بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الإخلاص
محاور هذا الدرس :
أولاً تعريف الإخلاص لغة وشرعاً. ثانياً: الأدلة على الإخلاص من القرآن. ثالثاً: الأدلة على الإخلاص من السنة.
رابعاً: وسائل الإخـلاص. خامساً: علامات الإخـلاص. سادساً: ثمرات الإخـلاص .
العلماء يبدؤون كتبهم بالحديث عن الإخلاص ويصدرون مصنفاتهم بحديث (إنما الأعمال بالنيات) لبيان أهمية الإخلاص .
الإخلاص في اللغة مشتق من خَلَص، بفتح الخاء واللام ، وهو في اللغة بمعنى صفا وزال عنه شوبه إذا كان في الماء أو اللبن أو أي شيء فيه شوب فقمت وصفيتَه فأخرجت هذه الشوائب فيقال: إنك أخلصته يعني صفيته ونقيته استعير هذا المعنى اللغوي للمعنى الاصطلاحي للإخلاص بجامع أن الإخلاص يكون بتنقية الأعمال من الرياء ومن الشرك ونحو ذلك فلذلك العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي واضحة .
ذكر أحسن التعريفات ابن القيم في مدارج السالكين و من أشهرها «قيل الإخلاص: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة» .
وقيل : هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين . وذكر تعريفاً ثالثاً : وهو استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن.
فيتضح من هذا أن الإخلاص تعريفه الدقيق: أن يقصد المسلم بأقواله وأفعاله وجه الله تعالى فيرجو الثواب ويخشى العقاب ويحذر الرياء والسمعة.
تعريف الأدلة على الإخلاص من القرآن
ورد في القرآن كثيراً مما يدل على أهميته ، ذكر في ثلاثة وعشرين موضعاً وهذه التي ورد فيها ذكر الإخلاص بتصريفاته أخلص ويخلص ويخلصون، المخلصين وورد الإخلاص في كتاب الله - عز وجل- في عدة نواحٍ:
أولاً: تكلم الله عن الإخلاص وأهميته في مجال التوحيد والعقيدة ، أي أن يحقق التوحيد الخالص لله فقال ﴿ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3]
أيضاً أمر الله بالإخلاص في جميع العبادات فقال الله تعالى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5] وقال - عز وجل- ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 4]. أيضاً أمر الله بالإخلاص في كتابه عند الدعاء فقال - عز وجل- ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر: 14] وجعل الإخلاص سبباً في دخول الجنة فقال الله - عز وجل﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿40 ﴾أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴿41 ﴾فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴿42 ﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴿43 ﴾ ﴾ [الصافات: 40، 43] أيضاً جعله منجاةً من الشيطان الشيطان يغوي لكن من كان مخلصاً لله - عز وجل- لا يستطيع عليه الشيطان﴿ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿39 ﴾إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ ﴿40 ﴾ ﴾ [الحجر: 39] وقال تعالى ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ (83) ﴾ [ص: 83،82] . أثنى الله على الأنبياء ووصفهم بالإخلاص فقال الله - عز وجل- عن يوسف -عليه السلام- ﴿ َ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24] وأثنى الله على موسى ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّ ﴾[مريم: 51] و هناك سورة سميت سورة الإخلاص وهي من أعظم سور القرآن ، وتعدل ثلث القرآن ، لماذا سميت هذه السورة سورة الإخلاص؟ قال ابن الأثير: لأنها خالصة في صفة الله تعالى أو لأن من قرأها فقد أخلص التوحيد لله - عز وجل- ولذا عظم ثواب من قرأها . سورة الكافرون ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ﴾ ذكرها ابن تيمية في الرسالة التدمورية مع بعض الآيات التي وردت في الإخلاص.
أدلة الإخلاص من السنة.
وردت أحاديث كثيرة في فضل الإخلاص جمعها ابن أبي الدنيا في كتاب: الإخلاص . وذكر بعض الباحثين أنها تصل إلى اثنين وأربعين حديثاً التي فيها الإخلاص لفظاً منها (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). صدر هالبخاري في صحيحه قال العلماء: إن البخاري قصد من ذلك أن يكون هو خطبة الكتاب لأن البخاري لم يجعل لصحيحه مقدمة، فأراد أن يحث طلاب العلم على فضل الإخلاص وتصحيح نياتهم .
يقول عبد الرحمن ابن مهدي لو صنفت كتاباً بدأت في أول كل باب منه بحديث النيات . و يقول الشافعي: إن حديث النيات يدخل في سبعين باباً من أبواب العلم بل قال بعضهم: إنه ثلث العلم . ومن الأحاديث (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه) [حديث حسن رواه النسائي] وهذا مصداق لقول الله تعالى ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَد ﴾ [الكهف: 110] فتحقق بذلك شرط العبادة وهي الإخلاص والمتابعة .و أمر أن نخلص لله - عز وجل- عند الدعاء للميت في صلاة الجنازة (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) [رواه أبو
داود بإسناد حسن]. أيضاً من كان مخلصاً يوفق للشهاهدتين عند الموت يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لما سأله أبو هريرة): من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال : لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ) (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) رواه البخاري . وقال (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة إذا اجتنبت الكبائر) .
قول النبي -صلى الله عليه وسلم-(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) هذا الحديث يدل على أن الإنسان محاسب ومسئول عن نيته وعمله يقول القرطبي: في هذا الحديث الاعتناء بحال القلب وصفائه لتصحيح مقاصده.
وسائل الإخلاص :
أولها: مجاهدة النفس قال سفيان الثوري: «ما جاهدت شيئاً أشد على من نيتي إنها تتقلب علي» فينبغي مجاهدة النفس ؛ لأن النفس أمارة بالسوء ويقول يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
الثانية: ملازمة تقوى الله - عز وجل- ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 3:2].
الوسيلة الثالثة: استحضار عظمة الله -سبحانه وتعالى- وأنه مطلع عليك ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فإذا علمت ذلك فإنك تخلص العبادة لله - عز وجل- وتصل بتوفيق الله تعالى إلى مرتبة الإحسان ، ولذلك يقول أحد السلف: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام الخوف من الخالق .
رابعاً: الحرص على نيل الأجر من الله -سبحانه وتعالى- والإكثار من الحسنات ويعلم أن ما عند الله خير وأبقى ويعود نفسه على الزهد في الدنيا وأن يتخفف من الترف و الكماليات.
خامسا : كثرة الدعاء والإلحاح على الله - عز وجل- أن يجعلك من المخلصين و أن يثبتك عليه واعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
سادسا : أن يعود نفسه على العبادات التي لا يطلع عليه أحد مثل قيام الليل، و صدقة السر ولذا قال النبي عن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) لأنّ هذا يدل على إخلاصه. و الصيام: لأنّه سر بين العبد وبين الله - عز وجل- ولذلك يقول الله - عز وجل- (إلا الصوم فإنه لي ) ، أو لعل المراد: الصيام هو العبادة الوحيدة التي لا تصرف إلا لله - عز وجل- ما عرف أن أحداً من عباد الأوثان صاموا من أجل آلهتهم ، ولذا جاء صحابي للنبي فقال: يارسول الله مرني بعمل لا مثيل له فقال: (عليك بالصوم فإنه لا نظير له) ؛ لأنها عبادة سريّة.
هل للإخلاص علامات؟ وما ثمرات الإخلاص ؟
الإخلاص له علامات كثيرة و أكتفي بالإخلاص في طلب العلم ، لأنه هو مقصدنا فكيف يعرف الطالب نفسه أنه مخلص؟
أولها: الحرص والجد في طلب العلم. الثاني: الحرص على الحفظ والفهم ،إذا ما فهم سأل لكي يفهم. الثالثة: عدم الاقتصار على المنهج المقرر إذا رأيت الطالب يتوسع ويجمع المراجع ويطلع على الكتب اعرف أنه طالب مخلص وأنه حريص على الاستزادة والتوسع. رابعاً: الحرص على السؤال عما أشكل عليه ، فإذا رأيت الرجل يسأل اعرف أنه حريص على الاستفادة ؛ لأن الأسئلة مفاتيح العلم وقيل للشعبي: بم حصلت هذا العلم؟ قال بلسان سؤول وقلب عقول. خامسا : ملازمة مجلس العلم، إذا رأيت الطالب لا يغيب ولا يتأخر فاعرف أنه من طلاب العلم الحريصين المخلصين. سادسا : الحرص على التبكير لمجلس العلم .
والحذر الحذر من أن نريد بعلمنا الدنيا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله - عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) [رواه أبو داوود وابن ماجة] عرف الجنة هو ريحها ، و يقول (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا يتخير به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار) [رواه ابن ماجة].
ما هي ثمرات الإخلاص؟
أساس لقبول الأعمال مع المتابعة والاقتداء ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ [الكهف: 110]، و سبب في قبول الدعاء و عمر بن الخطاب كان يقول: إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء. والدعاء سلاح المؤمن ومن كان يدعو بقلب خاشع مخلص لله - عز وجل- يستجيب له الله - عز وجل﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: 60] و يرفع منزلة المسلم في الدنيا والآخرة فعباد الله المخلصين لهم المحبة والمنزلة العالية في الدنيا ولهم الأجر والثواب عند الله في الآخر. أيضاً: من كان مخلصاً تتحقق له الطمأنينة في الدنيا ويشعر بالسعادة ولذلك النبي يقول: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن جعل الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر الله له) أخرجه الترمذي وابن حبان. والإخلاص منجاة من الشدائد والهموم والمصائب كما في قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة فقال كل منهم: ادعوا الله بخالص أعمالكم. يعني أخلص عمل قمتم به لله - عز وجل.