الحلقة الثامنة والتسعون
أخرج مسلم والنسائي وإبن ماجة عن عبدالله إبن عمرو إبن العاص أنه عليه السلام قال " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
من شواهده " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله .."
موضوعه : المرأة هي النواة والمحور دوما في الخير والشر على حد سواء .
بداية لابد من التذكير بنصيحة شخصية أبددها يمينا وشمالا دوما ما حييت وذكرت وهي أن كل من لم يطلع على ما سماه الامام القرضاوي سفر المرأة وهو كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة للمرحوم أبي شقة ليس له أن يتحدث في موضوع المرأة في الاسلام إلا أن يكون فقيها في الدين والواقع معا مشهودا له بذلك من خلال آثاره العلمية والفكرية وأن يكون معاصرا لنا اليوم أو متعلما وإذا ما تعجب أحد من مصادرتي هذه فليعذرني بناء على إعتباري بأن الاسلام اليوم يؤتى من جانب المرأة محورا فكريا إضطربت فيه الانتاجات المعاصرة كثيرا بين تأدية دور الميت في حضرة مغلسه وبين التقليد الببغاوي القرودي الامعي إنبهارا بالغرب وليس معنى ذلك أن سفر المرأة المعاصرة معصوم من الخطإ ولكن لايليق بمؤمن أبدا ممارسة السلبية والتقعر في الان ذاته وأنت تعلم أن كثيرا ممن يتحدث اليوم بلسانه لا يصبر على طلب العلم وإن صبر فإنه كثيرا ما يخطئ مظانه ثم تلفاه يتقعر ويتخلل كما تتخلل البقرة حاشرا أنفه في كل موضوع ببضاعة مزجاة إلى حد الحقارة . الملاحظة الثانية هي أن موضوع المرأة بالذات لا يكتفي فيه الباحث المنصف المحترم لنفسه ولعقول الناس بما ورد في القرآن والسنة بل يضم إلى ذلك ما إستطاع من العلوم الاجتماعية المعاصرة لان التطور الحاصل في ذلك الموضوع وفي غيره كذلك فاق الخيال ولن يزال يأتي بالجديد سواء رضينا أم سخطنا ولان الموضوع في كل فروعه تقريبا ومنها كبرى وعظمى فيه ما فيه من المتغير الذي لابد له من إجتهاد معاصر يسند الثابت ولا ينقضه .
مسألة المحرم :
أخرج الشيخان عن أبي سعيد أنه عليه السلام قال " لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو إبنها أو ذومحرم منها ". لابد لطالب العلم أن يسأل أولا: لم ؟ ويأتيه الجواب منه هو نفسه : لان المرأة في العادة أضعف بنية من الرجل وللحيلولة دون أي عدوان عليها لابد لها من محرم ولانها قد تتعرض أثناء سفرها إلى ما يخدش حياءها أو يعرض بسمعتها أو يحول دون قضاء حاجتها .. والدليل أنه عليه السلام وضع في هذا الحديث المتفق عليه مدة عادة ما لا تحتاج المرأة فيها إلى بعض ذلك وهي ثلاثة أيام ومعلوم أن ثلاثة أيام سيرا على الاقدام أو على ظهر دابة من دواب عصرهم تبعد فيها المرأة المسافرة وحدها دون محرم مسافة عشرات الاميال .. الدليل على أنه عليه السلام يقصد توفير الامن اللازم للمرأة خوفا عليها لا خوفا منها ـ كما يروج المرضى الذين ينظرون إلى المرأة على أنها شيطان جنسي ـ قال في حديث آخر "ليتمن الله هذا الامر حتى تسير الظعينة وهي المرأة المسافرة من صنعاء إلى حضر موت لا تخاف إلا الله أو الذئب على غنمها ".. والدليل هو أن الام الكريمة عائشة وهي المأمورة مع نسائه عليه السلام بنص القرآن ـ ظاهرا بالمعنى الاصولي ـ بالقرار في البيت خرجت تحارب عليا كرم الله وجهه فهل أنكر عليها صحابي ذلك وهل صحبها محرم .. نصيحتي لكل طالب علم : العلم الشرعي في الان نفسه يسير بسيط سهل وعميق معقد متشابك ويرجع ذلك إلى زاوية نظر الطالب وموقعه من العلم تماما كبحر هادئ يمتد على مد البصر يراه المبتدئ صفحة ملساء تغريه بالسباحة ثم تعمل الامواج مساء في حركة زجرها على نقله إلى يم الماء ببطء شديد لا يشعر به حتى إذا كان هناك خارت قواه ولم يعد يبصر الشاطئ لبعده عنه ثم يغرق أما البحار الماهر الخبير فإنه يحسب لكل شئ حسابه من حركة موج وإرتفاعها ونوع البحر ومكانه وزمانه وأدواته وحالة الطقس .. فبالخلاصة فإن المقصد من المحرم حماية المرأة وصونها من كل عدوان مادي وأدبي وتيسير حاجتها لو عجزت عنها فإن توفر لها الامن من ذلك غلبة ظن فضلا عن يقين كما هو الحال اليوم في حياتنا بأسرها في كل زاوية من البسيطة فإن فرض المحرم عليها هو عدوان عليها وشتان بين من جاء ليحررها ويكرمها ومن جاء ليستعبدها رقيقا بإسم حيائها وضعفها .
مسألة حقها في إختيار نمط حياتها :
أخرج أبوداود عن عائشة أن أسماء دخلت عليه السلام بلباس شفاف فأعرض وقال " ياأسماء إن المرأة إذا حاضت ـ أي بلغت الحيض ـ لم يصلح أن يرى منها سوى هذا وهذا " وأشار إلى وجهه الكريم وكفيه . وفوق ذلك فإن آيات النور والاحزاب صريحة صحيحة في الامر وبعد ذلك فإن إجماع الامة على مدى أربعة عشر قرنا كاملة فيها الانحطاط وفيها الاحتلال على زي المرأة المسلمة هو ذات إجماعها على التوحيد والصلاة والصيام والزكاة والحج . ولك أن تسأل مرة أخرى لم ؟ وكيف نجبر المرأة على لباس معين ونحرمها من معافسة الحياة بعلومها وزينتها وكسبها ؟ أورد القرآن علة واحدة لذلك فقال " ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " ولكنه لم يسم كل المقاصد لانها تختلف أحيانا من زمان لاخر ومكان لاخر . اللباس لكل أمة وإنسان أمارة تميز في الشخصية كطريقة الاكل والحديث .. وهو فرض رباني على المرأة التي إختارت الله ربا ولايجبرها على ذلك أحد ولو أب أو زوج لان الاسلام خيرها فيما هو أكبر من ذلك وذلك حين جاءت إمرأة تشكو أباها له عليه السلام وقد هم بتزويجها من لاترضى فمنعه من ذلك عليه السلام فهل أن عشرة زوج عقودا طويلة وإنجاب الولد منه أكبر أم لباس ؟ فالمقصد الاسنى من زي المرأة هو إذن تحريرها من التقليد الاعمى ومنحها فرصة إختيار نمط حياتها في ملبسها وسائر شؤون حياتها وتكريمها بستر ما يتهافت عنه بعض الرجال فطرة تهافت الذباب وتأهيلها على الجمع بين أمرين فيها وهما أنها دوحة جمال وجبل من الزينة وفي الان ذاته هي عقل مفكر وشخصية مستقلة وإرادة حازمة وهو شرف لم يؤت للرجل سوى أنه سبحانه فضل كلا منهما بأمر حجبه عن الاخر لاحداث التكامل المطلوب ولتفرغ كل منهما لام رسالته . وهل يمنع المرأة لباسها من مباشرة عملها في البيت وخارجه ؟ أما دينا فلقد أخرج الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد قال لما أعرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي عليه السلام وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولكن قدم لهم إمرأته أم أسيد بلت تمرات في تور من حجارة وقدمته لهم بيدها " وأما واقعا فإن المرأة اليوم بلباسها المحتشم هي أبرع من غيرها من قيادة الطائرة إلى تعليم الطلبة ومن الطب إلى إقراء كبار المشايخ القرآن من مثل الشيخة أم السعد قارئة الاسكندرية التي تعلم على يديها أغلب المقرئين الذين تخشع اليوم لقراءتهم ولقراءة تلاميذهم .
مسألة العمل والخروج من البيت :
أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن إمرأة سوداء كانت تقم المسجد أي تنظفه ففقدها عليه السلام يوما فسأل عنها فقالوا ماتت فقال هلا آذنتموني ثم أتى قبرها وصلى عليها . رجوت والله أن أكون أنا هو من في القبر فمن صلى عليه عليه السلام ودعا له ربه لا يدخل النار . إمرأة خرجت من بيتها للصلوات وعرفت الرجال وعرفها الرجال بوجهها وإسمها وتولت العمل خارج بيتها . ولعلك تعلم أن البخاري أسند عن بعض النساء وعلمنه منهن عشرات والشأن ذاته جرى مع العسقلاني صاحب الفتح كما يقول أهل العلم جلس لسنين طويلة تلميذا مؤدبا مهذبا بين يدي عشرات من النساء ولم يقتصر علم المرأة على الجانب الشرعي بل منهم الشاعرات والاديبات والمحاربات وقائدات المعارضة الشرسة في وجه الحجاج وليس هن جميعا سوى نقطة ضوء لامعة من مشكاة مؤسسة المعارضة السياسية والعسكرية الام العظيمة الكريمة الفقيهة في الدين والدنيا معا عائشة عليها الرضوان وأذكرك مرة أخرى بمراجعتي في هذا : كيف أمر القرآن نساء النبي عليه السلام بالقرار في البيت فخالفن القرآن الصحيح الصريح وخرجن كلهن دون إستثناء لقضاء مآرب دينية ودنيوية لا تعد ولا تحصى وعائشة مثال ؟ أجب عن ذلك تكن صاحب فقه.
مسألة التميز تمحضا لاحسان الدور الام :
أخرج البخاري وأصحاب السنن الاربعة والطبراني عن إبن عباس أنه عليه السلام قال " لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ". المرأة إنسان كامل الانسانية محرر مكرم مسؤول مكلف عاقل مستأمن مستخلف معلم . والانسان تماما كالزمان والمكان لابد له من زوجين حتى يكمل فالزمان ليل ونهار وفصول معروفة والمكان شرق وغرب فهل يقول عاقل بتفضيل الليل على النهار أو الشمس على القمر أو الشرق على الغرب وكذلك العلاقة بين زوجي الانسان في تكامل لا تفاضل والتفاضل المذكور في الاية تفاضل متبادل تمحضا لاداء الدور الام الاصلي والمرأة تختار دينها ومذهبها وزوجها وعلمها وعملها ورأيها في كل مسألة كبيرة أو صغيرة وتستقل بمالها وبخلعها حال الفراق ولها أن تقود أمة بأسرها بل أمما كما أخبر القرآن عن بلقيس ملكة سبأ فهي ولي مسؤول عن شأنها الخاص العام من زينة ملبسها وحنائها إلى طريقتها العسكرية والسياسية والاقتصادية ولاية كاملة ومسؤولية تامة سوى أن كل ذلك يتم بينها وبين الرجل في إطار التكامل لا التنافي وفي إطار التخصص وهو الذي سماه القرآن تفاضلا وبلغ ذلك مداه حتى إنها لفرط إستقلاليتها وتميز شخصيتها حتى عن زوجها أقرب الناس إليها لا ترضى لنفسها التشبه بالرجال في الملابس وطريقة الحديث وكيفية الزينة والجمال فالتشبه من هذا بذاك أو من ذاك بهذا هو ضرب من الامعية وخروج عن سكة التخصص الوظيفي الذي تمليه الخصائص البيولوجية والنفسية دون أن ينفي ذلك التكامل والتعاون فيما سوى دائرة التخصص فالرجل يربي الولد مع المرأة والمرأة تفلح الارض وتصنع الالة وتسافر وتقود الطائرة مع الرجل.
من هي المرأة الصالحة :
خيرمتاع الدنيا إمرأة يعني أن المرأة دوما في قلب الاهتمام الانساني وبطل قصته الكونية والاجتماعية قديما وحديثا وفي كل مجال خيرا كان أم شرا وذلك فضل آتاه الرحمان الخلاق سبحانه للمرأة فليس من حادثة فساد أمني إستخباراتي ولا فساد مالي ولا فساد جنسي ولا فساد سياسي إلا والمرأة عادة هي بطلته ظاهرا أو باطنا وما من حادثة صلاح في كل ذلك إلا وهي كذلك بطلته والقرآن في قصصه شاهد على ذلك فضلا عن السيرة . بالمرأة الصالحة إذن تنصلح الدنيا بأسرها وبفسادها تفسد لامحالة وتأثيرها في الحالين أشد من تأثير الرجل مرات كثيرة حتى إنك لا تجد إمرأة واحدة إرتدت ولكن تجد رجالا كثرا ثم إسأل نفسك من أول من آمن وأول من إستشهد وأول من حفظ القرآن وديعة في بيته فتلفى أنهن خديجة وسمية وحفصة . المرأة الصالحة هي المرأة المؤمنة العابدة العالمة في الدين والدنيا الناجحة في بيتها وعملها ومع كل الناس وخاصة أهل البيت والجار والرحم والداعية المعاصرة العاملة على تنمية صلاحها قلبا وقالبا وعلى تنمية صلاح غيرها بصبر وعلم وكل من هي كذلك صالحة بقدر ذلك.
الخلاصة : أزعم أن المرأة على مدى العصور مبتلاة أكثر من الرجل بسبب أنها تعرضت للظلم بإسم الاسلام مبكرا جدا بعيد إندلاع الفتنة الكبرى بقليل ففرض عليها بإسم الاسلام ألا ترتاد المسجد وألا تخرج من بيتها إلا لحاجة موت أو حياة وألاتذبح أضحيتها وشاتها المشرفة على الهلاك إلا بعد صياحها ثلاثا لعل فحلا يقوم لها بذلك وألا تتعلم وإن فعلت فلا تتجاوز حد كتابة إسمها وألا تختار زوجها وليس كل ذلك وغيره مما لايحصى عادة وتقليدا مجردا بل موثقا في كتب الفقه والعلم ومنها كتاب المرحوم عبدالرحمان الجزائري " الفقه على المذاهب الاربعة " وغيره كثير .. فلما شيد الانحطاطا إنجيلا كاملا من إضطهاد المرأة في المجتمع المسلم عاجلها الظلم الانكى وهو ظلم الوافد الغازي المحتل وهو أنكى لانه سراب كاذب يعد بالتحرير فيدس السم الزعاف في الدسم الشهي ففرض عليها التبرج وخلع الحياء والاتجار بثدييها وفرجها وأوحى لها أن الدين عبء ثقيل لابد من التخلص منه ولو تدريجيا وسلب عقلها وخلب لبها وأغواها بالاضواء المزورة .. كما أزعم أن الصحوة المتجددة فينا كفيلة بإذنه سبحانه بإعادة الاعتبار للمرأة المظلومة مرتين : منا ومن غيرنا وذلك بإنخراطها في إهتمامات الصحوة وقيادتها لها ولاأجد خيرا من عنوان " المرأة إنسان كامل الانسانية ولي مسؤول عن سائر شأنه دون أدنى إستثناء ولاية كاملة ومسؤولية تامة في وسطية إسلامية متميزة معاصرة ".
مواقع النشر (المفضلة)