يا ترى فين الراحة والسعادة

يا عباد الله لم يزل كثير من الخلق يلهثون يسعون يكدون فمنهم من يسعى لجمع المال من أي القنوات ومنهم من يلهث في بهيميته خلف الشهوات وأوتار القنوات ومنهم من يهرول وراء الشهرة والجاه والسلطان في ثبات التيه قد أمضي رحلات ومنهم من يعدو وراء الأماني والأحلام يسبحُ في غير ماء ويطير من غير جناح

كمهمهٍ في السراب يلمحُ

يدأبُ فيه القوم حتي يطبحوا

ثم يظلون كأن لم يبرحوا

كأن أمسوا بحيث أصبحوا

ضيعوا أعمارٍ نفسية في طلب أغراض خسيسة

أما إنك لو سألتهم جميعا من راء ذلك السعي واللهث ما تريدون؟ لأي شيءٍ تهدفون؟ لأجابوك الحياة الطيبة نريد إلي السعادة نهدف نرقدُ نعدو إلي سرور النفس ولذة القلب ونعيم الروح وغذائها ودوائها وحياتها وقرة عينها نطوق. أرادوها فأخطأوا طريقها وتاهوا فعطشوا وجاعوا وعلي الوهم عاشوا فصار حالهم كمن سُقيَ علي الظمأ بالسراب والآم وكانوا كمن تغدي في المنام وفي تيههم فقدوا حاسة الشم والذوق فلم يفرقوا بين الروائح العطرة من القذرة ولا العذب من الفرات فشقوا وتعسوا ويظنون أنهم سيسعدون غفلوا في تيههم عن داعي الحق علي الطريق وهو يندبهم ويقول مهلاً مهلا والله لا يسعدُ النفس ولا يزكيها ولا يطهرها لا يهذب همها وغمها وقلقها ويسد جوعتها وظمأها ويعيد لها شمها وذوقها إلا الإيمان بالله رب العالمين بلسم الحياة بلسم الحياة ومفتاح السعادة قال الله

من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون

هذا خبر من أيها المؤمنون ينبأك عنه ابن القيم إلي ما ملخصه في تسرع إنه خبر اصدق الصادقين وأحكم الحاكمين الله رب العالمين وهو خبر يقين وحكم يقين بل عين يقين فحوي الخبر أنه لا بد لكل من عمل صالحا مؤمنا أن يحييه الله حياة طيبة بحسب عمله وإيمانه وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون. الجفاة الأغلاظ لا يعلمون غلطوا في مسمي هذه الحياة فظنوها التنعم في أنواع المآكل والمشارب والملابس والمراكب والمناكح ولذة الرياسة والمال وقهر الأعداء والتفنن بأنواع الشهوات والملذات حال أحدهم

إذا تغديث وطابت نفسي فليس في الحي غلامٌ مثلي

إلا غلامٌ قد تغدي قبلي

فنصف النهارلفرياسه ونصف لمأكله أجمع

لا ريب أن هذه لذة مشتركة بين البهائم بل قد يكون حظ كثير من البهائم منها أكثر من حظ الإنسان فمن لم تكن عنده لذة إلا اللذة التي تشاركه فيها السباع والدواب والأنعام والبهائم فذلك مسكين ينادي عليه من مكان بعيد همته همة خسيسة دنيئة همة حُش.

كل داء في سقوط الهمم

يجعل الأحياء مثل الرمم

نامت الأسدُ بسحر الغنمِ

سمة العدل ارتقاء الأمم

فأين هذه اللذة من اللذة بأمر إذا خالطت بشاشته القلوب سلا صاحبه عن الأبناء والنساء والإخوان والأموال والمساكن والمراكب والمناكح والأوطان ثم رضي بتركها كلها والخروج منها رأساً وهو وادع النفس منشرح الصدر مطمأن القلب يعرض نفسه لأنواع المكاره والمشاق لعلمه أن الجنة حفت بالمكاره. يطيب له قتل ابنه وأبيه وصاحبه وأخيه في سبيل الله أو قتلهم إن كانوا أعداء الله.

فإذا بأحدهم يتلقي سنان الرمح في صدره فتخرج من بين ثدييه الدماء تدعبُ منه ينضحُ من هذه الدماء علي وجهه وجسده ويقول وقد ذاق بلسم الحياة فزتُ ورب الكعبة حتي قال قاتله فقلتُ في نفسي ما فاز ألست قتلت الرجل فما زال يسأل حتي أُخبر أنه فاز بالشهادة ومالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر علي قلب بشر فقال قاتله

فاز لعمرو الله

أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

إن بعض النفوس تظل في شك من مصداقية هذا الدين حتي تري قسمات الفرح بادية علي وجوه أصحابه بشري وسروراً وسكينة واطمأناناً وهم يواجهون الموت في سبيله.

لنقاءٍ ونماءٍ ولإيمانِ قتلهم في سبيل الله أشهي من رحيقِ فازوا من الدنيا بمجدٍ خالدِ ولهم خلودُ الفوز يوم الموعدِ

عن شريط بلسم الحياة لفضيلة الشيخ علي القرني لمن اراد المزيد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته