ الإجارة بالأعذار ، لأنّ الإجارة أحد نوعي البيع ، فيكون العقد لازماً ، إذ العقد انعقد باتّفاقهما ، فلا ينفسخ إلاّ باتّفاقهما . وقد نصّ الشّافعيّة على أنّه ليس لأحد العاقدين فسخ الإجارة بالأعذار ، سواء أكانت على عين أم كانت في الذّمّة ، ما دام العذر لا يوجب خللاً في المعقود عليه . فتعذّر وقود الحمّام ، أو تعذّر سفر المستأجر ، أو مرضه ، لا يخوّله الحقّ في فسخ العقد ، ولا حطّ شيء من الأجرة . وقال الأثرم من الحنابلة : قلت لأبي عبد اللّه : رجل اكترى بعيراً ، فلمّا قدم المدينة قال له : فاسخني . قال : ليس ذلك له . قلت : فإن مرض المستكري بالمدينة ، فلم يجعل له فسخاً ، وذلك لأنّه عقد لازم . وإن فسخه لم يسقط العوض . 66 - والعذر كما يرى الحنفيّة قد يكون من جانب المستأجر ، نحو أن يفلس فيقوم من السّوق ، أو يريد سفراً ، أو ينتقل من الحرفة إلى الزّراعة ، أو من الزّراعة إلى التّجارة أو ينتقل من حرفة إلى حرفة ، لأنّ المفلس لا ينتفع بالحانوت ، وفي إلزامه إضرار به ، وفي إبقاء العقد مع ضرورة خروجه للسّفر ضرر به . فلو استأجر شخص رجلاً ليقصر له ثياباً - أي يبيّضها - أو ليقطعها ، أو ليخيطها ، أو يهدم داراً له ، أو يقطع شجراً له ، أو ليقلع ضرساً . ثمّ بدا له ألاّ يفعل ، فله أن يفسخ الإجارة ، لأنّه استأجره لمصلحة يأملها ، فإذا بدا له أن لا مصلحة له فيه صار الفعل ضرراً في نفسه ، فكان الامتناع من الضّرر بالفسخ . 67 - وقد يكون العذر من جانب المؤجّر نحو أن يلحقه دين فادح لا يجد قضاءه إلاّ من ثمن المستأجر - بفتح الجيم - من الإبل والعقار ونحو ذلك . فيحقّ له فسخ الإجارة إذا كان الدّين ثابتاً قبل عقد الإجارة . أمّا إذا كان ثابتاً بعد الإجارة بالإقرار فلا يحقّ له الفسخ به عند الصّاحبين ، لأنّه متّهم في هذا الإقرار ، ويحقّ له عند الإمام ، لأنّ الإنسان لا يقرّ بالدّين على نفسه كاذباً ، وبقاء الإجارة مع لحوق الدّين الفادح العاجل إضرار بالمؤجّر لأنّه يحبس به إلى أن يظهر حاله . ولا يجوز الجبر على تحمّل ضرر غير مستحقّ بالعقد . وقالوا في امرأة آجرت نفسها ظئراً ، وهي تعاب بذلك : لأهلها الفسخ ، لأنّهم يعيّرون بذلك . ومن هذا القبيل إذا ما مرضت الظّئر ، وكانت تتضرّر بالإرضاع في المرض ، فإنّه يحقّ لها أن تفسخ العقد . 68 - ومن صور العذر المقتضي للفسخ عند من يرى الفسخ بالعذر من جانب المستأجر " بفتح الجيم " الصّبيّ إذا آجره وليّه ، فبلغ في مدّة الإجارة ، فهو عذر يخوّل له فسخ العقد ، لأنّ في إبقاء العقد بعد البلوغ ضرراً به . ومن هذا ما قالوا في إجارة الوقف عند غلاء أجر المثل ، فإنّهم قالوا : إنّه عذر يفسخ به متولّي الوقف الإجارة ، ويجدّد العقد في المستقبل على سعر الغلاء ، وفيما مضى يجب المسمّى بقدره . أمّا إذا رخص أجر المثل فلا يفسخ ، مراعاةً لمصلحة الوقف . 69 - وعند وجود أيّ عذر من هذا فإنّ الإجارة يصحّ فسخها إذا أمكن الفسخ . فأمّا إذا لم يمكن الفسخ ، بأن كان في الأرض زرع لم يستحصد ، لا تفسخ . لأنّ في القلع ضرراً بالمستأجر . وتترك إلى أن يستحصد الزّرع بأجر المثل . توقّف الفسخ على القضاء :
    70 - إذا وجد بعض هذه الأعذار ، وكان الفسخ ممكناً ، فإنّ الإجارة تكون قابلةً للفسخ ، كما يرى بعض مشايخ الحنفيّة . وقيل : إنّها تنفسخ تلقائيّاً بنفسها . ويقول الكاسانيّ : الصّواب أنّه ينظر إلى العذر ، فإن كان يوجب الامتناع عن المضيّ فيه شرعاً ، كما في الإجارة على خلع الضّرس ، وقطع اليد المتأكّلة إذا سكن الألم وبرأت من المرض ، فإنّها تنتقض بنفسها . وإن كان العذر لا يوجب العجز عن ذلك ، لكنّه يتضمّن نوع ضرر لم يوجبه العقد ، لا ينفسخ إلاّ بالفسخ . وهو حقّ للعاقد ، إذ المنافع في الإجارة لا تملك جملةً واحدةً ، بل شيئاً فشيئاً ، فكان اعتراض العذر فيها بمنزلة عيب حدث قبل القبض . وهذا يوجب للعاقد حقّ الفسخ دون توقّف على قضاء أو رضاء . وقيل : إنّ الفسخ يتوقّف على التّراضي أو القضاء ، لأنّ هذا الخيار ثبت بعد تمام العقد ، فأشبه الرّدّ بالعيب بعد القبض . وقيل : إن كان العذر ظاهراً فلا حاجة إلى القضاء ، وإن كان خفيّاً كالدّين اشترط القضاء . وهو ما استحسنه الكاسانيّ وغيره . وعند الاختلاف بين المتعاقدين فإنّ الإجارة تفسخ بالقضاء . 71 - وإن طلب المستأجر الفسخ قبل الانتفاع فإنّ القاضي يفسخ ، ولا شيء على المستأجر . وإن كان قد انتفع بها فللمؤجّر ما سمّى من الأجر استحساناً لأنّ المعقود عليه تعيّن بالانتفاع . ولا يكون للفسخ أثر رجعيّ .
    خامساً - انفساخ الإجارة بالموت :
    72 - سبق ذكر أنّ الحنفيّة يرون أنّ الإجارة تنقضي بموت أحد العاقدين اللّذين يعقدان لنفسيهما ، كما تنقضي بموت أحد المستأجرين أو أحد المؤجّرين في حصّته فقط . وقال زفر : تبطل في نصيب الحيّ أيضاً ، لأنّ الشّيوع مانع من صحّة الإجارة ابتداءً ، فأعطاه حكمه . ورجّح الزّيلعيّ الرّأي الأوّل ، وقال : لأنّ الشّروط يراعى وجودها في الابتداء دون البقاء . وعلّل لانفساخ الإجارة بالموت ، فقال : لأنّ العقد ينعقد ساعةً فساعةً بحسب حدوث المنافع ، فإذا مات المؤجّر فالمنافع الّتي تستحقّ بالعقد هي الّتي تحدث على ملكه ، فلم يكن هو عاقداً ولا راضياً بها . وإن مات المستأجر فإنّ المنفعة لا تورث . ولا يظهر الانفساخ إلاّ بالطّلب ، فلو بقي المستأجر ساكناً بعد موت المؤجّر غرّمه الأجر لمضيّه في الإجارة ، ولا يظهر الانفساخ إلاّ إذا طالبه الوارث بالإخلاء . وإذا مات المؤجّر ، والدّابّة أو ما يشبهها في الطّريق . تبقى الإجارة حتّى يصل المستأجر إلى مأمنه . وإذا مات أحد العاقدين والزّرع في الأرض بقي العقد بالأجر المسمّى حتّى يدرك . وذهب بعض فقهاء التّابعين - الشّعبيّ والثّوريّ واللّيث - إلى ما ذهب إليه الحنفيّة من القول بانفساخ الإجارة بموت المؤجّر أو المستأجر ، لأنّ المؤجّر بطل ملكه بموته ، فيبطل عقده . كما أنّ ورثة المستأجر لا عقد لهم مع المؤجّر ، والمنافع المتجدّدة بعد موت مورّثهم لم تكن ضمن تركته . وفي قول عند الشّافعيّة أنّها تبطل بالموت في إجارة الوقف . وسبق القول إنّ الجمهور على أنّ الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين ، لأنّها عقد لازم لا نقضي بهلاك أحدهما ما دام ما تستوفى به المنفعة باقياً . وقد كان رأي الصّحابة والتّابعين أنّ الإجارة لا تنفسخ بالموت . روى البخاريّ في كتاب الإجارة أنّ ابن سيرين قال فيمن استأجر أرضاً فمات المؤجّر : ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل . وقال بذلك الحسن وإياس بن معاوية . وقال ابن عمر « إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر لأهلها ليعملوا فيها ويزرعوها ، ولهم شطر ما يخرج منها » ، فكان ذلك على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر " ولم يذكر أنّ أبا بكر وعمر جدّدا الإجارة .
    سادساً : أثر بيع العين المؤجّرة :
    73 - ذهب الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في الأظهر عندهم ، والمالكيّة إن كان هناك اتّهام ، إلى أنّه لا تفسخ الإجارة بالبيع . وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا لم تكن هناك تهمة ، والشّافعيّ في غير الأظهر ، إلى أنّ الإجارة تفسخ بالبيع . واستدلّ الجمهور بأنّ المعقود عليه في البيع هو العين ، والمعقود عليه في الإجارة هو المنافع ، فلا تعارض . والدّليل على الاتّجاه الثّاني أنّ الإجارة تمنع من التّسليم ، فتناقضا . وممّا ينبغي أن يعلم أنّ الحنفيّة يعتبرون الإجارة عيباً يثبت به للمشتري خيار العيب . وإن كان بيع العين المؤجّرة للمستأجر نفسه فالأصحّ عند الشّافعيّ والحنابلة ، وبالأولى عند غيرهم ، أنّه لا تنفسخ الإجارة . ولا أثر على عقد الإجارة من رهن العين المستأجرة أو هبتها اتّفاقاً . وكذلك الوقف عند الجمهور . وأمّا الحنفيّة فقد اختلفت فتواهم فيه سواء كان على معيّن أو غير معيّن .
    سابعاً - فسخ الإجارة بسبب العيب :
    74 - لا خلاف بين فقهاء المذاهب في أنّه إذا حدث في المعقود عليه عيب في مدّة العقد ، وكان هذا العيب يخلّ بالانتفاع بالمعقود عليه ، ويفوّت المقصود بالعقد مع بقاء العين ، كانجراح ظهر الدّابّة المعيّنة المؤجّرة للرّكوب ، فإنّ ذلك يؤثّر على العقد اتّفاقاً ، ويجعله غير لازم بالنّسبة لمن أضرّ به وجود العيب . فلو اشترى شيئاً فآجره ، ثمّ اطّلع على عيب به ، يكون له أن يفسخ الإجارة ، ويردّ المبيع ، فحقّ الرّدّ بالعيب يكون عذراً يخوّل له فسخ الإجارة وإن سبق له الرّضا بالعيب لأنّ المنافع تتجدّد ، ولا كذلك البيع . وقال أبو يوسف : إن أصاب إبل المؤجّر مرض فله أن يفسخ إذا كانت الإبل مستأجرةً بعينها . وللمستأجر أن يردّ بما يحدث في يده من العيب ، لأنّ المستأجر في يد المستأجر كالمبيع في يد البائع ، فإذا جاز ردّ البيع بما يحدث من عيب في يد البائع جاز بما يحدث من العيب في يد المستأجر . وفي المغني : إذا اكترى عيناً فوجد بها عيباً لم يكن علم به فله فسخ العقد بغير خلاف . 75 - أمّا إذا كان العيب لا يفوّت المنافع المقصودة من العقد ، كانهدام بعض محالّ الحجرات ، بحيث لا يدخل الدّار برد ولا مطر ، وكانقطاع ذيل الدّابّة ، وكانقطاع الماء عن الأرض مع إمكان الزّرع بدون ماء ، فإنّ ذلك وأمثاله لا يكون مقتضياً الفسخ . والعبرة فيما يستوجب الفسخ أو عدمه من العيوب بقول أهل الخبرة . وإذا وجد عيب وزال سريعاً بلا ضرر فلا فسخ . 76 - وقبض العين المستأجرة لا يمنع من طلب الفسخ لحدوث عيب بالعين ، إذ الإجارة تختلف عن البيع في ذلك ، لأنّ الإجارة بيع للمنافع ، والمنافع تحدث شيئاً فشيئاً ، فكان كلّ جزء من أجزاء المنافع معقوداً عليه عقداً مبتدأً . فإذا حدث العيب بالمستأجر كان هذا عيباً حدث بعد العقد وقبل القبض ، وهذا يوجب الخيار في بيع العين ، فكذا في الإجارة ، فلا فرق من حيث المعنى . وفقهاء المذاهب يجمعون على هذا ، على الرّغم من أنّ بعض المذاهب ترى أنّ المنفعة كالعين ، وأنّه يتمّ تسليمها عند التّعاقد إن لم تكن موصوفةً في الذّمّة ، بل صرّح الحنابلة بهذا التّعليل . يقول ابن قدامة : إذا حصل العيب أثناء الانتفاع ثبت للمكتري خيار الفسخ ، لأنّ المنافع لا يحصل قبضها إلاّ شيئاً فشيئاً . إلخ . وإن زال العيب قبل الفسخ - بأن زال العرج عن الدّابّة أو بادر المكري إلى إصلاح الدّار - لا يكون للمستأجر حقّ الرّدّ وبطل حقّه في طلب الفسخ ، لأنّه لا يلحقه الضّرر .
    الفصل الخامس الاختلاف بين المؤجّر والمستأجر 77 - قد يقع اختلاف بين المؤجّر والمستأجر في بعض أمور تتعلّق بالإجارة ، كالمدّة والعوض والتّعدّي ، والرّدّ ونحو ذلك . فلمن يكون القول عند انعدام البيّنة ؟ وقد أورد الفقهاء ( على اختلاف مذاهبهم ) صوراً شتّى في هذا الأمر . وترجع آراؤهم كلّها إلى تحديد كلّ من المدّعي والمدّعى عليه ، فيكون على المدّعي البيّنة ، والقول مع اليمين للمدّعى عليه . وللظّاهر مدخل في تحديد كلّ منهما . فمن شهد له الظّاهر فهو المدّعى عليه ، والقول قوله ، ومن طلب حقّاً على الآخر فهو المدّعي . والفروع الّتي سيقت في هذا الباب ( مع كثرتها ) ترجع إلى هذا الأصل . وتفصيل ذلك في مصطلح ( دعوى ) .
    الفصل السّادس كيفيّة استعمال العين المأجورة 79 - الإجارة قد تكون على منقول - حيوان أو غيره - وقد تكون على غير منقول . كما قد تكون إجارة أشخاص ، سواء أكان الأجير خاصّاً أم مشتركاً . وقد تتميّز بعض هذه الأنواع بأحكام خاصّة ، وسيأتي بيانها بحسب كلّ نوع منها . وعالج الفقهاء ما كان في العهود السّابقة من إجارة أنواع من العروض فاختلفوا في بعض الصّور من حيث كيفيّة استعمالها . وبالنّظر في هذه الصّور يتبيّن أنّ آراءهم مبنيّة على الأسس الآتية : أ - إذا كان هناك شرط معتبر شرعاً وجب الالتزام به .
    ب - إذا كانت طبيعة المأجور ممّا يتأثّر باختلاف الاستعمال وجب ألاّ تستعمل على وجه ضار ، ويجوز استعمالها على وجه أخفّ .
    ج - مراعاة العرف في الاستعمال سواء كان عرفاً عامّاً أو خاصّاً . وما يوجد في كتب الفقه من فروع تطبيقيّة يوهم ظاهرها الاختلاف فإنّه يرجع إلى هذه الأسس .
    الفصل السّابع أنواع الإجارة بحسب ما يؤجّر الفرع الأوّل إجارة غير الحيوان القاعدة العامّة فيما يجوز إجارته أنّ كلّ ما يجوز بيعه تجوز إجارته ، لأنّ الإجارة بيع منافع ، بشرط ألاّ تستهلك العين في استيفاء المنفعة ، فضلاً عن جواز إجارة بعض ما لا يجوز بيعه ، كإجارة الحرّ ، وإجارة الوقف ، وإجارة المصحف عند من لا يجيز بيعه . كما يشترط في المنفعة أن تكون مقصودةً لذاتها بحسب العرف . وما ورد من خلاف بين الأئمّة في بعض الصّور فمرجعه إلى اختلاف العرف .
    المبحث الأوّل إجارة الأراضي 80 - إجارة الأراضي مطلقاً لذاتها جائزة . وقيّد الشّافعيّة جواز استئجار الأرض ببيان الغرض من استئجارها ، وذلك لتفاوت الأغراض واختلاف أثرها . فإذا كانت مع غيرها من ماء أو مرعى أو زرع أو نحو ذلك فسيأتي حكمها : أ - ( إجارة الأرض مع الماء أو المرعى ) :
    81 - يجوز ذلك في الجملة اتّفاقاً ، لكنّ الحنفيّة لا يجيزون إجارة الآجام والأنهار للسّمك ، ولا المرعى للكلأ ، قصداً ، وإنّما يؤجّر له الأرض فقط ، ثمّ يبيح المالك للمستأجر الانتفاع بالكلأ ، وذلك لأنّ الانتفاع بالكلأ لا يكون إلاّ باستهلاك عينه . أمّا عند غير الحنفيّة فيجوز العقد على الأرض والكلأ معاً ، ويدخل الكلأ تبعاً . وبين فقهاء الحنفيّة اختلاف في استئجار طريق خاصّ يمرّ فيه ، أو يمرّ النّاس فيه ، فإنّه يجوز عند الصّاحبين ولا يجوز عند الإمام .
    ب - ( إجارة الأراضي الزّراعيّة ) :
    82 - فقهاء المذاهب يجيزون إجارة الأرض للزّراعة ، وجمهور الفقهاء على وجوب تعيين الأرض وبيان قدرها ، فلا تجوز إجارة الأراضي إلاّ عيناً ، لا موصوفةً في الذّمّة . بل اشترط الشّافعيّة والحنابلة لمعرفة الأرض رؤيتها ، لأنّ المنفعة تختلف باختلاف معدن الأرض وموقعها وقربها من الماء ، ولا يعرف ذلك إلاّ بالرّؤية ، لأنّها لا تنضبط بالصّفة . ولم يشترط المالكيّة الرّؤية ، فأجازوا إجارة الأرض بقوله : أكريك فدّانين من أرضي الّتي بحوض كذا ، أو مائة ذراع من أرضي الفلانيّة ، إذا كان قد عيّن الجهة الّتي يكون منها ذلك القدر ، كأن يقول : من الجهة البحريّة ، أو لم يعيّن الجهة ، لكن تساوت الأرض في الجودة والرّداءة بالنّسبة للأرض الزّراعيّة . فإن لم تعيّن الجهة ، واختلفت الأرض من ناحية الجودة والرّداءة ، فلا يجوز إلاّ بالتّعيين ، إلاّ إذا كان يؤجّر له قدراً شائعاً منها كالرّبع والنّصف ، فإنّه يجوز دون تعيين الجهة الّتي يكون فيها الجزء . واشترط الجمهور لجواز ذلك أن يكون لها ماء مأمون دائم للزّراعة ، يؤمن انقطاعه ، لأنّ الإجارة لا تجوز إلاّ على عين يمكن استيفاء المنفعة منها ، فتصحّ إجارة الأرض الزّراعيّة ، ما دامت تسقى من نهر لم تجر العادة بانقطاعه وقت طلب السّقي ، أو من عين أو بركة أو بئر أو أمطار تقوم بكفايتها ، أو بها نبات يشرب بعروقه من ماء قريب تحت سطح الأرض . وهذا ما صرّح به كلّ من الشّافعيّة والحنابلة ، وهو مقتضى ما اشترطه الحنفيّة من أن تكون المنفعة المعقود عليها مقدورةً حقيقةً وشرعاً . أمّا المالكيّة فقد أجازوا كراء أرض المطر للزّراعة ، ولو لسنين طويلة ، إن لم يشترط النّقد ، سواء حصل نقد بالفعل تطوّعاً بعد العقد أم لا . أمّا إذا كانت الأرض مأمونةً لتحقّق ريّها من مطر معتاد ، أو من نهر لا ينقطع ماؤه ، أو عين لا ينضب ماؤها ، فيجوز كراؤها بالنّقد ولو لمدّة طويلة . وقالوا : إنّه يجب النّقد في الأرض المأمونة بالرّيّ بالفعل والتّمكّن من الانتفاع بها . وإذا وقع العقد على منفعة أرض الزّراعة ، وسكت عن اشتراط النّقد وعدمه ، أو اشترط عدمه حين العقد ، فإنّه يقضى به في الأرض الّتي تسقى بماء الأنهار الدّائمة إذا رويت وتمكّن من الانتفاع بها بكشف الماء عنها ، وأمّا الأرض الّتي تسقى بالمطر والعيون والآبار فلا يقضى بالنّقد فيها . لكنّ الشّافعيّة والحنابلة اشترطوا أن يكون الماء مأموناً كماء العين ونحوه ، إلاّ إذا تمّ زرعها واستغنى عن الماء . واتّفق الفقهاء على أنّ ما لا يتمّ الانتفاع بالأرض إلاّ به كالشّرب والطّريق يدخل تبعاً في عقد الإجارة وإن لم ينصّ عليه . إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها :
    83 - إذا كانت أجرتها ممّا تنبته ففي ذلك خلاف ، فالحنفيّة والحنابلة أجازوا إجارتها ببعض الخارج منها ، لأنّها منفعة مقصودة معهودة فيها ، ومنع المالكيّة والشّافعيّة إجارتها ببعض ما يخرج منها قياساً على قفيز الطّحّان ، وقيّدوا جواز تأجيرها للزّراعة بأن يكون لها ماء تسقى به ، ولو ماء المطر ، إلاّ إذا كانت الإجارة لمدّة طويلة ، فاشترطوا أن تكون مأمونة الرّيّ .
    المدّة في الأرض الزّراعيّة :
    84 - يجوز إيجار الأرض للزّراعة لمدّة معلومة كسنة ونحوها ، ولو إلى عشر سنين أو أكثر ، اتّفاقاً ، حتّى قال الشّافعيّة : تصحّ إجارة الأرض لمائة سنة أو أكثر ، ولو وقفاً ، لأنّ عقد الإجارة على العين يصحّ مدّةً تبقى فيها العين إليها . وفي قول عندهم : لا تزاد على ثلاثين سنةً ، لأنّ الغالب تغيّر الأشياء بعدها . وفي قول عندهم أيضاً : لا يزاد على سنة ، لأنّ الحاجة تندفع بها . وقال الحنفيّة : إذا كانت الأرض موقوفةً فأجّرها المتولّي إلى مدّة طويلة ، فإن كان السّعر بحاله لم يزد ولم ينقص ، فإنّه يجوز ، إلاّ إذا كان الواقف شرط ألاّ يؤجّرها أكثر من سنة ، فإنّه لا يجوز مخالفة شرط الواقف ، إلاّ إذا كان إيجارها لأكثر من سنة أنفع للوقف .
    اقتران صيغة الإجارة ببعض الشّروط :
    85 - عقد الإجارة يقبل الاقتران بالشّرط اتّفاقاً . لكن إذا كان الشّرط ممّا يبقى أثره في الأرض بعد انقضاء مدّة الإجارة ففيه كلام ، لأنّ هذا الشّرط ينتج تحقيق مصلحة لأحد العاقدين . فإذا كان الشّرط يقتضيه العقد فذكره لا يوجب الفساد كاشتراط الكراب والسّقي ، لأنّ الزّراعة لا تتأتّى إلاّ به . وإن شرط أن يثنيها - أي يحرثها مرّةً ثانيةً - ويكري أنهارها ونحو ذلك ، ممّا تبقى فائدته في الأرض بعد انقضاء المدّة ، وليس من مقتضيات العقد ، فهو شرط فاسد عند الحنفيّة تفسد به الإجارة عندهم ، لكنّ المالكيّة أجازوا اشتراط أن يسمّدها بنوع معيّن وقدر معيّن من السّماد ، لأنّه منفعة تبقى في الأرض ، فهو جزء من الأجرة . أمّا إذا شرط عليه أن يزرع بنفسه فقط ، أو أن يزرع قمحاً فقط ، فإنّه شرط مخالف لمقتضى العقد ، ولا يلزم الوفاء به ، فله أن يزرع بنفسه وبغيره ، وله أن يزرع قمحاً أو ما هو مثله أو أقلّ منه ضرراً بالأرض ، لا ما هو أكثر . وعلّلوا ذلك بأنّه شرط لا يؤثّر في حقّ المؤجّر ، فألغي ، وبقي العقد على مقتضاه . وفي وجه عند الشّافعيّة أنّ الإجارة تبطل ، لأنّه شرط فيها ما ينافي موجبها . وفي وجه آخر أنّ الإجارة جائزة ، والشّرط لازم ، لأنّ المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجّر ، فلا يملك ما لم يرض به . 86 - وجمهور الفقهاء ( المالكيّة والحنابلة والصّحيح عند الشّافعيّة ) أنّه يجب أن يبيّن جنس ما يستأجر له الأرض ، زراعةً أو غراساً ، دون حاجة لبيان نوع ما يزرع أو يغرس . وعلّة ذلك أنّ الغراس قد يكون أضرّ بالأرض من الزّرع ، وتأثير ذلك في الأرض يختلف . أمّا التّفاوت بين الزّرعين فقليل لا يضرّ . وإذا لم يعيّن ، ولم يكن هناك عرف ، فلا يجوز ، للجهالة ، خلافاً لابن القاسم الّذي أجاز ، وقال : يمنع المكتري من فعل ما يضرّ بالأرض . أمّا إذا قال له : آجرتكها لتزرعها أو تغرسها ، فإنّه لا يصحّ ، لأنّه لم يعيّن أحدهما ، فوجدت جهالة . وإذا قال له : آجرتك لتزرعها وتغرسها ، صحّ العقد عند الحنابلة ، وله أن يزرعها كلّها ما شاء ، أو أن يغرسها كلّها ما شاء . وفي قول عند الشّافعيّة : يصحّ ، وله أن يزرع النّصف ، ويغرس النّصف ، لأنّ الجمع يقتضي التّسوية . وفي القول الثّاني : لا يصحّ ، لأنّه لم يبيّن المقدار من كلّ واحد منها . أمّا إن أطلق ، وقال : آجرتك لتنتفع بها ما شئت ، فله الزّرع والغرس والبناء عند الحنابلة ، للإطلاق . وللشّافعيّة ، في الأرض الّتي لا ماء لها ، ولم يذكر أنّه يكتريها للزّراعة ، وجهان : أحدهما : لا يصحّ ، لأنّ الأرض عادةً تكترى للزّراعة ، فصار كما لو شرط أنّه اكتراها للزّراعة . والثّاني : يصحّ إذا كانت الأرض عاليةً لا يطمع في سقيها ، لأنّه يعلم أنّه لم يكترها للزّراعة . وإن كانت منخفضةً يطمع في سقيها بسوق الماء إليها من موضع آخر ، لم تصحّ ، لأنّه اكتراها للزّراعة مع تعذّر الزّراعة ، لأنّ مجرّد الإمكان لا يكفي ، إذ لا بدّ من أن يغلب على الظّنّ وصول الماء إليها على الأرجح . وقال الحنفيّة والشّافعيّة في مقابل الصّحيح عندهم : لا بدّ من تعيين ما تستأجر له الأرض من زراعة أو غراس . ولا بدّ أيضاً من بيان نوع ما يزرع أو يغرس ، وإلاّ فسد العقد ، لأنّ الأرض تستأجر للزّراعة وغيرها ، وما يزرع فيها منه ما يضرّ بالأرض وما لا يضرّ ، فلم يكن المعقود عليه معلوماً . ولذا وجب البيان ، أو يجعل له أن ينتفع بها ما شاء . وحكي عن ابن سريج أيضاً أنّه قال : لا يصحّ حتّى يبيّن الزّرع ، لأنّ ضرره يختلف . وقال الحنفيّة : إن زرعها مع ذلك الفساد ، ومضى الأجل ، فللمؤجّر المسمّى ، استحساناً ، وفي القياس لا يجوز ، وهو قول زفر ، لأنّ العقد وقع فاسداً ، فلا ينقلب جائزاً . ووجه الاستحسان أنّ الجهالة ارتفعت قبل تمام العقد .
    أحكام إجارة الأرض الزّراعيّة : التزامات المؤجّر :
    87 - يجب تسليم الأرض خاليةً إلى المستأجر . فإن استأجر أرضاً فيها زرع لآخر ، أو ما يمنع الزّراعة ، لم تجز الإجارة ، لعدم القدرة على استيفاء المعقود عليه . فإن قلع ذلك قبل تسليم الأرض جاز . وقال الحنابلة : لو كانت مشغولةً ، وخلت أثناء المدّة ، فإنّها تصحّ فيما خلت فيه من المدّة بقسطه من الأجرة . وإذا كان ذلك ممّا يختلف رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة .
    ( التزامات المستأجر ) :
    88 - أوّلاً : يجب على المستأجر أن يدفع الأجرة المشروطة في العقد حسب الاشتراط ، فقد نصّوا على لزوم الكراء بالتّمكين من التّصرّف في العين الّتي اكتراها وإن لم تستعمل . وقد اتّجه الفقهاء في الجملة إلى أنّه إن انقطع عنها الماء ، أو غرقت ولم ينكشف عنها الماء ، ونحو ذلك ممّا يمنع تمكّنه من زراعتها ، فإنّه لا يلزمه الأجر . لكن لهم تفصيلات ينبغي الإشارة إليها . فالحنفيّة ينصّون على أنّ انقطاع الماء عن الأرض الّتي تسقى بماء النّهر أو ماء المطر يسقط الأجر . وكذا إن غرقت الأرض قبل أن يزرعها ومضت المدّة . وكذا لو غصبها غاصب . أمّا إن زرعها ، فأصاب الزّرع آفة ، فهلك الزّرع ، أو غرقت بعد الزّرع ولم ينبت ، ففي إحدى روايتين عن محمّد : يكون عليه الأجر كاملاً والمختار في الفتوى أنّه لا يكون عليه أجر لما بقي من المدّة بعد هلاك الزّرع . ويقرب من ذلك قول المالكيّة ، إذ قالوا : إنّ الأجر لا يجب بانقطاع الماء عن الأرض ، أو إغراقه لها من قبل أن يزرعها وحتّى انقضاء المدّة . أمّا إن تمكّن ، ثمّ فسد الزّرع لجائحة لا دخل للأرض فيها ، فيلزمه الكراء ، غير أنّهم قالوا : إذا انعدم البذر عموماً عند أهل المحلّة ملكاً أو تسليفاً فلا يلزمه الكراء ، وكذا إذا سجن المكتري بقصد تفويت الزّرع عليه ، فيكون الكراء على ساجنه . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إن اكترى أرضاً للزّراعة ، فانقطع ماؤها ، فالمكتري بالخيار بين فسخ العقد ، لأنّ المنفعة المقصودة قد فاتت ، وبين إبقائه لأنّ العين باقية يمكن الانتفاع بها ، وإنّما نقصت منفعتها ، فثبت له الخيار ، كما لو حدث به عيب . وقالوا : إذا زرع الأرض الّتي اكتراها ثمّ هلك الزّرع بزيادة المطر أو شدّة البرد أو أكل الجراد ، لم يجز له الرّدّ ، لأنّ الجائحة حدثت على مال المستأجر . وقالوا : إن اكترى أرضاً غرقت بالماء لزراعة ما لا يثبت في الماء ، كالحنطة والشّعير ، فإن كان للماء مغيض إذا فتح انحسر الماء عن الأرض ، وقدر على الزّراعة ، صحّ العقد ، وإلاّ لم يصحّ العقد . وإن كان يعلم أنّ الماء ينحسر ، وتنشّفه الرّيح ، ففيه وجهان عند الشّافعيّة : أحدهما : لا يصحّ ، لأنّه لا يمكن استيفاء المنفعة في الحال . والثّاني : يصحّ . وهو الصّحيح ، لأنّه يعلم بالعادة إمكان الانتفاع به . 89 - ثانياً : يجب على المستأجر أن ينتفع بالأرض في حدود المعروف والمشروط ، لا بما هو أكثر ضرراً ، وهذا موضع اتّفاق . وذهب عامّة أهل العلم إلى أنّه يجوز أن يزرع الأرض الزّرع المتّفق عليه ، أو مساويه ، أو أقلّ منه ضرراً . غير أنّ الحنفيّة قالوا : من اكترى أرضاً ليزرعها حنطةً فليس له أن يزرعها قطناً . وإذا زرعها ضمن قيمة ما أحدثه ذلك في الأرض من نقصان ، واعتبر غاصباً للأرض . وقد سبق أنّهم يشترطون تعيين نوع ما يزرع . وقال الشّافعيّة في ذلك : يلزمه أجر المثل ، لأنّه تعدّى ، والزّيادة غير منضبطة ، وتفضي إلى منازعة . وفي قول آخر لهم : يلزمه المسمّى وأجر المثل للزّيادة . وفي قول : إنّ مالك الأرض يكون بالخيار بين أن يأخذ المسمّى وأجر المثل للزّيادة ، أو أن يأخذ أجر المثل للجميع . وعند الحنابلة : لو اشترط نوعاً معيّناً من الزّرع كالقمح ، فلهم رأيان : قيل : لا يجوز هذا الشّرط ، لأنّ المعقود عليه منفعة الأرض ، وإنّما ذكر القمح لتقدّر به المنفعة . والثّاني أنّه يتقيّد بهذا الشّرط حسب الاتّفاق ، فيكون شرطاً لا يقتضيه العقد . وهذا اختيار القاضي من علمائهم .
    انقضاء إجارة الأرض الزّراعيّة :
    90 - إذا كانت الإجارة على مدّة ، وانقضت المدّة ، انقضت الإجارة اتّفاقاً . ويبقى الزّرع في الأرض إذا كان لم يحن حصاده . وعليه الأجر المسمّى عن المدّة ، زائداً أجر المثل عن المدّة الزّائدة . ولفقهاء المذاهب بعض تفصيلات في ذلك ، وفيما إذا كانت الأرض استأجرها للغراس لا للزّرع : فقال الحنفيّة : إذا استأجرها ليغرس بها شجراً ، وانقضت المدّة ، لزمه أن يقلع الشّجر ويسلّم الأرض فارغةً . وقيل : يتركها بأجر المثل ، إلاّ أن يختار صاحب الأرض أن يغرم قيمة ذلك مقلوعاً إن كان في قلعها ضرر فاحش بالأرض . وإلاّ قلعها من غير ضمان النّقص له . لأنّ تقدير المدّة في الإجارة يقتضي التّفريغ عند انقضائها ، كما لو استأجرها للزّرع . ولا يبعد المالكيّة عن الحنفيّة في شيء من هذا ، غير أنّ بعضهم قيّد بقاء الزّرع في الأرض للحصاد بأجر المثل بما إذا كان المكتري يعلم وقت العقد أنّ الزّرع يتمّ حصاده في المدّة ، وإلاّ جاز للمؤجّر أمره بالقلع . 91 - أمّا الشّافعيّة فقد فصّلوا ، وقالوا : إن اكترى أرضاً لزرع معيّن لا يستحصد في المدّة ، واشترط التّبقية ، فالإجارة باطلة ، لأنّه شرط ينافي مقتضى العقد . فإن بادر وزرع لم يجبر على القلع ، وعليه أجرة المثل . وإن شرط القلع فالعقد صحيح ، ويجبر على ذلك . وإن لم يشترط شيئاً من ذلك فقيل : يجبر على القلع ، لأنّ العقد على مدّة ، وقد انقضت . وقيل : لا يجبر ، لأنّ الزّرع معلوم . ولزمه أجر المثل للزّائد . وإن كان الزّرع غير معيّن ، فإن كان بتفريط منه ، فللمكتري أن يجبره على قلعه ، لأنّه لم يعقد إلاّ على المدّة . وإن كان لعذر ، فقيل : يجبر أيضاً . وقيل : لا يجبر . وهو الصّحيح ، لأنّه تأخّر من غير تفريط منه . وعليه المسمّى إلى نهاية المدّة ، وأجرة المثل لما زاد . وفي الغراس قالوا : إنّه يجوز اشتراط التّبقية ، لأنّ العقد يقتضيه . وإن شرط عليه القلع أخذ بالشّرط ، ولا يلزمه تسوية الأرض . وإن أطلق لم يلزمه القلع ، إذ العادة في الغراس التّبقية إلى أن يجفّ ويستقلع . وإن اختار القلع ، وكان قبل انقضاء المدّة ، فقيل : يلزمه تسوية الأرض ، لأنّه قلع الغراس من أرض غيره بغير إذنه . وقيل لا يلزمه ، لأنّ قلع الغراس من أرض له عليها يد . وإن كان بعد انقضاء المدّة لزمه تسوية الأرض ، وجهاً واحداً . وإن اختار المكتري التّبقية فإن أراد صاحب الأرض دفع قيمة الغراس وتملّكه أجبر المكتري على ذلك . وإن أراد أن يقلعه ، وكانت قيمة الغراس لا تنقص بالقلع ، أجبر المكتري على القلع . ولا يبعد رأي الحنابلة عمّا قاله الشّافعيّ في جملته غير أنّهم قالوا : إذا كان تأخير الزّرع لتفريط منه فحكمه حكم زرع الغاصب . ويخيّر المالك بعد المدّة بين أخذه بالقيمة ، أو تركه بالأجر لما زاد على المدّة . وإن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال فله ذلك . وقال القاضي : إنّ على المستأجر ذلك . وإن اتّفقا على تركه بعوض جاز . وإن كان بقاؤه بغير تفريط لزم المؤجّر تركه إلى أن ينتهي ، وله المسمّى ، وأجر المثل لما زاد . وإذا استؤجرت الأرض مدّةً للزّراعة ، ومات المؤجّر أو المستأجر ، قبل أن يستحصد الزّرع كان من حقّ المستأجر أو ورثته بقاء الأرض حتّى حصاد الزّرع ، وذلك بأجر المثل ، على أن يكون ذلك من مال الورثة دون مال الميّت . وقد سبق أنّ وفاة المؤجّر ، أو المستأجر ، ممّا ينهي عقد الإجارة عند الحنفيّة ، خلافاً للمذاهب الأخر .
    المبحث الثّاني
    إجارة الدّور والمباني بم تعيّن المنفعة فيها ؟ 92 - لا يعلم خلاف بين فقهاء المذاهب في ضرورة تعيين الدّار المستأجرة ، وأنّه إذا تغيّرت هيئتها الأولى الّتي رآها عليها بما يضرّ بالسّكن يثبت له خيار العيب . وإذا كان استأجر داراً قد تعيّنت بالوصف ، ولم يرها قبل العقد ولا وقته ، ثبت له حقّ خيار الرّؤية عند من يقولون به . ولا يعلم خلاف أيضاً في أنّ إجارة الدّور ممّا لا تختلف في الاستعمال عادةً ، فيصحّ استئجار الدّار أو الحانوت مع عدم بيان ما يستأجرها له ، لأنّ الدّور إنّما تكون للسّكن عادةً ، والحانوت للتّجارة أو الصّناعة . ويرجع إلى العرف أيضاً في كيفيّة الاستعمال ، والتّفاوت في السّكن يسير فلم يحتج إلى ضبطه . 93 - إذا شرط المؤجّر على المستأجر ألاّ يسكن غيره معه فالحنفيّة يرون أنّ الشّرط لاغ والعقد صحيح ، فله أن يسكن غيره معه . وذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار الشّرط ، فليس له أن يسكن غيره معه ، إلاّ ما جرى به العرف . وذهب الشّافعيّة إلى فساد الشّرط والعقد ، لأنّ هذا الشّرط لا يقتضيه العقد ، وفيه منفعة للمؤجّر ، فيكون شرطاً فاسداً ، ويفسد به العقد . وإذا لم يكن هناك شرط فالعبرة في ذلك بعدم الضّرر أوّلاً ، والرّجوع للعرف ثانياً . وللمستأجر أن ينتفع بالدّار والحانوت كيف شاء في حدود المتعارف ، بنفسه وبغيره ممّن لا يزيد ضرره عنه . وليس له أن يجعل فيها ما يوهن البناء كالحدادة والقصارة . وتدخل في إجارة الدّور والحوانيت توابعها ، ولو بدون ذكرها في العقد ، لأنّ المنفعة لا تتحقّق إلاّ بها . 94 - وبيان المنفعة في إجارة الدّور ببيان المدّة فقط ، لأنّ السّكنى مجهولة المقدار في نفسها ، ولا تنضبط بغير ذلك . وليس لمدّة الإجارة حدّ أقصى عند الجمهور ، فتجوز المدّة الّتي تبقى فيها وإن طالت . وهو قول أهل العلم كافّةً . وفي قول عند الشّافعيّة : لا تجوز أكثر من سنة . وفي قول : إنّها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنةً . وقال به المالكيّة بالنّقد والمؤجّل . وتبدأ المدّة من الوقت المسمّى في العقد . فإن لم يكونا سمّيا وقتاً فمن حين العقد . ويقول المالكيّة : يجوز عدم بيان ابتداء المدّة لسكنه شهراً أو سنةً مثلاً . ويحمل من حين العقد وجيبةً ( أي مدّةً محدّدةً لا تتجدّد بنفس العقد ) أو مشاهرةً . فإن وقع العقد في أثناء الشّهر فثلاثون يوماً من يوم العقد . أمّا الشّافعيّة فقالوا : لا تجوز إجارة الدّور إلاّ لمدّة معلومة الابتداء والانتهاء . فإن قال : آجرتك هذه الدّار شهراً ، ولم يحدّد الشّهر ، لم يصحّ ، لأنّه ترك تعيين المعقود عليه ، وهو الشّهر ، في عقد شرط فيه التّعيين ، كما لو قال : بعتك داراً . 95 - وإذا وقعت الإجارة على مدّة يجب أن تكون معلومةً . ولا يشترط أن تلي العقد مباشرةً ، خلافاً للشّافعيّ في أحد قوليه . فإذا قال : آجرتك داري كلّ شهر بدرهم ، فالجمهور على أنّها صحيحة . وتلزم الإجارة في الشّهر الأوّل بإطلاق العقد ، لأنّه معلوم بالعقد ، وما بعده من الشّهور يلزم العقد فيه بالتّلبّس به ، وهو السّكنى في الدّار ، لأنّه مجهول حال العقد ، فإذا تلبّس به تعيّن بالدّخول فيه ، فصحّ بالعقد الأوّل . وإن لم يتلبّس به ، أو فسخ العقد عند انقضاء الشّهر الأوّل ، انفسخ . وفي الصّحيح عند الشّافعيّ أنّ الإجارة لا تصحّ . وقال به بعض فقهاء الحنابلة ، لأنّ كلمة " كلّ " اسم للعدد ، فإذا لم يقدّره كان مبهماً مجهولاً . وإذا قال : آجرتك داري عشرين شهراً ، كلّ شهر بدرهم ، جاز بغير خلاف ، لأنّ المدّة معلومة ، وأجرها معلوم . وفي قول عند الشّافعيّة : تصحّ في الشّهر الأوّل المعلوم ، وتبطل في الباقي المجهول . وإن قال آجرتكها شهراً بدرهم ، وما زاد فبحساب ذلك ، صحّ في الشّهر الأوّل ، لأنّه أفرده بالعقد ، وبطل في الزّائد ، لأنّه مجهول . ويحتمل أن يصحّ في كلّ شهر تلبّس به . 96 - وإن قدّرت مدّة الإجارة بالسّنين ، ولم يبيّن نوعها ، حمل على السّنة الهلاليّة ، لأنّها المعهودة في الشّرع . وإن استأجر سنةً هلاليّةً أوّل الهلال عدّ اثنا عشر شهراً بالأهلّة ، ثمّ يكمّل المنكسر ثلاثين يوماً . روي هذا عن أبي حنيفة والشّافعيّ وأحمد . وروي عنهم أيضاً أنّه يستوفى في الجميع بالعدد وإن استأجر الدّار بالسّنة الشّمسيّة أو الرّوميّة أو القبطيّة ، فإنّه يصحّ في رواية عن الشّافعيّ ، لأنّ المدّة معلومة . وهو مذهب أحمد إن كانا يعلمان أيّامها . والرّواية الثّانية عن الشّافعيّ : لا يصحّ ، إذ في السّنة الشّمسيّة أيّام نسيء ، وهو مذهب أحمد إن كانا يجهلانها . وإن آجره له إلى العيد انصرف إلى أوّل عيد يأتي ، الفطر أو الأضحى . وإن أضافه إلى عيد من أعياد الكفّار صحّ إذا علماه . 97 - وبالنّسبة للأجرة فإذا آجرها سنةً بعشرة دراهم جاز ، وإن لم يبيّن قسط كلّ شهر ؛ لأنّ المدّة معلومة ، فصار كالإجارة شهراً واحداً . غير أنّ المالكيّة لهم تأويلان في كونه وجيبةً ، لاحتمال إرادة سنة واحدة ، فكأنّه يقول : هذه السّنة . وهو تأويل ابن لبابة . والأكثر ، بل هو ظاهر المدوّنة : أو غير وجيبة ، لاحتمال إرادة كلّ سنة . وهو تأويل أبي محمّد صالح . 98 - إذا استأجر ذمّيّ داراً من مسلم على أنّه سيتّخذها كنيسةً أو حانوتاً لبيع الخمر ، فالجمهور ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأصحاب أبي حنيفة ) على أنّ الإجارة فاسدة ، لأنّها على معصية . وانفرد أبو حنيفة بالقول بجواز ذلك ، لأنّ العقد وارد على منفعة البيت مطلقاً ، ولا يتعيّن على المستأجر اتّخاذها لتلك المعصية . وفي هذا التّعليل ما فيه . أمّا إذا استأجر الذّمّيّ داراً للسّكنى مثلاً ، ثمّ اتّخذها كنيسةً ، أو معبداً عاماً ، فالإجارة انعقدت بلا خلاف . ولمالك الدّار ، وللمسلم عامّةً ، منعه حسبةً ، كما يمنع من إحداث ذلك في الدّار المملوكة للذّمّيّ .
    التزامات المؤجّر والمستأجر في إجارة الدّور :
    99 - يجب على المؤجّر تمكين المستأجر من الانتفاع . ويلزم المستأجر الأجر من وقت التّمكين ، ولو لم يستوف المنفعة . وإذا انقضت المدّة من غير التّمكين لا يستحقّ المؤجّر شيئاً ، ولو مضى من العقد مدّة قبل التّمكين فلا يلزمه أجر ما مضى قبل التّمكين . ومن حقّ المؤجّر حبس الدّار لاستيفاء الأجرة المشترط تعجيلها . ومن مقتضى التّمكين ألاّ تعود الدّار لحيازة المؤجّر بشرط في العقد . وما دام يجوز له أن ينتفع بالمعقود عليه بنفسه أو بغيره فإنّه يجوز له إيجارها للغير بمثل ما استأجرها به أو أكثر ، من غير جنس ما استأجر به ، أو من جنسه ، وكان وضع فيها شيئاً من ماله ( كالمساكن المفروشة ) فإنّ الزّيادة تحلّ له مع اتّحاد الجنس . وهذا إذا لم يكن هناك شرط يمنع إسكان غيره ، على ما سبق . كما يلزم المؤجّر عمارة الدّار وإصلاح كلّ ما يخلّ بالسّكنى . فإن أبى حقّ للمستأجر فسخ العقد إلاّ إذا كان استأجرها على حالها . وهذا عند جمهور الفقهاء . ومذهب المالكيّة وقول عند الحنفيّة لا يجبر الآجر على إصلاح لمكتر مطلقاً ، ويخيّر السّاكن بين السّكنى ، ويلزمه الكراء كاملاً ، والخروج منها . ولو أنفق المكتري شيئاً في الإصلاح من غير إذن وتفويض من المؤجّر ، فهو متبرّع . وعند انقضاء المدّة خيّر ربّ الدّار بين دفع قيمة الإصلاح منقوضاً أو أمره بنقضه إن أمكن فصله . ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر ، لأنّه يؤدّي إلى جهالة الأجرة ، فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتّفاق المذاهب . وإن سكن المستأجر ، لزمه أجر المثل ، وله ما أنفق على العمارة ، وأجر مثله في القيام عليها إن كان فعل ذلك بإذنه ، وإلاّ كان متبرّعاً . غير أنّ المالكيّة أجازوا كراء الدّار ونحوها مع اشتراط المرمّة على المكتري من الكراء المستحقّ عليه عن مدّة سابقة أو من الكراء المشترط تعجيله . ويقرب من ذلك ما قاله الشّافعيّة من أنّ المستأجر في مثل هذا يكون بمنزلة الوكيل . 100 - والدّار المستأجرة تكون أمانةً في يد المستأجر ، فلا يضمن إلاّ بالتّعدّي أو المخالفة . وتوابع الدّار كالمفتاح أمانة أيضاً . وإن تلف شيء ممّا يحتاج إليه للتّمكّن من الانتفاع لا يضمنه . وإذا استأجر الدّار على أن تتّخذ للحدادة ، فاستعملها للقصارة أو غيرها ممّا لا يزيد ضرره عادةً عن الحدادة ، فانهدم شيء من البناء ، فلا ضمان عليه . أمّا إن استأجرها على أن يتّخذها للسّكنى ، فاستعملها للحدادة أو القصارة ، فانهدم شيء منها ضمن . وقد صرّح بعض الفقهاء بأنّ السّلوك الشّخصيّ للمستأجر لا أثر له على العقد ، وليس للآجر ولا للجيران إخراجه من الدّار ، وإنّما يؤدّبه الحاكم . فإن لم يكف أجّرها الحاكم عليه وأخرجه منها . وتنقضي إجارة الدّور بأحد الأسباب السّابق ذكرها في مبحث انقضاء الإجارة . وقد بيّنّا قبل اتّجاهات الفقهاء في انقضاء الإجارة بالتّصرّف في العين المؤجّرة . وعلى هذا فلو قام المؤجّر بإجارة داره عن شهر صفر مثلاً ، وكان ذلك في شهر المحرّم ، وكانت الدّار في يد مستأجر آخر في شهر المحرّم ، فإنّ ذلك يعتبر فسخاً للإجارة الأولى . ويظهر أثر هذا الفسخ عقب انتهاء شهر المحرّم . ويرى البعض أنّ ذلك إنهاءً للعقد وليس فسخاً . .
    الفرع الثّاني إجارة الحيوان 101 - إجارة الحيوان تنطبق عليها شروط الإجارة وأحكامها السّابقة ، إلاّ أنّ هناك صوراً من إجارة بعض الحيوانات لها أحكام تخصّها كإجارة الكلب ونحوه للحراسة ، فإنّ الحنفيّة منعوها لأنّه لا يمكن للإنسان حمله على منفعة الحراسة بضرب أو غيره . أمّا إجارة الكلب المعلّم للصّيد فمحلّ خلاف في جوازه وعدمه بين الفقهاء يرجع إلى بيانه وتفصيله في محلّه " صيد » . وفي إجارة الفحل للضّراب خلاف ، فجمهور الفقهاء الحنفيّة وظاهر مذهب الشّافعيّة وأصل مذهب الحنابلة ، على منعه لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث المتّفق عليه عن عسب الفحل . غير أنّ الحنابلة قالوا : إن احتاج إنسان إلى ذلك ، ولم يجد من يطرق له ، جاز أن يبذل الكراء ، وليس للمطرق أخذه . قال عطاء : لا يأخذ عليه شيئاً ، ولا بأس أن يعطيه إذا لم يجد من يطرق له ، ولأنّ ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها . وقالوا : إن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط ، فأهديت له هديّة ، فلا بأس . ونقل عن مالك وبعض الشّافعيّة وأبي الخطّاب من الحنابلة الجواز ، وهو مذهب الحسن وابن سيرين ، تشبيهاً له بسائر المنافع ، وللحاجة إليه ، كإجارة الظّئر للرّضاع ، ولأنّه يجوز أن يستباح بالإعارة ، فجاز أن يستباح بالإجارة ، كسائر المنافع . والجمهور على أنّه لا يجوز أن تفضي إجارة الحيوان إلى بيع عين من نتاجه ، كتأجير الشّاة لأخذ لبنها ، لأنّ المقصود الأصليّ في عقد الإجارة هو المنفعة لا الأعيان . وفي قول عند الحنابلة : تجوز إجارة الحيوان للبنه ، وقاله الشّيخ تقيّ الدّين ، وهو غير صحيح في المذهب .
    الفرع الثّالث إجارة الأشخاص 102 - إجارة الأشخاص تقع على صورتين : أجير خاصّ استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط ويسمّيه بعض الفقهاء " أجير الوحد " كالخادم والموظّف ، وأجير مشترك يكترى لأكثر من مستأجر بعقود مختلفة ، ولا يتقيّد بالعمل لواحد دون غيره ، كالطّبيب في عيادته ، والمهندس والمحامي في مكتبيهما . والأجير الخاصّ يستحقّ أجرةً على المدّة . أمّا الأجير المشترك فيستحقّ أجرةً على العمل غالباً . وسيأتي تفصيل ذلك . المطلب الأوّل الأجير الخاصّ 103 - الأجير الخاصّ : هو من يعمل لمعيّن عملاً مؤقّتاً ، ويكون عقده لمدّة . ويستحقّ الأجر بتسليم نفسه في المدّة ، لأنّ منافعه صارت مستحقّةً لمن استأجره في مدّة العقد . وكره الحنفيّة استئجار المرأة للخدمة ، لأنّه لا يؤمن معه الاطّلاع عليها والوقوع في المعصية ، ولأنّ الخلوة بها معصية . وأجاز أحمد استئجارها ، ولكن يصرف وجهه عن النّظر إلى ما لا يحلّ له النّظر إليه ، كما أنّه لا يخلو معها في مكان اتّقاءً للفتنة . 104 - ويجوز أن يكون الأجير ذمّيّاً والمستأجر مسلماً بلا خلاف . أمّا أن يكون الأجير مسلماً والمستأجر ذمّيّاً فقد أجازه جمهور الفقهاء ، غير أنّهم وضعوا معياراً خاصّاً هو أن يكون العمل الّذي يؤجّر نفسه للقيام به ممّا يجوز له أن يفعله لنفسه ، كالخياطة والبناء والحرث . أمّا إذا كان لا يجوز له أن يعمله لنفسه ، كعصر الخمر ، ورعي الخنازير ، ونحو ذلك ، فإنّه لا يجوز . فإن فعل فإنّ الإجارة تردّ قبل العمل . وإن عمل فإنّ الأجرة تؤخذ من الكافر ويتصدّق بها . ولا يستحلّها لنفسه إلاّ أن يعذر لأجل الجهل . والمعيار عند الحنابلة أن يكون العمل غير الخدمة الشّخصيّة . أمّا إن كانت الإجارة على أن يقوم بخدمته من نحو تقديم الطّعام له ، والوقوف بين يديه ، فقال البعض : لا يجوز ، لأنّه عقد يتضمّن حبس المسلم عند الكافر ، وإذلاله في خدمته . وهو فيما يبدو المقصود من القول بالجواز عند الحنفيّة لأنّه عقد معاوضة - كالبيع - مع الكراهة الّتي علّلوها بأنّ الاستخدام استذلال ، وليس للمسلم أن يذلّ نفسه ، خصوصاً بخدمة الكافر . وقال بعض الحنابلة : يجوز ، لأنّه يجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة ، فجاز فيها . وهو أحد قولي الشّافعيّ . وفي حاشية القليوبيّ والشّروانيّ يصحّ مع الكراهة أن يستأجر الذّمّيّ مسلماً ، ولو إجارة عين ويؤمر وجوباً بإجارته لمسلم . وللحاكم منعه منها . ولا يجوز لمسلم خدمة كافر ولو غير إجارة . وفي المهذّب أنّ من الشّافعيّة من قال : لو استأجر الكافر مسلماً ففيه قولان ، ومنهم من قال : يصحّ قولاً واحداً . 105 - ويجوز أن يكون ربّ العمل جماعةً في حكم شخص واحد ( مؤسّسةً ) فلو استأجر أهل قرية معلّماً أو إماماً أو مؤذّناً ، وكان خاصّاً بهم كان أجيراً خاصّاً . وكذا لو استأجر أهل قرية راعياً ليرعى أغنامهم على أن يكون مخصوصاً لهم بعقد واحد ، كان أجيراً خاصّاً . ولا بدّ في إجارة الأجير الخاصّ من تعيين المدّة ، لأنّها إجارة عين لمدّة . فلا بدّ من تعيينها ، لأنّها هي المعيّنة للمعقود عليه . والمنفعة لا تعتبر معلومةً إلاّ بذلك . وينبغي أن تكون المدّة ممّا يغلب على الظّنّ بقاء الأجير فيها قادراً على العمل ، حتّى قال المالكيّة : يجوز إجارة العامل لخمس عشرة سنةً . ولم يشترط الفقهاء تعيين نوع الخدمة . وعند عدم التّعيين يحمل على ما يليق بالمؤجّر والمستأجر . 106 - ويجب على الأجير الخاصّ أن يقوم بالعمل في الوقت المحدّد له أو المتعارف عليه . ولا يمنع هذا من أدائه المفروض عليه من صلاة وصوم ، بدون إذن المستأجر . وقيل : إنّ له أن يؤدّي السّنّة أيضاً ، وأنّه لا يمنع من صلاة الجمعة والعيدين ، دون أن ينقص المستأجر من أجره شيئاً إن كان المسجد قريباً . ولا يستغرق ذلك وقتاً كبيراً ، بل جاء في كتب الفقه أنّ من استأجر أجيراً شهراً ليعمل له كذا لا تدخل فيه أيّام الجمع للعرف . قال الرّشيديّ : « لو آجر نفسه بشرط عدم الصّلاة وصرف زمنها في العمل المستأجر له ، فالأقرب أنّه تصحّ الإجارة ويلغو الشّرط " ولا يدخل في الإجارة بالزّمن نحو شهر مثلاً لغير مسلم أوقات الصّلوات ولا أيّام عطلتهم الدّينيّة . وليس للأجير الخاصّ أن يعمل لغير مستأجره إلاّ بإذنه ، وإلاّ نقص من أجره بقدر ما عمل . ولو عمل لغيره مجّاناً أسقط ربّ العمل من أجره بقدر قيمة ما عمل . 107 - والأجير الخاصّ أمين ، فلا يضمن ما هلك في يده من مال ، أو ما هلك بعمله ، إلاّ بالتّعدّي أو التّقصير . وله الأجرة كاملةً . أمّا أنّه لا ضمان عليه لما تلف في يده من مال فلأنّ العين أمانة في يده لأنّه قبضه بإذن ربّ العمل ، فلا يضمن . وأمّا ما هلك بعمله فإنّ المنافع تصير مملوكةً للمستأجر ، لكونه يعمل في حضوره ، فإذا أمره بالتّصرّف في ملكه صحّ ، ويصير نائباً منابه ، ويصير فعله منسوباً إليه ، كأنّه فعله بنفسه . فلهذا لا يضمن . بل قال المالكيّة : حتّى لو شرط عليه الضّمان ، فهو شرط يناقض العقد ، ويفسد الإجارة . فإن وقع الشّرط فسدت الإجارة . فإن عمل فله أجرة مثله ، زادت على المسمّى أو نقصت . وإن أسقط الشّرط قبل انقضاء العمل صحّت الإجارة . ومن فقهاء الشّافعيّة من قال : إنّه كالأجير المشترك ، فيضمن ، لقول الشّافعيّ : الأجراء سواء ، وذلك صيانةً لأموال النّاس . وكان يقول : لا يصلح النّاس إلاّ ذاك .

     
  3. #8
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الأول

    الإجارة على المعاصي والطّاعات :
    108 - الإجارة على المنافع المحرّمة كالزّنى والنّوح والغناء والملاهي محرّمة . وعقدها باطل لا يستحقّ به أجرة . ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناءً ونوحاً ، لأنّه انتفاع بمحرّم . وقال أبو حنيفة يجوز . ولا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها ، ولا على حمل الخنزير . وبهذا قال أبو يوسف ومحمّد والشّافعيّ . وقال أبو حنيفة : يجوز ، لأنّ العمل لا يتعيّن عليه ، بدليل أنّه لو حمل مثله جاز . وروي عن أحمد فيمن حمل خنزيراً أو خمراً لنصرانيّ قوله : إنّي أكره أكل كرائه ، ولكن يقضى للحمّال بالكراء . والمذهب خلاف هذه الرّوايات ، لأنّه استئجار لفعل محرّم ، فلم يصحّ ، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعن حاملها والمحمولة إليه . وأمّا حمل هذه الأشياء لإراقتها وإتلافها فجائز إجماعاً . 109 - والأصل أنّ كلّ طاعة يختصّ بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها ، كالإمامة والأذان والحجّ وتعليم القرآن والجهاد . وهو قول عطاء والضّحّاك بن قيس وأبي حنيفة ومذهب أحمد ، لما روى عثمان بن أبي العاص ، قال : إنّ « آخر ما عهد إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن أتّخذ مؤذّناً لا يأخذ على أذانه أجراً » . وما رواه عبادة بن الصّامت ، قال : « علّمت ناساً من أهل الصّفّة القرآن والكتابة . فأهدى إليّ رجل منهم قوساً . قال : قلت : قوس . وليست بمال ، أتقلّدها في سبيل اللّه . فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم . فقال : إن سرّك أن يقلّدك اللّه قوساً من نار فاقبلها » وعن عبد الرّحمن بن شبل الأنصاريّ قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول « : اقرءوا القرآن ، ولا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به » ولأنّ من شرط صحّة هذه الأفعال كونها قربةً إلى اللّه تعالى ، فلم يجز أخذ الأجر عليها . وقد نصّ الحنفيّة على أنّه لا يجوز قراءة القرآن بأجر ، وأنّه لا يترتّب على ذلك ثواب ، والآخذ والمعطي آثمان ، وأنّ ما يحدث في زماننا من قراءة القرآن بأجر عند المقابر وفي المآتم لا يجوز . والإجارة على مجرّد القراءة باطلة ، وأنّ الأصل أنّ الإجارة على تعليمه غير جائزة . لكنّ المتأخّرين أجازوا الإجارة على تعليمه استحساناً . وكذا ما يتّصل بإقامة الشّعائر كالإمامة والأذان للحاجة . 110 - وأجاز مالك والشّافعيّ أخذ الأجر على قراءة القرآن وتعليمه . وهو رواية عن أحمد . وقال به أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر ، « لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زوّج رجلاً بما معه من القرآن ، وجعل ذلك يقوم مقام المهر » ، فجاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة . وقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصّحيح أنّه قال : « إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب اللّه » . ولا يكاد يوجد متبرّع بذلك ، فيحتاج إلى بذل الأجر فيه . وقد نصّ المالكيّة على كراهة الأجرة على قراءة القرآن بلحن ، لأنّ القراءة على هذا الوجه مكروهة إذا لم يخرج عن حدّه . قال الصّاويّ : أمّا الإجارة على أصل القراءة فجائز . وصرّح الشّافعيّة بجواز قراءة القرآن عند القبر ، والاستئجار على ذلك . 111 - وقد أجاز المالكيّة أيضاً أخذ الأجرة على الإمامة . كما أجازوا للمفتي أخذ الأجر إن لم يكن له رزق . وقالوا : يجوز الإجارة للمندوبات وفروض الكفاية . وكذلك أجاز الشّافعيّة أخذ الأجرة على الحجّ والعمرة عن الغير مع التّعيين . كما أجازوا للحاكم أن يستأجر الكافر للجهاد . أمّا المسلم ، ولو صبيّاً ، فلا تصحّ إجارته للجهاد ، لتعيّنه عليه . 112 - وربّ العمل ملتزم بالوفاء بأجر العامل بتسليم نفسه ، كما تقدّم قبل ، وإن لم يعمل ، وبشرط ألاّ يمتنع عمّا يطلب منه من عمل . فإن امتنع بغير حقّ فلا يستحقّ الأجر ، بغير خلاف في هذا . 113 - والعطيّة الّتي تقدّم للأجير من الخارج لا تحسب من الأجرة . ولو قال شخص لآخر اعمل هذا العمل أكرمك ، ولم يبيّن مقدار ما يكرمه به ، فعمل ما طلب منه استحقّ أجر المثل ، لأنّها إجارة فاسدة ، لجهالة الأجر . 114 - والأصل أن يكون الأجر معلوماً ، فإذا ما تراضيا على أن يكون الأجر هنا طعام الأجير وكسوته . أو جعل له أجراً وشرط طعامه وكسوته ، فإنّ في المسألة ثلاثة اتّجاهات : فالمالكيّة ، والرّواية المعتبرة عند أحمد ، أنّه يجوز ، لما روى ابن ماجه عن عتبة بن النّدّر قال : « كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . فقرأ { طسم } سورة القصص ، حتّى بلغ قصّة موسى ، قال : إنّ موسى آجر نفسه على عفّة فرجه وطعام بطنه » ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه . وعن أبي هريرة أنّه قال : كنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي ، أحطب لهم إذا نزلوا ، وأحدو بهم إذا ركبوا ولأنّ جواز ذلك ثبت في الظّئر بالنّصّ ، وهو قوله تعالى : { فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ } فيثبت في غيرها بالقياس عليها ، ولأنّه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التّسمية ، وإن تشاحّا في مقدار الطّعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفّارات ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوس مثله ، أو يحكّم العرف . وإن اشترط الأجير كسوةً ونفقةً معلومةً موصوفةً جاز ذلك عند الجميع . ويرى الحنفيّة ، وهي الرّواية الثّانية عن أحمد . اختارها القاضي ، أنّ ذلك لا يجوز لما في ذلك من جهالة بالأجر . واستثنوا إجارة الظّئر ، لأنّ العادة جرت بإكرام الظّئر . ويرى الشّافعيّة والصّاحبان من الحنفيّة ، وأبو ثور وابن المنذر ، وهو رواية عن أحمد ، عدم جواز ذلك مطلقاً في الظّئر وغيرها ، لأنّه يختلف اختلافاً كثيراً متبايناً فيكون مجهولاً ، ومن شرط الأجر أن يكون معلوماً .
    انقضاء إجارة الأجير الخاصّ :
    115 - تنقضي إجارة الأجير الخاصّ بالأسباب العامّة الّتي ذكرناها . وإذا أكرى الأجير نفسه ، فهرب ، فإن كانت الإجارة على موصوف في الذّمّة استؤجر بدله من ماله ، وإن لم يكن يثبت للمستأجر الخيار في الفسخ أو الانتظار ، وذلك كما لو استأجر سيّارةً بسائقها من غير أن يعيّن السّائق ، أو جمالاً بقائدها دون تعيين ، فهرب السّائق أو القائد ، فإن انتظر فإنّ الإجارة تنفسخ عن كلّ يوم يمضي ، لأنّ المنافع تتلف بمضيّ الزّمن . وإن كانت الإجارة على عمل معيّن لم ينفسخ لأنّه يمكن استيفاؤه إذا وجده .
    إجارة الظّئر ( المرضع ) :
    116 - إجارة الظّئر ورد بها الشّرع كما سبق . وينبغي أن تكون بأجر معلوم . وتكلّم الفقهاء عن المعقود عليه هنا ، فقيل : إنّ العقد ينصبّ على المنافع ، وهي خدمتها للصّبيّ ، والقيام به . واللّبن يستحقّ عن طريق التّبع ، بمنزلة الصّبغ في الثّوب ، لأنّ اللّبن عين فلا يعقد عليه في الإجارة . وقيل : إنّ العقد يقع على اللّبن أصلاً ، والخدمة تبع ، فلو أرضعته بلبن شاة لا تستحقّ الأجر ، ولو أرضعته دون أن تخدمه استحقّت الأجرة . ولو خدمته بدون الرّضاع لم تستحقّ شيئاً . وأمّا كونه عيناً فإنّ العقد مرخّص فيه في الإجارة للضّرورة لحفظ الآدميّ . ويجوز استئجارها بالطّعام والكسوة إذا تحدّد ذلك في العقد وبيّن اتّفاقاً . جاء في الجامع الصّغير : « فإن سمّى الطّعام ، ووصف جنس الكسوة ، وأجلها ، وذرعها ، فهو جائز بالإجماع » . أمّا إذا لم يتحدّد ذلك فإنّه يجوز عند الجمهور على ما سبق » . 117 - وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدرّ لبنها ويصلح به . وللمكتري مطالبتها بذلك ، لأنّه من تمام التّمكين من الإرضاع ، وفي تركه إضرار بالرّضيع . وإن دفعته إلى خادمتها فأرضعته فلا أجر لها . وبه قال أبو ثور . وقال أصحاب الرّأي : لها أجرها . لأنّ رضاعه حصل بفعلها . وعليها أن تقوم بشئون الرّضيع من تنظيفه وغسل ثيابه عند الحنفيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة ، لأنّ المعقود عليه في الإجارة هو الخدمة ، وتستحقّ بالعقد . ويتّفق معهم سائر الفقهاء إن اشترط ذلك في العقد ، أو جرى العرف به ، وإن كان الأصل عند مالك وبعض الشّافعيّة أنّ ذلك على الأب ، لأنّ الحضانة والرّضاعة منفعتان مقصودتان تنفرد إحداهما عن الأخرى ، فلا يلزم من العقد على الإرضاع دخول الحضانة . 118 - ولا يجوز استئجار الظّئر بدون إذن زوجها . وله حقّ فسخ الإجارة إذا لم يعلم بها ، صيانةً لحقّه . وله أن يطلبها عنده لاستيفاء حقّه الشّرعيّ منها . وليس للمستأجر أن يمنعها من ذلك عند الحنفيّة . وإذا حبلت حقّ للمستأجر فسخ الإجارة إن خشي على الصّبيّ من لبنها بعد الحبل . وقال المالكيّة : إنّ للمستأجر أن يمنع الزّوج من وطئها ما دام قد أذن لها في الإرضاع ، لأنّ ضرر الطّفل بسببه محتمل . 119 - ولو مات الصّبيّ المعقود على إرضاعه انفسخ العقد ، لأنّه تعذّر استيفاؤه ، فلا يمكن إقامة غير الصّبيّ المعقود عليه مقامه لاختلاف الصّبية في الرّضاعة . ومن الشّافعيّة من قال : لا ينفسخ ، لأنّ المنفعة باقية ، وإنّما هلك المستوفي ، فلو تراضيا على إرضاع صبيّ آخر جاز . وللظّئر حقّ الفسخ إن مات المستأجر " وليّ الطّفل " وكانت لم تقبض الأجرة منه قبل موته ، ولم يترك له مالاً تستوفي أجرها منه ، ولا مال للولد ، ولم يتطوّع أحد بالأجرة . ويصرّح الحنابلة بأنّ الإجارة تنفسخ بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلّها . وحكي عن أبي بكر أنّها لا تنفسخ ، ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت إن كانت قد عجّلت لها الأجرة ، لأنّه دين في ذمّتها . وصرّح الشّافعيّة بأنّ العقد لا يصحّ حتّى يعرف الصّبيّ الّذي عقد على إرضاعه ، لأنّه يختلف الرّضاع باختلافه ، ولا يعرف ذلك إلاّ بالتّعيين . كما أنّه لا بدّ من ذكر موضع الرّضاع . وزاد الحنابلة التّصريح بمعرفة العوض ومدّة الرّضاعة . كما صرّح به الحنفيّة أيضاً .
    إجارة العاملين في الدّولة :
    120 - عالج الفقهاء قديماً هذه المسألة واعتبروا بعض الوظائف ممّا تصحّ الإجارة عليه ممّا لا يتّصل بالقربات ، ولا تشترط له النّيّة ، كتنفيذ الحدود ، والكتابة في الدّواوين ، وجباية الأموال ، ونحو ذلك . وهؤلاء يطبّق عليهم أحكام الأجير الخاصّ في أكثر الأقوال وفي أكثر الأحوال . وقالوا : إنّ لوليّ الأمر أن ينهي الإجارة متى رأى المصلحة في ذلك ، وليس لأحد هؤلاء أن يستقيل باختياره . 121 - وهناك وظائف أخرى ، كوظائف الولاة والقضاة ، وكلّ من يقوم بعمل فيه قربة تحتاج إلى نيّة ، فمرتّباتهم من قبيل الأرزاق لا من قبيل الأجرة ، لدفع الحاجة ، وهم غير مقيّدين بوقت . وقد تقدّم رأي الفقهاء في جواز أو عدم جواز الاستئجار على قراءة القرآن وتعليمه والأذان والإمامة وغيرها . هذا حاصل ما أورده الفقهاء في هذه المسألة . .
    ( المطلب الثّاني
    ) ثانياً - الأجير المشترك 122 - الأجير المشترك هو الّذي يعمل للمؤجّر ولغيره ، كالبنّاء الّذي يبني لكلّ أحد ، والملاّح الّذي يحمل لكلّ أحد . وهذا ما يؤخذ من تعريفات الفقهاء جميعاً . 123 - ولا خلاف في أنّ الأجير المشترك عقده يقع على العمل ، ولا تصحّ إجارته إلاّ ببيان نوع العمل أوّلاً . ولا يمنع هذا من ذكر المدّة أيضاً . فإن قال للرّاعي : ترعى غنمي مدّة شهر ، كان أجيراً مشتركاً ، إلاّ إذا شرط عليه عدم الرّعي لغيره على ما سيأتي . 124 - ولا مانع من أن يؤجّر المسلم نفسه من ذمّيّ إجارةً مشتركةً ، كأن يكون طبيباً أو خيّاطاً أو معلّماً . فيقدّم عمله لمن يطلبه منه ، لأنّ ذلك لا يخرجه إلى حدّ التّبعيّة والخضوع له ، وليس فيه استذلال . 125 - والأصل أن يكون العمل من الصّانع - الأجير - والعين من صاحب العمل . غير أنّ العرف جرى على أن يقدّم الأجير المشترك الخيط من عنده في الخياطة ، والصّبغ من عنده في الصّباغة ، ممّا يعتبر تابعاً للصّنعة ، ولا يخرجه ذلك من كونه عقد إجارة إلى عقد استصناع . 126 - وقد يتمّ العقد مع الأجير المشترك بالتّعاطي - مع مراعاة خلاف الشّافعيّة السّابق في عقود المعاطاة - كما في الرّكوب في سيّارات النّقل العامّ ، كما يصحّ أن يكون العاقد واحداً ، أو جماعةً كالحكومة والمؤسّسات والشّركات . 127 - ويجب أن تكون المنفعة الّتي يستأجر عليها محدّدةً معلومة القدر . وقد تحدّد بتحديد محلّها ، ويكون للأجير المشترك خيار الرّؤية في كلّ عمل يختلف باختلاف المحلّ كما يرى الحنفيّة والحنابلة ، ويكون له خيار الرّؤية في إجارة الأعيان عموماً عند الشّافعيّة . وقد تحدّد المنفعة بتحديد المدّة وحدها ، كما تحدّد بتحديد العمل ، كإجارة خياطة الثّوب وقد تتحدّد بالعمل والمدّة معاً عند الصّاحبين وهو مذهب المالكيّة إذا تساوى الزّمن والعمل ، ورواية عند الحنابلة ، وقالوا : إنّ المعقود عليه أوّلاً هو العمل وهو المقصود من العقد ، وذكر المدّة لمجرّد التّعجيل . وإن أوفى الشّرط استحقّ الأجر المسمّى وإلاّ استحقّ أجر المثل بشرط ألاّ يتجاوز الأجر المسمّى . وذهب أبو حنيفة والشّافعيّ - وهو رواية أخرى عند الحنابلة - إلى فساد هذا العقد لأنّه يفضي إلى الجهالة والتّعارض ، لأنّ ذكر المدّة يجعله أجيراً خاصّاً ، والعقد على العمل يجعله أجيراً مشتركاً وهما متعارضان ، ويؤدّي ذلك للجهالة . 128 - والإجارة على المعاصي باطلة اتّفاقاً مع الأجير المشترك أيضاً كما سبق بالنّسبة للأجير الخاصّ . وكذلك يسري ما سبق هناك بالنّسبة للإجارة على بعض الطّاعات . وقد صرّح المالكيّة والشّافعيّة بجواز الإجارة على غسل الميّت وحمله . وصرّح الحنابلة بجواز الإجارة على ذبح الأضحيّة والهدي وتفريق الصّدقات وإعطاء الشّاهد ما يستعين به على الوصول إلى مجلس القضاء . ومنع المالكيّة استئجار الجنب والحائض والكافر لكنس المسجد واعتبروه من الإجارة على المعاصي . وفي كتب المذاهب العديد من الصّور . وهي في جملتها ترجع إلى حرمة الاستئجار على المعصية مطلقاً ، سواء أكانت محرّمةً لذاتها أم لغيرها . أمّا من أجاز الاستئجار على الطّاعات فيرى أنّ إباحة مثل هذه العقود للحاجة إليها . 129 - وممّا يتّصل بذلك استئجار المصحف للتّلاوة . فذهب الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى عدم جواز إجارته إجلالاً لكلام اللّه عن المعاوضة ، وأجاز الشّافعيّة والمالكيّة ذلك وهو وجه عند الحنابلة ذلك لأنّه انتفاع مباح تجوز الإجارة من أجله فجازت فيه الإجارة كسائر الكتب . غير أنّ المالكيّة قالوا : إنّه لا يتّفق مع مكارم الأخلاق .
    التزامات الأجير المشترك :
    130 - يلتزم الأجير المشترك بإنجاز العمل المتعاقد عليه ، وكلّ ما كان من توابع ذلك العمل لزم الأجير حسب العرف ما لم يشترط غير ذلك . فمن تعاقد مع خيّاط ليخيط له ثوباً فالخيط والإبرة على الخيّاط ، كما هو العرف ، إلاّ إذا كان هناك شرط أو تغيّر العرف . 131 - وإذا شرط المكتري على الأجير أن يعمل بنفسه لزمه ذلك لأنّ العامل تعيّن بالشّرط ، فإن لم يشترط ذلك فله أن يستأجر من يعمله لأنّ المستحقّ عمل في الذّمّة إلاّ إن كان العمل لا يقوم فيه غيره مقامه كالنّسخ لأنّ الغرض لا يحصل من غيره كحصوله منه . وكذا كلّ ما يختلف باختلاف العامل ، مع ملاحظة أنّ الصّانع إذا ما استعان بتلميذه كان عمل التّلميذ - المساعد - مضافاً إلى أستاذه الأجير الّذي تمّ معه التّعاقد . 132 - ولا خلاف في أنّ الأجير يلتزم بتسليم العمل ، فإذا كان العمل في يد المستأجر كأن يستأجر رجلاً ليبني له جداراً أو داراً أو يحفر له قناةً أو بئراً ، فكلّما أتمّ منه قدراً حقّ له أن يطالب بما يقابله من أجر لأنّ التّسليم قد تحقّق . أمّا إذا كان العمل ليس في حوزة ربّ العمل فليس من حقّ الأجير المطالبة بالأجرة قبل الفراغ من العمل وتسليمه للمكتري ، لتوقّف وجوب الأجر على ذلك . فالقصّار والصّبّاغ والنّسّاج ونحوهم ممّن يعملون في حوانيتهم أو دورهم الخاصّة لا يستحقّون الأجر إلاّ بردّ العمل إلاّ إذا اشترط التّعجيل أو عجّل بالفعل .
    تضمين الأجير المشترك :
    133 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأجير المشترك إذا تلف عنده المتاع بتعدّ أو تفريط جسيم : يضمن . أمّا إذا تلف بغير هذين ففيه تفصيل في المذاهب : فالصّاحبان ( أبو يوسف ومحمّد ) والحنابلة اعتبروا التّلف بفعله سواء كان عن قصد أو غير قصد ، أو بتقصير أو دونه ، موجباً للضّمان ، تابعوا في ذلك عمر وعليّاً ، حفظاً لأموال النّاس . ومثل ذلك إذا كان التّلف بغير فعله . وكان من الممكن دفعه كالسّرقة العاديّة والحريق العاديّ . وإلى هذا ذهب بعض متأخّري المالكيّة . وهو قول للشّافعيّة . ومتقدّمو المالكيّة وزفر ذهبوا إلى عدم التّضمين . وهو قول للشّافعيّة أيضاً . وذهب أبو حنيفة إلى الضّمان إذا كان التّلف بفعله ، أو بفعل تلميذه ، سواء قصد أو لا ، لأنّه مضاف إلى فعله ، وهو لم يؤمر إلاّ بعمل فيه صلاح ، وعمل التّلميذ منسوب إليه ، وإلى عدم الضّمان ، إذا كان بفعل غيره ، وهو القياس . وذهب ابن أبي ليلى إلى تضمين الأجير المشترك مطلقاً في جميع الأحوال . 134 - وإذا وجب الضّمان على الأجير المشترك ، فإن كانت العين هلكت بعد العمل فالمكتري بالخيار : إن شاء ضمّنه قيمته معمولاً ، ويحطّ الأجرة من الضّمان ، وإن شاء ضمّنه قيمته غير معمول ولم يكن عليه أجرة . وإن كان الهلاك الموجب للضّمان حصل قبل العمل ضمن قيمته غير معمول . وهو لم يعمل شيئاً يستحقّ أجراً عليه . وهذا ما اتّجه إليه الجمهور . وكذلك إذا هلكت العين هلاكاً لا يوجب الضّمان فإنّ الأجير المشترك لا يستحقّ أجراً لأنّ الأجر يستحقّ بالتّسليم بعد الفراغ . الوقت المعتبر لتقدير الضّمان :
    135 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة في قول عندهم وهو المستفاد من مذهب الحنابلة إلى أنّ العبرة في تقدير الضّمان هو يوم حصول سبب الضّمان ، وهو التّلف أو التّعدّي . أمّا المالكيّة فقالوا : تقدّر قيمتها بيوم تسليمها إلى الأجير المشترك ، لا يوم التّلف ولا يوم الحكم . والقول الآخر للشّافعيّة : أنّ القيمة تعتبر أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التّلف ، كالغاصب . وأمّا إن قيل بعدم الضّمان إلاّ بالتّعدّي فتقدّر القيمة ما كانت من حين التّعدّي إلى حين التّلف لأنّ الضّمان بالتّعدّي . 136 - ولا يجوز لربّ العمل أن يشترط الضّمان على الأجير فيما لا يجب عليه ضمانه ، لأنّ شرط الضّمان في الأمانة باطل ، لمنافاته لمقتضى العقد . وكذا لا يجوز اشتراط نفي الضّمان عن الأجير فيما يجب فيه عليه الضّمان . ويفسد العقد بهذا الاشتراط لمنافاته لمقتضى العقد . وللصّانع أجر المثل ، لا المسمّى ، لأنّه إنّما رضي به لإسقاط الضّمان عنه . هذا ما نصّ عليه الحنفيّة والمالكيّة ، وهو أحد وجهين عند الحنابلة . وعند الحنابلة وجه آخر . فقد سئل أحمد عن اشتراط الضّمان ونفيه ، فقال : المسلمون على شروطهم . قال ابن قدامة : وهذا يدلّ على نفي الضّمان بشرطه ، ووجوبه بشرطه .
    التزامات ربّ العمل إزاء الأجير المشترك :
    137 - يلزم الآجر أن يسلّم العين المراد إجراء العمل عليها للأجير في الوقت المشروط الملفوظ أو الملحوظ ، إذ لا يتحقّق التّمكين إلاّ بذلك . وفي تسليم التّوابع يعتبر العرف ما لم يكن هنا شرط ، على ما ذكر عند الكلام عن التزامات الأجير المشترك . 138 - ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة للأجير المشترك بعد انقضاء العمل وتسلّمه ، ما لم يكن بينهما شرط بالتّعجيل أو بالتّأجيل ، وما لم يكن العمل المأجور فيه ممّا ليس له أثر في العين ، كالحمّال والسّمسار ونحوهما ، إذ لا يتوقّف الأجر فيها على التّسليم ، فلو هلك المحمول عن رأس الحمّال قبل تسليمه ، أو هلك الشّيء الّذي طلب من السّمسار بيعه أو شراؤه ، استحقّ أجرةً بما عمل . أمّا ما كان للعمل أثر فيه ، كالثّوب المطلوب صبغه ، فإنّه لا أجر له إلاّ بعد الفراغ من العمل وتسليمه ، ما لم يكن هناك شرط مخالف ، فلو هلك الثّوب قبل التّسليم سقط الأجر . هذا بالنّسبة لما كان يعمله بعيداً عن المستأجر . أمّا إن كان الأجير يعمل في بيت المستأجر أو تحت يده ، فقيل إنّه يستحقّ الأجر بحساب ما عمل . وقيل : لا يستحقّه إلاّ بعد الفراغ من العمل ، على ما سبق في بحث الأجرة . وتنقضي إجارة الأجير المشترك بإتمام العمل وتسليمه ، كما تنقضي بهلاك العين محلّ العمل ، إلى غير ذلك من الأسباب الّتي ذكرناها قبل في انقضاء الإجارة بوجه عامّ وما فيها من تفصيل .
    أنواع من الأجير المشترك : إجارة الحجّام والطّبيب وتضمينهما :
    139 - الحجامة جائزة اتّفاقاً . وفي أخذ الأجرة عليها ثلاثة اتّجاهات لتعارض الآثار : فقال البعض : إنّه مباح عند الجمهور ، « لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجّام أجراً » . فقد روى البخاريّ بسنده عن ابن عبّاس قال : « احتجم النّبيّ وأعطى الحجّام أجره » ولو كان ذلك غير مشروع لما أقدم عليه الرّسول صلى الله عليه وسلم . وذهب البعض إلى كراهة ذلك ، لما روي مسنداً إلى رافع بن خديج من أنّ الرّسول عليه الصلاة والسلام قال : « كسب الحجّام خبيث » ، ويردّ عليه بأنّه منسوخ بما روي « أنّه عليه الصلاة والسلام قال له رجل : إنّ لي عيالاً وغلاماً حجّاماً ، أفأطعم عيالي من كسبه ؟ قال : نعم » وقال الأتقانيّ : إنّ حديث النّهي محمول على الكراهة من طريق المروءة . الاتّجاه الثّالث : أنّه حرام ، لما روي عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه قال : « من السّحت كسب الحجّام » وبعد أن عرضت كتب الفقه أدلّة كلّ اتّجاه ، وناقشتها بما ينتج عدم التّحريم ، قال ابن قدامة : ليس في المسألة قول بالتّحريم ، وإنّما يكره للحرّ أكل كسب الحجّام . ويكره تعلّم صناعة الحجامة وإجارة نفسه لها ، لما فيها من دناءة . قال ابن عابدين : وإن شرط الحجّام شيئاً على الحجامة كره .
    140 - وإذا ما استأجر شخص حجّاماً ، ثمّ بدا له ألاّ يفعل ، فله حقّ الفسخ لأنّ فيه استهلاك مال أو غرماً أو ضرراً .
    ضمان الحجّام :
    141 - لا ضمان على الحجّام إلاّ إذا جاوز المعتاد . فإن لم يجاوزه فلا ضمان عليه ، لأنّ ضرر الحجامة ينبني على قوّة الطّبع وضعفه ولا يعرف الحجّام ذلك بنفسه ، وهو ما يتحمّل المحجوم من الجرح ، فلا يمكن اعتبار السّلامة ، فيسقط الضّمان . وفي المغني : لا ضمان على حجّام ولا ختّان ولا طبيب إذا توافر أنّهم ذوو حذق في صناعتهم وألاّ يتجاوزوا ما ينبغي عمله . فإن تحقّق هذان الشّرطان فلا ضمان ، لأنّ فعلهم مأذون فيه . أمّا إن كان الحجّام ونحوه حاذقاً وتجاوز ، أو لم يكن حاذقاً ، ضمن ، لأنّه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ ، فأشبه إتلاف المال ، ولأنّه فعل محرّم فيضمن سرايته . وهذا مذهب الشّافعيّ وأصحاب الرّأي . ولا نعلم فيه خلافاً . 142 - واستئجار الحجّام لغير الحجامة كالفصد وحلق الشّعر وتقصيره والختان وقطع شيء من الجسد للحاجة إليه ، جائز بغير خلاف ، لأنّ هذه الأمور تدعو الحاجة إليها ، ولا تحرم فيها ، فجازت الإجازة فيها وأخذ الأجر عليها . 143 - واستئجار الطّبيب للعلاج جائز ، وأخذه أجراً على ذلك مباح ، بشرط أن يكون خطؤه نادراً كما يصرّح الشّافعيّة . فإن لم يكن كذلك لم يصحّ العقد ، ويضمن . وقالوا : إذا استأجره للمداواة في مدّة معيّنة لم يجز ، لأنّه جمع بين العمل والزّمن . وفي قول آخر لهم ، وهو ما أخذ به الحنابلة : يقدّر الاستئجار للمداواة بالمدّة دون البرء ، إذ البرء غير معلوم . فإن داواه المدّة ولم يبرأ استحقّ الأجر ، لأنّه وفّى العمل . وإن برئ في أثنائها ، أو مات ، انفسخت الإجارة فيما بقي ، ويستحقّ من الأجر بالقسط . وعند الإمام مالك أنّه لا يستحقّ أجراً حتّى يبرأ . ولم يحك ذلك أصحابه . 144 - وإن امتنع المريض من العلاج مع بقاء المرض استحقّ الطّبيب الأجر ما دام قد سلّم نفسه ومضى زمن المعالجة ، لأنّ الإجارة عقد لازم ، وقد بذل الأجير ما عليه . ويملك الطّبيب الأجرة ما دام قد قام بالمعتاد . 145 - ولا تجوز مشارطة الطّبيب على البرء . ونقل ابن قدامة عن ابن أبي موسى الجواز ، وقال : إنّه الصّحيح ، لكن يكون جعالةً لا إجارةً ، إذ الإجارة لا بدّ فيها من مدّة أو عمل معلوم . وقال : إنّ أبا سعيد حين رقى الرّجل شارطه على البرء . وقد أجاز ذلك مالك ، ففي الشّرح الصّغير . لو شارطه طبيب على البرء فلا يستحقّ الأجر إلاّ بحصوله . ولا ضمان على الطّبيب إلاّ بالتّفريط ما دام من أهل المعرفة ولم يخطئ ، وإلاّ ضمن . 146 - وإذا زال الألم ، وشفي المريض قبل مباشرة الطّبيب ، كان عذراً تنفسخ به الإجارة . يقول ابن عابدين : وإذا سكن الضّرس الّذي استؤجر الطّبيب لخلعه فهذا عذر تنفسخ به الإجارة . ولم يخالف في ذلك أحد حتّى من لم يعتبروا العذر موجباً للفسخ ، فقد نصّ كلّ من الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من استأجر رجلاً ليقلع له ضرساً ، فسكن الوجع ، أو ليكحّل له عيناً ، فبرئت انفسخ العقد لتعذّر استيفاء المعقود عليه .
    الإجارة على حفر الآبار :
    147 - المعقود عليه هنا فيه نوع جهالة ، لأنّ الأجير لا يعلم ما يصادفه أثناء الحفر . ولهذا فإنّ جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يشترطون لصحّة العقد معرفة الأرض الّتي يقع فيها الحفر ، لأنّ الحفر يختلف باختلافها ، ومعرفة مساحة القدر المطلوب حفره طولاً وعرضاً وعمقاً . وأجازوا تقدير الإجارة على الحفر بالمدّة أو بالعمل . والحنفيّة يقولون : إنّ القياس يقتضي بيان الموضع وطول البئر وعمقه ، إلاّ أنّهم قالوا : إن لم يبيّن جاز استحساناً ، لجريان العرف بذلك ، ويؤخذ بوسط ما يعمل النّاس . 148 - وإن بيّن له موضع الحفر ، وحدّد له المقدار المطلوب حفره ، فوجد الأجير بعد الشّروع في العمل أنّ الأرض صلبة وتحتاج إلى مئونة أشدّ عملاً وآلات خاصّة ، فإنّه لا يجبر عليه ، ويحقّ له فسخ العقد ويستحقّ أجراً بمقدار ما حفر . وتقدير ذلك يرجع فيه إلى أهل الخبرة . ولو حفر البئر في ملكه ، فظهر الماء قبل أن يبلغ المنتهى الّذي شرط عليه ، فإن أمكنه الحفر في الماء بالآلة الّتي يحفر بها الآبار أجبر على الحفر ، وإن احتيج إلى اتّخاذ آلة أخرى لا يجبر . 149 - كما نصّوا على أنّه لو حفر بعض البئر ، وأراد أن يأخذ حصّتها من الأجر ، فإن كان في ملك المستأجر فله ذلك . وكلّما حفر شيئاً صار مسلّماً إلى المستأجر ، حتّى إذا انهارت البئر فأدخل السّير أو الرّيح فيها التّراب حتّى سوّاها مع الأرض لا يسقط شيء من أجرته . وإن كان في ملك غيره ليس للأجير أن يطالبه بالأجرة ما لم يفرغ من الحفر ، ويسلّمها إليه ، حتّى لو انهارت ، فامتلأت قبل التّسليم ، لا يستحقّ الأجر . وقالوا : إذا استأجر حفّاراً ليحفر له حوضاً عشرةً في عشرة بعشرة دراهم فحفر خمسةً في خمسة استحقّ من الأجر بنسبة ما حفر ، مع ملاحظة أخذ المتوسّط بين قيمة الحفر في الجزء الأعلى والجزء الأسفل . وإن شرط عليه كلّ ذراع في طين أو أرض سهلة بدرهم ، وكلّ ذراع في حجر بدرهمين ، وكلّ ذراع في ماء بثلاثة ، وبيّن مقدار طول البئر ومحيطه جاز . وإذا حفر بعض البئر ، ومات ، قوّم الحفر ، وأخذ ورثته بنسبته من الأجر ، على ما سبق . ويلاحظ أنّ هذه الأحكام مبنيّة على أعراف كانت قائمةً .
    إجارة الرّاعي :
    150 - الرّاعي إمّا أن يكون أجيراً مشتركاً أو أجيراً خاصّاً ، فتجرى على كلّ منهما الأحكام السّابقة ، إلاّ أنّ هنا ما يستحقّ الإفراد بالذّكر :
    1 - إذا عيّن عدد الماشية الّتي يرعاها فليس الرّاعي ملزماً بما يزيده الآجر عمّا اتّفق عليه ، ولكن إذا كانت الزّيادة بطريق الولادة فالقياس أنّه غير ملزم برعيها أيضاً ، ولكنّ الحنفيّة قالوا بلزوم رعيها ، استحساناً ، لأنّها تبع ، ولجريان العرف بذلك . وإلى هذا ذهب بعض الشّافعيّة وبعض الحنابلة ، والظّاهر عندهم أنّه غير ملزم .
    2 - إذا خاف الرّاعي الموت على شاة - مثلاً - وغلب على ظنّه أنّها تموت إن لم يذبحها ، فذبحها ، فلا يضمن استحساناً ، وإذا اختلف فالقول قول الرّاعي .
    تعليم العلوم والحرف والصّناعات :
    151 - نبيّن هنا أنّه لا خلاف في جواز الاستئجار على تعليم العلوم سوى العلوم الدّينيّة البحتة ، حتّى ولو كانت وسيلةً ومقدّمةً للعلوم الشّرعيّة ، كالنّحو والبلاغة وأصول الفقه . ومثل ذلك يقال في الحرف والصّنائع . وإذا كان العقد على مدّة معلومة استحقّ الأجر عن هذه المدّة ، وصحّت الإجارة ، اتّفاقاً . أمّا إذا اشترط في عقد الإجارة على التّعلّم والحذق فالقياس ألاّ تصحّ الإجارة ، لأنّ المعقود عليه مجهول ، لتفاوت الأفراد في الذّكاء والبلادة . وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز ذلك استحساناً إذا عاين المعلّم المتعلّم . وقال الحنفيّة : إنّ الإجارة فاسدة ، فإن عمل استحقّ أجر المثل كأيّة إجارة فاسدة .
    إجارة وسائل النّقل الحديثة :
    152 - لم يتعرّض الفقهاء الأقدمون لبيان أحكام استئجار وسائل النّقل الحديثة من سيّارات وطائرات وسفن كبيرة ، وإنّما تعرّضوا لاستئجار الدّوابّ والأشخاص والسّفن الصّغيرة . وممّا تقدّم يتبيّن أنّ أحكام استئجار الدّوابّ والسّفن الصّغيرة والأشخاص ترجع كلّها إلى الأحوال الآتية : إجارة مشتركة ، أو إجارة خاصّة ، أو إجارة في الذّمّة ، أو إجارة عين موصوفة ، أو إجارة على العمل ، سواء كانت مع المدّة أو بدونها . وقد بيّن الفقهاء كلّ هذه الأحكام على ما تقدّم . ويمكن تطبيقها على وسائل النّقل الحديثة ، لأنّها لا تخرج عن هذه الأحوال الّتي ذكرناها . وإذا كان هناك اختلاف في بعض الأحوال ، كاختلافهم في تعيّن الرّاكب ، فإنّ هذا يرجع فيه إلى العرف . فلا فرق بين شخص وآخر في استئجار سيّارة أو طائرة ، بخلاف الدّابّة ، فإنّها تتأثّر بالأشخاص ضخامةً ونحافةً - وأمّا ما يصحبه الرّاكب من المتاع فرجع ذلك إلى الشّرط . فإن لم يكن فالحكم العرف . وأمّا استحقاق الأجرة ، سواء على نقل الأشخاص أو الأمتعة ، فالمرجع أيضاً إلى الشّرط . وإلاّ فالعرف . وكلّ أحكام الضّمان سواء بالنّسبة للأجير المشترك أو الخاصّ ، أو بالنّسبة لاستئجار عين من الأعيان كالسّفينة ، فإنّ ما سبق ذكره يطبّق عليها .
    الاستحقاق في الإجارة :
    153 - اختلف الفقهاء في أثر استحقاق العين المؤجّرة ، فمنهم من يرى بطلان الإجارة ومنهم من يرى توقّفها على إجازة المستحقّ كما اختلفوا فيمن يستحقّ الأجرة على خلاف . وتفصيل ينظر بحث ( استحقاق ) .
    إجازة
    التّعريف
    1 - الإجازة في اللّغة الإنفاذ ، يقال : أجاز الشّيء إذا أنفذه . ولا يخرج استعمال الفقهاء للإجازة عن هذا المعنى اللّغويّ . هذا وقد يطلق الفقهاء " الإجازة " بمعنى الإعطاء ، كما يطلقونه على الإذن بالإفتاء أو التّدريس . ويطلق المحدّثون وغيرهم " الإجازة " بمعنى الإذن بالرّواية ، سواء أكانت رواية حديث أم رواية كتاب . وتفصيل ذلك يأتي في آخر البحث ، والإجازة بمعنى الإنفاذ لا تكون إلاّ لاحقةً للتّصرّف ، بخلاف الإذن فلا يكون إلاّ سابقاً عليه . وعلى هذا فنقسّم البحث على هذه الأنواع الأربعة : أوّلاً : الإجازة بمعنى الإنفاذ أركانها :
    2 - كلّ إجازة لا بدّ من أن تتوفّر فيها الأمور التّالية : أ - المجاز تصرّفه : وهو من تولّى التّصرّف بلا ولاية كالفضوليّ .
    ب - المجيز : وهو من يملك التّصرّف سواء أكان أصيلاً أم وكيلاً أم وليّاً أم وصيّاً أم قيّماً أم ناظر وقف .
    ج - المجاز : وهو التّصرّف .
    د - الصّيغة : صيغة الإجازة أو ما يقوم مقامها . وقد اصطلح جمهور الفقهاء على أنّ هذه الأمور كلّها أركان والحنفيّة يقصرون إطلاق لفظ الرّكن على الصّيغة أو ما يقوم مقامها . أ - ( المجاز تصرّفه ) :
    3 - يشترط في المجاز تصرّفه ما يلي :
    1 - أن يكون ممّن ينعقد به التّصرّف كالبالغ العاقل والصّغير المميّز في بعض تصرّفاته . أمّا إذا كان المباشر غير أهل لعقد التّصرّف أصلاً كالمجنون والصّغير غير المميّز فإنّ التّصرّف يقع باطلاً غير قابل للإجازة . بقاء المجاز تصرّفه حيّاً لحين الإجازة :
    4 - لكي تكون الإجازة صحيحةً ومعتبرةً عند الحنفيّة فلا بدّ من صدورها حال حياة المباشر ، إن كانت طبيعة التّصرّف ممّا ترجع حقوقه إلى المباشر فيما لو حجبت عنه الإجازة ، كالشّراء والاستئجار أمّا التّصرّفات الّتي يعتبر فيها المباشر سفيراً ومعبّراً ، ولا تعود حقوق التّصرّف إليه بحال من الأحوال ، كالنّكاح فلا تشترط فيه حياة المباشر وقت الإجازة ، كما لو زوّج فضوليّ رجلاً بامرأة ، ثمّ مات الفضوليّ ، ثمّ أجاز الرّجل اعتبرت الإجازة صحيحةً ، لأنّ الوكيل في هذا العقد ما هو إلاّ سفير ومعبّر ، ولا يعود إليه شيء من حقوق هذا العقد حين إخلاله بالشّروط الّتي اشترطها عليه الموكّل . هذا صريح مذهب الحنفيّة وهو المفهوم من بعض الفروع في مذهب الشّافعيّة ، فقد قالوا : لو باع مال مورّثه على ظنّ أنّه حيّ وأنّه فضوليّ فبان ميّتاً حينئذ وأنّه ملك العاقد فقولان ، وقيل وجهان مشهوران ، أصحّهما : أنّ العقد صحيح لصدوره من مالك ، والثّاني : البطلان لأنّه في معنى المعلّق بموته ، ولأنّه كالغائب . والظّاهر أنّ الوجه الأوّل هنا مبنيّ على القول بجواز تصرّف الفضوليّ ، فإنّ تصرّفه كان على ظنّ أنّه فضوليّ ، وإجازته بعد تحقّق وفاة مورّثه على أنّه مالك فله اعتباران : كونه فضوليّاً وكونه مالكاً وهو حيّ في كلتا الحالتين . وأمّا على القول بالبطلان ، وهو المعتمد عندهم ، فلا تنافي . هذا ولم نعثر على هذا الشّرط عند المالكيّة والحنابلة .
    ب - ( المجيز ) :
    5 - من له الإجازة ( المجيز ) إمّا أن يكون واحداً ، أو أكثر ، فإن كان واحداً فظاهر ، وإن كان أكثر فلا بدّ من اتّفاق جميع من لهم الإجازة عليها حتّى تلحق التّصرّف إذا كان لكلّ واحد منهم حقّ الإجازة كاملاً فإن اختلفوا فأجازه البعض ، وردّه البعض قدّم الرّدّ على الإجازة ، كما لو جعل خيار الشّرط إلى شخصين فأجاز البيع أحدهما وامتنع عن الإجازة الآخر ، لم تلحق الإجازة التّصرّف . أمّا إن كانت الإجازة قابلةً للتّجزئة كما إذا تصرّف فضوليّ في مال مشترك ، فالإجازة تنفذ في حقّ المجيز دون شركائه .
    6 - ويشترط في المجيز لكي تصحّ إجازته أن يكون أهلاً لمباشرة التّصرّف وقت الإجازة فإن كان التّصرّف هبةً وجب أن تتوفّر فيه أهليّة التّبرّع ، وإن كان بيعاً وجب أن تتوفّر فيه أهليّة التّعاقد وهكذا لأنّ الإجازة لها حكم الإنشاء ، فيجب فيها من الشّروط ما يجب في الإنشاء .
    7 - ويشترط الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في قول عندهم والشّافعيّة في التّصرّفات الّتي تتوقّف على الإجازة كخيار الشّرط لأجنبيّ عن العقد أن يكون المجيز موجوداً حال وقوع التّصرّف ، لأنّ كلّ تصرّف يقع ولا مجيز له حين وقوعه يقع باطلاً ، والباطل لا تلحقه الإجازة . فإذا باع الصّغير المميّز ثمّ بلغ قبل إجازة الوليّ تصرّفه ، فأجاز تصرّفه بنفسه جاز ، لأنّ له وليّاً يجيزه حال العقد ، وإذا زوّج فضوليّ إنساناً ثمّ وكّل هذا الشّخص الفضوليّ في تزويجه قبل أن يجيز التّصرّف ، فأجاز الفضوليّ بعد الوكالة تصرّفه السّابق للوكالة جاز هذا عند كلّ من الحنفيّة والمالكيّة . بخلاف ما إذا طلّق وهو صغير ، ثمّ بلغ فأجاز طلاقه بنفسه ، لم يجز لأنّ طلاق الصّغير ليس له مجيز وقت وقوعه ، إذ ليس للوليّ أن يطلّق زوجة الصّغير ، ولا أن يتصرّف تصرّفاً مضرّاً ضرراً محضاً بالصّغير - مميّزاً أو غير مميّز - هذا عند الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وقول لأحمد ) والمعتمد عند الحنابلة وقوع طلاق الصّبيّ المميّز الّذي يعقل الطّلاق وما يترتّب عليه .
    8 - ويشترط الشّافعيّة أن يكون من تولّى الإجازة مالكاً للتّصرّف عند العقد ، فلو باع الفضوليّ مال الطّفل ، فبلغ الطّفل ، فأجاز ذلك البيع ، لم ينفذ لأنّ الطّفل لم يكن يملك البيع عند العقد . وهذا بناءً على القول عندهم بجواز تصرّفات الفضوليّ .
    9 - كما يشترط في المجيز أن يكون عالماً ببقاء محلّ التّصرّف . أمّا علمه بالتّصرّف الّذي أجازه فظاهر ، وأمّا علمه ببقاء محلّ التّصرّف فقد قال في الهداية : ولو أجاز المالك في حياته وهو لا يعلم حال المبيع جاز البيع في قول أبي يوسف أوّلاً ، وهو قول محمّد لأنّ الأصل بقاؤه ثمّ رجع أبو يوسف فقال : لا يصحّ حتّى يعلم قيامه عند الإجازة ، لأنّ الشّكّ وقع في شرط الإجازة . فلا يثبت مع الشّكّ وهو ما ذهب إليه المالكيّة أيضاً . ولم نقف على نصّ في هذا عند الشّافعيّة والحنابلة لأنّ المعتمد عندهم عدم جواز تصرّفات الفضوليّ ولهذا لم يتوسّعوا في التّفريع .
    ج - التّصرّف المجاز ( محلّ الإجازة ) محلّ الإجازة إمّا أن يكون قولاً أو فعلاً إجازة الأقوال :
    10 - الإجازة تلحق التّصرّفات القوليّة ، وعندئذ يشترط في تلك التّصرّفات : أوّلاً : أن يكون قد وقع صحيحاً ، فالعقد غير الصّحيح لا تلحقه الإجازة كبيع الميتة ، فبيع الميتة غير منعقد أصلاً ، فهو غير موجود إلاّ من حيث الصّورة فحسب ، والإجازة لا تلحق المعدوم بالبداهة . ويبطل العقد الموقوف وغير اللاّزم بردّ من له الإجازة ، فإذا ردّه فقد بطل ، ولا تلحقه الإجازة بعد ذلك . ثانياً : أن يكون التّصرّف صحيحاً غير نافذ - أي موقوفاً - كهبة المريض مرض الموت فيما زاد على الثّلث وكتصرّف الفضوليّ عند من يرى جوازه ، وكالعقود غير اللاّزمة كالّتي تنعقد مع الخيار . ثالثاً : أن يكون المعقود عليه قائماً وقت الإجازة ، فإن فات المعقود عليه فإنّ العقد لا تلحقه الإجازة ، لأنّ الإجازة تصرّف في العقد ، فلا بدّ من قيام العقد بقيام العاقدين والمعقود عليه . إجازة العقود الواردة على محلّ واحد :
    11 - إذا وردت الإجازة على أكثر من عقد واحد على محلّ واحد ، لحقت أحقّ هذه العقود بالإمضاء . وقد صنّف الحنفيّة العقود والتّصرّفات بحسب أحقّيّتها كما يلي : الكتابة والتّدبير والعتق ، ثمّ البيع ، ثمّ النّكاح ، ثمّ الهبة ، ثمّ الإجارة ، ثمّ الرّهن . فإذا باع فضوليّ أمة رجل ، وزوّجها فضوليّ آخر ، أو آجرها أو رهنها ، فأجاز المالك تصرّف الفضوليّين معاً ، جاز البيع وبطل غيره ، لأنّ البيع أحقّ من بقيّة التّصرّفات ، فلحقت به الإجازة دون غيره ولم نجد هذا عند غيرهم . إجازة الأفعال : الأفعال إمّا أن تكون أفعال إيجاد أو إتلاف .
    12 - وفي أفعال الإيجاد اتّجاهان : الأوّل : أنّ الإجازة لا تلحقها ، وهو ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة . الثّاني : أنّ الإجازة تلحقها ، وهو ما ذهب إليه الإمام محمّد بن الحسن وهو الرّاجح عند الحنفيّة . وبناءً على ذلك فإنّ الغاصب إذا أعطى المغصوب لأجنبيّ بأيّ تصرّف فأجاز المالك ذلك ، فقد ذهب أبو حنيفة إلى عدم براءة الغاصب وأنّه لا يزال ضامناً إذ الأصل عنده أنّ الإجازة لا تلحق الأفعال . والمفهوم من بعض فروع المالكيّة والشّافعيّة ورواية عن أحمد أنّهم يذهبون مذهب أبي حنيفة . وعلّل المالكيّة ذلك بأنّ الرّضا بتصرّف الغاصب لا يجعل يده يد أمانة . وعلّل الشّافعيّ والحنابلة لهذه الرّواية بأنّ تصرّفات الغاصب في العين المغصوبة حرام ، ولا يملك أحد إجازة تصرّف حرام . وذهب الإمام محمّد بن الحسن إلى أنّ إجازة المالك لتصرّف الغاصب صحيحة وتبرّئ ذمّته وتسقط عنه الضّمان والقاعدة عنده أنّ الإجازة تلحق الأفعال . وهو الرّواية الأخرى عند الحنابلة ، واختلف علماؤهم في تخريج هذه الرّواية عن أحمد .
    13 - واتّفقت كلمة الحنفيّة على أنّ الإجازة لا تلحق أفعال الإتلاف ، فليس للوليّ أن يهب من مال الصّغير ، لأنّ الهبة إتلاف ، فإن فعل ذلك كان ضامناً ، فإن بلغ الصّبيّ وأجاز هبته ، لم تجز ، لأنّ الإجازة لا تلحق أفعال الإتلاف . وهذا هو ما يفهم من كلام المالكيّة والشّافعيّة . وأمّا الحنابلة فقد فرّقوا بين ما إذا كان الوليّ أباً أو غير أب فإن كان أباً فلا يعتبر متعدّياً لأنّ له حقّ تملّك مال ولده ، لحديث : « أنت ومالك لأبيك » وإن كان الوليّ غير أب فهم مع الجمهور . أمّا دليل عدم نفاذ الإجازة فلأنّ تصرّفات الوليّ منوطة بمصلحته والتّبرّعات إتلاف فتقع باطلةً فلا تلحقها الإجازة .
    14 - وقد وقع خلاف في اللّقطة إذا تصدّق بها الملتقط فالمالكيّة والحنابلة قالوا : إذا عرّفها سنةً ولم يأت مالكها تملّكها الملتقط وعلى هذا فلو تصدّق بها بعد المدّة المذكورة فلا ضمان عليه لأنّه تصدّق بخالص ماله . ومفهوم كلامهم أنّه لو تصدّق بها قبل هذه المدّة أو لم يعرّفها يكون ضامناً إن لم يجز المالك التّصدّق . وسندهم في ذلك حديث زيد بن خالد أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال في شأن اللّقطة : « فإن لم تعرف فاستنفقها » وفي لفظ : « وإلاّ فهي كسبيل مالك » ، وفي لفظ : « ثمّ كلها » ، وفي لفظ : « فانتفع بها » . أمّا الحنفيّة فقالوا : إذا تصدّق الملتقط باللّقطة ، ثمّ جاء صاحبها فأجاز صدقة الملتقط طلباً لثواب اللّه تعالى ، جاز بالاتّفاق . قال عمر بن الخطّاب لمن أتاه مستفسراً عمّا يتصرّف به في اللّقطة الّتي في يده : ألا أخبرك بخير سبيلها ؟ تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها فاختار المال غرمت له وكان الأجر لك ، وإن اختار الأجر كان له ، ولك ما نويت ومفهوم مذهب الشّافعيّة أنّ الملتقط إذا تصرّف أيّ تصرّف فيها يكون متعدّياً ويعتبر ضامناً . وتفصيل ذلك في مصطلح « لقطة » . صيغة الإجازة : من استقراء كلام الفقهاء نجد أنّ الإجازة تتحقّق بطرائق متعدّدة . وهي خمسة في الجملة : ( الطّريقة الأولى ) : القول 15 - الأصل في الإجازة أن تكون بالقول المعبّر عنها بنحو قول المجيز : أجزت ، وأنفذت ، وأمضيت ، ورضيت ، ونحو ذلك . وإذا وقعت الإجازة بلفظ يمكن أن يعبّر به عنها كما يمكن أن يعبّر به عن غيرها ، فالاحتكام في ذلك إلى قرائن الأحوال . فإن انعدمت قرائن الأحوال حمل الكلام على حقيقته . وتقوم الكتابة أو الإشارة المفهمة مقام القول عند العجز على تفصيل موضعه الصّيغة في العقد .
    ( الطّريقة الثّانية )
    الفعل
    16 - فكلّ ما يصحّ أن يكون قبولاً من الأفعال في العقود ، يصحّ أن يكون إجازةً .
    ( الطّريقة الثّالثة )
    17 - مضيّ المدّة في التّصرّفات الموقوتة : كمضيّ مدّة الخيار في خيار الشّرط ( ر : خيار الشّرط ) .
    ( الطّريقة الرّابعة )
    18 - القرائن القويّة : كتبسّم البكر البالغة ، وضحكها ضحك سرور وابتهاج ، وسكوتها وقبضها مهرها ، عند إعلام وليّها إيّاها أنّه زوّجها من فلان ، فإنّها قرينة قويّة على إجازتها ، بخلاف بكائها بصوت مرتفع وولولتها ، فهي قرينة على الرّفض . ومن القرائن القويّة السّكوت في موطن الحاجة إلى الإبطال ، كسكوت صاحب الحاجة عند رؤية حاجته يبيعها صغيره المميّز في السّوق وغيرها .
    ( الطّريقة الخامسة ) :
    19 - زوال حالة أوجبت عدم نفاذ التّصرّف ، كما هو الحال في تصرّفات الرّجل المرتدّ عن الإسلام من معاوضات ماليّة كالبيع والإجارة ، أو تبرّعات كالهبة والوصيّة والوقف ، فإنّ الإمام أبا حنيفة يعتبر سائر عقود المرتدّ وتصرّفاته الماليّة موقوفةً غير نافذة ، فإن زالت حالة الرّدّة بعودته للإسلام نفذت تلك التّصرّفات الموقوفة ، وإن مات ، أو قتل ، أو التحق بدار الحرب وقضى القاضي باعتباره ملتحقاً بها بطلت تلك العقود والتّصرّفات .
    20 - وهذه الطّرق الخمسة هي صريح مذهب الحنفيّة والمفهوم من مذهب المالكيّة عند كلامهم عن صيغة عقد البيع . أمّا الشّافعيّة فالأصل عندهم في التّصرّفات القوليّة العبارة . وهذا هو المعتمد في المذهب الجديد . وفي المذهب القديم جواز الاعتماد على المعاطاة وما في معناها ، وهو اختيار النّوويّ وجماعة ، سواء أكان في النّفيس أم الخسيس واختار بعضهم جواز ذلك في الخسيس فقط . وعليه فتكون الإجازة عندهم على المعتمد بالعبارة دون غيرها . وأمّا الحنابلة فالمأخوذ من فروعهم جواز ذلك في الجملة . وللفقهاء في تصرّفات المرتدّ وكونها موقوفةً أو نافذةً تفصيل حاصله أنّها موقوفة عند أبي حنيفة ومالك والحنابلة ورأي عند الشّافعيّة فإن عاد إلى الإسلام نفذت تصرّفاته بإجازة الشّارع . والصّاحبان من الحنفيّة والشّافعيّة في رأي عندهم أنّ تصرّفاته نافذة . ومبنى هذا الخلاف أنّ من قال بنفاذ تصرّفاته قال : إنّه أهل للتّصرّف وقد تصرّف في ملكه ولم يوجد سبب مزيل للملك وأنّ كلّ ما يستحقّه هو القتل . أمّا الوجه الآخر فإنّهم يرون أنّه بالرّدّة صار مهدر الدّم وماله تبع له ، ويتريّث حتّى يستبين أمره .
    ( آثار الإجازة ) :
    21 - الإجازة يظهر أثرها من حين إنشاء التّصرّف . ولذا اشتهر من أقوال الفقهاء الإجازة اللاّحقة كالإذن السّابق . ويبنى على ذلك كثير من التّطبيقات العمليّة عندهم نذكر منها :
    1 - أنّ المجيز يطالب المباشر بالثّمن بعد الإجازة إن كان التّصرّف بيعاً ، ولا يطالب المشتري لأنّ المباشر - وهو الفضوليّ - قد صار بالإجازة وكيلاً .
    2 - إذا باع الفضوليّ ملك غيره ثمّ أجاز المالك البيع يثبت البيع والحطّ سواء علم المالك الحطّ أو لم يعلم إلاّ أنّه بالحطّ بعد الإجازة يثبت له الخيار .
    3 - إذا تعدّدت التّصرّفات وأجاز المالك أحدها أجاز العقد الّذي أجازه خاصّةً ، فلو باع الغاصب العين المغصوبة ثمّ باعها المشتري أو أجّرها أو رهنها وتداولتها الأيدي فأجاز مالكها أحد هذه العقود جاز العقد الّذي أجازه خاصّةً لتوقّف كلّها على الإجازة فإذا أجاز عقداً منها جاز ذلك خاصّةً ولم نعثر لغير الحنفيّة على ما يتعلّق بهذا .
    ( رفض الإجازة ) :
    22 - يحقّ لمن له الإجازة أن يردّ التّصرّف المتوقّف عليها ، وإذا ردّه فليس له أن يجيزه بعد ذلك لأنّه بالرّدّ أصبح التّصرّف باطلاً . الرّجوع عن الإجازة :
    23 - إذا أجاز من له الإجازة التّصرّف ، فليس له أن يرجع عن الإجازة بعد ذلك ، فمن سمع أنّ فضوليّاً باع ملكه فأجاز ولم يعلم مقدار الثّمن ، فلمّا علم ردّ البيع ، فالبيع قد لزم ، ولا عبرة لردّه لصيرورة البائع المباشر للبيع - وهو الفضوليّ هنا - كالوكيل .
    ثانياً : الإجازة بمعنى الإعطاء 24 - الإجازة بمعنى الإعطاء . وهي بمعنى العطيّة من حاكم أو ذي شأن كمكافأة على عمل وبيان ذلك في مصطلح هبة .
    ثالثاً : الإجازة بمعنى الإذن بالإفتاء أو التّدريس 25 - أمّا الإجازة بمعنى الإفتاء أو التّدريس فلا يحلّ إجازة أحد للإفتاء أو تدريس العلوم الدّينيّة إلاّ أن يكون عالماً بالكتاب والسّنّة والآثار ووجوه الفقه واجتهاد الرّأي عدلاً موثوقاً به .
    رابعاً : الإجازة بمعنى الإذن في الرّواية 26 - اختلف العلماء في حكم رواية الحديث بالإجازة والعمل به فذهب جماعة إلى المنع وهو إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ ، وحكي ذلك عن أبي طاهر الدّبّاس من أئمّة الحنفيّة ولكنّ الّذي استقرّ عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرّواية بها ، ووجوب العمل بالمرويّ بها .
    27 - وتستحسن الإجازة برواية الحديث إذا كان المجيز عالماً بما يجيز ، والمجاز له من أهل العلم ، لأنّها توسّع وترخيص يتأهّل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها ، وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطاً فيها ، وقد حكى ذلك أبو العبّاس الوليد بن بكر المالكيّ عن الإمام مالك رحمه الله .
    ( أنواع الإجازة بالكتب ) 28 - وكما جرت العادة برواية الحديث بالإجازة ، جرت كذلك برواية الكتب وتدريسها بها وهي على أنواع : النّوع الأوّل : أن يجيز إنساناً معيّناً في رواية كتاب معيّن ، كقوله : « أجزت لك رواية كتابي الفلانيّ » . النّوع الثّاني : أن يجيز لإنسان معيّن رواية شيء غير معيّن ، كقوله : « أجزت لك رواية جميع مسموعاتي » . وجمهور الفقهاء والمحدّثين على تجويز الرّواية بهذين النّوعين وعلى وجوب العمل بما روي بهما بشرطه مع العلم أنّ الخلاف في جواز العمل بالنّوع الثّاني أكثر بين العلماء . النّوع الثّالث : إجازة غير معيّن رواية شيء معيّن كقوله : « أجزت للمسلمين رواية كتابي هذا " وهذا النّوع مستحدث فإن كان مقيّداً بوصف حاضر فهو إلى الجواز أقرب ويقول ابن الصّلاح : « لم نر ولم نسمع عن أحد ممّن يقتدى به أنّه استعمل هذه الإجازة » . النّوع الرّابع : الإجازة لغير معيّن برواية غير معيّن ، كأن يقول : أجزت لكلّ من اطّلع على أيّ مؤلّف من مؤلّفاتي روايته وهذا النّوع يراه البعض فاسداً واستظهر عدم الصّحّة وبذلك أفتى القاضي أبو الطّيّب الطّبريّ وحكى الجواز عن بعض الحنابلة والمالكيّة . وهناك أنواع أخرى غير هذه ذهب المحقّقون إلى عدم جواز العمل بها .
    إجبار
    التّعريف
    1 - الإجبار لغةً : القهر والإكراه . يقال : أجبرته على كذا حملته عليه قهراً ، وغلبته فهو مجبر . وفي لغة بني تميم وكثير من أهل الحجاز : جبرته جبراً وجبوراً قال الأزهريّ : جبرته وأجبرته لغتان جيّدتان . وقال الفرّاء سمعت العرب تقول : جبرته على الأمر وأجبرته . ولم نقف للفقهاء على تعريف خاصّ للإجبار . والّذي يستفاد من الفروع الفقهيّة أنّ استعمالهم هذا اللّفظ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ السّابق فمن تثبت له ولاية الإجبار على الزّواج يملك الاستبداد بتزويج من له عليه الولاية ، ومن تثبت له الشّفعة يتملّك المشفوع فيه جبراً عن المشتري . وقالوا : إنّ للقاضي أن يجبر المدين المماطل على سداد ما عليه من دين إلى غير ذلك من الصّور المنثورة في مختلف أبواب الفقه .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) :
    2 - هناك ألفاظ استعملها الفقهاء في المعاني ذات الصّلة بلفظ إجبار وذلك كالإكراه والتّسخير والضّغط . فالإكراه ، كما يعرّفه بعض الأصوليّين ، هو حمل الإنسان على ما يكرهه ولا يريد مباشرته لولا الحمل عليه بالوعيد ويعرّفه بعض الفقهاء : بأنّه الإلزام والإجبار على ما يكرهه الإنسان طبعاً أو شرعاً فيقدم عليه مع عدم الرّضا ليدفع عنه ما هو أضرّ به . ومن هذا يتبيّن أنّ الإكراه لا بدّ فيه من التّهديد والوعيد ، وأنّ التّصرّف المطلوب يقوم به المكره - بفتح الرّاء - دون رضاه . ولذا كان الإكراه معدماً للرّضا ومفسداً للاختيار أو مبطلاً له ، فيبطل التّصرّف ، أو يثبت لمن وقع عليه الإكراه حقّ الخيار ، على تفصيل موضع بيانه مصطلح « إكراه » .
    3 - ( والتّسخير لغةً ) : استعمال الشّخص غيره في عمل بالمجّان . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى .
    4 - والضّغط لغةً : الضّيق والشّدّة والإكراه . وأمّا في الاستعمال الفقهيّ فقد قال البرزليّ : سئل ابن أبي زيد عن المضغوط ما هو ؟ فقال : هو من أضغط في بيع ربعه أو شيء بعينه ، أو في مال يؤخذ منه ظلماً فباع لذلك . وقيل : إنّ المضغوط هو من أكره على دفع المال ظلماً فباع لذلك فقط . بينما الإجبار أعمّ من كلّ ذلك . إذ قد يكون حراماً غير مشروع فيتضمّن الإكراه والتّسخير والضّغط ، وقد يكون الإجبار مشروعاً بل مطلوباً ، كما لا يشترط لتحقّقه التّهديد والوعيد ، ولا أن يكون التّصرّف بفعل الشّخص المجبر - بفتح الباء - وإنّما قد يكون أيضاً بفعل المجبر - بكسر الباء - أو قوله ، كما في تزويج الوليّ المجبر من له عليه ولاية إجبار كالصّغيرة والمجنونة ، وكما في نزع الملكيّة جبراً عن المالك للمنافع العامّة . وقد يكون تلقائيّاً دون تلفّظ من أحدهما أو طلب كما في المقاصّة الجبريّة الّتي يقول بها جمهور الفقهاء غير المالكيّة كما أنّ الإجبار المشروع لا يؤثّر على صحّة التّصرّف ، ولا يشترط فيه أن يكون تسخيراً بغير مقابل وإنّما العوض فيه قائم ، كما أنّ الإجبار لا يقتصر وقوعه على البيع فقط كما في الضّغط ، بل صوره كثيرة ومتنوّعة .
    صفة الإجبار ( حكمه التّكليفيّ ) :
    5 - الإجبار إمّا أن يكون مشروعاً ، كإجبار القاضي المدين المماطل على الوفاء ، أو غير مشروع ، كإجبار ظالم شخصاً على بيع ملكه من غير مقتض شرعيّ .
    من له حقّ الإجبار :
    6 - قد يكون الإجبار من الشّارع دون أن يكون لأحد من الأفراد إرادة فيه كالميراث ، وقد يثبت الإجبار من الشّارع لأحد الأفراد على آخر بسبب يخوّل له هذه السّلطة ، كالقاضي ووليّ الأمر ، منعاً للظّلم ومراعاةً للصّالح العامّ . وسنعرض لكثير من صور هذه الحالات تاركين التّفصيل وبيان آراء المذاهب لمواضعها في مسائل الفقه ومصطلحات الموسوعة .
    الإجبار بحكم الشّرع :
    7 - يثبت الإجبار بحكم الشّرع ويلتزم الأفراد بالتّنفيذ ديانةً وقضاءً كما في أحكام الإرث الّتي هي فريضة من اللّه أوصى بها ، ويلتزم كلّ وارث بها جبراً عنه . ويثبت ملك الوارث في تركة مورّثه وإن لم يشأ كلّ منهما . وكذلك ما يفرض من العشور والخراج والجزية والزّكاة فإنّ من منعها بخلاً أو تهاوناً تؤخذ منه جبراً . ومن عجز عن الإنفاق على بهائمه أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبح المأكول منها ، فإن أبى فعل الحاكم الأصلح ، لأنّ من ملك حيواناً وجبت عليه مؤنته . ويرد الجبر أيضاً في الإنفاق على الزّوجة والوالدين والأولاد والأقارب على تفصيل وخلاف يذكر في موضعه . كما قالوا : إنّ الأمّ تجبر على إرضاع ولده وحضانته إن تعيّنت لذلك واقتضته مصلحة الصّغير ، كما يجبر الأب على أجر الحضانة والرّضاعة . وليس له إجبارها على الرّضاع إذا لم تتعيّن ، أو الفطام من غير حاجة ، واستظهر ابن عابدين أنّ له أن يجبرها على الفطام بعد حولين . كما أنّ المضطرّ قد يجبر بحكم الشّرع على أن تناول طعاماً أو شراباً محظوراً ليزيل به غصّةً أو يدفع مخمصةً كي لا يلقي بنفسه في التّهلكة . ففي هذه الصّور مصدر الإجبار فيها : الشّرع مباشرةً ، وما وليّ الأمر إلاّ منفّذ فيما يحتاج إلى تدخّله دون أن يكون له خيار .
    الإجبار من وليّ الأمر :
    8 - قد يكون الإجبار حقّاً لوليّ الأمر بتخويل من الشّارع دفعاً لظلم أو تحقيقاً لمصلحة عامّة . ومن ذلك ما قالوه من جبر المدين المماطل على دفع ما عليه من دين للغير ولو بالضّرب مرّةً بعد أخرى والسّجن ، وإلاّ باع عليه القاضي جبراً . كما قال جمهور الفقهاء خلافاً للإمام أبي حنيفة الّذي رأى جبره بالضّرب والحبس حتّى يقضي دينه دون بيع ماله جبراً عنه . وتفصيله في الحجر . كما قالوا : إذا امتنع أرباب الحرف الضّروريّة للنّاس ، ولم يوجد غيرهم ، أجبرهم وليّ الأمر استحساناً .
    9 - كما أنّ لوليّ الأمر أيضاً أن يجبر صاحب الماء على بيع ما يفيض عن حاجته لمن به عطش أو فقد مورد مائه كما أثبتوا للغير حقّ الشّفة في مياه القنوات الخاصّة والعيون الخاصّة ، ومن حقّ النّاس أن يطالبوا مالك المجرى أو النّبع أن يخرج لهم الماء ليستوفوا حقّهم منه أو يمكّنهم من الوصول إليه لذلك وإلاّ أجبره الحاكم إذا تعيّن هذا الماء لدفع حاجتهم . ذكر الكاسانيّ : أنّ قوماً وردوا ماءً فسألوه أهله فمنعوهم فذكروا ذلك لعمر بن الخطّاب وقالوا : إنّ أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تتقطّع من العطش ، فقال لهم عمر : هلاّ وضعتم فيهم السّلاح ؟ 10 - ولمّا كان الاحتكار محظوراً لما رواه مسلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « من احتكر فهو خاطئ » ، فإنّ فقهاء المذاهب قالوا بأنّ وليّ الأمر يأمر المحتكرين بالبيع بسعر وقته فإن لم يفعلوا أجبروا على ذلك عند ضرورة النّاس إليه ، غير أنّ ابن جزيّ ذكر أنّ في الجبر خلافاً . ونقل الكاسانيّ عن الحنفيّة خلافاً أيضاً ، لكن نقل المرغينانيّ وغيره قولاً اتّفاقيّاً في المذهب - هو الصّحيح - أنّ الإمام يبيع على المحتكر جبراً عنه إذا لم يستجب لأمره بالبيع . كما نصّ الفقهاء على أنّ السّلطان إذا أراد تولية أحد أحصى ما بيده فما وجده بعد ذلك زائداً على ما كان عنده ، وما كان يرزق به من بيت مال المسلمين وإنّما أخذه بجاه الولاية ، أخذه منه جبراً . وقد فعل ذلك عمر رضي الله عنه مع عمّاله لمّا أشكل عليه ما اكتسبوه في مدّة القضاء والإمارة ، فقد شاطر أبا هريرة وأبا موسى مع علوّ مراتبهما .
    11 - ويدخل في الإجبار من قبل وليّ الأمر منع عمر كبار الصّحابة من تزوّج الكتابيّات ، فقد منعهم وقال : أنا لا أحرّمه ولكنّي أخشى الإعراض عن الزّواج بالمسلمات ، وفرّق بين كلّ من طلحة وحذيفة وزوجتيهما الكتابيّتين .
    الإجبار من الأفراد 12 - خوّل الشّارع بعض الأفراد في حالات خاصّة سلطة إجبار الغير ، كما في الشّفعة فقد أثبت الشّارع للشّفيع حقّ تملّك العقار المبيع بما قام على المشتري من ثمن ومؤنة جبراً عنه . وهو حقّ اختياريّ للشّفيع .
    13 - كما خوّل الشّارع للمطلّق طلاقاً رجعيّاً حقّ مراجعة مطلّقته ولو جبراً عنها ما دامت في العدّة ، إذ الرّجعة لا تفتقر إلى وليّ ولا صداق ولا رضا المرأة . وهذا الحقّ ثبت للرّجل من الشّارع في مدّة العدّة دون نصّ عليه عند التّعاقد أو اشتراطه عند الطّلاق ، حتّى إنّه لا يملك إسقاط حقّه فيه ، على ما بيّنه الفقهاء عند الكلام عن الرّجعة . كما أعطى الشّارع الأب ومن في حكمه كوكيله ووصيّه حقّ ولاية الإجبار في النّكاح على خلاف وتفصيل يرجع إليه في موطنه عند الكلام عن الولاية في النّكاح .
    14 - وفي إجبار الأمّ على الحضانة إذا لم تتعيّن لها تفصيل بين الفقهاء فمن رأى أنّ الحضانة حقّ للحاضنة قال : إنّها لا تجبر عليها إذا ما أسقطت حقّها لأنّ صاحب الحقّ لا يجبر على استيفاء حقّه . ومن قال : إنّها حقّ للمحضون نفسه قال : إنّ للقاضي أن يجبر الحاضنة ، على ما هو مبيّن تفصيلاً عند كلام الفقهاء عن الحضانة . ومن هذا ما قالوه من أنّ المفوّضة - وهي الّتي عقد نكاحها من غير أن يبيّن لها مهر - لو طالبت قبل الدّخول بأن يفرض لها مهر أجبر على ذلك . قال ابن قدامة : وبهذا قال الشّافعيّ ، ولا نعلم فيه مخالفاً 15 - وقال غير الحنفيّة - وهو قول زفر من الحنفيّة - إنّ للزّوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنّفاس مسلمةً كانت أو ذمّيّةً ، حرّةً كانت أو مملوكةً لأنّه يمنع الاستمتاع الّذي هو حقّ له ، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقّه وله إجبار زوجته المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة ، وأمّا الذّمّيّة ففي رواية عند كلّ من الشّافعيّة والحنابلة له إجبارها . وفي الرّواية الثّانية عندهما ليس له إجبارها لأنّ الاستمتاع لا يتوقّف عليه وهو قول مالك والثّوريّ .
    16 - كما قالوا بالنّسبة للأعيان المشتركة إذا كانت من جنس واحد وطلب أحد الشّريكين القسمة . فقد نصّ الحنفيّة على أنّ القاضي يجبر عليها ، لأنّ القسمة لا تخلو عن معنى المبادلة ؛ والمبادلة ممّا يجري فيه الجبر كما في قضاء الدّين ، فإنّ المدين يجبر على القضاء مع أنّ الدّيون تقضي بأمثالها فصار ما يؤدّي بدلاً عمّا في ذمّته . وهذا جبر في المبادلة قصداً وقد جاز ، فلأن يجوز بلا قصد إليه أولى . وإن كانت الأعيان المشتركة من أجناس مختلفة كالإبل والبقر والغنم لا يجبر القاضي الممتنع - على قسمتها لتعذّر المبادلة ، ولو تراضوا عليها جاز . وتفصيل ذلك في الشّركة والقسمة .
    17 - وينصّ الشّافعيّة على أنّ ما لا ضرر في قسمته كالبستان والدّار الكبيرة والدّكّان الواسعة ، والمكيل والموزون من جنس واحد ، ونحوها إذا طلب الشّريك قسمته أجبر الآخر عليها . والضّرر المانع من قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها ، وقيل : عدم النّفع به مقسوماً . وإن تضرّر أحد الشّريكين وحده وطلب المتضرّر القسمة أجبر الآخر ، وإلاّ فلا إجبار . وقيل : أيّهما طلب لم يجبر الآخر . وتفصيل ذلك في القسمة والشّركة .
    18 - كما نصّ الفقهاء فيمن له حقّ السّفل مع من له حقّ العلو أنّه لا يجبر ذو السّفل على البناء ، لأنّ حقّ ذي العلو فائت إذ حقّه قرار العلو على السّفل القائم . ويقول ابن قدامة : إذا كان السّفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السّقف الّذي بينهما فطلب أحدهما المباناة من الآخر فامتنع فعلى روايتين كالحائط بين البيتين . وللشّافعيّ قولان كالرّوايتين . وإن انهدمت حيطان السّفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها فعلى روايتين : يجبر ، وهو قول مالك وأبي ثور وأحد قولي الشّافعيّ ، وعلى هذه الرّواية يجبر على البناء وحده لأنّه ملكه خاصّةً . والرّواية الثّانية : لا يجبر وهو قول أبي حنيفة ، وإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنعه من ذلك على الرّوايتين . وإن طالب صاحب السّفل بالبناء وأبى صاحب العلو ففيه روايتان : الأولى : لا يجبر على بنائه ولا مساعدته وهو قول الشّافعيّ ، والثّانية : يجبر على مساعدته لأنّه حائط يشتركان في الانتفاع به . وتفصيله في حقّ التّعلّي ضمن حقوق الارتفاق .
    19 - وقالوا في الحائط المشترك لو انهدم وعرصته عريضة فطلب أحدهما بناءه يجبر الآخر على الصّحيح في مذاهب الأئمّة الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ في ترك بنائه إضراراً فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى النّقض إذا خيف سقوطه . وغير الصّحيح في المذاهب أنّه لا يجبر لأنّه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه كما لو انفرد به ، ولأنّه بناء حائط فلم يجبر عليه كالابتداء . ونصّ الحنفيّة أيضاً على أنّه إذا كان مكان الحائط المشترك يحتمل القسمة ويتمكّن كلّ واحد من بناء سدّ في نصيبه لم يجبر ، وإلاّ أجبر .
    اجتهاد
    التّعريف
    1 - الاجتهاد في اللّغة بذل الوسع والطّاقة في طلب أمر ليبلغ مجهوده ويصل إلى نهايته . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى اللّغويّ . أمّا الأصوليّون فمن أدقّ ما عرّفوه به أنّه بذل الطّاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعيّ ظنّيّ ، فلا اجتهاد فيما علم من الدّين بالضّرورة ، كوجوب الصّلوات ، وكونها خمساً . ومن هذا يعلم أنّ معرفة الحكم الشّرعيّ من دليله القطعيّ لا تسمّى اجتهاداً .
    ( الألفاظ ذات الصّلة )
    ( القياس )
    2 - الّذي عليه الأصوليّون أنّ الاجتهاد أعمّ من القياس . فالاجتهاد يكون في أمر ليس فيه نصّ ، بإثبات الحكم له ، لوجود علّة الأصل فيه ، وهذا هو القياس . ويكون الاجتهاد أيضاً في إثبات النّصوص بمعرفة درجاتها من حيث القبول والرّدّ ، وبمعرفة دلالات تلك النّصوص ، ومعرفة الأحكام من أدلّتها الأخرى غير القياس ، من قول صحابيّ ، أو عمل أهل المدينة ، أو الاستصحاب ، أو الاستصلاح أو غيرها ، عند من يقول بها .
    التّحرّي :
    3 - هو لغةً الطّلب والابتغاء ، وشرعاً طلب شيء من العبادات بغالب الرّأي . عند تعذّر الوقوف على الحقيقة . وإنّما قيّد بالعبادات لأنّهم كما قالوا ( التّحرّي ) فيها ، قالوا ( التّوخّي ) في المعاملات . والتّحرّي غير الشّكّ والظّنّ ، فإنّ الشّكّ أن يستوي طرفا العلم والجهل ، والظّنّ ترجّح أحدهما من دليل ، والتّحرّي ترجّح أحدهما بغالب الرّأي . وهو دليل يتوصّل به إلى طرف العلم ، وإن كان لا يتوصّل به إلى ما يوجب حقيقة العلم . كذا قال السّرخسيّ في المبسوط . وفيه أيضاً : الاجتهاد مدرك من مدارك الأحكام الشّرعيّة ، وإن كان الشّرع لا يثبت به ابتداءً ، وكذلك التّحرّي مدرك من مدارك التّوصّل إلى أداء العبادات ، وإن كانت العبادة لا تثبت به ابتداءً .
    الاستنباط :
    4 - وهو استخراج العلّة أو الحكم إذا لم يكونا منصوصين ، بنوع من الاجتهاد .
    ( أهليّة الاجتهاد ) :
    5 - اشترط الأصوليّون في المجتهد أن يكون مسلماً صحيح الفهم عالماً بمصادر الأحكام ، من كتاب وسنّة وإجماع وقياس ، وبالنّاسخ منها والمنسوخ ، عالماً باللّغة العربيّة نحوها وصرفها وبلاغتها ، عالماً بأصول الفقه . والمراد بمعرفة الكتاب معرفة آيات الأحكام ، وليس المراد حفظها بل معرفة مواقعها بحيث يستطيع الوصول إليها بيسر وسهولة ، ويستطيع معرفة معانيها كذلك . والمراد بمعرفة السّنّة معرفة ما ورد من الأحاديث في الأحكام ، وليس المراد حفظها ، وإنّما يكفي أن يكون لديه أصل جامع لغالبيّة أحاديث الأحكام يستطيع أن يتعرّف فيه بيسر وسهولة ، مواقع كلّ باب منها ليرجع إليه عند الحاجة ، ولا بدّ أن يعرف المقبول منها من المردود . واشترطت معرفته بالنّاسخ والمنسوخ ، لئلاّ يفتي بما هو منسوخ . واشترطت معرفته بالعربيّة لكي يتمكّن من فهم القرآن والسّنّة على وجههما الصّحيح ، لأنّهما وردا بلسان العرب ، وجريا على أساليب كلامهم . واشترطت معرفته بأصول الفقه لكي لا يخرج في استنباطه للأحكام ، وفي التّرجيح عند التّعارض ، عن القواعد الصّحيحة لذلك . وهذه الشّروط إنّما هي للمجتهد المطلق المتصدّي للاجتهاد في جميع مسائل الفقه .
    درجات الاجتهاد :
    6 - الاجتهاد قد يكون مطلقاً كاجتهاد الأئمّة الأربعة وقد يكون غير مطلق وفي درجاته تفصيل موطنه الملحق الأصوليّ .
    صفة الاجتهاد بالاستعمال الأصوليّ ( حكمه التّكليفيّ ) 7 - الاجتهاد فرض كفاية إذ لا بدّ للمسلمين من استخراج الأحكام لما يحدث من الأمور . ويتعيّن الإجهاد على من هو أهله إن سئل عن حادثة وقعت فعلاً ، ولم يكن غيره ، وضاق الوقت بحيث يخاف من وقعت به فواتها ، إن لم يجتهد من هو أهل لتحصيل الحكم فيها . وقيل : يتعيّن أيضاً إذا وقعت الحادثة بالمجتهد نفسه وكان لديه الوقت للاجتهاد فيها . وهذا رأي الباقلاّنيّ والآمديّ وأكثر الفقهاء . وقال غيرهم : يجوز له التّقليد مطلقاً ، وقال : آخرون يجوز في أحوال معيّنة . وتفصيل ما يتّصل بالاجتهاد موطنه الملحق الأصوليّ .
    صفة الاجتهاد بالاستعمال الفقهيّ ( حكمه التّكليفيّ ) 8 - يذكر الفقهاء نوعاً آخر من الاجتهاد ، سوى الاجتهاد في الأدلّة الشّرعيّة ، يحتاج إليه المسلم في القيام بالعبادات ، عند حصول الاشتباه . فمن ذلك أن يجتهد في تحديد القبلة لأجل استقبالها في صلاته ، وذلك عندما لا يجد من يخبره بالجهة ، فيستدلّ عليها بأدلّتها المعتبرة شرعاً ، كمواقع النّجوم ، ومطالع الشّمس والقمر ، واتّجاه الرّيح وغير ذلك . ويذكره الفقهاء في مباحث استقبال القبلة في مقدّمات الصّلاة . ومن ذلك الاجتهاد عند اشتباه ثياب طاهرة بثياب نجسة لم يجد غيرها ، أو ماء طهور بماء نجس لم يجد غيرهما ، ويذكر الفقهاء ذلك في مباحث شرط إزالة النّجاسة في مقدّمات الصّلاة كذلك . ومنه أيضاً اجتهاد من حبس في مكان لا يعرف فيه دخول وقت الصّلاة ، أو وقت الصّوم ، ويذكر الفقهاء ذلك في مبحث معرفة دخول الشّهر من أبواب الصّوم .
    أجر
    التّعريف
    1 - الأجر في اللّغة مصدر أجره يأجره ويأجره إذا أثابه وأعطاه جزاء عمله . ويكون الأجر أيضاً اسماً للعوض المعطى عن العمل . ومنه ما يعطيه اللّه العبد جزاء عمله الصّالح في الدّنيا من مال أو ذكر حسن أو ولد أو غير ذلك ، قال اللّه تعالى { وآتيناه أجره في الدّنيا } ، وما يعطيه في الآخرة من النّعيم ، ومنه قوله تعالى : { والشّهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم } وقوله : { وإنّما توفّون أجوركم يوم القيامة } ، وكذلك ما يعطيه العباد بعضهم بعضاً من العوض عن أعمالهم يسمّى أجراً ، قال اللّه تعالى : { فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ } وسمّى القرآن مهر المرأة أجراً ، كما في قوله تعالى : { يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي آتيت أجورهنّ } . والأجر عند الفقهاء بمعنى العوض عن العمل ، سواء أكان من اللّه أم من العباد ، مع العلم بأنّ الأجر من اللّه تفضّل منه وبمعنى بدل المنفعة سواء أكانت منفعة عقار كسكنى دار ، أو منفعة منقول كركوب سيّارة . ونقل أبو البقاء في الكلّيّات عن بعضهم : « الأجر يقال فيما كان عقداً وما يجري مجرى العقد ، ولا يكون إلاّ في النّفع » .
    ( مواطن البحث )
    2 - يذكر الفقهاء مسائل الأجر على العمل والمنفعة ضمن مباحث الإجارة ، والأجرة فليرجع إليها .
    أجر المثل
    انظر : إجارة .
    أجرد
    التّعريف
    1 - الرّجل الأجرد لغةً هو من لا شعر على جسده . والمرأة جرداء . وفي اصطلاح الفقهاء : الأجرد الّذي ليس على وجهه شعر وقد مضى أوان طلوع لحيته ، أمّا قبل ذلك فهو أمرد .
    ( الحكم الإجماليّ )
    2 - أثبت العلماء لمن قارب البلوغ من الفتيان ولم ينبت شعر وجهه - وهو الّذي يسمّى الأمرد - أثبتوا له ، إذا كان صبيح الوجه ، بعض الأحكام الخاصّة ، على اختلاف بينهم فيها ، صيانةً له ودرءاً للفتنة به . من ذلك أنّهم رأوا تحريم النّظر إليه بشهوة ، والخلوة به ، ومسّه ، أو كراهة ذلك ( ر : أمرد ) ثمّ إن لم ينبت شعره بعد أوانه ، وهو الّذي يسمّى الأجرد ، فقد صرّح بعضهم في مثل ذلك بعدم انطباق أحكام الأمرد عليه ، كما نقل ابن عابدين عن بعض من كره إمامة الأمرد أنّه لم يكره الصّلاة خلف من تجاوز حدّ الإنبات ولم ينبت عذاره . ولم نجد لغير الحنفيّة نصّاً في ذلك .
    أجرة
    التّعريف
    1 - الأجر لغةً وشرعاً : بدل المنفعة ، وهي ما يعطاه الأجير في مقابلة العمل ، وما يعطاه صاحب العين مقابل الانتفاع بها . وتسمّى الأجرة الأجر والكراء والكروة ( بكسر الكاف ) وفي القاموس : « النّول جعل السّفينة " وفي اللّسان : « الآجرة والإجارة والإجارة ما أعطيت من أجر " وجمعها أجر ، كغرف . ويجوز جمعها على " أجرات " بضمّ الجيم وفتحها .
    ( الحكم الإجماليّ )
    2 - يجوز أن يكون بدل المنفعة في الإجارة ما جاز أن يكون ثمناً من عرض أو منفعة أخرى أو نقد حالّ أو مؤجّل . وما لا يصلح أن يكون ثمناً قد يصلح أن يكون أجرةً كالمنفعة ، ولا يصلح في ذلك الخمر والخنزير ونحوهما إلاّ للذّمّيّين . ويجب أن تكون معلومةً للمتعاقدين بإشارة أو تعيين أو بيان ، فلا يصحّ العقد بأجرة مجهولة ، ولا يصحّ بأجرة هي جزء من المعمول أو بعض النّاتج من العمل ، كمن يستأجر من يسلخ شاةً بجلدها . ويجوز تسعير الأجور في بعض الأحوال . وفي كثير ممّا ذكرناه خلاف وتفصيل يرجع إليه تحت عنوان ( إجارة ) .
    ( مواطن البحث )
    3 - يتعرّض الفقهاء لمسائل الأجرة ضمن مباحث الإجارة . ويتعرّضون لأخذ الأجرة على فعل القربات ضمن مباحث الأذان والحجّ والجهاد ، ولأخذها على القسمة ضمن مباحث القسمة ، ولأخذ الرّهن أو الكفيل بالأجرة ضمن مباحث الرّهن والكفالة ، ولتسعيرها ضمن مسائل التّسعير ، من البيوع ، ولجعل الأجرة منفعةً مماثلةً ضمن مسائل الرّبا ، وبعض مباحث الوقف .
    أجرة المثل
    انظر : إجارة .
    إجزاء
    التّعريف
    1 - الإجزاء في اللّغة الكفاية والإغناء . وهو شرعاً : إغناء الفعل عن المطلوب ولو من غير زيادة عليه .
    ( الألفاظ ذات الصّلة )
    الجواز
    2 - يفترق الإجزاء عن الجواز بأنّ الإجزاء يكون بأداء المطلوب ولو دون زيادة كما ذكر . أمّا الجواز فإنّه يطلق على ما لا يمتنع شرعاً . الحلّ : كما يفترق الإجزاء عن الحلّ بأنّ الأجزاء قد يكون مع الشّوائب ، أمّا الحلّ ، فهو الإجزاء الخالص من كلّ شائبة ، ولذلك فإنّ الكراهة قد تجامع الإجزاء ، ولكنّها لا تجامع الحلّ في بعض الإطلاقات . الحكم الإجماليّ ومواطن البحث :
    3 - يكون التّصرّف مجزئاً إذا استجمع شرائطه وأركانه وواجباته أيضاً عند الحنابلة فيجزئ في الوضوء الإتيان بفرائضه دون سننه ومستحبّاته . ويجزئ في الطّهارة بالماء التّطهّر بأحد المياه السّبعة وإن كان الماء الّذي جرى التّطهّر به مملوكاً للغير ، عند الجمهور . كما هو مذكور في باب الوضوء من كتب الفقه . ونحو ذلك كثير تجده في أبوابه من كتب الفقه .
    نهاية الجزء الأول / الموسوعة الفقهية

     
  4. #9
    عشق القمر is on a distinguished road
    تاريخ التسجيل
    13 / 07 / 2006
    الدولة
    مجهولة
    العمر
    50
    المشاركات
    61
    معدل تقييم المستوى
    279

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الأول

    الله يجزاك خير ويجعلها في موازين اعمالك ما قصرت بيض الله وجهك .
    أحساس شاعر
    http://www.haaaah.com/vb

     
  5. #10
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26547

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الأول

    جزاك الله خير الجزاء على ما قدمت أخى الفاضل
    مع الشكر والتقدير على الجهد الرائع

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك