+ الرد على الموضوع
صفحة 17 من 21 الأولىالأولى ... 7 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 85 من 105
  1. #81
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الثالثة والثمانون

    أخرج الترمذي عن أبي حذيفة أنه عليه السلام قال "لاتكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا ألا تظلموا ".
    ـــــــــــــــــــــــــ



    من شواهده " وكذلكم جعلناكم أمة وسطا " و" لاتتبعوا خطوات الشيطان " وغيرذلك كثير...



    موضوعه : الامعية الحضارية هي داء الامم توقى لها الاسلام بتميز الشخصية عبر الوسطية.

    أبوحذيفة إبن اليمان كرمه المصطفى عليه السلام بأن خلع عليه من أردية الحب بسطا وافية فهو أمين سره عليه السلام وهو مرقى لم ينله حتى الصديق والفاروق وذو النورين وأبو سبطيه وريحانته عليهم الرضوان جميعا وهو من إستودعه عليه السلام قائمة إسمية في المنافقين دفنت معه ولك أن تتصور أن رجلا منا اليوم إستحفظه نبي وديعة خطيرة وهل أخطر من تلك الوديعة فأي حمل وأي أمانة وأي قلب ذلك الذي لم ينبجس برشح وأمير المؤمنين عمر كالملدوغ لا يبرح حذيفة حتى يعاوده سائلا عما إذا كانت القائمة تضم بين أضلعها إسمه فأي جأش ربط الله عليه حذيفة وأي وجل يفتك بمهجة عمر وأي جيل قرآني فريد وحذيفة ذاته هو من كان يسأل محمدا عليه السلام عن الشر مخافة أي يدركه في حين كان الناس يسألون عن الخير واليوم حذيفة هو من ينقل لنا ممن إستحفظه على خبر السماء خبرا من السماء يرسم لنا ولكل أمة في الحقيقة بما فيها أمم الكفر من سائر الملل والنحل منهج الوسطية والتميز واقيا ضد داء الامعية .

    كما لا ينبغي غض الطرف هنا عن كونه عليه السلام يخاطب بصيغة المخاطب الجمع " لاتكونوا" بما يعني أن هذا الدواء من صيدليته عليه السلام موجه للامة جمعاء وليس معنى ذلك أنه لا يصلح للافراد ولكن لا يغني أمة أصابها داء الامعية الحضارية أن يكون فيها أفراد من هنا وهناك متناثرون بلغ كل واحد منهم أرقى مصاف التميز والوسطية كما ينبؤك قوله " تقولون" هنا عن أن الامعية الحضارية سببها ثقافة قولية أستكنت في الضمائر فترجمتها الجوارح وأكثر خطاب القرآن بفعل قال أمرا ونهيا لان القول عند العرب كناية عن الاعتقاد والثقافة وليس كما هو الحال عندنا اليوم حيث نقصر القول على حديث اللسان وبمثله جرى التعبير النبوي في مثل قوله " قل آمنت بالله ثم إستقم " فإنها تعني إعتقد ذلك ثم قله بلسانك . كما لابد لك من قراءة في الصياغة العامة للحديث وهي تقوم على النفي ثم الاثبات وهو بلاغة في قضايا الاعتقاد وعظمى معاقد الامور أبدع تقريرا للحقائق والدليل أن مفتاح الاسلام وعصارة خلاصته وهي شهادة التوحيد صيغت بمثل ذلك فلا مكان للايمان حتى يتنزل الكفر بالطاغوت كما هو مقرر مباشرة بعد أعظم آية أي آية الكرسي ولا مكان للتوحيد حتى يتنزل نفي الالوهية عما سواه سبحانه ولو رجعت إلى القرآن والسنة لالفيت أن سائر ما كانت صياغته على هذا النحو أي نفيا مشفوعا بإثبات هو من الامور الكبيرة التي حفل بها الوحي وكانت آثارها في الدنيا ظاهرة خيرا أو شرا. ومنها هذا الحديث وليس ذلك سوى لانه ينتمي إلى تقرير القواعد الحضارية الكبرى لدى الافراد والجماعات والشعوب والامم والتي لولا تميز بعضها عن بعض لكانت أمة واحدة كما ورد في القرآن في أكثر من موضع . كما لا ينبغي أن يفوتني ويفوتك بأن حد التميز والوسطية يعرفه الحديث هنا بالاحسان وبالظلم وأذكرك دوما بأن الحملة القرآنية المشنونة منه سبحانه ومن مبعوثه رحمة للعالمين عليه السلام لئن كانت على الظلم والكفر سواء بسواء فهي على الظلم أشد كثيرا ولك أن ترجع إلى ذلك بنفسك في كتاب ربك وسنة حبيبك عليه السلام مستفيدا من إجتهاد علمي تيمي عظيم ( نسبة إلى إبن تيمية عليه رحمة الله سبحانه ) مفاده أن الحرب على الكفر في القرآن جلها يقصد بها الظلم سيما إذا أجتمع في الانسان أو في الفئة كفر مع ظلم فإنه يرفعه إلى درجة التكبر والاستكبار ويتوعده بما لا تتحمله الاسماع أما إذا كان المقام مقام كفر دون ظلم فإن القرآن عادة ما ينبسط طويلا في عرض مختلف الحجج على خبالها فيجادلها ثم يدحضها ويطرحها ولا يخرج منها التالي المتدبر العاقل إلا وبرهان الحق في نفسه ساطعا كالشمس في رابعة النهار . من المؤكد أن هذا الامر الاخير في قراءة الحديث في مستوى الحد بين الامعية وبين الوسطية وهو حد الاحسان من جهة وليس مجرد الطاعة وحد الظلم من الجهة المقابلة وليس مجرد الكفر لا يسعه مجال للتفصيل فيه رغم أهميته القصوى في فهم الحديث وفهم معاني الامعية المقصودة وحدودها ولو لم يكن الامر كذلك لعبر بدل الاحسان بالايمان أو الاسلام أو الطاعة فضلا عن سائر العبادات ولعبر بدل الظلم بالكفر أو بالفسوق أو بالعصيان فضلا عن سائر الرذائل غير أن كل ذلك لا يصلح أن يكون حدا فاصلا للامعية الحضارية داء يفتك بالامم .



    الامعية نظرية إجتماعية خلدونية :

    قال إبن خلدون رحمه الله " المغلوب مولع أبدا بتقليد غالبه " وهذا يقودنا إلى الحديث عن الاساس النظري للوقاية ضد داء الامعية الحضارية التي تصيب الافراد والجماعات أمما وشعوبا على حد سواء وليس ذلك الاساس النظري سوى أن التقليد الذي حرمه الفقيه الثائر إبن حزم رحمه الله تحريما قطعيا يقود إلى المغلوبية الثقافية وليس مقصود هنا مجرد الغلبة بالقهر المادي فذلك أمر لا يسلم منه حتى الانبياء وقد قتل بعضهم وتقود المغلوبية الثقافية سليلة التقليد إلى الامعية ثم تقود الامعية إلى ضمور عمل سنن التنوع والاختلاف والتعدد فينشأ عن ذلك ظلم وفق لقاعدة " إن الانسان ليطغى أن رآه إستغنى " وهو ما نعيشه اليوم كونيا سوى أملا في أن الاسلام الذي وضعه الناتو على لسان رئيسه السابق عدوا جديدا بعد سقوط الشيوعية قلعة حصينة سيطول قرع ثيران البيت الاسود من آل صهيون وصليب قرونهم عليها ثم تنكسر بإذنه سبحانه .



    قطاعات شبابية ونسائية منا غير ملقحة ضد سرطان الامعية : إمعية وافد وإمعية موروث :

    الامعية بما هي ذوبان شخصية وترهل روحي وفقدان للمناعة الداخلية عقليا ونفسيا تتخذ لها إتجاهات عديدة تماما كالمائع المنساب لو أهرق فإنه يجري لفرط ضعفه إلى الاسفل دوما والوحي يحذرنا من ذلك فمرة ينعي على الكافرين قولهم " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " ومرة ينعي علينا تقليدنا الاعمى للغالب أو من تصورنا أنه الغالب ولو كان في سفح الحضيض " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذرعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" واليوم نجد رغم بزوغ فجر صحوة إسلامية واعدة وربما لولاها لكان الخطب أجل قطاعات شبابية ونسائية واسعة سيما في المناطق التي ضرب فيها سرطان التحديث المزيف بقوة غير ملقحة ضد سرطان الامعية سواء إنبهارا بالغرب الاشتراكي قبل عقود أو بالغرب الرأسمالي اليوم حتى وصل الحد إلى إختيار أسماء غربية خالصة لابنائنا وبناتنا وليس عسيرا عليك في كثير من العواصم العربية اليوم أن تلفى سائر المآكل والمشارب والملابس التي تزدان بها شوارع أمريكا وأروبا وهو ذات الامر من وجه ما الذي دفع بغريزة رد الفعل أو قانون التحدي والاستجابة بلغة الاجتماعيين إلى التعبير عن رفض ذلك بالهروب إلى الماضي السلفي بزعم أن تراث خير القرون كفيل وحده بتعديل الكفة ووصل ذلك الغلو إلى حد عدم التمييز فكرا وسلوكا بين الكفر سيما الكتابي منه وبين الظلم من جهة وبين ظلم المؤمن وظلم الكافر من جهة أخرى وإلى مصادرة كرائم الاجتهاد ونفائس التجديد وهو الامر الذي تلقفته الايدي المتصهينة والمتصلبنة فجعلت منه في أحوال كثيرة معبرا للاجهاز على الاسلام وأمته بإسم الاصلاح الديمقراطي حينا وبإسم العولمة حينا آخر . فالحاصل أن الامعية ليست منكورة سوى في إتجاه الغالب حضاريا وثقافيا وعسكريا من لدن عبيد الفكر الغربي سلائل القردة والببغاوات بل هي منكورة كذلك في إتجاه رفض التصدي لهموم الحاضر سوى بلغة القتل الاعمى والغضب الناقم والتكفير بالجملة من لدن عبيد الفكر الخارجي والفهم السطحي . ولذلك جاء الاسلام بلقاح الوسطية تمييزا للامة عن المغضوب عليهم وعن الضالين وتمييزا لبلائها في كل عصر ومصر عن إجتهاد سلف أدى ما عليه ومضى في سبيل حاله وغرو خلف لايرضى بغير مقام الذيلية .



    سلاح الوسطية الفكرية ضد سرطان الامعية : حشد قوة تذب عن الحق وترهب المتربص :

    خذ إليك هذه محكمة : الحياة محكومة بسنة الوحدة بدل التجزء وليس فصل جانب عن آخر مفيد سوى للغرض الدراسي ثم سرعان ما يعود التركيب على التفكيك ليستقر في العقل وحدة موحدة . الداعي إلى ذلك هو أن الوسطية الفكرية وهي خصيصة من خصائص التصور الاسلامي تحفظ حياته وتضمن تجدده لا تنفصل عن حرس مادي يصون تخومها ويرهب المتربص وهو ما أمر به سبحانه أمرا حازما فرطنا فيه أيما تفريط فنحن نتجرع اليوم أثر ذلك غصصا حالقة " وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم " والامر للامة وليس للافراد فهي تتولى ترتيب أولوياته وتنظم مشمولاته وهو إعداد يجب أن يتوجه أساسا لذب كل متربص فهو " لهم " وليس لنا ولاحدود لمجالاته ولا لكمياته كلما كان قوة مقدورا عليها وليس رباط الخيل سوى ورودا مورد الغالب يومها والمقصد من الاعداد هو قذف الخوف في نفوس العدو إلىحد الرهبة فلا يتجرأ على المداهمة وهو خوف يقذف في نفس عدو الله فهل نتجرأ اليوم على القول أن الله ليس له عدو وهو عدو الله قبل أن يكون عدوا لنا بصريح ترتيب الاية وهو إعداد يقذف الخوف والرهبة كذلك في صفوف أخرى طويلة تصبحنا وتمسينا متمترسة وراء لافتات الاصلاح الكاذب والتوجيه الفاجر لانعلم اليوم منها سوى لحن القول بل هؤلاء ربما أشد جزعا ورهبة من قوة ليس لها حدود ولا تتخاذل عن ميدان في الحياة . الحاصل من كل ذلك هو : لئن حمل الحق قوته في حجته العقلية فإنه في حاجة إلى قوة مادية تحميه لئلا يتعرض بعض حملته بعد قرون من ضعفهم وقهر العدو لهم إلى فقدان المناعة الذاتية أي حصول الامعية الحضارية فالقوة عوان للحق وما أروع أن يجتمعا في قوم .



    الامعية : أسباب وعلاجات :

    أهم أسباب الامعية هي : الانهزام النفسي والضعف الروحي وتشوش عقلي وهي أسباب ذاتية تصيب الفرد والامة علىحد سواء ولها أسباب موضوعية خارجية وهي : ذلة وخنوع بسبب ظلم باغ أو بسبب حاجة حيوية ملجئة فاقرة وسحر خالب للعقول بسبب سطوة الغالب وبسطه لجنة الارض رفاها ورغدا على أن الاسباب الذاتية هي المحددة في مطب الامعية ولذلك إحتفى الوحي بالصبر أمرا وتحبيبا وعرضا لنماذج الصابرين في التاريخ أيما إحتفاء لان الصبر محلول حيوي مضاد يحمي الشخصية من الامعية حتى في حال شدة الهزيمة العسكرية وطول أمدها .

    أهم علاجات الامعية هي : التشبع النفسي والروحي والعقلي والعاطفي من نظرية الحق سيما في معاقدها العقدية الكبرى ومداومة تذكرها سيما في مؤسسات مختصة من مثل الاسرة ومدارس التعليم والعمل على بذلها لكل طالب ومطلوب دعوة حية منداحة وبناء السلطان الحارس لتلك النظرية ورصد سائر مظاهر القوة كسبا وتعليما وتعاطيا ورص صف الجماعة وفق الحرية والمسؤولية والشورى والتوحد وبسط مجاري الحوار مع المخالف بالحسنى .



    النبي الاكرم عليه السلام يرشد إلى بعض المضادات الحيوية ضد الامعية : نوع القرين :

    لو تتبعت سيرته وسنته لالفيت منهجا كاملا شاملا في ذلك ولكن لضيق المجال أذكر بمثال واحد كبير وخطير تحدث عنه القرآن بإسم القرين والصاحب والشيعة وضرب فيه عليه السلام مثالا قال فيه " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ..." وهو متفق عليه عن أبي موسى ويهم خاصة فترات التربية الاولى إلى حدود المراهقة أو ما يناهزها لقابلية الانسان يومها للتقليد والتأثر والاكتفاء بالتلقن دون عقل وليس ذلك محبوسا عن الانسان المتكلم بل يتعداه إلى الانسان الصامت وهو الكتاب وسائر ما يعرض من ثقافة وفكر وإعلام حتى قال أحدهم " قل لي ماذا تقرأ أقول لك من أنت " ولنا أن نقول اليوم وقد طغى الاعلام الفضائي المرئي على سائر ما عداه " قل لي ماذا تشاهد أقول لك من أنت " وأخطر جليس اليوم هو الاعلام فهويصنعك ويصنع لك بيتك زوجا وذرية ويصنع لك بيئتك في كل أطوارها فكن الاعلامي الصالح أو المشاهد الصالح ولاتكن المنعزل الصالح ولا المشاهد غير الصالح ولا الاعلامي غير الصالح .

     
  2. #82
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    مائة مصباح من مشكاة النبوة

    الحلقة الرابعة والثمانون

    أخرج البخاري عن أنس أنه عليه السلام قال " من صلى صلاتنا وإستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته ".
    ـــــــــــــــــــــــــ

    موضوعه : لاوحدة بدون إختلاف ولاإختلاف بدون حرية ومن حرم الفقه حرم الحياة :

    أنس بن مالك عليه الرضوان هو حلقة من حلقات السلسلة الذهبية في رواية الحديث وللحديث شواهد لا تحصى من القرآن الكريم وأنس ممن كرمه سبحانه وشرفه بخدمته عليه السلام فطوبى لخادم نعم بخدمة أشرف مخدوم وأكرم من وطئ الغبراء وأظلت السماء وعلى إثر خطى أنس يسعى كل من بذل في خدمة سنته عليه السلام منهجا في الحياة بأسرها كلمة أو عملا .

    " من " أداة عموم لا يحصرها زمان ولا مكان ولا مذهب ولا لون ولا لغة ولا مشرب في الحياة بسائر دروبها وشعابها سوى ما كان مثبتا في الاسلام على قاعدة أنه ثابت يعبر سائر المتغيرات من مثل التوحيد وكرامة الانسان والجماعة والحرية والتنوع والاجتهاد والجهاد والعلم والاسرة والدعوة وعمارة الارض فتلك هي أوتاد الهيكل العظمي للمسلم الذي أشار إليه الحديث أو خميرة تكوينه الاساسي وتلك هي عواصمه من سائر القواصم التي يمكن أن تغتاله يمنة أو تجتاله يسرة وهو ما عبر عنه الحديث ب" ذمة الله ورسوله " وما عدا ذلك خارجا عن تلك الاوتاد وتلك العواصم أو مقومات الذمة فما يجب أن يلقى سوى ما أفصح عنه قوله " من إجتهد وأصاب فله أجران ومن إجتهد ولم يصب فله أجر واحد " وليس ذلك مقصورا على الحاكم بمعنى القاضي بل يتعداه إلى كل مجتهد لانه قاض وحاكم في مسألة ما بل زاد ذلك تشديدا عليه السلام وإنكارا لمن ضيق مجال التنوع والاختلاف داخل دائرة تلك العواصم عواصم الذمة فسمى التعدي على ذلك خفرا لذمة الله سبحانه وهل يملك عبد مملوك أسير قلبا يهجم على ذمة معبوده ومالكه وخالقه وولي نعمته سبحانه فيخفرها وهل يملك ذلك فعلا لو شطحت به نفسه بعيدا أم أن خفر ذمة الانسان المسلم المختلف مذهبا ولغة وتفكيرا ورأيا وعرقا ولونا ومسلكا حياتيا دنيونا هو خفر لذمة الله سبحانه ؟ الجواب منه عليه لسلام صريحا في نسبة الذمة المخفورة هنا إليه سبحانه فالذمة المخفورة بالفعل من لدن المتعدي على المخالف بإسم الاسلام وبإسم الوحدة وبإسم مقاومة الفتنة هي ذمة الانسان ولكنها ذمة لفرط شرفها عنده سبحانه وعلو قدرها تكريما وتحريرا منسوبة إليه سبحانه فهل فكر يوما خافر لذمة مخالف بأنه إنما يخفر ذمة ربه الذي يزعم عبادته وهل يغفر له إجتهاده في ذلك ؟ أما بناء الافعال الثلاثة في الحديث للماضي " صلى وإستقبل وأكل " فهو الماضي المسترسل غير المنقطع ومثل هذا في لغة العرب والقرآن الكريم لا يحصى.

    الدرس الاول : وحدة الامة الاسلامية ثابت عقائدي يقيني عام مطلق وهو صنو توحيد الله :

    ذلك هو الدرس الاول الذي يجنيه بيسر ولطف كل من يقرأ الحديث لاول مرة إذ يقر في روع المسلم دون عسر ولا إلتجاء إلى التأويل فضلا عن التحكم والتعسف أن مطلب الوحدة أكيد من ناحية وليس معقدا من ناحية أخرى فهو مطلب أكيد بما رتب عليه من شر العقاب وضيق العذاب وأي عذاب أشد ضيقا من تورط الانسان في خفر ذمة ربه الذي خلقه وسواه وهداه ونعمه وكرمه وحرره ورزقه ولو لم يكن مطلب وحدة الامة مقدما على سائر ما عداه سوى توحيد الله سبحانه لما عبر عنه أي عن خرقه بهذا الوعيد الكبير ولما نسب ذمة مخفورة بغير حق لانسان مخالف لك إليه سبحانه لا بل لما إستخدم فعل خفر بما يلقي به من ظلال كثيفة من الاهانة والحبس والتضييق وإلغاء الحرية والاعتداء لا بل لما إستخدم كلمة ذمة وهي تعني الجانب المعنوي من الانسان روحا ونفسا وعاطفة وحرية وإرادة أكثر من عنايتها للجانب البدني وإن كان الاعتداء على أحدهما هو إعتداء على الاخر بالضرورة فبالخلاصة الاولى هنا نجد أن مطلب وحدة الامة الاسلامية هو أول مطلب مباشرة بعد توحيده سبحانه والدليل على ذلك أنه رتب على عاضلها ولو بإسم الاجتهاد والاسلام والوحدة والنظام العام ومصلحة الدولة والشعب ودرإ الفتنة وعيدا لم يجعله ينتمي إلى سائر الحدود المعروفة بل هو أشد وأكبر إذ سماه خفرا لذمة الله سبحانه فالمنتهك لحرية الاختلاف في الامة تحت سقف الثوابت الكبرى المعروفة لا خارج ذلك السقف كائنا ما كانت الدعاوي التي يحتمي وراءها ذلك المنتهك ولو إجتهادا هو منتهك لذمة ربه سبحانه إن كان يؤمن به حق الايمان مبنيا على حسن الفقه وحسن العمل . وبعد ذلك وحدة الامة هي صنو توحيد الله سبحانه فتلك فرع مشقوق عن هذه سوى أن وحدة الامة لا سبيل إليها سوى بتأصيل قيم الحرية والاختلاف والتنوع والشورى عدلا بين الناس كلهم قولا وعملا أما توحيد ربنا سبحانه فلا نقول فيه سوى أنه واحد أحد فرد صمد ليس كمثله شئ سبحانه والزاعم لتوحيد ربه سبحانه دون عمل فضلا عن إيمان بوحدة الامة ليس له من حظ التوحيد مخ الايمان سوى بمثل حظ " باسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ".

    الدرس الثاني : دعائم وحدة الامة ليست كثيرة العدد لكنها غزيرة المعنى :

    ذلك أمر معلوم من الحياة والدنيا بالضرورة فكل أمر وشئ يقوم على أوتاد قليلة العدد تحفظ الوجود وتؤمن الحياة ثم يتفرع عنها ما لايحصى من العروق والشرايين والاغصان والحذوع وليس الاسلام الذي وحد الامة بدعا عن ذلك وفي الحديث يقتصر عليه السلام على ذكر ثلاثة أوتاد توحد الامة وترسم سقفها العام الذي تنتظم فيه سائر فروعها ولك أن تسأل نفسك ألان هل أنه عليه الاسلام ذكر ذكر على سبيل الحصر أو القصر أو الرمز أم أنه إختار ثلاثة أمور وأنهى الخلاف أم أنه لم يخترها أصلا وعلى أي أساس إختارها ؟ أزعم أنك لو أحسنت الاجابة على هذا السؤال فزت بنصيب وافر من فقه الحياة وفقه الوجود وفقه الدين وفقه الانسان وفقه الوحدة وفقه الاختلاف . الدعائم الثلاث التي ذكرها عليه السلام هنا سقفا لوحدة الامة هي الصلاة والقبلة والطعام غير أنه حصرها بنسبتها دوما إلينا نحن أي إلى طريقة الاسلام في فعلها صلاة وإستقبالا وأكلا وهذا يدلل على أن تلك الدعائم الثلاث المذكورة ليست مقصودة لذاتها في دنيا العبادة والعمارة والاستخلاف وإنما هي مقصودة لذاتها شكلا وصورة من ناحية ومقصودة لمعانيها وقيمها وآثارها في حياة الناس مقصدا وحقيقة وجوهرا ولذات السبب لم يذكر الصيام والزكاة والحج وهي عبادات أساسية ركنية في الدين فالقبلة مثلا ليست تيميما للوجه إلىهنا أو هناك كما ذكر سبحانه " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ..." والطعام يعبر عن تميز الامة في سائر أمرها حتى القيام والقعود والنوم والاكل والشرب كما يعبر عن الشريعة بأسرها سيما أن الطعام يصحب الانسان في حياته بأكثر ما تصحبه فيها الصلاة كماأن تلك الدعائم تشمل المادة عبر الذبيحة والطعام وتشمل الروح عبر الصلاة وتشمل الجماعة عبر القبلة وعمليا لو تمسكت الامة والافراد بالصلاة والقبلة والطعام وفق ما أمرت بإنتظام وفقه في الصورة وفي الحقيقة لكان ذلك كفيلا بحفظ سائر دعائم وحدة الامة لان الصلاة والقبلة والطعام تعاود الانسان كدقات قلبه ونفسه لا تفارقه صباح مساء وليل نهار ومن حفظ الوحدة في صباحه ومسائه وليله ونهاره كفيل بأن يحفظها طول حياته ويورثها ولده فليس هو إذن عبث معبوث أن يؤكد الاسلام على الصلاة والقبلة والطعام تأكيدا تجاوز كل مراتب التأكيد وليس لمضيع الصلاة والقبلة وتميزه في طعامه وصغائر حياته حظ في وحدة الامة فتدبر هذا مليا فالمجال هنا يضيق.

    الدرس الثالث : طالب الوحدة بإلغاء التنوع جاهل جهول بالغ ما بلغ إخلاصه لله سبحانه :

    أزعم أنه لم يعاني الفكر الاسلامي سيما بعد إغتيال الخلافة الراشدة حتى اليوم من داء أطعن في جسمه من داء سوء فقه علاقة الوحدة بالتنوع بل أزعم أن قوة الاسلام وقوة الامة وقوة كل إنسان فردا وجماعة حتى خارج دائرة الاسلام تكمن بعد قوة الايمان في حسن إدارة معركة التوحد مع الحرية وليس هنا مجال بسط المسألة عقليا أو قل فلسفيا أو كلاميا لضيق المجال وأكتفي بالقول فيها بأن القضية قضية سنة إلهية ماضية مطردة وليست قضية إكتشاف بشري ومعلوم لدى كل عاقل أن ناطح السنة جهلا أو عمدا موهن قرنه يوما وهي سنة عبر عنها القرآن " ومن كل شئ خلقنا زوجين ". ففي التاريخ الطويل لامتنا عبر التنوع عن نفسه في حجر الوحي وهو يتنزل على سبعة أحرف مازالت تعايشنا إلى اليوم وفي حجر النبوة وأفقه الاصحاب أبوبكر وعمر يختلفان في مصير أسرى بدر وفي ذات الحجر ومن يليهما فقها يختلفان إلى حد تكوين مدارس سرعان ما تبلورت وتشيدت وهما إبن عمر وإبن عباس ويصر علي على عزمه تأسيس سياسة جديدة مختلفة عن الشيخين شرطا لتوليه الخلافة ثم تبلورت المدارس كلاميا إلى ما يناهز عشرة فرق كبرىوأصوليا إلى أكثر من ذلك بكثير وفقهيا إلى عشرة أخرى كبرى وإنعكس ذلك على تفسير القرآن والحديث ولغة بنت العرب لسانها على التعدد مبنى ومعنى وجاء القرآن على مثل ذلك ولم يكن نبوغ المسلمين في العلوم الطبيعية والكونية والتجريبية إلى حد أسس الحضارة العلمية الغربية المعاصرة سوى لعمق إيمانهم بالتعدد والتنوع والاختلاف في ما هو أشد إلتصاقا بالوحي الموقف دينا فكان ما يليه أولى وأحرى بالحرية والاجتهاد والتجديد ولولا قوة الاسلام تلك كما أشرت آنفا في صدر هذه الفقرة لعجز عن إستيعاب الحضارات والثقافات واللغات والقوميات والاعراق والاديان التي فتحها بقوة العقل وحسن القدوة ومازال الاسلام مثابة تؤمه البشرية . وإذا كان غريبا أن يفسح القلب مضغته لاخلاص كبير بينما ينغلق العقل عن فقه تعددي تنوعي في ذات الفرد أو ذات الامة فإنه آن لك أن تعلم أن الاخلاص ليس عملية قلبية معزولة عن فقه العقل وإن كان محله القلب والعكس دوما صحيح كما إن لك أن تعلم أن حالا مزدوجة مثيلة إن عمرت بصاحبها عقودا بعد عقود فإن إخلاصه مزيف مكذوب لان الحق من شأنه التوحد لا التجزء فضلا عن الاحتراب كما إن لك أن تعلم أن لصاحب العلم بل للعلماء أهواء تخفيها عن الناس علومهم لا بل تنمزج أهواؤهم بعلومهم في داخلهم إنمزاج اللبن بما غشه من ماء فلا يكاد يصفيها سوى عمل دائب تائب صادق في توبته جاد في أوبته .

    الدرس الرابع : لا ينقص الامة الاسلامية اليوم سوى وحدة تشد أزرها بها فهل نتوحد يوما:

    يمكن لي ولك أن تقول لو أن الله سبحانه لما سأله عليه السلام ألا يجعل بأسننا بيننا شديدا إستجاب كما إستجاب لمطلبين له أخريين في حديث صحيح وليس ذلك من التقديم بين يدي الله ورسوله ولكن نرضى بما قضى سبحانه بالسنن والاسباب ونعمل على أن نضارع السنة بالسنة فالدواء من قدر الله كما قال عليه السلام كالمرض تماما. أزعم أن الامة اليوم وهي محفوظة الوجود والحياة قطعا إقتضاء لحفظ الذكر تعاني من أزمات حادة حقيقية لا موهومة سوى أن مرجعها كلها عند التحقيق والنظر إلى التجزئة التي قطعت أوصال الوحدة وليست التجزئة تنوعا قطعا فالامة حققت سائر إنتصاراتها العقلية والارضية وهي ممتلئة بالتنوع الكلامي والمذهبي واللغوي والعرقي والحضاري والثقافي والفكري كأشد ما يكون الامتلاء والسر في ذلك أنها كانت متوحدة بالتنوع . كما أزعم أن سائر هزامنا اليوم في سائر المجالات ليست ثمرة قوة عدونا وإن كان قويا في جوانب كثيرة ولكنها ثمرة هزال فينا شديد يصل إلى حد الاقتتال والاختلاف على الثوابت الضامنة لوحدتنا . السؤال الكبير الذي لابد منه هو : كيف تحققت التجزئة وتخلت الوحدة وفي ظل أي شروط كان ذلك وكيف نستعيد منابع قوتنا وخاصة معقدها الاكبر وحدتنا وبأي شروط؟

    الخلاصة : الجسم المعافى القوي مادة والامن نفسا يتحمل الامراض يوم تتسلط عليه ويقدر على مقاومتها بل ربما تزيده قوة بعد ضعف أو تجربة بعد غرة أما الجسم الممزق الضعيف مادة والخائف المنهزم نفسا فإن أول مرض كفيل بالعصف به عصفا فكيف نقوي أنفسنا بالتوحد ؟

     
  3. #83
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الخامسة والثمانون



    أخرج مسلم وأبوداود والترمذي عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم ".
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ



    موضوعه : هذه فرصة لمراجعة سبيلك إلى الجنة فإن كان أوله أمن وسلام وأوسطه تحابب وأخره إيمان فأنت على الصراط المستقيم وإن كان مقلوبا فعدل بوصلتك قبل يوم الحسرة .

    أنت تعلم أنه عليه السلام لا يقسم بربه سوى عندما يقتضي الحال ذلك وبذلك يكون موضوع القسم منه عليه السلام كبيرا وخطيرا وهوهنا كذلك لانه يتعلق بالايمان أو قل بالطريق إلى الجنة ولك أن تقول أن رسالة محمد عليه السلام بأسرها هي نصب الادلة إلى الجنة إخراجا للناس بإذن ربهم سبحانه من الظلمات إلى النور وكان بوسعه ألا يقسم هنا سوى أن الموضوع الذي أقسم عليه من الاهمية بمكان جعله يوطئ له بالقسم بربه سبحانه وهو ما يدعوني ويدعوك إلى أخذ الامر بقوة " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " " . لست هازلا حين قلت بأن على كل واحد منا مراجعة طريقة نصب السلم الذي يتسلقه يوما بعد يوم وهو يقترب من الموت ومن ثم من الجنة أو من النار فقد تكون طريقة نصب ذلك السلم خاطئة وهو خطأ لا يشبه خطأ من أتخذ له سلما مغاير تماما أو سلك طريق النار ولكن سالك درب الجنة قد يتيه بين كثير من الطرق الفرعية فلا يصل إلى هدفه غير منهوك القوى خائرالعزم وقد يغفل فيسلك طريق معاكسا فيظل يمخره فلا ينتبه سوى عند علامة حمراء واضحة جلية تبين له أن طريقه معاكس لهدفه المرسوم وبالجملة فإن سالك درب الجنة قد يقع تماما فيما يقع فيه سالك طريق سيارة طويلة تتفرع عنها طرق فرعية كثيرة الانواع خاصة عند مداخل المدن أوالاقتراب منها فإن العلامات المرورية تكثر وتترى وبدون دقة الانتباه وكثرة التركيز فإن السائر معرض للخطإ وإن سلك طريقا خاطئة فإنه يحتاج إلى وقت غير يسير للرجوع إلى سبيله الصحيح .



    طريقة نصب سلم الجنة عندنا هو : الايمان فالجنة والايمان أركانه معروفة والاسلام كذلك .

    الرابط الذي جاء به الحديث وأزعم أن كثيرا منا يفتقده أو لا يأبه له كثيرا لا عناية عقلية ولا سلوكا عمليا هو قوله " ولا تؤمنوا حتى تحابوا " وهذا يذكرنا بحديث سأل فيه عليه السلام صحابته يوما عما إذا كانوا مؤمنين فأطرقوا جميعا لفرط مباغتتهم بسؤال محرج للغاية من لدن المعلم الذي لم يزد طول حياته معهم على أن علمهم الايمان سوى أن إجابة من الفاروق عمر بددت الصمت وكسرت جدار الاطراق والحيرة إذ قال بلى مؤمنون فعاجله المعلم عليه السلام بالادلاء ببينات دعواه على إيمانه وإيمان أصحابه فقال دون تلعثم ولا تردد بنبرة الواثق من نفسه " نؤمن بالقضاء ونشكر في السراء ونصبر على الضراء " فما كان منه عليه السلام سوى أن تهللت أسارير وجهه الكريم كالبدر المنفلق في صفحة السماء يطرد الدجى الحالك طردا قائلا بعد أن إطمأن على رسالته من بعده بين يدي رجال في مثل فقه الفارق " مؤمنون ورب الكعبة ".

    العلاقة بين كون التحابب بين المؤمنين منشئا للايمان المفضي إلى الجنة وبين كون الشكر والصبر وحسن التعامل مع القضاء هو روح الايمان وثيقة وطيدة ووجه ذلك يبرز من خلال كون التحابب المقصود هنا ليس حبا حبيسا في الافئدة سجينا في المهج لا تتحرك به ألسنة ولا تبذر حبه أيد بل هو شكر وصبر وحسن تفاعل لان الشكر والصبر في السراء والضراء أقوال وأفعال نتجه بها نحو الانسان بألسنتنا وبأيدينا وليس ذلك حال شكر المحسن الذي أسدى إلينا خدمة ولا حال الصبر على المسئ الذي إنتهك لنا حقا فحسب بل حال شكر الله سبحانه والصبر على ضرائه من خلال قضاء حاجة عبده شكرا لنعماء ولي النعمة سبحانه وعدم التجهم والعبوس في وجه أول إنسان نلقاه بعد نزول الضراء علينا مباشرة .



    الطريقة الصحيحة لنصب سلم الجنة هي : سلام فتحابب فإيمان فجنة .

    ليس لك أن تقول بأن الحب في الله عبادة من العبادات أوهو شعبة من شعب الايمان أو هو خير وبر ومعروف وربما واجب وفريضة سيما حيال من له علينا كامل الحقوق كالجار الرحم المسلم الفقير ... ليس لك أن تقول ذلك هنا للتفصي من كون التحابب شرطا للايمان ودرجة قبله تماما كما أن الجنة تأتي بعد الايمان وليس قبله أو أن السلام يأتي قبل التحابب وليس بعده وهذا هو منطوق الحديث الصريح المقسم عليه من لدن خير مقسم عليه السلام وبأعظم مقسم به سبحانه وليس لذلك معنى فقهيا بحيث يتعين على الانسان إفشاء السلام على الناس فيؤدي ذلك إلى حبهم ثم إلى الايمان ثم إلى الجنة ولكن له معنى مصلحي مقاصدي بحيث لا يستقيم إيمان دون حب المؤمنين ومن لايحب المؤمنين يوشك أن يبغضهم فإن أبغضهم هلك لا محالة وهو كاذب في إيمانه فالايمان ينشأ من النظر في ملكوت الله سبحانه سيما إنطلاقا من القرآن الكريم المحيل بأسره على ذلك النظر في الكون والتاريخ والفطرة و لاينشأ الايمان من مجرد إفشاء السلام أو من مجرد الحب أي حب أهل الايمان إلا قليلا وإن نشأ من ذلك فهي إرهاصات تسبق ولادته تماما كما يسبق الفجر صبحه والشفق ليله إذ لو ظل الانسان يحب أهل الايمان دون تحصيل إيمان بأركانه الخمسة أو الستة المعروفة ما عد مؤمنا فطريقة نصب السلم الصحيح هي إذن سبيل لتغذية الايمان وتجديده وأثرائه وملئه بروح حية ورسالة حيوية كفيلة بتسديده وترشيده وجعله موجها للحياة وجلب المصلحة لصاحبه وللناس والابتعاد به عن مطبات الغرق أو الهزال فضلا عن الموت وفضلا عن ذلك فإن الايمان الناشئ عن النظر أنطلاقا من القرآن يحقق لصاحبه المحب للمؤمنين شعبا وسبلا لفعل الخير للناس بما لا يحصى وكلها طرق تقوي الايمان من ناحية وتجلب لصاحبها حسنات لا حصر لها وتغذي إتحاد الناس وإجتماعهم على البر والاحسان والمعروف وتيسر سبل التعلم للناس ونشر الدعوة بينهم وسائر ألوان التعاون على الخير وذلك هو معنى نصب سلم الجنة على وجهه الصحيح عبر السلام فالتحابب فالايمان بخلاف لو آمن رجل إيمانا صحيحا من الناحية الفقهية فكيف له أن يقيم صلاة الجمعة دون حب المصلين وكيف له أن يصوم دون حب الصائمين وكيف له أن يزكي للمحتاجين وهو لا يحبهم وكيف له أن يطوف معهم في زحمة شديدة فالمؤمن الذي لا يقوي إيمانه بحب الناس وبما ينجر عن حبهم عبادة ومعاملة سرعان ما يتهاوى إيمانه ثم يموت .



    درجة سلم الجنة الاولى هي : الامن والسلام .

    إفشاء السلام بين الناس ليس مقصورا على اللسان ثم يستريح الانسان ولا يبالي بعد ذلك أن يفشي عمليا بينهم الاحتراب والبغضاء والكراهية والعداوة سواء بالمن والقت والنم والاذى أو بالكذب والتجسس والخيانة والغدر وال وإنتهاك الاعراض والاموال وليس معنى ذلك العزوف عن إفشاء السلام حتى يتأهل الانسان كليا لطهارة ملائكية لن ينالها مادام إنسانا فإن ذلك تلبيس إبليسي ولكن معناه إفتعال المناسبات فضلا عن حسن إهتبالها لترويض السلوك واللسان على إفشاء السلام وخاصة حال الخصام والقطيعة وعلم النفس يؤكد أن ما نكثر ونداوم على النطق به بألسنتنا كفيل بالانطباع فينا يوما بعد يوم ولذلك سمى نفسه السلام وفرض علينا إفشاء السلام عشر مرات على الاقل في اليوم والليلة من خلال الصلاة المكتوبة دون المنفولة ولذلك فرض علينا السلام حتى لو دخل الواحد منا بيته أو أينما حل منفردا دون صاحب ولا موفود عليه فضلا عما إذا إلتقى الواحد منا آدميا آخر سوى المحارب طبعا ومن شأن ذلك كله غرس ثقافة السلام والامن بيننا وهو كفيل لو فقهنا المقصد وعملنا له وإلتزمنا بوسيلته بتجفف منابع التظالم والاحتراب والتآذي . لك أن تحفظ ذلك حسن فقه وحسن عمل متدبرا أن أسوأ ما تشكو منه البشرية اليوم هو فقدان السلام والامن وهيمنة الخوف وتربص الجار بجاره والرحم برحمه والشريك بشريكه والحاسد بمحسوده والقوي بالضعيف أفرادا ودولا فماذا لو علم المسلمون أن دينهم هو دين السلام والامن والتآخي والتعاون والتكافل شكلا ومضمونا طيلة النهار وطيلة الليل وفي كل الاماكن والمناسبات وأين محل السلام لغة وشرعا في واقعنا المترع إحترابا ؟



    درجة سلم الجنة الثانية هي : التحابب .

    التحابب وليس الحب والحب من شأنه أن يكون محل تفاعل وإلا كنا كمجنون ليلى " جننا بليلى وهي جنت بغيرنا وأخرى بنا مجنونة لا نريدها " لذلك قال الحديث " تحاببتم " أي تبادلتم الحب وهويرشد إلى أن سبيل التحابب هو إفشاء السلام وعضد ذلك بقوله " تهادوا تحابوا " وهذامجرب فلو أفشيت السلام على من تلقى ممن عرفت وممن لم تعرف سيما بوجه طلق وصافحت وعانقت ودعوت بالقبول وسألت عن الحال وودعت بألفاظ الحب ثم إهتبلت كل فرصة من فرص الفرح والترح فهنأت وعزيت وخاصة عبر الزيارة والهدية وتجنب التكلف والاحراج وكففت أذاك نما وقتا وبهتانا وقالة سوء بحق ولا بغير حق ثم دافعت عن عرض مسفوح صاحبه غائب وقمعت هواك فبدأت قاطعك بالسلام والتحية ورددت التحية بأحسن منها وألجمت شهوتك عن النيل من عرض ومال ونفس نيلا ماديا ومعنويا أو طلبت الغفران ممن ظلمت لو وقعت في ذلك ثم تجاوزت عن المسئ وأحسنت الشكر لصاحب الخدمة وذكرت من تعرف بالاسم أو جملة في خلواتك في دعائك وإبتهالك سيما حال الضر ولم تبخل عنهم بما تستطيع من قضاء الحاجة ماليا وماديا وخدمة ونصيحة وتعليما بلطف ونباهة وفطنة ووصلت من يحبون بمثل ذلك وأشعت عنهم قالة الاحسان ولو كذبا خفيفا سيما عند من تخشى عليهم وغر صدر إلا أن يحل محل ذلك حسد بغيض فالتوسط دوما مظنة حق وصواب وتوفيق وسداد ... لو داومت قدر الاستطاعة على فعل ذلك حاملا نفسك دوما على حسن الظن وتكذيب الشيطان وتسفيه دعاويه حتى لو كانت صحيحة والبحث للناس عن معاذير مهما تكن سخيفة وحاسبت نفسك حيالهم حسابا عسيرا شديدا سالكا سبيل المصارحة والتعاتب والتغافر المباشر بدل السعي بالقيل والقال نما وقتا وإثما وبهتانا وتطهير قلبك من الحسد وقتل كرهك لفلان أو فلانة في نفسك دون تصريح لاحد كأنك تخفي سرا لو كشفه الناس قتلوك صلبا شر قتلة ... لو حاسبت نفسك دوما على ذلك الظن وذلك السلوك لزرعت التحابب بينك وبين الناس مع مرور الايام وهو أفضل مشروع إسلامي نحن جميعا عنه غافلون كفيل ببناء جبال من الحسنات وحط أخرىمن السيئات فهلا بادرت ؟



    درجة سلم الجنة الثالثة هي : الايمان .

    ربما توضح لديك أن هذه الدرجة ينشؤها التحابب الناشئ عن إفشاء السلام وإشاعة الامن إنشاء تقوية وتغذية وتجديد وتضمين برسالة إنسانية ملؤها حب الناس جميعا بقصد جلب الخير إليهم في دنياهم ومعادهم وليس إنشاء أصليا من عدم فإن ذلك مظنه النظر في الكون من القرآن سيما أن الاسلام ثاني درجة بعد الايمان كله مبني على التحابب الذي يثمر الايمان فالصلاة المفروضة جماعة كالجمعة والعيد والجنازة وغير ذلك لا تستقيم دون حد أدنى من تحابب في الكم والكيف وكذلك الصيام بما فيه من وحدة شعيرة وزكاة فطر والزكاة أمر التحابب فيها أظهر والحج كذلك وفرائض الدعوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخير أيضا وتلك العبادات الاسلامية تفضي إلى درجة الاحسان في الايمان فيغدو المسلم المحسن مؤمنا بحبه لغيره.



    الخلاصة : ثمن الجنة : أمن وسلام بين الناس ثم تحابب مشترك يغمر القلوب والالسنة والايدي ثم إيمان قوي متجدد مع مطلع كل شمس يعمر الحياة بالخير ذلك هو السلم الصحيح فألزمه .

     
  4. #84
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة السادسة والثمانون



    أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " إحرص على ما ينفعك وإستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ".

    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ



    من شواهده " لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " و" إياك نعبد وإياك نستعين " و" إن الله يحب المتوكلين " و" ما تشاؤون إلا أن يشاء الله " وغير ذلك كثير ...



    موضوعه : الانسان قدر إلهي حر ماض فاعل مطرد ومسؤول عن إرادته والشيطان عدوه .

    في الحديث أمران ونهيان : إحرص وإستعن ـ لا تعجز ولا تقل . ومواضيعه الجزئية كما ترىمعي كثيرة في الحقيقة أولها حرص الانسان على جلب منفعته وهي بالضرورة تعني حرصه على درإ ما يفسده وربما يستغرب بعض الناس أن يحث عليه السلام الناس على الحرص على ما ينفعهم سيما أنه قال في حديث آخر " ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال " وخير سبيل لدفع ما يراه بعض الناس تناقضا ظاهريا بين كثير من نصوص الوحي بعضها مع بعض هو الائتلاف بين الوجه اللغوي للكلمة وكلمة حرص هنا معنية بذلك وبين الوجه السياقي الاستعمالي لذات الكلمة فالحرص مثلا يمكن أن يفيد سياقه في معناه بأنه عمل سلبي كما يمكن أن يفيد العكس تماما فضلا على أن بعض الكلمات العربية حتى منزوعة عن سياقاتها تفيد المعنى ونقيضه فيكون تحديد المعنى إذا مرتهنا بالاستعمال السياقي كما يستغرب بعض الناس أيضا إستخدامه عليه السلام للمنفعة وأمره بالحرص عليها وذلك من منطلق فهم مبتسر مؤداه أن الاسلام والمنفعة ضدان لايلتقيان فالاسلام من شأنه ترتيب التكاليف الباهضة الشاقة على عاتق الانسان أما المنفعة فلا يطلبها سوى صاحب هوى وشهوة تفصيا من تكاليف الدين وهو مفهوم لا يبتعد كثيرا عن الفهم الكنسي وهذا يتطلب من الدعاة والمصلحين تصحيحا لكثير من الفهوم المتلبسة بالمسيحية من ناحية وتبيانا للناس بأن المقصد الاسنى للاسلام ليس هو سوى جلب المنفعة المادية والمعنوية للانسان في معاشه وفي معاده وما من تشريع في كل مستوى ومجال غيبيا كان أم شهودا معللا كان أم غير مفهوم المعنى إلا وهو يزف للانسان منفعة ومصلحة إن في نفسه أو في عقله أو في بدنه أو في روحه أو في عاطفته أو في ذوقه أو في أسرته أو في عرضه أو في ماله أو في دنياه أو في آخرته فإن خلا تشريع من ذلك فهو مكذوب عن الله وعن رسوله عليه السلام . وثاني تلك المواضيع الجزئية التي حواها الحديث هي الاستعانة به سبحانه وهو مخ سورة الفاتحة التي هي بدورها مخ الصلاة التي هي مخ الاسلام الذي هو مخ الحياة التي هي مخ الوجود وإفراده بالعبادة وبالاستعانة هو جوهر رسالة الانسان العابد المملوك المخلوق فالعبادة تخص الجانب الروحي أما الاستعانة فتخص الجانب العملي العام من حياة الانسان والانسان بحكم ضعفه وعجزه وقصور حواسه وغلبة هواه وسائر مايحيط به من ملابسات نفسية ومادية معروفة بحاجة دوما فطرة مفطورة إلى ركن قوي يستعين به وما من إنسان في هذه الدنيا غابرا وحاضرا إلا وهو يستعين غيبيا فضلا عن الشهود بشئ ما وكل مستعين بغير الله سبحانه كمثل " العنكبوت إتخذت بينا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " والموضوع الجزئي الثالث هو النهي عن العجز والانسان مفطور على العجز والقوة في آن واحد فالمسألة مرتهنة بقوته النفسية وبإرادته وبنظرته للوجود وليس كالايمان الصحيح السليم يزود الانسان بقوة روحية ونفسية وعملية لا تضاهى " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد لك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال ..." . والموضوع الجزئي الاخر هو الايمان بالقضاء والقدر وهو الموضوع الذي يعزى إلى عدم فقهه على أحسن وجه من لدن مسلمي عصور الانحطاط سبب التأخر والانحطاط ومازال المسلمون اليوم في أكثرهم بحاجة إلى حسن فقه عقيدة القضاء والقدر على النحو الذي ضبطه القرآن وعملت به السنة والخلافة الراشدة لا على ما إستقر في فهوم الناس قديما وحديثا أما الموضوع الجزئي الاخير من الحديث فهو عداوة الشيطان للانسان عداوة حقيقية بالغة تستهدف نخر الاساس النفسي للبناء الانساني نخرا لا يصلح بعده الانسان سوى للموت " إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا ...".



    الدرس الاول : الحرص على المنفعة والاستعانة ونبذ العجز بالتوكل عمل قدري خالص .

    لو أجملنا سائر الدروس الجزئية الكثيرة التي تعرضنا لها في الفقرة التمهيدية السالفة في عنوان واحد كبير لما وجدنا مناسبا لذلك سوى القول بأنه عليه السلام أراد في الحديث التنبيه إلى أن الافعال الايجابية من لدن الانسان من حرص على المنفعة والاستعانة ونبذ العجز بالتوكل ليست منافية للايمان بالقضاء والقدر بل هي من صميم القضاء والقدر . طبعا يقول بعض الناس أن القضاء ما هو مثبت في اللوح والقدر ما نزل حقيقة فوق الارض بالفعل وهذا صحيح ولكن بما أن الانسان لا يعلم عن القضاء شيئا سوى ما هو معروف من سنن وأسباب وأقدار كونية ظاهرة فإن التعبير بمصطلح القضاء والقدر جملة أنسب والله أعلم . والعمدة في ذلك هو سنة الابتلاء التي فرضها سبحانه على كل مخلوق طرا سوى أن بعض المخلوقات مبتلاة كرها لعدم حرية إرادتها بينما كرم الانسان بالعقل وبحرية الارادة فكان إبتلاؤه تكريما وتحريرا وإختيارا وهو ليس إختيار مطلق بل فيه جانب لا يملك الانسان دفعه رغم أنه مطالب بدفعه لو إستطاع ولو بحسن الاستقبال الراضي المرضي وتحويل النقمة إلى نعمة .



    الدرس الثاني : خير حقل يعلمك عقيدة القضاء والقدر : القرآن والحياة تاريخا وحاضرا .

    ضربت هذه العقيدة مبكرا في صدر تاريخنا الطويل بخلاف العقائد الاخرى فرغم الاختلاف من لدن المدارس الكلامية في طريقة تنزيهه سبحانه ورغم إختلافهم بمثل ذلك في مسائل عقدية أخرى جزئية فرعية فإن المنهج العقدي العام كسبا وتصريفا ظل إسلاميا سوى أن عقيدة القضاء والقدر تباين فيها الاختلاف كثيرا وسرعان ما سيطرت العقيدة الجبرية عمليا على قطاعات كبيرة من الامة لمدة قرون طويلة وهو ما يفسر بالنصيب الاوفر تأخر المسلمين وإنحطاطهم ومازال المسلمون إلى اليوم رغم بزوغ فجر صحوة كبيرة يعانون من خلط قاتل بين ماهو قدر لا يحسن سوى الايمان به لانه ليس في مقدور الانسان مقاومته وبين ماهو قدر لا يحسن سوى مقاومته بقدر مثله فمن أمثلة الضرب الاول إنبناء الوجود الانساني على ناموس التنوع الديني والمذهبي واللغوي والعرقي فليس مطلوبا مقاومة ذلك بل توظيفه لخدمة قضايا الحق والخير ومن أمثلته كذلك مصيبة الموت ومعرفة المستقبل ويوم القيامة فليس من مصلحة الانسان معرفة ذلك فضلا عن كون عقله لا يقدر على إستيعابه ومن أمثلة الضرب الثاني وجود المرض والجهل والعجز والظلم والفقر فالمطلوب مقاومة سائر ذلك بأقدار العافية والعلم والقدرة والعدل والسعة ويحسب بعض الناس أن القرآن الذي لم يطالبنا بالايمان بالقضاء والقدر بذات الصيغة اللغوية المباشرة بمثل ما ورد في العقائد الاخرى لم يعالج المسألة وهو لمن قرأه متدبرا كله كتاب قضاء وقدر بإمتياز شديد تجد ذلك في كل قصة وكل مثل وكل معالجة للانسان وهو كتاب الانسان وذلك لان التربية القرآنية لفرط حكمتها لا تعمد إلى الامر المباشر الجاف بالايمان بما من شأنه التقلب في النفوس تقلب الماء المغلي في القدر بل تعرض للانسان من القصص والامثال وبسائر ما تعالجه به ما من شأنه بعد التدبر والفهم والفقه زرع الايمان الحق بالقضاء والقدر ليس على أساس أنه سحق ألهي قدري طاحن لارادة الانسان بل على أساس أنه إبتلاء ورحمة وتعديل لمسيره بين قضاء كوني ماض لا يتخلف برضى إنسان أو غضبه وبين قضاء إنساني إجتماعي يتنزل ضمن حرية الارادة الانسانية فإن شاء صرفه بقدر أحب إليه منه فعل بإذنه سبحانه وإن شاء غير ذلك فهو مسؤول دوما عن حريته . والقرآن حين يعرض تلك التربية القدرية يحضنها ضمن التاريخ وفي الان نفسه يرشد الانسان إلى النظر في التاريخ الحاضر بين يديه فمن عقل القرآن بعقله ونظر في التاريخ الغابر والحاضر بعقله آمن بالقضاء والقدر عقيدة تحريرية تكريمية للانسان ومن أعرض عن ذلك أو فهم الرسالة الاسلامية مقلوبة فسخط فله السخط جزاء وفاقا .



    الدرس الثالث : الشيطان قدر من النوع الاول والانسان هو القدر المضاد فالقدران يعتلجان:

    الشيطان هو مثال على الضرب الاول من القدر الذي لا يحسن سوى الايمان به ولا سبيل لدفع أصله ووجوده وتأثيره بالكلية لان ذلك مبطل لقدر آخر وهو قدر الابتلاء ولوشئت مثلت لك الاقدار في السماء تعتلج وتتفاعل في فلك واسع عريض ضمن علاقات معلومة بمثابة جسم حي تعتلج فيه أسباب الحياة مع أسباب الموت أو جسم نفسي حي كذلك فلا سبيل لحياة الجسمين سوى بحياة السببين معا يعتلجان فالظاهر شر وموت وفناء والباطن حياة وخير . وخير مثال على ذلك أنه سبحانه خلق الملك محض خير والشيطان محض شر ولا سبيل لتنزل قدر الابتلاء ولا معنى للدنيا والحياة والانسان والوجود والاخرة سوى بخلق الانسان جامعا بطرف من هذا وطرف من ذاك فكان ذاك وسبحان الحكيم الذي جعل الشيطان قدر شر مطلق يكبح شره بالانسان فهو قدر مضاد له تماما كالدواء والمرض والجهل والعلم والظلم والعدل والقدران يعتلجان في نفس الانسان وفي هذا الحديث يصور عليه السلام كيف أن الشيطان رمز يأس وتثبيط يوسوس للانسان بأن مافاته من خير لن يدركه في يومه ولا في غده ولا يعلم الانسان المحبوس بحواسه وعقله في دائرة صغيرة من الزمان والمكان وسائر أنواع المدى هل ما فاته كان خيرا أم شرا سوى وسوسة شيطان فإن فاته في ذلك جاءه بين يدي يومه سخطا على حاضره وتطيرا من مستقبله ولايعلم الانسان علىوجه اليقين البديل الذي كان سيكون لو لم يكن حاضره على هذا النحو إلا أماني وما أصدق الاثر القائل " لوإطلعتم الغيب لرضيتم بالواقع " .



    الدرس الرابع : المقصد الاسنى من عقيدة القضاء والقدر : غسل نهم الناس بندى الرضى.

    دعا الباحث المقاصدي الكبير الدكتور أحمد الريسوني منذ سنوات إلى الاهتمام بمقاصد العقيدة إلى جانب ما توفر لمقاصد الشريعة من إهتمام ومازالت الدعوة يتيمة تنتظر كفيلا ولن يؤمن مؤمن بالله سبحانه على النحو الذي يرضيه حتى يتعبأ بمقاصد الايمان أو العقيدة ولعل أولى ما على المؤمن فقهه حق الفقه هو حسن فهم مقاصد عقيدة القضاء والقدر ذلك أنها مازالت تفعل في الناس فعلا عكسيا تماما لما هو مراد منا وأنى لسالك درب في إتجاهه المعاكس أن يصل إلى مبتغاه والمجال هنا ضيق جدا ولكن حسبي أن أشير إلى أن الرضى النفسي بماهو طمأنينة وسكينة وحب ووقار وثبات ويقين وثقة هو المقصد الاسنى من تلك العقيدة وذلك هو بعض معاني قوله " رضي الله عنهم ورضوا عنه " فرضوان الناس عن ربهم هو بما سكب في نفوسهم رغم النكبات والهزائم والاضرار في الانفس والاموال والثمرات من رضى وأنت تعلم أن كل الناس اليوم يشكون من الكآبة واليأس حتى ناهز عدد المصحات النفسية عدد المصحات البدنية والسبب في ذلك كله هو النهم الذي يجعل الناس كالذباب المتهافت على الجيف القذرة وقد ورد في الحديث القدسي " إن من عبادي من لايصلحه إلا الفقر فأفقره وإن منهم من لا يصلحه إلا الغنى فأغنيه.."



    الخلاصة : على العلماء الدعاة أن يقولوا لو إستقبلنا من أمرنا ما إستدبرنا لكتبنا في مقاصد العقيدة عامة والقضاء والقدر خاصة قبل التوسع في مقاصد الشريعة تثبيتا للناس على دينهم وتحريكا لايمانهم لعله يثمر خيرا في حياتهم في زمن يصبح فيه الرجل مؤمنا ويمسي كافرا حقا كما قال الحديث وهجم فيه العدو على العقائد الاساسية الاولى التي لم يضن عليها الانحطاط السالف بزلازل مخيفة وهو جهد كفيل بزرع التوكل والقوة وتغيير الانسان وفق قاعدة " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .

     
  5. #85
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة السابعة والثمانون



    أخرج البزار عن أنس أنه عليه السلام قال " ثلاث كفارات : إسباغ الوضوء في السبرات وإنتظار الصلاة بعد الصلاة ونقل الاقدام إلى الجماعات وثلاث درجات : إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام وثلاث منجيات : العدل في الرضى والغضب والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية وثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه .
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ



    موضوعه : النظام العبادي الاسلامي نظام متكامل متناسق

    العبادة في الاسلام هي أساس الشريعة وسائر التصرفات في كل المجالات ودع عنك لغوا مقرفا يأتيه عبيد الاهواء والشهوات بإسم أن ذلك من الامور الشخصية الخاصة وليس معنى ذلك إكراه الناس على الاعتقاد أو العبادة ولكن معناه أن البناء الاجتماعي الفردي والجماعي للناس لا يقوم سوى على أسس متينة ككل بناء وفاقد الشئ لا يعطيه كما قالت العرب فمن لا يسوس نفسه بنظام أخلاقي صارم فيه معرفة لولي نعمته ومعرفة لنفسه وديعة الخلاق عنده إلى حين فاقد لابجديات سياسة الناس إلا أن تكون الانظمة الحياتية مقلوبة رأسا على عقب وليس من شأن العبد الذي أذل بالرق عقودا تقبل حياة الحرية فجأة دون مقدمات سيما أن مقصد العبادة الاسنى في الاسلام هو ترويض العابد على الاخلاص تلك الثمرة التي لا تجنى سوى بعد مجاهدات عسيرة وسنوات طويلة كلما كان الشيطان ذئب الانسان باسطا ذراعية بالوصيد ومن داخل الانسان نفس تسرق السمع والبصر وتتربص غفلة من العقل حتى تعقد تحالفات مع الرابض بالوصيد فضلا عن كون العبادة بعد تطهير النفس من أمراض الرياء والعجب والشح والهوى بقدر مقدور وليس بالكلية تكسب العابد بعد مجاهدات وسنوات قوة نفسية يحتاجها السالك طريق الجنة لصرع الحواجز المعثرة المنتصبة على طول الطريق إبتلاء بالخير والشر . على أن هذا الحديث العظيم يقدم لك النظام العبادي الاسلامي بمثابة جسم حي أو آلة ضخمة متناسقة متكاملة في أدوراها فمنها ما يستقبل المادة التي عليها طحنها أو معالجتها ومنها ما يتولى تصفية تلك المادة ومنها ما يتولى نفي خبائثها بعد معالجتها وتصفيتها ومنها ما يقوم بدور الرقابة الذاتية الداخلية ومنها ما يحفظها بالانذار المبكر من سوء الحوادث ومنها ما يعدل نظام عملها برودة وسخونة وسرعة وبالخلاصة فإن ذلك النظام العبادي الاسلامي يتراءى لي كأنه نظام آلي متطور بمثل ما نشهد اليوم في السيارات الفخمة المتطورة المزودة بنظم وقاية وصيانة وإنذار مبكر وسائر ما يحفظ لها حياتها سوى أن ذلك يتطلب منا فقها لسائر تلك الانظمة التي نجدها مبعثرة ومبثوثة في نصوص الوحي بحكم نظرتنا الجزئية التي تعيق النظرة الشاملة الكاملة المتكاملة فينا فتحرمنا الفقه وحسن الفهم وذلك بظننا أن الدين مجموعات من المواعظ متفرقة مبعثرة لا حركة وصل بينها فضلا عن حركة تأثير وهو ما يتأخر بتديننا إلى أدنى مستوياته كشجرة لا يتعهدها صاحبها بالزبر والتنقية وفق أشد النظم الوقائية معاصرة وتطورا فإن الثمرة لن تكون في مستوى المنافسة الدولية .



    قراءة إجمالية في النظام العام للحديث :

    أنت مفطور على الخطإ ولا ريب والنظام العبادي الاسلامي يجعل لك تحلة تتجاوز به خطئك وتصلح به أمرك وهو هنا الكفارات أو المكفرات والكفر لغة هو الستر والحجب فإذا أصلحت خطأك فإنك بحاجة إلى التقدم حتى لا تراوح مكانك فيطمع فيك التأخر مجددا ولا بد لك من بذل بعض الدرجات حتى تتقدم فكانت ثلاثة فإذا تقدمت على طريقك درجة بعد درجة فإن عدوك لن يذرك حرا طليقا بل يظل يعاكسك ويشاكسك لحظة بلحظة وعندها لابد لك من الثبات بمنجيات تعتصم بها عند كل لحظة يمكن لها أن تهوي بك في قعر الاخطاء الكبيرة الجسيمة تماما كمن يسبح في بحر لجي وسرعان ما يرتطم بموجة عاتية فعليه إما الهرع نحو الشاطئ وإما التشبث بوتد أو ما إلى ذلك فإذا ما نجحت هذه المرة وواصلت التقدم على طريقك فإن العدو الذي فشل في المرة الفارطة في إغراقك بسبب أمر ظاهر مادي سيحول إستراتيجية هجومه فيتوغل في باطنك عامدا إلى المهلكات وهي أشد خطرا لانها تختفي في باطن النفس. وتلك القراءة تفسر لك كيف أن النظام العبادي يخضع لرؤية واضحة المعالم تماما كجسم حي أو شجرة أو آلة متطورة.



    ثلاث كفارات : إسباغ الوضوء يعني إنشاءه بعد نقض كما يعني تجديده دون نقض ومن رحمة الله بنا أنه يجازي على فعل الواجبات والفرائض تماما كما يعاقب على فعل المحرمات والسبرات هي شدة البرد ولايعني ذلك تعمد الوضوء بالماء البارد مع وجود الماء الدافئ فضلا عن إهلاك النفس ــ إنتظار الصلاة بعد الصلاة يعني كذلك أمرين وفق حالة الانسان فليست الصورة الوحيدة لذلك هي اللبث في المسجد ( لغة أو إصطلاحا ) صلاة بعد صلاة رغم أن ذلك لمن تيسر حاله دون طغيان جانب على آخر مفيد سوى أنه بإمكان المصلي إنتظار الصلاة الموالية وهو منهمك في عمله وذلك بذكرها شأنه شأن من يرقب وعدا خصبا أو وعيدا حان أجله ومن أكبر مقاصد الصلاة تدريب الانسان على تنظيم الوقت وترتيب الحياة وهو الامر الذي قامت عليه الحضارة الغربية فتقدمت ــ نقل الاقدام إلى الجماعات لا يعني كذلك حضور صلاة الجماعة فحسب دون حضور سائر الاجتماعات الاخرى وخاصة أفراح الناس وأتراحهم سيما الرحم والجار والصديق والفقير سيما أن في أريافنا وبوادينا كثيرا ما تنتقل صلاة الجماعة في الحي أو القرية بأسرها إلى محل الفرح أو الترح فليس من مقصد صلاة الجماعة الحث على لقاء الناس في صلاتهم والانقطاع دونهم في ما سواها بل من مقاصدها الكبرى تدريب الانسان على الحياة مع الناس فكل جماعة ينبغي نقل الاقدام إليها . تلك هي أعمال ثلاث جعلها الباري سبحانه مكفرات للذنب .



    ثلاث درجات : إفشاء السلام يعني تعميمه فكلمة الافشاء كما تدل عليه شاؤها المتفشية تعني البذل دون حدود مصداقا لقوله " على من عرفت ومن لم تعرف " والسلام يعني إنشاء بالمبادرة كما يعني رد التحية بمثلها إن لم يكن بأحسن منها وقال العلماء أن رد السلام واجب بينما إنشاؤه مستحب والسلام هو روح اللقاء لا يضيره بأي لغة ظهر وبأي إيماءة كان فلا يذهبن الظن بأحدنا أن تحية غير المسلم غير المحارب لا تكون أو لا تكون بغير اللغة العربية أو أن المضطر إلى التحية بإيماءة من رأسه أو عينه لم يؤد السلام حقه إذ مقصد السلام الاول هو زرع الامن والسلام والثقة والمحبة بين الناس كلهم واللسان هو سفير كل واحد منا معتمدا عند الناس كما لا يضير السلام والقلب ليس على أتم الرضا فضلا عن حصول كره بل ذلك أولى وأجدر لان فيه قمع للهوى وإيثار لحسن العلاقة وبناء جسور الود والسلام المكتوب هو سلام ينطبق عليه سائر ما ينطبق على السلام المباشر ويذهب التزمت والكذب على الله ورسوله بنا أحيانا إلى عدم مبادرة الرجال بالسلام على النساء باللسان أو إحجام النساء عن ذلك باللسان فإذا كان ربما يقبل من المرأة بحكم أعراف الحياء المبالغ فيه رغم قوامة المرأة بالحياء رداء زينة فإنه لا يقبل من الرجال ذلك بإسم البعد عن الشبهات إذ البعد عنها لا يكتمل سوى عند الميت فهي ضرورة للابتلاء ولولاها لما دخل داخل الجنة ولا النار وليس من التقوى في شئ عدم تعرف الصديق والجار والرحم على وجه زوجة أخيه وصديقه وجاره وسائر من يتردد عليه لما في ذلك من تفويت لمصالح كبيرة جدا لي فيها ما لا يحصى من القصص الحقيقية ولا تختص تلك بمجتمع تحكمه القبضة الامنية دون غيره فالحاجة والمصلحة لذلك لو فقهنا الحياة وتقلباتها كبيرة حتى في مجتمع يسود فيه العدل والاخاء والحب والتحرر وتطبق فيه شريعة الله كاملة . ــ إطعام الطعام والعرب تطلق الطعام وكذلك فعل القرآن بحكم عربيته على سائر ما تتقوم به حياة الانسان فهو يشمل المأكل والمشرب والملبس والمأوى وهو ضرب من ضروب المجاز إذ لو قدمت مأكلا لرجل يوشك البرد أن يقتله خالفت سنن العقل والشرع وكنت أخطل التدبير شبه قاتل حتى لو شفعت لك طويتك فإن الاجر يكون زهيدا لا يكاد يسمن ولا يغني من جوع والطعام المقصود بمعانية تلك لمن هو إليه محتاج على سبيل الاولوية والضرورة وما دون ذلك من ضيافة وإكرام وتوسعة فيأتي في الدرجة الثانية وهو أيضا كبير الاجر عظيم الفائدة .ــ الصلاة بالليل والناس نيام حده الادنى البردين أي العشاء والفجر سيما في جماعة وخاصة بالمسجد ولا وجود لحده الاقصى بحسب حال الناس وفراغهم وكلمة الناس نيام معناها أن العادة في ذلك الوقت أن يكون الناس نياما سيما قبيل الفجر لمن إستطاع ركعتين جميلتين يدعو فيهما بهدوء بعيدا عن الضوضاء والجلبة وأضواء النهار فهو وقت الاخبات حقا ولن يزال الانسان يجد بردهما وحلاوة المناجاة فيهما ما عاش بخلاف سائر الركعات سيما أن الانسان بحاجة إلى ترتيب سويعات خلوة في حياته تماما كما يختلي كل شئ بنفسه في هذه الدنيا يرتب بيته الداخلي في مأمن من تهجم صبح مشرق أو ضوضاء سوق . وفي ذلك قال سبحانه " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا " .



    ثلاث منجيات : العدل في الرضى والغضب معناه إلتزام الحق قولا وعملا في الحالين إذ يحمل الرضى بعض الناس على مجاوزة العدل إلى الطغيان في المديح مثلا حتى قال الشاعر لاحد الامراء " ما شئت لا ما شاءت الاقدار فأحكم فأنت الواحد القهار " وقد يسدي لك أحد خدمة كنت تظن أن السماء أقرب إليك منها فتكيل له المديح أو يحتل في قلبك مكانة الاله ولي النعمة أو حتى دون ذلك كمكانة الوالدين وهذا يعكس نفسا غير سوية أو مهزوزة وقد يحمل بعض الناس الرضى على علي كرم الله وجهه مثلا أو على الحسين إلى حد المساواة في حبه مع محمد عليه السلام قد يستبد بك الغضب في المقابل عن رجل أو أمر فيطيش معه لبك فمن أحسن إليك مثلا مرة وأساء إليك بعدها فليس من الحكمة سوى كظم الغيط حياله وكثيرا ما تتحول الخصومات الفكرية والسياسية بين الناس اليوم إلى عداوات شخصية ثم تتطور إلى إدانة كل ما يمت إلى ذلك بسبب فبعض الشباب مثلا لا يتلعثم لهم لسان ولا تحمر لهم وجنتان وهم يرمون كل فرق الشيعة صراحا بواحا جهارا نهارا بالكفر ولا يستقيم ذلك حتى مع فرقة واحدة منهم فضلا عن كلهم والسبب في ذلك هو أن الغضب بهم عن رجل ما منهم أو عن مؤلف ما من مؤلفاتهم أو موقف من مواقفهم طغى عليهم حتى طمس العقل فيهم ولو فعل الشيعة ذلك مع السنة ثم فعل ذلك بسائر الفرق والمدارس الكلامية والاصولية والفقهية والادبية والفنية لاستحالت الامة بأسرها ساحة وغى فصاحب المزية يجب أن يجازى ولكن على قدر مزيته لا أكثر ولا أقل وكذلك صاحب السيئة وهو ذات المنهج القرآني في الجزاء عطاء وعقوبة ولا يحسب الناس أن العدل في الغضب أعسر منه في الرضا والسبب في ذلك أن مساحات الرضا ومساحات جزائه فينا ضئيل ففي البوادي والارياف مثلا يتنافس الناس في أكرام الضيف ومساعدة العريس في وليمة عرسه تنافسا يعكس طغيانهم في الرضا وليس ذلك كرما في أغلب الاحيان ولكنه جور في الرضى سوى أن الجور في الغضب يسري خبره بين الناس فيتعاظمونه أما من حيث الشر فالجور فيهما واحد وزرا في الدنيا والاخرة .ــ القصد في الفقر والغنى والقصد معناه هو ما عبر عنه القرآن في الفرقان وهو يصف عباد الرحمان " إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " أو ماعبر عنه في الاسراء " فلا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " والقصد هو التوسط ومن بداهة وذكاء كثير من أسلافنا أن بعضهم ألف كتابا سماه " الاقتصاد في الاعتقاد " أي ملازمة الوسطية فيه . وهو شبيه جدا بالمنجية السابقة إذ أن بعض الناس يفقرهم التبذير والاسراف ولو قصدوا توسطا حال فقرهم وغناهم ما إفتقروا حتى أنه عليه السلام عاتب أبابكر لما أتى بكامل ماله لتجهيز غزوة بينما رضي عن عمر الذي أتى بنصفه وقضية القصد اليوم ربما معروفة لدينا بحكم أن لغة الدنيا بأسرها لغة إقتصادية إذ الاسراف كفيل بطحن موائد ذهبية وبترولية لا شطآن لها وليست أزمة المياة الراهنة اليوم بظلالها على العالم سوى من ذلك القبيل تماما كما أن الشح والتقتير في المستوى الدولي مثلا نذير بتحويل الموازين المنخرمة إلى حركة إحتجاج لا تبقي ولا تذر وذلك فضلا عن الاثار النفسية المدمرة التي تنغرس في الانسان كالاثرة والحقد والطغيان والقرآن ربط بين الاستغناء وبين الطغيان " إن الانسان ليطغى أن رآه إستغنى ".ــ خشية الله في السر والعلانية معناه كسب الخوف من الجليل سبحانه دوما وهو كسب لا يغني لولم يكن منغرزا في سويداء القلب حتى عد عليه السلام أقواما من أمته مفلسين لحصولهم على جبال من الحسنات فيبددونها لما يختلوا بحرمات الله فينتهكوها وخشية الله في السر أعسر منها في العلن سوى عند المجاهرين المتوعدين بسوء العذاب وليس من باب النفاق أن تقل الخشية في سرك وتكثر في علانيتك بل ذلك مضادة منك لسلوك المجاهرين بالفحشاء فذلك تلبيس أبليسي فكن منه على بينة .



    ثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . ضاق المجال عليها فتدبرها .

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 17 من 21 الأولىالأولى ... 7 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك