الحلقة الثامنة والستون
أخرج البخاري ومسلم ومالك والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ؟".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
من شواهده " قم الليل إلا قليلا .." و" وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " الخ ...
موضوعه : لا سبيل لتحقيق نهضتنا المنشودة بسوى إستمطار المدد الرحماني ساعة إنهماره :
ستجد الغافلين منا أولئك الذين تصيدهم الشيطان في حبائله بإسم العلم والفقه يظلون يعكفون على قوله " ينزل ربنا " فيفتحون للمعارك حامية الوطيس جبهات مستعرة لواؤها الجدل الفارغ حول غيب لسنا مؤهلين فطرة لكنه سوى ما يفيدنا في حياتنا منه وبذلك يورون نار حروب الكلام المشتعلة في صدر تاريخنا لاسباب كانت يومها ربما مقبولة والويل لك إن لم تكن في مستوى مضارعة مثل هذه العلوم فأنت في حساب هؤلاء بطن الارض خير لك من ظهرها . حوقل بلى لقد آن لنا أن نحوقل عشرا حسرة وأسفا على ما أصاب العقل الاسلامي حوقلة مندهش آمل لاحوقلة يائس . لا بل آن لنا إستعادة الحكمة المالكية فإذا كان الاستواء معلوما وكيفيته مجهولة فالنزول هو كذلك سوى أن الايمان به واجب والسؤال عنه بدعة تمكن للظلم فينا .
القوة الروحية هي التي هزم بها سلفنا الاعداء المدججين فهلا ولجنا حماها ؟:
يتجه بعض الوعاظ والمصلحين إتجاها غريبا يخلط بنيان الانسان خلطا مريبا وذلك حين يندفعون في إبراز جانب على حساب آخر كلما كانوا بصدد ذلك الجانب فإذا كان الموضوع يقتضي التعبئة الروحية فإنهم يحدثونك بخطاب مؤداه أن سائر ضروب القوى الاخرى لا وزن لها كلما كانت تلك حاضرة جاهزة وهكذا يدورون مع كل دورة جديدة وليس ذلك سوى مثال باهر من أمثلة إختلال التوازن في تربيتنا فحتى هذه لا ينصرف ذهنك منها سوى إلى التربية الروحية وكأننا لسنا في حاجة إلى تربية أبعادنا الانسانية الاخرى وهو منهج مخالف للقرآن ولكم جنت النظرة الجزئية قولا وعملا على المنهج القرآني الشامل الكامل المتكامل المتوازن المعتدل الوسطي .
غير أنه لابد لنا من التقرير منذ البداية بأن القوة الروحية المقصودة ليست هي تلك العاطفة المشبوبة التي تجعل الواحد منا يحب الله ورسوله ودينه وكتابه وأمته وغيبه وهو صادق في ذلك سوى أنه لا يحرك بذلك ساكنا فيظل يراوح مكانه وهو يحسب ويحسب الناس معه من حوله أنه قوي روحيا فإن سألت عن بقية ضروب القوة التي فرط فيها فلا يتردد بالقول بأن القوة الروحية تكفيه مؤنة ما فرط فيه وهو حمق طائش فالقوة الروحية الاسلامية الصحيحة هي التي تجعل القلب دوما موصولا بربه سبحانه ولكنه وصل عبر ما قررت الشريعة ذاتها وليس وصلا بما إبتدعته العقول المنحرفة التي إختارت الهروب والانسحاب وليست وسائل تلك الوصل غيبية ولا غريبة ولا يعرفها سوى أهل الدين بل هي مبسوطة يقوم عليها البناء الاسلامي وأولها الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر بسائر أنواعه المادية والمعنوية ولذلك لك أن تقرر بطمأنينة كبيرة بأن كل من سلك ذلك بإخلاص وإتباع صحيح حسن وداوم على ذلك فإن قوته الروحية كبيرة والاهم من كونها كبيرة فهي معتدلة متوازنة متوسطة صالحة لتعمير القلب والحياة في آن واحد فأسلافنا الذين هزموا الاعداء المتطاولين عليهم في كل زمان ومكان لم يكونوا يسلكوا للقوة الروحية الكفيلة بصنع التوازن بين القوة العددية والحربية للعدو وبين دونيتها عند الاسلاف بالذكر والتلاوة والتفكر مثلا دون الزكاة التي فيها مصلحة الفقير ووحدة المجتمع ولا دون الحج المحرض على التعارف والتعاون لا بل كانت جل إنتصاراتهم رغم إختلال التوازن بينهم وبين عدوهم المحارب في موسم الصيام في رمضان كما لنا أن نقرر أمرا آخر وهو أن المداومة على مزاولة تلك العبادات بإخلاص وإتباع وتوازن بين حاجة الروح منها وحاجة العقل وحاجة البدن وحاجة الجماعة كفيل بغرس تلك القوة الروحية الكفيلة بالتوكل والثبات والصمود وغرس سائر المعاني التي يحتاجها كل مكروب وملهوف ومظلوم من يقين وثقة وأمل وهو الامر الذي حرمت منه أجيال كثيرة تالية حتى مع إلتزام العبادات وبالخلاصة فإن إكتساب تلك القوة الروحية وفق تلك المقررات الانفة الذكر هوالحد الادنى المطلوب لتجاوز إختلال توازن القوى بين الظالم والمظلوم ولنا اليوم في معركة الفصائل الجهادية في فلسطين خير درس وعبرة فالقوى لا تقارن غير أن القوة الروحية الاسلامية الصحيحة هي التي ذللت فارق ذلك الاختلال لصالح المقاومة ومن قبل كان الامر ذاته في الجزائر واليوم في العراق وكلما أعتدي على مسلم .
الحديث يعدد الحاجات الثلاث للقوة الروحية : الدعاء والسؤال والاستغفار :
القوة الروحية معناها المبالغة في التذلل من لدن الضعيف في حضرة القوي إلى حد إستمطار رحمته وهو ما يتكفل به الدعاء وهي الالحاح في سؤال الحاجة كل حاجة من لدن المحتاج الفقير بحضرة الغني الكريم إلى حد إستمطار عطائه وهي إظهار الندم على كل تفريط من لدن المملوك في حق المالك ولي النعمة بسائر مظاهر الندم إلى حد إستمطار هبة العفو الرحمان وتجاوزه عن عبده فالقوة الروحية إذن هي قوة عاطفية قلبية باطنية داخلية تتغذى بالدعاء وبالسؤال وبالاستغفار وفي الان ذاته هي تعبر عن مدى العبودية والدينونة والافتقار من لدن العبد المملوك في حضرة سيده ومالكه وولي كل نعمه وسر تلك القوة الروحية الكفيلة بتعديل موازين القوى المنخرمة دوما لصالح العدو المحتل يكمن في كونه سبحانه يملك سائر أسباب النصر والسعادة للعالمين غير أنه لا يهبها سوى لعباده المعترفين به وبقوته الخاضعين لجبروته المقرين بضعفهم العاملين على تغذية قلوبهم بسؤاله ودعائه وإسترحامه كما يكمن سرها في كون القلب الذي هو قائد الجهاز البشري كلما كان موصولا بأصل قوته وخلقه كان مضيئا منيرا يسري النور في شرايينه والله سبحانه نور السماوات والارض لا يمد نوره سوى للقلب الموصول تماما كما هو الحال في الدنيا وأنوارها الاصطناعية .
القوة الروحية سلاح فرطنا فيه كثيرا فهلا تداركنا وهل من خطة عملية لذلك ؟:
لست أعني وما ينبغي لي أن التعويل على القوة الروحية كاف وأن التفريط في سائر القوى الاخرى بكل أنواعها مغفور كلما كان التركيز على القوة الروحية كبيرا أو مؤت أكله لا بل إن المنهج الاسلامي لا يرضى سوى التكامل والكمال والشمول والصدق والجماعة وكرامة الانسان ولكن أرى أن جهودا كثيرة طيبة في مجال إكتساب سائر القوى للامة رغم الخذلان الصهيوني والغربي عامة سوى أن ذلك لا يقابل منا جميعا بإستنبات قوة روحية تقوم على الصبر والانتصار واليقين والثقة والامل والشكر والتوحد والكرامة والجماعة والحرية وإكتساب القوة الروحية ليست مسؤولية فردية صرفة بل هي جماعية بالاساس ولولا ذلك لما فرضت صلاة الجماعة والجمعة وسائر العبادات الجماعية وإكتساب القوة الروحية ميسور لنا دوما رغم كل حالات الاحتلال والظلم والتشريد والتفقير والتجهيل وذلك من فضل الله سبحانه وكأنها رسالة إلينا مؤداها أن القوة المادية قد تعسر عليكم لظروف ماكرة من عدوكم أما تقصيركم في جنبي فليس له عذر وليس له من سعر سوى تأخر نصري وتوفيقي وسندي ومددي وتلك هي الحالقة .
ـ صلاة الجماعة في المساجد وأحياء سنة الاعتكاف والقيام الجماعي المنتظم .
ـ الالحاح في الدعاء والاخلاص فيه وصلاة الحاجة وقنوت النوازل وتجديد التوبة دوما.
ـ ملازمة الذكر وخاصة التلاوة والتفكر والاذكار المأثورة في مظانها زمانا ومكانا وحالا .
ـ الاقبال على مدارسة القرآن والسنة والسيرة فهما وتدبرا ووصلا بالواقع .
ـ الاقبال على مدارسة التاريخ الانساني والاسلامي إلتقاطا للعبرة النافعة لمعركة اليوم .
ـ تفعيل أطر التحابب والتهادي والتزاور والتناصح قولا وعملا بمقصد صنع المؤاخاة .
ـ بناء الاسر الاسلامية الصالحة تمهيدا لتربية نشء صالح .
ـ إعلان الشعائر وخاصة العبادات المعروفة والمناسبات المعلومة بحسب ما تسمح به الاعراف .
ـ إنشاء المدارس القرآنية والاسلامية عامة من البيت إلى الحي وسائر البيئات الممكنة .
ـ فهم المقصد الاسلامي من العبادات وسائر التكاليف والعكوف على سلامة القلب وحياته .
ـ تعهد المحتاجين بإنتظام وقوة وإنشاء روابط الاغاثة لكل ملهوف ويتيم وضيف ومعسر وناكح .
ـ صلة الرحم والجار وخاصة حال الخصام .
ـ الحرص على غرس مكارم الشكر والصبر والحياء مع الله ومع الناس عمليا .
ـ الانخراط في معركة الحياة ونبذ العزلة والصبر على لاواء الحياة صبرا جميلا .
ـ إنتاج القدوات الاسلامية العملية رجالا ونساء وشبابا .
ـ النهل من العلوم والمعارف بنجاح وتفوق في سائر التخصصات .
ـ الانخراط في حركات الاصلاح والتغيير تسديدا للرأي وبذلا للمال وتعاونا مع الناس .
فالخلاصة هي إذن أن الحديث يرشد إلى منابع القوة الروحية الكفيلة بحياة القلب وبتغذية سائر جوانب القوة الاخرى وتسديد سيرها تحصيلا وإنفاقا كما يرشد إلى أن مبنى القوة الروحية على الدعاء والسؤال والاستغفار وبخاصة في مظانها " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " وليس لنا سوى التعاون على بناء الاطر الكفيلة بتكسب القوة الروحية وتجديدها لاحداث التوازن في موازين القوى المنخرمة لصالح عدونا المحتل المحارب أو المنافق اللئيم ولايظنن أحد أشقته المادية الكافرة أن تأييد الله سبحانه لعباده الصادقين بالملائكة في حروبهم حكرا عليهم .
مواقع النشر (المفضلة)