+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 21 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 12 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 6 إلى 10 من 105
  1. #6
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة السادسة



    أخرج الشيخان أنه عليه السلام قال " لقد كان فيمن قبلكم من عباد بني إسرائيل رجل يسمى جريج العابد ظلت بغي تراوده عن نفسه طويلا فاستعصم بربه سبحانه ولما يئست منه ذهبت إلى راع مكنته من نفسها ولما وضعت سئلت عن أبي الصبي فقالت جريج العابد فذهب إليه قومها وأشبعوه ضربا وهدموا عليه صومعته فجاء إلى الصبي وسأله عن أبيه فأنطقه الله سبحانه وقال الراعي فلان فاعتذروا له وعرضوا عليه إعادة بناء صومعته من ذهب فقال لا بل من طين كما كانت ".

    ـــــــــ

    موضوع الحديث : الثقة في عدل الله وحكمته والطمأنينة الى حق وعده واليقين في نصره .

    أما إستخدام الوحي قرآنا وسنة للقصة والمثل وسائر العروض الفنية المساعدة على حسن الفهم والتدبر فهو أمر مبثوث إلى درجة أن القصة محور قرآني مستقل يحتل أكثر القرآن الكريم .

    دروس من الحديث :

    1 ـ الابتلاء سنة ماضية ليس الصالحون بمنأى عنها بل هم أول ضحاياها وليس ذلك سوى لان الابتلاء في الاسلام للمؤمنين تأهيل ودربة وتحصين وترقية وإلا فلم يبتلى أفضل الخلق طرا الانبياء ثم من كان بهم أولى فأولى وهو لغيرهم إستدراج وعادة ما يكون الابتلاء بالضر تمحيصا وترقية كما يبتلى التلميذ أو الطالب درجة بعد درجة لينال شهادته وكفاءته وعادة ما يكون الابتلاء بالخير إستدراجا ومدا إلا في شأن المؤمن فإنه عادة ما يبتلى بهذا ثم بذاك أو بذاك ثم بهذا أو يزوجهم ضرا وخيرا لحكمة عنده سبحانه . ولو كان الابتلاء لا ينال الصالحين لما تعرض هذا العابد من بني إسرائيل له وهو المعتكف في صومعته ليل نهار صباح مساء بل الصالحون هم أولى الناس بالابتلاء الذي لولاه لما تمحص متمحص فدخل الجنة أو إرتد مرتد فدخل النار .

    2 ـ ليس من ضرورة الابتلاء أن يبتلى الانسان بجنس عمله أو صلاحه بل عادة ما يكون العكس تماما هو الغالب إذ أن الجزاء وحده يكون عدلا معدولا من جنس العمل أما الابتلاء فليست له صورة نمطية لذلك إبتلي العابد بأبعد شئ عنه وهو معاقرة البغايا وكان يمكن أن يبتلى ببلية الرياء مثلا أو القول على الله بغير علم وكذلك يبتلى الصالحون دوما بغير ما ينتظر وقوعهم في حبائله وإذا كان ذلك قاسيا حقا عليهم لسرعة إنتشاره في الناس إنتشار النار في الهشيم ولتلطيخه سمعاتهم فإن إرادة الله سبحانه لها حكم أخرى منها إبتلاء الناس بذات الابتلاء هل يصدقون أم يكذبون وهل يسرعون التصديق أم يتثبتون ويتحرون وهل يشمتون أم يتأسفون .فليس للانسان إذن أن يحدد هو قائمة الابتلاءات أو عائلاتها التي يرجوها دون غيرها لو إبتلي إذ من شأن ذلك أن يحوله إلى مالك لا إلى مملوك أو إلى رب لا إلىمربوب أو إلى معبود لا إلى عبد ومن تمام العبودية الرضى بالابتلاء وبنوعه وجنسه ودرجته ومدته وبقالة الناس عنه .

    3 ـ إذا رام خصمك أو عدوك رميك بتهمة لحاجة في نفسه يقضيها فلن تعوزه حيلة وإلا لم خلق الكذب والبهتان والافتراء ولاتظنن أن عدوك أو خصمك الحاسد يبعد عنه أن يقذفك بأبعد التهم عنك كأن تكون مسالما فتقذف بالارهاب أو متوسطا فترمى بالتطرف أو عفيفا كحالة جريج فيقال عنك زان وعدوك خبير لا يلقي التهم على عواهنها بل يلفق منها ما يكفي لاقناع الرأي العام الذي عادة ما لا يبحث كثيرا عن أمور لا تهمه أصلا أو ليست من أوليات إهتماماته فلم تكن تعدم البغي رمي جريج بالزنا لو لم تحمل من الراعي وعدوك لو بحث عن زلة منك لوجدها فلست مصفى من إتيان الزلات ولا معصوما والمهم في كل ذلك أن تكون أنت منضبطا لشريعة ربك سبحانه ما إستطعت وبعدها يستوي عندك أن ترمى بذا أو بذاك .

    4 ـ حتى تكتمل حلقات الابتلاء واحدة واحدة وتتم إرادة الله سبحانه فيك وفي غيرك لابد من إتمام عدوك لخطته وهي الابتداء بقذفك وتشويه صورتك والانتهاء بضربك وإيجاعك بالقتل والتشريد وسائر الاضرار ولو كان الابتلاء يتوقف عند حد الكلام لما أحجم عن الجهاد في سبيل الله مؤمن ولما تميز طيب من خبيث وليس من مهمة عدوك التثبت قبل ضربك بل من مصلحته عدم التحري لانه يعلم صدقك وإخلاصك وبراءتك وليس لعدوان خصمك حد فلا يعجزه هدم صومعتك وبيتك بعد تعذيبك وضربك إذ يجب أن يعلم كل الناس بمرآهم انه هو الاقوى والاقدروالاصلح للقيادة ولا يتم له ذلك بسوى الامعان في إهانتك ونسف بيتك والافتراء عليك .

    5 ـ إذا تعففت أنت عن الحرام سواء كان حرام عرض كحالة جريج أو حرام قول أو فعل أو إعتقاد فلا تظنن أن غيرك بمنأى عن ذلك وتلك هي مقتضيات سنة الزوجية وهل للايمان من معنى إذا إختفى الكفر وهل لهذا من معنى إذا إختفى الايمان وتلك هي حقيقة الابتلاء فما تتأبي أنت عنه بدافع التقوى فإن غيرك يأتيه ويتخذ منه عدوك خولا لرميك بالتخلف وعدم مواكبة العصر ولا تظنن أن كل أولئك الذين يستخدمهم العدو لاذلالك ولتمرير أكذوبته على بينة مما يأتيه عدوك بل عادة ما يكون أغلبهم من الذين تقودهم بطونهم أو فروجهم لاقتراف ما يرضي العدو فلا يدركون أنهم بذلك ييسرون له سبل الافساد في الارض فليكن إصلاحك مرتب الدرجات لا يستوي قولك لهؤلاء وأولئك فضلا عن عملك فلكل سعره ودرجته وزمنه ومقامه .

    6 ـ ليس لك من سبيل للانتصار على مشاريع الافساد في الارض سوى سبل الصبر علىما أنت عليه رغم العقبات فلا تظنن أنك حين يسلم الناس من شرك تسلم من شرهم وسبل الثقة في الله سبحانه واليقين في نصره وغلبته والامل والرجاء في عدله وحكمته ذلك أن الله لا يدعك تدعي الايمان حتى يختبرك حلقة بعد حلقة تبدأ عادة بالضر بكل ضروبه فإن صبرت على ذلك عقدا بعد عقد يختبرك بالخير فإن صبرت على الضر بدء وعلى الخير نهاية فإنه لا يحجزك عن الجنة سوى الموت والله تعالى لحكمة يريدها فيك يؤخر عنك إظهار الحق فيما أوقعوك فيه حتى يختبرك هل تظل دوما واثقا فيه على يقين منه صابرا محتسبا أم تكون كمن أعطى قليلا ثم أكدى وفي حالة جريج درس بليغ في أن الله مظهر الحق صغيرا كان أو كبيرا وليس في الحق صغير يوما ما فإن أبطأ عنك اليوم فهو عنده لاجل مسمى ولحكمة وربما لو ظهر في حياتك لكان وبالا عليك تنقلب عليك نفسك مديحا فتخسر وتغرك الدنيا المتلونة لك بمناسبة إنتصارك غيرأن القاعدة المحكمة والسنة الماضية لا تتخلف و هي أن الحق يظهر متلالا يوما ولست تدري أنت بأي طريق يظهر فأحيانا بمعجزة رحمانية كما في حالة جريج أبى الله إلا أن يظهر الحق على يدي صبي لم يجاوز الايام الاولى من عمره وأحيانا تظل السنن الاجتماعية تقلبه عقدا بعد عقد حتى ينبلج فجره فلا تدركه الاجيال المعاصرة ولست أنت الذي تحدد الطريقة التي بها يظهر الحق ويزهق الباطل وإلا لكنت أنت المعبود وربك سبحانه هو العابد فعليك بواجبك إحفظه واصبر عليه وليس هو سوى الايمان فالعمل الصالح فالتواصي بالحق فالصبر فالثقة والامل والدعاء وما عليك بعد ذلك من حساب ربك لك ولغيرك من شئ .

    7 ـ يوم يظهر الحق ويحصحص لا يعجز عدوك أن يأتيك بنفسه معتذرا عارضا عليك الدنيا بحذافيرها ولا يهمك يومها إن كان قد تسلل الايمان إليه أم أنها دموع التماسيح فعبادتك يومها هي ذات عبادة حبيبك محمد عليه السلام يوم الفتح " فسبح بحمد ربك واستغفره " و" إذهبوا فأنتم الطلقاء " علما أن ذلك كان مقرونا ب" أما فلانا وفلانا فاقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة " المهم هو حسن التقدير .

    من هو جريج عصرنا وصبيه : هو فلسطين المغتصبة والعراق المحتل وملايين من المسلمين والمستضعفين في الارض يسامون الخسف والله حتما مزهق باطلا انتفش ومظهر حقا أزف ولكن ليس على فم صبي بل بآيات باهرات تنصرها فيالق من الشهداء والمجاهدين ودون ذلك صبر ومصابرة واصطبار وجهاد واجتهاد وعذابات وشهادة وإن غدا لناظره قريب .

    أما بغي عصرنا الحاضر فليست سوى الصهيونية والصليبية والاستبداد والنفاق وسائر بناتها.

     
  2. #7
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة السابعة



    أخرج الشيخان عن إبن مسعود رضي الله عنه أنه عليه السلام قال " لا حسد إلا في إثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ".

    ـــــــــــــ



    الحديث متفق عليه ويسير حفظه فلا تزهد فيه وشواهده من القرآن كثيرة منها آيات الانفاق و" ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ".



    موضوع الحديث : أخصب حقول الاستثمار ما كثر نفعها للناس في الدنيا أي المال والعقل .

    الحسد ممقوت بحكم أنه أفسد الخلق طرا وهو يأكل الحسنات كما أخبر عليه السلام كما تأكل النار الحطب وآثاره الواقعية وخيمة إذ يوغر الصدور وينشئ العداوات ويصرم حبال المجتمعات ويوقد نيران الحروب ويمهد لكل عدو متربص . والحسد هو تمني زوال نعمة المحسود والاسلام أبدلنا عنه بالغبطة وبالتنافس الشريف والتعاون والاعتراف بسنن التعدد والتفاضل ومن ثم التكامل فإذا ما أعجبت بملك أحد من العلم أو المال أو ما سوى ذلك فأدع الله أن ييسر لك منه كما يسر له وأكثر والافضل من ذلك أن تدعو للمعجب به بالبركة والنماء فيما يسر له ثم تنافسه وتناصحه فإن بدر منك شئ عليه فأستغفر له وأدع له وعاود ذلك كلما عاودك شيطانك فيه .



    كيف ينهى عليه السلام عن الحسد في موضع ويأمر به في آخر؟: نصيحة أسديها لكل طالب علم وهي أن من أخصب أبواب طلب الفقه في الدين ومن ثم في الدنيا والحياة البحث عن مواقع التناقض الظاهري في الدين كالذي نحن بصدده وهي كثيرة ثم المبادرة إلى حلها وهي التي سماها القرآن المتشابهات وهي نوعان نوع إستغلق فهمه بالكلية على وجه اليقين ونوع يجب الاجتهاد في فهمه وهو كذلك نوعان نوع يحتمل أكثر من إجتهاد ونوع لا يحتمل سوى قولا واحدا ومنه الذي نحن بصدده الان . والجواب إذن هو أن الحسد المنهي عنه هو الحسد السلبي الذي لا يزيد القلب سوى تدميرا وخواء ولهثا وراء الاضرار بالمحسود أما الحسد المأمور به فهو الحسد الذي يدفع إلى التنافس الشريف والمسارعة إلى الخير والتسابق إلى الفضل من علم أو مال أو ما إلى ذلك والفرق بينهما هو عمل القلب فحسب من جهة والتوبة من جهة أخرى كما بينا آنفا .



    لماذا إستخدم عليه السلام هنا بالتحديد لفظ الحسد ؟: وذلك لان الامرين اللذين دعا إلى التحاسد فيهما تنافسا شريفا مع سلامة طوية أو توبة دائبة من العلا بمكان كيف لا وهما مدار الدنيا وهل قوام الدنيا والحياة بأسرها عند الكافر والمؤمن سواء بسواء سوى المال والعلم لا بل كيف لا وليست الجنة أي جنتك في الاخرة أو نارك سوى صورة لدنياك في حياتك وأي جنة ترصد لمن لم يكسب مالا فلم ينفق وأي آخرة لمن لم يكسب عقلا وعلما وفقها وحكمة في إدارة الدنيا والحياة بأسرها فلم يكن سوى أخرق يخرق الامر خرقا فيفسد .



    النبي الاكرم عليه السلام يحدد الخطة العامة للمسلمين في كل زمان وفي كل مكان :

    البند الاول من الخطة : تسخير الدنيا للانسان ضمانة لحياة سعيدة وآخرة أسعد .

    لماخلقنا الله سبحانه أودع فينا عددا من الغرائز لا سبيل لنا للتخلص منها فهي تحفظ وجودنا المادي والمعنوي إلى أجل معلوم ومنها غريزة حب البقاء ومن فروعها حب المال وما في حكمه وحب الخلف وحفظ الذكر والملكية ولكن إذا كان الامر كذلك فلم يوجهنا إلى إكتساب المال وتسخير الدنيا والجواب هو أن بعض الناس وأحيانا بدواعي دينية مغلوطة يعرضون عن ذلك لذلك وجب التصحيح وهذا ربما يكون اليوم مفهوما ونحن نقرأ عن بعض الناس في القديم والحديث منا ومن غيرنا يتقربون إلى الله سبحانه بترك الدنيا والموت جوعا والارزاء بالبدن ولاشك أن حياتنا اليوم وهي ترفل في ذروة زهوها المادي تمتلا بحركات وإتجاهات تقوم على هذا الاساس ولنا في تراثنا القديم شئ شبيه بهذا مما أنتجته بعض التوجهات الصوفية الموغلة في ترك الدنيا والفرار من الناس وإيثار الفقر . غير أن الحديث جمع إلى ذلك أي إلى الدعوة إلى تسخيرالدنيا والتمتع بطيباتها أمرا آخر هو الاعسر على النفس غريزة وهو الانفاق من المال بسائر صنوفه فالفارق بين المؤمن وبين الكافر بعد إكتساب الدنيا وتسخيرها هو أن المؤمن يرعى حق المحتاج فيها وهو حق سماه الله حق الله إعلانا لقدسيته فهو ولي أولئك الذين لا يجدون حيلة ولا يستطيعون سبيلا ومن ثم فهو ينفق منه وفي ذلك شفاء لنفسه من أدواء الحقد والحسد وللمجتمع من الصراعات الطبقية المهلكة وتعمير للدنيا بالخير المادي والمعنوي أما الكافر فهو يسخر الدنيا فلا ينفقها إلا على شهوات نفسه أو ما يؤخذ منه ضرائب قهرا لا ترضى بها نفسه أو ينفق على مشاريع الفساد والافساد في الارض وتكون عليه حسرة يوم موته ويوم بعثه وبالنتيجة فإن الناس من إنفاق الكافر إما لا ينتفعون أو يتضررون سيما أن المؤمن مطالب إذا ما تكافأ شره في المن والاذى مع خيره في الانفاق وثمره بترك هذا وذاك معا وذلك في قوله " قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى " وليس مرتقبا من الكافر الانفاق دون من وأذى . والحاصل فإن النظر في الدنيا بغرض إفادة خشوع وبغرض تسخير مادي عبادة من أجل العبادات التي سطرتها خطة النبوة وهي مبوأ عقبى حسنة في الاخرة إذ أن الجزاء من جنس العمل فإذا ما فعل مؤمن ما يستطيع لاكتساب دنيا فلم يفلح لسبب ما فإن عبادته الصبر والمحاولة والدعاء والمطالبة بحقه من المجتمع وحكامه فله في مال الناس حق محقوق ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها أما لو فرط في إكتساب دنيا حلال بدعوى أنها لا تقرب من الله أو أن العبادة بمعناها الضيق خير منها فهو مفرط ولا شك في أفضل منازله في الجنة فهي درجات تماما كالنزل والمنازل في دنيانا.



    البند الثاني من الخطة النبوية : لا سيادة للانسان بغير العلم والفقه والحكمة .

    من العجائب القرآنية أن الحكمة ذكرت مباشرة بعد آيات الانفاق في البقرة وهي أطول دعوة للانفاق في القرآن بأسره وإشتملت على الدعوة إليه ثم توسعت في النهي عن المن والاذى الذي ينتظر حدوثه بعد الانفاق ثم عاودت الدعوة إليه مجددا ثم تحولت إلى نقيضه وهو الربا وأعلنت الحرب عليه ولم تعلن الحرب على غيره مطلقا سوى ما ورد في السنة في حديث الولاية وبعد ذلك الحشد الكبير في موضوع المال والانفاق وقبل الخلوص إلى أحكام كتابته وتوثيقه ذكرت فيما يشبه التعليق النهائي على ذلك كله " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراكثيرا " فإذا إستخدمنا آلية السياقات كمساعد علىحسن الفهم لقلنا بأن الحكمة في مظهر منها على الاقل ليست هي سوى أكتساب المال بالطريق الحلال ثم إنفاقه في السبيل الحلال دون أذى ولا رياء ودون لجوء إلى حرام السحت والربا وظلم الناس وإستغلال المحتاج حتى لو كان غنيا . ولابد لنا من الاقرار إذن بأن الارتباط بين الحكمة بهذا المعنى وبين إكتساب الدنيا وإنفاقها في مشاريع الخير الانساني عامة هو إرتباط أشارت إليه الحكمة النبوية أولا وهو إرتباط لابد منه لنجاح الخطة فلا يغني إكتساب دنيا ولا إنفاقها عند المؤمن عن إكتساب الحكمة وتعليمها ولا تغني كذلك هذه عن تلك . وهذه بالمناسبة نصيحة أخرى إلى كل طالب علم وهي أن الحديث النبوي إذا صح طبعا هو حديث متكامل لا بد من ملاحظة تكامله وإرتباط سائر عناصره قلت أو كثرت وهذا ضرب من الفقه يساعد على حسن الفهم للوحي بأسره ويطرد شبح الافهام المبتورة المجزأة التي تعطي صورة مغلوطة عن الحكمة النبوية التي إنما جاءت لحل مشاكل الدنيا لا الاخرة .



    ماهي الحكمة وكيف تكتسب ؟: الحكمة مطلقا هي وضع كل أمر وكل شئ ماديا كان أو معنويا في موضعه المناسب له زمانا ومكانا وحالا وعرفا ومصلحة وليس مطلوبا ولا ممكنا لكل إنسان أن يكون حكيما في كل أمره فتلك شيمة الانبياء عليهم السلام بل حتى هؤلاء لولا عصمة الوحي لما أصابوا الحكمة في كل أمر والحكمة هي من نتاج العقل إذ العقل هو الذي يدبر الامر وليست الجوارح بأسرها سوى جنود تنفيذ والعقل الذي ينتج الحكمة أو ضدها وهو الحمق والخرق إنما ينتج ذلك وفقا لغذائه المادي و المعنوي سواء بسواء والمعنوي منه هو مجموع إرث من الوالد والخول والبيئة والطفولة وخاصة الاولى تماما كمناخ طبيعي وتربة يهيئ شجرته تبعا لمعطياته وينتج ثمرتها تبعا لحرارته ورطوبته . تكتسب الحكمة إذن وفق بنية العقل والعقل تشكله الافكار والقدوات وليس كالاسلام لو فهم حق فهمه في أصوله العامة ومعاقده العظمى على الاقل ثم عمل بما تيسر منها منتجا للعقل السليم المنتج بدوره للحكمة .



    خلاصة الحديث بلغة معاصرة : أمة الاسلام اليوم بحاجة الى حقلي الاستثمار( الدنيا والعلم ) لتحقيق النهضة الشاملة الكاملة المتكاملة .

     
  3. #8
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة الثامنة



    أخرج الشيخان عن أبي هريره رضي الله عنه أنه عليه السلام قال" بينما رجل يمشي في الطريق فوجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر له ".

    ــــــــــ

    حديث متفق عليه لا يحسن سوى حفظه والعمل به وتعليمه وشواهده من القرآن الكريم كثيرة منها

    " ياأيها الذين آمنوا إركعوا وأسجدوا وأعبدوا ربكم وأفعلوا الخير لعلكم تفلحون ".



    موضوع الحديث : لاوجود لعمل تافه أو صغير أو حقير كلما كان نافعا ومخلصا .

    كعادة الوحي يهمل الاسم والرسم والمكان والزمان صارفا الذهن عما لا يفيد إلى ما يفيد فلا حاجة لنا إلى معرفة هذا الرجل ولا الطريق ولا غصن الشوك من أي شجرة هو وهو درس بليغ و مازال كثير من الناس غير قادرين على كبح جماح أهوائهم لصرفها عما لا يزيد الناس سوى تفرقة وتفاهة وسذاجة وسطحية .



    فموضوع الحديث إذن هو أن كل عمل نافع للناس وليس للمسلمين فحسب وبقطع النظر عن مدى نفعه هو عمل كبير يمكن إلى جانب إخلاص صاحبه الافضاء عبره إلى شكر الله سبحانه ومن ثم المغفرة ودخول الجنة وهو أمر مازال كذلك كثير من الناس من المسلمين خاصة يحقرون أثره و في نفوسنا عادة ما يختبئ هذا التحقير ويتسلل إليها ذلك الاعتبار التافه إلى مثل تلك الاعمال التي مازلنا نقول عنها أنها صغيرة وكل واحد منا تقريبا إلا من رحم ربي سبحانه يقول في نفسه لو لقي عملا مماثلا أو تعرض إليه في خاطره " وما يغني هذا عن الناس أنه أخر عن طريقهم شوكا فالشوك لا يتطلب من عابر السبيل سوى بذل جهد صغير بحركة برجلة فيزيحه ولو لم يفعل ما زاد ذلك الطين بلة فالاعمى تقوده عصاه وهب أنه وقع فيه فإنه لا يضره إلا قليلا " وفي المقابل ننظر إلى أصحاب الاعمال الكبيرة من مثل بناء المساجد والمستشفيات والمدارس وبناء الطرقات وحفر الابار وغيرها من المشاريع الاستثمارية التي ينتفع منها ملايين مملينة من الناس على مدار العمر على أنهم هم أصحاب الخير دون غيرهم من البسطاء والفقراء الذين لا يجدون غير جهدهم كما عبر عنهم القرآن الكريم وأنزل لقصتهم منزلا في الوحي المتلو ليل نهار صباح مساء في حين أنه كان يمكن الاغضاء عن ذكرهم لو كان العمل الذي قاموا به صغيرا في معيار الوحي وحقيقة الامور لا بل عمم الذكر في حال كبار المنفقين وأثنى عليهم ثم مضى غير أنه لما توقف عند حال أولئك البسطاء الفقراء زينهم بقوله " والذين إذا جاؤوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون " ولاشك أن تلك الدمعات الحرى التي لم يرها غيرها سبحانه وهم يتولون والحسرة تكبت أفئدتهم شدت الوحي فلم يبرح حتى سجلها بل ربما فاقت جبالا من الذهب والورق ينفقها الذين وسع الله عليهم . والعبرة من كل ذلك هو أن الانفاق من المال أو الجهد بشتى أنواعه ليس مقصودا لذاته رغم أنه يغني المعدوم ويكسب المحتاج ويعمر الدنيا ويزين الحياة ولكن المقصود الاكبر والاول منه هو ما عبر عنه سبحانه لما خط لنا مقصد الزكاة التي هي مفروضة ومقاصدها تنطبق على ما كان من جنسها غير مفروض كالصدقات بتعبيرنا نحن اليوم " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم فان صلاتك سكن لهم " وكان يمكن أن يقول له خذ من أموالهم صدقة تغني بها فقراءهم ولكن الاغناء عمل لا يأتي إلا من الغني ذي القوة المتين سبحانه ولي النعمة بأسرها ولو كان الاغناء عبر الصدقات وسائر الانفاقات هو المقصد الاول لاغنى الغني سبحانه الناس كلهم ولكنه أراد ابتلاءنا من جهتين : جهة الانتصار على الشياطين الماكرة الجاثمة فينا حتى أن الامام الغزالي عليه رحمة الله قال " في صدر كل واحد منا شيطان ينادي كل صباح أنا ربكم الاعلى فأعبدون " إذ لو إنتصر الواحد منا على الجولة الاولى من سلسلة من المباريات الطويلة أي جولة النفس لترشح إلى الدور الموالي وكسب الرهان أما لو فشل هناك فإن مآله الفشل لا محالة به حائق حتى لو قال الناس غير ذلك . والجهة الثانية التي نحن فيها مبتلون هي التدين الجماعي الذي نقيمة عبر الجماعة في الصلاة وفي الانفاق وفي سائر العبادات والعزائم والانفاق هو الذي ييسر لنا ذلك فتزول الاحقاد وتنطمس الاحساد .



    فالخلاصة الاولى هي أن سعر العمل الناجح المقبول يتحدد عبر محددين هما النفع والاخلاص ولولم يكن الامر كذلك لما كان الله سبحانه عادلا بين عباده الفقراء والاغنياء وتكون بالتالي الاخرة على غرار مقياس الدنيا دار الاغنياء أما الفقراء فلا رب لهم في الدنيا ولا في الاخرة.



    النبي الاكرم عليه السلام أول من أرشد إلى قضايا البيئة والجمال والحضارة :



    كان يمكن له عليه السلام أن يضرب لنا مثلا آخر في الاعمال التي نحتقرها لصغرها في أعيننا غير أنه آثر هذا وفي هذا عبرة غزيرة وهي أن الطرقات في كل زمان ومكان سيما في حالنا اليوم تشكل بلغتنا المعاصرة البنية التحتية التي لا يصلح ما فوقها لو لم تصلح هي ولاشك أن الاقتصاد الناجح اليوم إنما يقوم على شبكة من الطرقات البرية والبحرية والجوية والالكترونية والاثيرية الناجحة ومن شأن الطرقات الصالحة الواسعة النظيفة تيسير عمليات التبادل البضائعي والتوريد والتصدير بأيسر وقت وجهد ومن شأنها كذلك التقليل من إمكانية الحوادث القاتلة والمعيقة إلى أبعد حد وإذا كان هذا الرجل الذي لقي شوكا في طريق ربما لا يسلكها سواه في التاريخ الغابر فأزاحه فإن الرجل اليوم منا يجد في الطريق أشواكا ليست من أغصان الشوك التي سرعان ما تدهسها السيارات ماضية لا تلوي على شئ بل هي من أثر الفيضانات والاعاصير وجثث الحيوانات والاحجار والثقب في الطريق والعربات المعطبة غير المضيئة وبكلمة فإن النبي الكريم عليه السلام يرشدنا إلى أن تعبيد الطرقات وتهيئتها للسائرين وتعهدها بالاصلاح يرتب لنا في حياتنا أمورا كثيرة منها سرعة تنقلنا وقضاء حوائجنا ونجاتنا من الهلاك وإزدهار تجارتنا واتصالاتنا وفوق ذلك تزيين بيئتنا ومنها طرقاتنا بمظاهر الزينة والجمال والرقي والحضارة . أم نقول إن النبي الاكرم عليه السلام أرشدنا إلى إزاحة أشواك الطريق واليوم طرقاتنا ليس فيها أشواك فلا حاجة لنا إذن بمثل هذا الحديث ؟ وهذا فهم لا يستقيم لان الشوك في الطرقات كما يقول العلماء ورد مورد الغالب من ناحية ومن ناحية أخرى هو يشمل سائر أنواع الشوك بإعتبار أن وظيفة الشوك هي إعاقة السير وإحداث الضر بالسائرين وغمط مظاهر الجمال والحضارة في الطرقات .



    النبي الاكرم عليه السلام أول من أرشد إلى الاهتمام بالملك العام :

    المعاني التي يمكن للمرء أن يستنبطها من الحديث لا تأتي تحت حصر غير أن معنى آخر لابد لنا منه في ختام هذه الحلقة وهو أن من عادة الناس الاهتمام ببيوتهم وأفنيتها وسائر الامور التي تجبي اليهم مصالح شخصية عاجلة مباشرة أما ما تعلق بالجماعة من مثل الطرقات وسائر المرافق فإن الناس عادة ما يهملونها أو يرمون بعبء الاهتمام بها بعضهم بعضا خاصة قبل تبلور النظم الاجتماعية المحددة كالدولة والحكومة وحتى في حال قيام هذه فإنها عادة مالا يمتد سلطانها إلى سائر الاحياء والازقة الضيقة المطمورة أو الارياف والقرى البعيدة المغمورة إلا بغرض احصاء سكنات الناس وحركاتهم والنبي الاكرم عليه السلام وهو صاحب دين الجماعة كمقصد قصيد وأصل اصيل ومبدإ بادئ لاصلاح الدين والدنيا معا لم يغب عن باله الاهتمام بالشأن العام للناس وخاصة الطرقات التي لا يذكرها الناس إلا حين يفتقدونها لتيسير تجارتهم إثر طوفان أو عصير .

     
  4. #9
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة التاسعة

    أخرج الشيخان عن عثمان رضي الله عنه أنه عليه السلام قال " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".

    ـــ

    حديث متفق عليه يحسن حفظه والعمل به والدعوة اليه وتعليمه وشواهده من القرآن كثيرة منها

    " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".و" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ".

    موضوع الحديث : إحدى أبواب الخيرية القرآن تعلما وتعليما .

    وردت أحاديث كثيرة بصيغة خيركم من مثل " خيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لاهلي " ولقائل أن يقول بأن الخيرية لها أبواب كثيرة إذن فهي متناقضة وهذا لاوجه له لا لغة ولا شرعا فأما لغة فتقول العرب عن فلان هذا خير الناس وربما في ذات المجلس خير الناس عن آخر وهي تعني أن كلاهما خير الناس إذ ليس ثمة معيار دقيق صارم سيما عند الناس يمكنه وزن الناس كما يوزن الذهب وسائر الموزونات المادية ولكن الخيرية هنا للتقريب فمجالها أوسع ونطاقها أرحب فهي طريق يسع السائرين وليست نقطة لا يقف عليها سوى واحد من الناس فحسب وذلك من فضل الله على الناس إذ حتى في الخيرية والامامة ما ينبغي لهم إلا أن يكونوا جماعة رغم تفاضلهم في الجماعة أيضا . أما المعنى الاخر للخيرية فإن خير الناس سيما في المعيار الاسلامي في هذا المجال فعادة ما يكون من خيرهم كذلك في المجال الاخر فخير الناس لاهله مثلا ليس له بد من تعلم ذلك من القرآن علما وتعليمه لاهله الذين رباهم بالقرآن فصاروا به له خير الاهل كما صار هو به لهم خير المربي والعائل ولو إكتفى بالامر لنفسه لما كان خير الناس ولكنه علم ذلك لغيره بالقرآن وبالقدوة فكان خير الناس لانه كان خيرهم لاهله بالقرآن علما وعملا ودعوة وتعليما وعلى ذلك قس سائر وجوه الخيرية التي أرشد إليها الوحي قرآنا وسنة .

    ولاشك أن الدنيا مبنية على سنن التفاضل والتمايز لذلك عدد الله سبحانه أبواب الخيرية في الحياة حتى لا يحرم سالك إلى رضوانه سبحانه بتعمير الدنيا من باب من أبوابها وإلا كان الرحمان سبحانه غير عادل في حكمه وقسمه ورزقه بين الناس وليس كل الناس يسعهم لاختلافهم الدخول من باب القرآن فحسب وليس يسعهم أن يدخلوا كلهم من باب الاحسان إلى الاهل فحسب والاسلام كما أخبر الصادق المصدوق عليه السلام بضع وستون أو سبعون شعبة وذلك طبعا بعد الوقوف منهم أجمعين على رصيف واحد معبد ثابت وهو رصيف الثوابت العظمى .

    ماهو القران الذي يتعلمه خيرنا ؟:

    القرآن هو القرآن ذاته لم يتبدل فيه حرف واحد فهو محفوظ بإرادة علوية لا تأخذها سنة ولا نوم ولكن الذي يتغير هم الناس أي افهامهم ومدى إقترابها أو بعدها من المقصود الالهي أو النبوي والافهام تختلف ولا شك غير أنه لابد لاختلافها من وكاء يربط جذرها إلى أصل أصيل ثابت وإلا غدا الامر عبثا معبوثا وهو أمر ينطبق علىكل كلام وليس مقصورا على القرآن وليس واحد منا يرضى لحديثه أن يؤول بما لا يتلاءم مع قصده أو يحرف فما بالك بولي النعمة سبحانه .

    القرآن قصر شامخ منيف خالد لا تنقضي عجائبه غير أن اجزاءه ومكوناته مختلفة الاهمية :

    أهم شئ في القران الكريم موضوعة الايمان التي جاء بها والاهم منها طريقة اكتسابها وكيفية المحافظة عليها حية وتجديدها والاهم من كل ذلك تغذية الحياة بأسرها بماء ذلك الايمان فتنصلح ثم تأتي موضوعة العبادة في المرتبة الثانية وليس أهم منها سوى إتباع سنة من فصلها عليه السلام إتباعا دقيقا فيما إتفق عليه الناس والتسامح فيما إختلفوا فيه وأهم من ذلك كله الغوص إلى الاسرار التي من أجلها شرعت تلك العبادات لتبقى حية توجه الحياة وتحكمها ثم تأتي موضوعة الخلق في المرتبة الثالثة وهي أعسر شئ فيه إذ تتطلب روحا تحررت أو كادت من كل براثن الانانية والاثرة وعبادة الذات والحب الاعمى للدنيا ثم تأتي موضوعة المعاملة وهي أوسع الموضوعات طرا إذ تؤطر سائر حياة الانسان أينما توجه وهي كذلك الاعسر لانها تختبر الانسان مع غيره وغيره ليس دوما نزيها بل كثيرا ما يكون ماكرا أو عدوا أو حاقدا أو منافقا أو محاربا أو متربصا وأحيانا يكون فيه كل ذلك وهو نديم يؤاكل ويشارب ويجالس وقد يقتضي الحال أن يجود الانسان بروحه لحماية الدين أو شيئا من مقتضياته التي يقوم عليها أوبها ومما يساعد على كل ذلك فهما وفقها وعملا المحاور التي تكررت في القرآن كما لم يتكرر غيرها وهي القصة ومنها المثل والكون المبسوط آية آية وكلها تخدم في النهاية قضيتين كبيرتين وهما وحدانية الله سبحانة والبعث بعد الموت ثم محور التربية والتشريع وهو الاصغر حجما . فبالخلاصة فإن القرآن الكريم رسالة طويلة تختلط فيها الاخبار مع التوجيهات مع الارشادات مع الواجبات بمختلف أنواعها مع الايات المبثوثة مع القصة والمثل فإن إجتهدت لفهمها بأسرها فهما صحيحا سليما فقد أصبت أو قاربت وإن أخذت ببعضها فإن بعضها لا يغني عن بعض وسائر أجزاء تلك الرسالة الخالدة الطويلة متفاوتة الاهمية ولك أن تصخي بقلبك وعقلك وذوقك إليها فما فاتك منها فاتك وما إلتقطت منها إلتقطت وما فاتك منها فاتك بقدر سعره وأهميته وما إلتقطت كذلك.

    لا تتم لك الخيرية حتى تعلم غيرك من القرآن الكريم ما تعلمته مهما كان محدودا :

    الحديث صريح بما فيه الكفاية بأن الخيرية مرهونة بأمرين أولهما تعلم القرآن وثانيهما تعليمه غيرك غير أن الامر الثاني مرتبط أشد الارتباط بالاول إرتباط صحة وشرط . فمن تعلم القرآن أو بعضه ولم يعلم غيره ما تعلمه منه فليس له من الخيرية حظ ومن علم غيره دون علم فقد أجرم مرتين فغش نفسه وغش غيره . وهل ترضى لحداد إصلاح أسنانك أو لاسكافي هندسة بيتك . وبعض الناس في عصرنا لا يفهمون من تعليم القرآن سواء لانفسهم أو لغيرهم سوى حذق مخارج حروفه وقواعد تلاوته فإذا أجاد الواحد منهم ذلك فقد إنتصب إماما للناس يعلمهم شؤون دينهم وهو أسقم ما رأيت من الفهم في حياتي لفرط إنتشاره ولو قابلنا بين تعلم وتعليم الحروف والحدود لاخترنا بلا شك تعلم وتعليم الحدود رغم أن المقابلة خاطئة منذ البداية فالحروف آنية جميلة رائقة عذبة غير أنها لا تصلح الحياة إنما الذي يصلح الحياة حدود القرآن والحدود هي كل ما حده أي ضبطه في الايمان والعبادة والخلق والمعاملة . على أنه لايزعم واحد بأنه أحاط بسائر علوم القرآن فهو يعلمها غيره ولكن لو ألم الانسان بحد أدنى منها كلها وعلم غيره ما أفاض الله عليه منها أو ألم بالحد الادنى المطلوب له من القرآن ثم تخصص في علم منها وعلمه غيره ... والعلم كما يقول عليه السلام بالتعلم وباب التعلم كبحر عميق لا شطآن له كلما تقدمت في لجه أصبت علما وكلما تأخرت أصبت الاخرى .

    المقصد الاسنى من تعلم القرآن وتعليمه ليس هو سوى إصلاح الانسان ومن ثم الحياة :

    من جراء ما نخرنا سوس الانحطاط وقفنا عند علوم القرآن كمن يقف حول صنم جميل رائع لا يصنع شيئا للناس سوى أنه يوفر لهم فرصة الفرجة والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الهدف من تعلم القرآن ليس هو سوى الانصلاح بدء بالنفس والاسرة والمحيط ومن ثم الحياة بأسرها قدر المستطاع فإذا ما تعلم المتعلم كل علوم القرآن ظاهرها وباطنها فلم ينصلح له حال ولم يحرك في الحياة ساكنا بل ربما إنحاز إلى الذين ذمهم القرآن فهل نسمي هذا عالما أو متعلما ؟ طبعا نحن نسميه كذلك بل فقيه الفقهاء وعلامة العلامات غيرأن الحقيقة هي أن كل علم قرآني لا يصلح حال صاحبه وحال الناس والحياة هو حجة على صاحبه في الدنيا وفي الاخرة يكون الامر أشنع .

    الخلاصة هي أن الخيرية هنا مقام عظيم لابد له من مهر عظيم وتعلم القرآن الكريم حرفا وحدا وفق مقصود الباري سبحانه وبغرض إصلاح الدنيا وإستقامة الحياة ثم تعليمه للناس سواء بأجر أو بدون أجر هو ذلك المهر العظيم أما من طلب الخيرية بحرف يتقن نطقه فهيهات .

     
  5. #10
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة

    الحلقة العاشرة

    أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال " من إطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه ".

    ــــــــــــــ

    حديث متفق عليه يحسن حفظه وشواهده من القرآن الكريم كثيرة منها "ولاتجسسوا ".

    موضوع الحديث : حرمة الانسان وحرمة ما يتقوم به من مادة ومعنى .

    لو تفحصت القرآن الكريم بعين باصرة خبيرة لادركت بسرعة بأن مدار الاديان بأسرها منصب علىالانسان تحريرا وتكريما ولك أن تسأل نفسك لم نزل وحي ولم بعث رسل ولم أنزلت كتب ولم خلقت أرض وأكوان وزخرف وأنعام ولم كانت جنة ولن يكون الجواب سوى أن كل ذلك من أجل الانسان فهو مكرم قبل الخلقة وبعدها في أثناء حياته وبعد الموت وهو معلم ومستأمن ومستخلف ولو ظللت أعدد مظاهر تحريره وتكريمه في القرآن والسنة لسودت صحائف لا تعد بل لو سألت نفسك لم حرم الله كذا وكذا ولم أحل كذا وكذا فالجواب دوما هو من أجل الانسان وفقه الحرمات يرتكز على ثلاثة مباني وهي الانسان كله أينما كان وكيفما كان فحتى الكافر المقاتل المعتدي يقتل ولا يمثل بجثته بل تكرم وتحفظ ولا يعذب حيا إبتغاء الشماتة ولا يعتدى على ماله وعرضه إلا في حالة حرابته وعداوته ولوتاب تاب الله عليه ألم تقرأ قوله في أصحاب الاخدود الذين دعا عليهم بالقتل بعد أن حرقوا المؤمنين أحياء بالنار " ثم لم يتوبوا " ؟ والحاصل أن الاسلام لم يكرم شيئا تكريمه للانسان وثاني مباني فقه الحرمات الزمان وليس كل الزمان ولكنه المحرم منه فحسب وهو ثلثه وثالثها المكان وليس كل مكان ولكن مكان العبادة والاقامة الشخصية وما في حكم ذلك مما هو مملوك لشخص بعينه أو لجماعة بعينها .

    الاسلام حفظ لكل إنسان خويصة نفسه وداخل داره وسائر متعلقاته الشخصية :

    هل تستطيع أن تجزم بأن فلانا مؤمن وأن الاخر كافر والثالث منافق وهذا من أهل الجنة وذاك من أهل النار وهل أن فلانا لا يشرب الخمر في بيته أو انه لا يصلي بالليل ؟ حتى الانبياء وهم المأمورون بإقامة العدل والقسط لم يؤمروا بسوى قبول علانيات الناس والكف عن سرائرهم ولك في معالجة النبي عليه السلام لمسألة المنافقين أبلغ درس فهو يعلمهم واحدا واحدا وليس حدسا منه ولا تخمينا ولكن لان الوحي نزل عليه بقائمة إسمية فيهم فهل يخطئ الوحي فيهم ؟ ورغم ذلك فإنما عاملهم عليه السلام معاملة المؤمنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم وظل الامر كذلك حتى مات عليه السلام ولم يخبر يوما أقرب الناس إليه كإبي بكر وعمر وعلي وعثمان بسيرة واحد منهم فحسب رغم أن ما أنزلوه به من بلايا من حديث الافك إلى غزوة تبوك لا يضاهى ولكن إختار واحدا منهم فحسب وإستأمنه علىالقائمة السماوية للمنافقين وظلت المعاملة من قبل خلفائه لهم على نهجه عليه السلام . وهل بعد النفاق المتآمر المستعلي المحارب من داخل البيت وجوف الصف أمر آخر يمكن أن يتسامح معه الانسان ؟ والدرس من ذلك كله أن الانسان حفظ له ربه سبحانه كرما منه خويصة نفسه إعتقادا وحال قلب من كره أوحب وتصرف شخصي دون مجاهرة بتبرج إلا في داره وبذلك إنتصر الاسلام ولو فرض كما فعلت غشمات أخرى تريد أن تلتحق بالاديان أمره على الناس لفشل كما فشلت وبعبارتنا نحن اليوم سر الاسلام في مدى إتاحته الحرية للناس في قلوبهم وفي أمورهم الشخصية . ولذلك رغب الاسلام إلىجانب ترغيبه في صدقة العلن في صدقة السر ولذلك أقبل الناس على الخير سرا وعلنا بشكل لا يصدق لدينا نحن اليوم من فعل الصحابة الكرام فالانسان مخلوق مفطور على الحرية فإن أطلقت له عنان حريته فإنه يريك من نفسه عجبا في الابداع الخيري وإن أكرهته على أمر فإنه متفص منه شئت أم أبيت.

    على البيت تقاس كل الخصوصيات المعاصرة وكل ما هو شخصي فهو محرم حرمة الكعبة :

    هل يجوز لك الاطلاع على الرسائل الشخصية لغيرك سواء كانت بريدية أو الكترونية بدعوى أنها ليست بيتا تطلع عليه ؟ وهل يجوز لك الاستماع إلى شخص في بيته من وراء جدار بدعوى أنك لم تطلع عليه ولكن تستمع ؟ والتسمع على هاتفه ؟ والحاصل أنه عليه السلام لما ضرب مثل البيت في هذا الحديث فإنه يقصد كل خويصات الناس والامور المتعلقة بشؤونهم الشخصية التي لا يريدون إطلاع الناس عليها وإلا لجاهروا بها ولو قلنا غير ذلك لاتهمنا التشريع بالغباء وليس الاغبياء سوانا لو تعمدنا تأويلا منافيا لمآلات أفعالنا . وأنت تعلم أن الوحي في سورة المجادلة منع مجرد النجوى من إثنين دون ثالث ولو كان صديقا حميما وأخا شقيقا دفعا لشبهات الشيطان . والانسان سيما في بيته يأتي ما لايأتيه في الملا سواء كان بحضرة أسرته أو في غيابها وهي حالة بشرية معلومة لايحاسب عليها سوى من يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وإذا لم يأمن الانسان في بيته الخاص به وبين أسرته فمتى يأمن وإذا لم يجد مناخا ملائما يفشي بسره وبثه في بيته فأي أرض تقله يشي فيها بهمه .

    هل يتناسب فقأ العين مع الاطلاع في بيت مأهول دون إذن ؟:

    بداية لابد من الاقرار بأن أعدل قاعدة قضائية جاءت بها الاديان وإهتدت إليها العقول هي الجزاء من جنس العمل لذلك يهتك ستر الزاني جهرة أمام الناس ويهان كما هتك ستر غيره وأهانه ويستمتع جلده بالعذاب تماما كما إستمتع بضعه باللذة قبل حين وعلى ذلك قس الامور وليس من جزاء عادل للعين المطلعة فيما لا يحل لها سوى الفقأ فهو أنفى للجريرة وكانت العرب تقول القتل أنفى للقتل . ولابد لنا من تصور جريرة الاطلاع في بيت مأهول بدون إذن : أليس ذلك يكشف عورة ربما تجر إلى جريمة الزنا ومن ثم إختلاط الانساب والمياه وإضطراب أمر النسب والارث حتى لينكح الرجل أخته وهو لا يعلم ؟ ثم أليس ذلك يكشف سرا لو طار لظلم قوم بأسرهم أو سرت فتنة لا شطآن لها ؟ ولو سودت صحائف لا حصر لها من الصور التي يمكن أن ينشأ عنها الاطلاع في بيت قوم دون إذنهم لافنيت عمرا وما بلغت مرادا . فليس إذن أنفى لقتل شر كهذا سوى فقأ عين متسللة متسورة فلا يسعها بعد فقئها فعل ذلك . وبالمناسبة فإن الامر على الحقيقة وليس على المجاز أي أنه حقيقة لو إطلع رجل في بيت قوم بدون إذنهم فأبصر به أحدهم أي من داخل الدار فرماه سواء بقصد فقإ عينه أو بغير ذلك ففقأ عينه فإنه غير ضامن قضاء .

    هل تبرر الحالات الامنية الاطلاع في بيت الانسان دون إذنه ؟:

    الامر عادة ما لا يبسط على بسط العلم والبحث ولكن على بسط مصلحة السلطان وفي كل عصر ومصر فإن الشؤون الامنية أي أمن السلطان ومن في حكمه لا تخضع للقانون وإنما تخضع لقانون الغلبة حتى أن طواغيب البيت الاسود في أمريكا يعملون منذ أن بنوا للحرية تمثالا بأرضهم بقانون الادلة السرية أي أن المتهم بإنتهاك الامن الامريكي بحسب زعمهم لا يطلع هو ولا محاموه على الادلة التي من أجلها أوقف أو عذب أو قتل وفي سائر الارض اليوم أمر مماثل قريب من ذلك أو بعيد ويظل الناس محكومون بقوانين الطوارئ ومنع الجولان نصف قرن كامل.

    ولا يعني ذلك أن الاسلام لا يعير إهتماما للقضايا الامنية بل سجلها في كتابه تسجيلا في مثل قوله

    "ولوردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " والسنة مليئة بما يشهد لذلك قولا وعملا حتى أن معدل النشاط الامني النبوي إنجازا عمليا دون تحضير وتقويم هو مرة كل ستة أسابيع ولكن الاسلام يحرص على أمن الناس وليس أمن الحاكم فحسب كائنا من كان لذلك مات ثلاثة من خلفائه عليه السلام إغتيالا والاسلام في عز ذكره وهامة شأوه والاسلام لو إقتضى منه الامر لتسليط الضوء الامني على أحد فلحماية الناس من شره وليس لحماية الحاكم من معارضته وبعد ذلك يفعل ذلك وكرامة المعني مصونة لا تصل إلى حد الاطلاع في البيت أو مراقبة الهاتف أو سائر خصوصياته ولكن لا يعمد حياله بفعل حتى يأتي هو فعلا لا قولا ما يجرمه أو يتهمه على الاقل وعلىأية حال حكامنا اليوم ليسوا بحاجة إلى التسور والتسلل لسماعنا وإنما يعمدون إلى هدم البيت على رؤوس أصحابه والهجوم البربري الوحشي على سائر العائلة ليلا ونهارا والاذن محفوظ معهم دوما وهو تهديد الامن ومقاومة الارهاب والتطرف وهل يعدم المعتدي حيلة لعدوانه. فلا تفكر إذن في فقإ عين كل من يتسور عليك بيتك حتى تعلم علم اليقين من هو المتسور فان كان زلما لحاكم فهو لطف منه وأمر لك بالاستعداد للحبس .

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 21 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 12 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك