الحلقة الثالثة والسبعون
أخرج مسلم والترمذي عن أنس أنه عليه السلام قال " من عال جاريتين حتىتبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو " وضم إصبعيه عليه السلام .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
من شواهده " ولا تقتلوا أودكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ..."
موضوعه : الانسان ذكرا وأنثى رأسمال إسلامي منتج مكرم وليس معرة للدفن :
لابد لنا كالعادة دوما لحسن فقه هذا الحديث العظيم الكريم وكل ما يصدر عنه عليه السلام مبعث كرامة وإعتزاز لدينا من فقه ملابسات قوله وهي ملابسات تناولها القرآن الكريم كثيرا لا بل من أجل تصحيحها نزل شانا حملة ضارية غير مسبوقة على العادة الجاهلية القاضية بقتل الاناث تجنبا لتعرض الاباء العربي الكاذب للمعرة في مجتمع يستعبد فيه الذكر والانثى بإسم الفحولة والقوة البدنية والوفرة المالية وهذا وجه من وجوه الثورة الاسلامية التحريرية للمرأة والمتابع لسائر الوحي الكريم فإنه يلفى أن الاسلام لم يكتف بالنهي عن قتل الاناث فضلا عن تصحيح العقل الكامن والمسؤول عن سائر عمليات الاهانة والابتذال ولكنه تجاوز ذلك إلى الايجابية التي تحتمها الحياة الانسانية فوق الارض عبورا إلى الحياة الاخرة وذلك في مثل ما ورد هنا في هذا الحديث الحاض على أن الاحتفال بالاثنى بل بالاناث ميلادا وتربية وإعالة بسائر ما تعنيه الاعالة نفسيا وعقليا وماديا وماليا وعاطفيا سبيل ليست نهايته سوى بلوغ مرتبة النبوة لبوثا في الجنة لا بل في فراديس فراديسها فهل تجد في الفطرة الانسانية السوية ما يدفع إلى تكريم الانثى في مثل ماتجد هنا أي ضمان المستقبل الابدي السرمدي الخالد في أحسن الظروف المادية والنفسية لا بل هل تجد من يبلغ تحريره للمرأة وتكريمه لها هذا المبلغ ؟
فبخلاصة أولى مقررة فإن المناخ الاولي الذي ظهر فيه مثل هذا الحديث الذي يرفع المرغبات إلى أقصاها أملا صادقا يعطينا فكرة صحيحة عن مدى حفل الاسلام بالانسان عامة والمرأة خاصة غير آبه بالعوائق المنتصبة يومها عادات وتقاليد وثارات قبلية وإباءات مستكبرة كاذبة وتلك هي عادة الاسلام دوما حيال القضايا الحيوية الكبرى المتعلقة بالانسان آدمية مكرمة لا تقبل الضيم والهون والقتل والمداهنة على حساب القيم النبيلة والمثل العظيمة وكان يمكن ربما في منطق بعض القاصرين لنبيه عليه السلام التغاضي عن إعلان حرب حامية الوطيس شيد لها العرب يومها من ساحات الوغى ما به تتلظى سائر القيم والمثل التي بها يكون الانسان إنسانا لا بل كان له ربما عليه السلام أن يسلك كما جرى في بعض التكاليف الاخرى سنة التدرج رعاية لواقع صاغته العادات والتقاليد العربية المكابرة بإحكام غدا معه قتل الاناث مفخرة عربية يحتفى بها ويعد صاحبها فارس حرب مغوار أو شاعر قبيلة نحرير لا يشق له غبار .
هل إختفت فينا العادات العربية الكريهة أم زادت تأججا وما علاقتها بالفطرة ؟:
لابد لنا منذ البداية من التقرير بجلاء ووضوح بأن تلك العادة العربية الكريهة ليست سوى تعبير عن غريزة مغروزة فينا غرزا مكينا وهي غريزة حب البقاء وهو غريزة مشروعة وكل غريزة فطرية هي مشروعة لا صلاح لحياة الانسان فوق الارض بدونها تماما كمثل كل آلة أو جهاز يرجع إلى صانعه لمعرفة الحكمة من ذلك كلما كان يحتفظ بحق الاختراع التي تضمنه سائر القوانين الوضعية اليوم سوى أن الاعتداء اليوم منا على ذات تلك الحقوق في جنب الصانع الاول عز وجل سبحانه سواء بإسم النمص أو محاولة تغيير الجنس أو الاستنساخ لا يلقى معارضة وكأنه سبحانه لا يعترف له بحق الاختراع أو بحق الصنعة أصلا . غير أن غريزة حب البقاء وهي ضرورية لعدم إقدام الانسان على إتلاف نفسه عبر الانتحار بسائر الطرق والصور أو التعرض للقتل المجاني ليس متروكا لنا أن نلبيها كيفما أتفق ولو إقتضى الامر وأد البنات وإستحياء الذكور بل لابد لها من ضوابط تعصم سائر المصالح الاخرى ومعلوم أن تلك الطريقة العربية الموغلة في الجريمة الحاملة على تلبية غريزة حب البقاء عبر وأد الاناث شكلها الواقع المستحكم يومها وهو واقع يجعل الرجل يمتلك سائر مظاهر القوة جلبا للمال ومنافحة عن العرض وردا للثارات صاعا بصاعين تربية نفسية وعملية من المهد بينما تكون المرأة كائنا مستعبدا لا يصلح سوى لما تصلح له الكائنات المسترقة في أسواق النخاسة العربية اللئيمة ولذلك فإن المرأة بحكم ذلك المنطق المتخلف لن تكون سوى مبعث معرة سيما لو باعت جسدها أو أرغمت على بيعه أو وقعت في الاسر ولا يحسن بحكم ذات المنطق سوى التخلص من عبء ثقيل لا يجر سوى العار والفضيحة بما هو بطن تجوع وليس يدا تضرب في الارض أو فرج يستحل بالقهر فلا يحمي نفسه بنفسه أو عرض يغتصب ويؤسر فتذهب خيرة قوى القبيلة شبابا ومالا لتحريره . تلك هي إذن مواطن القضية نفسيا وغريزيا وليس سوى سوء التعامل معها هو ماجعلها محل نكير من الفطر السليمة ومن البيان القرآني والارشاد النبوي .
تلك جاهلية مازالت فينا بعض آثارها تشوش إيماننا بالقدر وموقفنا من المرأة :
المسألة كما أسلفت آنفا تشترك فيها الغريزة الفطرية البشرية مع العادة العربية المستكبرة ذات الحمية الجاهلية غير أن ما يعنينا من كل ذلك أو بعده بالاحرى هو أن تلك الحمية مازالت تفعل في نفوسنا فعلها وهو فعل يصل إلى حد لا يبعد كثيرا اليوم عن مآسي الاهانة والاحتقار أو قل القتل المعنوي للانثى بل إنها حمية ربما لا يعزى إلى التدين السليم الصحيح علما وعملا مزية الحد من آثارها سيما في البيئات الاكثر تقليدية بل يعزى ذلك أو كثير منه على الاقل إلى الغزو الحداثي وما ينبغي لهذا لا أن يصحح إيماننا بالقضاء والقدر على النحو الذي يحرر الانسان ويكرمه وفق ما يريد منه خالقه سبحانه ولا أن يصحح موقفنا من المرأة صدورا عن الرؤية الاسلامية الوسطية المعتدلة بين وافد غاز يزعم التحديث وبين موروث قابع طاعم كاس .
كيف صحح القرآن الكريم فينا كل ذلك عقلا ونفسا وفردا وجماعة ؟:
نجد ذلك في مثل قوله " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما " و" وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت " وعبر مرة بقوله " نرزقهم وإياكم " ومرة " نرزقكم وإياهم " وغير ذلك . فبين أن تأنيث الولد أو تذكيره بالكلية أو جزئيا فضلا عن التعقيم إرادة ربانية ومشيئة رحمانية خالصة يدبرها تماما كما يدبر سائر ما ليس لنا فيه من خيار كجريان الشمس وهو يفعل ذلك سبحانه إبتلاء للوالد والمولود سواء بسواء وهل يسأل مالك عن حضيرته زيادة أو نقصانا في الكم أو الكيف ؟ كما بين أن مسألة الرزق التي من أجلها توأد الاناث لا تنتمي سوى إلى الطائفة الاولى من الاختصاصات والمشمولات رغم فريضة السعي في طلبه ولكنه سعي لا يبعد عن سعي مريم البتول عليها السلام منهكة في أثر الوضع مطالبة بذلك " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " فالرزق بأسبابه وسننه ومنها الانسان وسعيه وحاجته مقدر منه سبحانه لحاجة الموؤودة قبل حاجة الوائد فإن قدر لهذا قبل ذاك ففيه كفل مقدر ونصيب معين لذاك قبل هذا .
الانسان المغرور حين لا يدري أي ولده أقرب له نفعا :
" آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا " هو هنا نفع الميراث غير أن ذات القانون ينسحب على الذكورة والانوثة في الولد وإذا كان ذلك قد حسمته العادات العربية المشينة بالاسلوب الذي تعلم قديما فإن حاضرنا ينبئ بأن العقل حيال ذلك لم يتطور كثيرا رغم التحسن النسبي أو التحضر الظاهري وذلك بالرغم من أن أحداثه تبين بأن نفع الانثى قبل زواجها وبعده سواء في رفع الذكر وحفظ النسب وجلب العز بل والمال وسائر ما يحب الانسان يكون في حالات كثيرة أرقى من حصة الذكر في ذلك .
والانسان في عصرنا ما زال يفتخر سرا وعلنا بولده الذكر على غيره ويستخدم في ذلك ما لايحصى من الايماءات والاشعارات والتلميحات بل مازال يعتمد تربية يقوم عمادها رغم كثير من المزيفات والمزينات الساترة للعورات على تفضيل الذكر على الانثى ويتم ذلك عادة في الاسرة المحضن التربوي الاول والمحدد لسائر أطوار حياة الانسان على نحو يمهد لدونية المرأة في ما بعد ذلك من البيئات .
الجاهلية العربية القديمة أعمتها الكبرياء الذكورية إلى حد تسفيه الله في خلق وخلق الملائكة :
هذا في الحقيقة يمكن أن يكون لنا درسا معاصرا مفاده أن التمادي في الغي أي غي لا يستند إلى منطق الرشد يمكن أن يؤدي إلى مقارفة الحدود الكبرى التي تحول الانسان متمردا ليس على جنسه محكما مؤشرات القوة البدنية والمالية بل متمردا على أصله الاول ليس بمجرد الكفر المحض الناشئ عن الانكار بل بمزاولة الظلم في أقبح صوره وهو ذات الدرس الذي لم يفقهه العرب يومها فوقعوا في غلو شنيع حين سخروا من الملائكة التي هي ركن من أركان الاعتقاد جزء لا يتجزء من الايمان بالغيب وذلك بزعمهم أن الملائكة إناث فيكف يؤمنون بالاناث غيبا وعقيدة والحال أن الاناث في دنياهم ليس لهن من الحظ سوى الاهانة والضرب والهوان والقتل والوأد وسجل القرآن ذلك بمرارة في مواضع عديدة ولك أن منشأه الاول ليس هو سوى إحتقار الانثى ووأدها .
شبه ردة فينا ولا عمر لها :
معلوم عند الناس اليوم جميعا أن الفاروق عمر عليه الرضوان ليس قبل إسلامه سوى جلف غليظ غوى بمثل ما غوت به العرب حين أقدم على وأد إبنته فلذة كبده بيديه لم يرحم لها توسلا وهي تنفض تراب قبرها الذي ضم أضلعها حية على لحيته الكثة فلما جاء الاسلام صنع منه كائنا آخر مخالفا تماما لما عهد نفسه وعهده الناس ففتح الله على يديه بالسلطان وبغير السلطان ما لم يفتح به على أحد غيره ربما حتى أبي بكر ذاته في دنيا العقول ودنيا القوة سواء بسواء فهل أن الاسلام فعل ذلك مع عمر دون غيره أم أن الاسلام بحاجة إلى أمثال عمر في الجاهلية وفي الاسلام حتى يكرع من الالتزام النفسي والخلقي والعلمي والحضاري وهل من عمر لشبه ردة فينا نحن المسلمين قبل غيرنا حيال الانثى خاطرة في النفس لا ترضى بها وليدا أو لغو لسان هماز فضلا عن حيف يبرره الوالد والوالدة سواء بسواء بنفع قريب مرتقب من الذكر وهو ماء شربته أرض سبخة لا أنبتت كلا ولا سقت ظمأنا عند الانثى .
الخلاصة : الانثى في الاسلام سبيل إلى منازل النبوة في الجنة لا بل إلى الوسيلة والفضيلة التي لا يستظل بظلها سوى سيد الانام محمد عليه السلام فمن لزمها بالحق والعدل فهي سفينته إلى تلك الدوحة ومن إختار الاخرى فالاسلام برئ من جاهليته في الدنيا والاخرة .
مواقع النشر (المفضلة)