+ الرد على الموضوع
صفحة 5 من 7 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 25 من 33
  1. #21
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: من أسرار الأسماء في القرآن الكريم

    التــابوت ::


    جاء في الآية 248 من سورة البقرة: " إنّ آية مُلكِه أن يأتيكم التابوتُ فيه سكينة من ربكم وبقيّة مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة …".

    عندما طلب بنو إسرائيل، قبل عهد داود عليه السلام، أن يجعل الله لهم مَلكاً يجمعهم، ويوحّد كلمتهم، ويقودهم في حربهم لأعدائهم، استجاب الله لهم، وجعل طالوت ملكاً عليهم، وجعل علامة اختياره أن تأتي الملائكةُ بالتابوت، الذي استولى عليه أعداؤهم. وهو صندوق فيه بقية من آثار آل موسى وهارون، عليهما السلام، توارثه الصالحون من بني إسرائيل. وعند عودة التابوت إليهم جعل الله فيه الطمأنينة لنفوسهم، التي بقيت مضطربة لفقده واستيلاء الأعداء عليه.

    واضح في النص القرآني الكريم أنّ التابوت له قدسيّة، وعلى وجه الخصوص ما فيه من الآثار المتوارثة من عهد موسى وهارون، عليهما السلام. ونحن نعلم أنّ الله تعالى قد أنزل على موسى، عليه السلام، الألواح، والتي خطّت فيها الوصايا، وقد جاء في سفر الخروج، في التوراة الحالية: " واجعل في التابوت الشهادة التي أعطيكها ". والمقصود بالشهادة، ما ورد في سفر الخروج أيضاً:" ولما فرغ من مخاطبة موسى على طور سيناء دفع إليه لَوْحَي الشهادة، لوحين من حجر …". وقد ورد في سفر صموئيل أنّ أعداء بني إسرائيل قد سيطروا على التابوت هذا لمدة سبعة أشهر.

    كلمة التابوت مشتقة من التّوب: وهو الرجوع، لأنه يُرجع إليه تكراراً لأخذ وإرجاع المُودَعات فيه. وعليه تكون اللفظة عربية، على قول الكثير من أهل اللغة. وقد ذكرت التوراة الحالية أنّ التابوت، المقدس عندهم، صنع من الخشب والذهب بأمر من الله تعالى. ويقولون إنّ طوله يبلغ متراً وربع المتر، أما عرضه فيبلغ 75 سم، وكذلك ارتفاعه. وورد أنّ بني إسرائيل كانوا يحملون التابوت ويتقدمون به أمام الجيش، فيكون ذلك دافعاً لهم للاستبسال، لثقتهم بالنصر بوجود التابوت. وقد ورد في أخبار الأيام الأول، من العهد القديم، على لسان داود، عليه السلام: ".. حتى نُرجع تابوت إلهنا، لأننا أهملنا طلب المشورة بواسطته منذ أيام شاوُل ". ويقصدون بشاوُل هنا طالوت المذكور في القرآن الكريم.

    والتابوت عندهم من أقدس المقدّسات، وكانوا في البداية يضعونه في وسط خيمة، ثم أحضره داود، عليه السلام، حسب رواية العهد القديم، إلى (مدينة داود). وتقول الرواية إنّه عندما بنى سليمان، عليه السلام، الهيكل وضع التابوت في أقدس بقعة منه، وتسمّى ( قدس الأقداس ): وهي عبارة عن غرفة لا نوافذ لها، وتكون أعلى جزء في الهيكل، وهي محرابه. وهم يعتقدون أنّ روح الله قد حلّت في التابوت. وعندما تمّ تدمير الهيكل 586 ق.م على يد نبوخذ نصّر البابلي، فُقدت التوراة، وفقد تابوت العهد. ويبدو أنّه تمّ إحراقهما مع ما أُحرق من محتويات الهيكل. واللافت للانتباه أنّ سفر أخبار الأيام الثاني، من العهد القديم، والذي يُرجّح أنّه دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي ينتهي بالحديث عن تدمير الهيكل وإحراق محتوياته، ينص على بقاء العصي التي يُحْمَل بها التابوت، ولم يتطرق إلى ذكر التابوت. يقول النّص: " … وهي ما برحت هناك إلى هذا اليوم …". وواضح أنّ الذي يكتب هذا الكلام يكتبه وهو يقيم بعيدا، ويظهر ذلك من قوله "هناك".

    كثرت القصص والأساطير حول مصير التابوت. ومن هذه القصص قصة تقول إنّ ابن سليمان، عليه السلام، من زوجته بلقيس، فرّ بالتابوت إلى مصر، ثم نقل التابوت إلى الحبشة. ولكن اليهود لا يزالون يبحثون عن هذا الصندوق الخشبي الصغير، والذي مضى على صناعته ما يقرب من (3200) سنة، على أقل تقدير. ويتوقّع بعضهم أن يكون مدفوناً في ساحات الأقصى. وبالمناسبة نرى أنّه من المصلحة أن نذكر أنّ رجلاً فلسطينيا، ممن شارك في ترميم وإصلاحات المسجد الأقصى في العهد الأردني، ذكر بعد أن سمع بدرسنا الذي ألقيناهُ في مسجد البيرة الكبير حول التابوت، أنّه رأى من يدفن صندوقاً تنطبق عليه الأوصاف في موضع من المسجد الأقصى. نعم، ما الذي يمنعهم من أن يصنعوا تابوتاً وفق الأوصاف الواردة في العهد القديم، ثم يدسّوه في التراب، ثم يزعموا اكتشافه بعد نصف قرن أو يزيد، ليكون الدليل والمستند على أنّ لهم حقّاً في فلسطين، بعد أن كذّبتهم كل الآثار والحفريّات، فقد اعتدنا أن نرى منهم كل غريب، فهم يستخدمون المقدس وغير المقدس لأجل أغراضهم الدنيويّة، ولا شيء عندهم مقدساً إلا مصالحهم.

     
  2. #22
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: من أسرار الأسماء في القرآن الكريم

    :: الـغـيـب 1::



    الغيب: هو كل ما غاب عن الحس، أو غاب عن العقل. وفي الوقت الذي يصبح فيه الشيء الغائب محسوساً، أو مُدرَكاً بالعقل، فإنه لا يعود بعدها غيباً. وما يغيب عن الإنسان قد يكون من أمور الماضي، وقد يكون من أمور الحاضر، وقد يكون من أمور المستقبل. وقد فطر الله تعالى الإنسان على حب معرفة الغيب، فهو يسعى دائماً إلى كشف أستار الغيوب. ومن الممكن أن نُرجع تطور المعارف والعلوم إلى شوق الإنسان الدائم إلى معرفة ما غاب عن حِسّهِ أو عقله. وقد يدفعه هذا الشوق الجامح إلى سلوك بعض الطرق العابثة، والتي تُهدر وقته وجهده، وتضره ولا تنفعه. من هنا وجدنا أنّ الدين يُحرّم العرافة والكهانة، والشعوذة، لأنها تَصْرِف الإنسان عن الطرق الصحيحة لمعرفة الغيب.

    لا يدّخر الإنسان جهداً في اتخاذ الوسائل المختلفة الموصلة إلى معرفة الغيب، وفي الوقت الذي ينجح فيه في كشف أستار غيبٍ ما، يتحوّل هذا الغيب إلى شهادة، ولا يعود غيباً بالنسبة له، وإن كان لا يزال غيباً بالنسبة إلى غيره من الناس. وسيبقى الإنسان يتوسّل بعالم الشهادة للاطلاع على عالم الغيب، في مسيرة لا تتوقف حتى تنتهي خلافته على الأرض. ولا يقتصر عالم الشهادة على المحسوسات، بل إنّ ما يثبت بالعقل هو أيضاً من عالم الشهادة، وعليه فإنّ وجود الخالق، سبحانه وتعالى، هو من عالم الشهادة، وليس من عالم الغيب. وقد يكون هذا من بعض أسرار شهادة أن لا إله إلا الله.

    يمكن للإنسان أن يتعرف على ما يغيب عنه عن طريق الحس، أو عن طريق العقل، أو عن طريق الخبر الصادق. وعندما نصف الخبر بأنّه صادق فإننا نقصد بذلك أنّه قام الدليل العقلي على صدق هذا الخبر. من هنا تتفاوت الأخبار في درجة صِدقيتها، وعلى ضوء هذا التفاوت يتفاوت التصديق قوّةً وضعفاً. فعلى سبيل المثال: هناك الحديث الضعيف، والحسن، والصحيح، والمتواتر. فما جاءنا عن طريق الحديث الحسن لا يكون في قوة ما جاء عن طريق الحديث الصحيح، وما جاء عن طريق الحديث المتواتر فهو القطعي في ثبوته. والتواتر مسألة عقليّة، وليست بمسألة شرعيّة.

    كل الناس يؤمنون بالغيب، فما معنى أن يُثني الله تعالى، في كتابه العزيز، على المتقين أنهم: " يؤمنون بالغيب " ؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إذا قام الدليل العقلي على صدق النبي فيما يُبلّغ عن ربّه، فإنّ المؤمن عندها يُصدّق ما جاء به النبي من أخبار تتعلق بعالم الغيب، حتى وإن كان الحس والعقل عاجزين عن إدراك هذا الغيب، لأنّ صدق المُخبر يغني عن ذلك.

    يقول تعالى في الآية 26 من سورة الجن: "عالمُ الغيبِ فلا يُظهر على غيبهِ أحداً، إلا من ارتضى من رسول…" إنّ الله تعالى لا يغيب عنه شيء، فعلمه مطلق. وعليه فما دلالة إضافة الغيب إليه سبحانه وتعالى؟ تشير الآية الكريمة إلى غيب أراد الله تعالى أن يُغيّبه عن المخلوقات، وهذا يعني أنّ هناك غيوباً يمكن للخلق أن يُحيطوا بها إذا ما توصّلوا إليها بالحس، أو بالعقل، أو بالخبر الصادق. وإنّ هناك غيوباً لم يأذن سبحانه وتعالى بعلمها لأحد من المخلوقات. وقد يُستثنى من ذلك بعض الرسل والرسالات. فغيبهُ سبحانه وتعالى ليس كل ما غاب عنّا، بل هو ما استأثرَ بعلمه دون خَلقِه. وهذا يعني أنه قد يكون بإمكاننا أن نطلع على بعض الغيوب إذا ما تدبّرنا القرآن الكريم، الذي فيه خبر ما قبلنا، وعلم ما بعدنا.

    وأخيراً نسأل: هل حُرِم الناس من الاطلاع على الغيب بختم النبوَات والرسالات ؟ نقول: لا، لم يُحْرموا؛ فالرؤيا الصادقة هي نوع من إطلاع الإنسان على الغيب، وكذلك الإلهام. ولكن هذا لا يتعلق بالغيب الذي شاء الله أن يُغيّبه (غيبه)، بل هو مما أراد أن يُظهره. أما ما أراد أن يُغيّبه، فقد شاء سبحانه وتعالى أن يجعل الوحي هو الطريق الوحيد للإطلال عليه. وعليه فهناك غيب يمكن الاطلاع عليه بواسطة الحس، أو العقل، أو الخبر الصادق، ومنه الإلهام والرؤى. وهناك غيب لا طريق إليه إلا بتدبّر الرسالة الإلهيّة، المتمثلة بالقرآن والسنّة.

     
  3. #23
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: من أسرار الأسماء في القرآن الكريم

    :: الغيـب 2 ::





    نزلت سورة الإسراء قبل الهجرة بسنة. وجاءت الآية الأولى من السورة لتتحدث عن حادثة الإسراء بالرسول، صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله. ويدهشك أنّ الآيات التي تلي تتحدث في بعدٍ غيبي يتعلق بمسألة ستأتي بعد قرون، ألا وهي القضية الفلسطينية، وهذا يعني أنّ هذا الصراع المستقبلي سيشكل في حينهِ حدثا في غاية الأهمية بالنسبة للبشرية. ولا ننسى أنّ فلسطين هي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، كما جاء في سورة الأنبياء: " ونجّيناهُ ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ".

    جاء في الآية الثالثة من سورة الإسراء: " ذرية من حملنا مع نوح إنّه كان عبدا شكورا ". وقد جاء في القرآن الكريم أنّ كلّ من حُمِل مع نوح، عليه السلام، كان مؤمناً. وعليه، فما هي الإشارات التي تحملها عبارة: " ذُرية من حملنا مع نوح…"، ولماذا لم تكن: " ذُرية من آمن مع نوح " ؟.

    يمكن للمفسر أن يذهب في ذلك مذاهب شتى، ويبقى كلام الله فوق كلام كل حكيم، ولكننا هنا ندلي برأي له ارتباط بواقع الناس المعاصر؛ فنوح، عليه السلام، بنى السفينة بأمر الله ووحيه، كما جاء في سورة هود: " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا " ويبدو أنّ المكان الذي صُنعت فيه السفينة كان بعيداً عن البحر، ويبدو أنّ كل ما يحيط بالمكان يجعل بناء نوح، عليه السلام، للسفينة أمراً مستغرباً داعياً للاستهزاء. جاء في سورة هود: " ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخِروا منه " وهذا أمر مفهوم، فهم لا يملكون البعد الغيبي ليدركوا الحكمة من بناء السفينة في ذلك المكان. وأنّى لهم ذلك وعقيدتهم الوثنية ترهن عقولهم للواقع المحسوس.

    واليوم نجد أنّ الأحداث في العالم تتسارع، والعواصف، التي تعصف بالناس، تجعل الكثيرين في حالة من الحيرة. وقد يصل البعض إلى حالة اليأس والإحباط، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين لا يملكون البعد الغيبي الذي تنـزّلت به الرسالات؛ فالعقيدة الماديّة تأسرُ صاحبها في سجن عالم الشهادة الآنيّ، ومن هنا تكون الأحكام والمواقف والقناعات متأثرة بثقل وطأة الواقع المحسوس.

    عندما أسقطت أمريكا حكم مُصَدَّق في إيران، وذلك في الخمسينات من القرن العشرين، وأعادت الشاه إلى عرشه الملكي، كان ذلك في حينه نجاحاً ظاهراً. لكنّ أحداث العام 1979م، وما بعدها، جاءت لتثبت قصور عقول عباقرة السياسة الأمريكية، فأنّى لهم أن يدركوا أبعاد مكرهم، ونهاياته، ومآلاته ؟! نعم، يستطيع لاعب الكُرة الماهر أن يقذف بالكرة إلى الهدف، ولكنّه يفقد السيطرة عليها بمجرد قذفها، ثمّ هو غير مُتحكّم بعد ذلك بمسارها، ولا يعلم مكان وهيئة استقرارها. وهكذا نحن البشر، قد يكون لنا سيطرة على أفعالنا الآنيّة، فتأتينا النتائج الفورية والمرجوّة. أما تفاعلات الأفعال ومآلاتها في المدى البعيد، فلا مجال للسيطرة عليها؛ فكلما طال الزمان فقدنا السيطرة والتحكّم، وتكون مفاجآت عالم الغيب، الذي لا يعلمه إلا الله.

    سورة الإسراء ثريّة بمعالجات الأبعاد الغيبيّة المتعلقة بأمّة الإسلام والرسالة الإسلامية. وعندما نضيف إليها سورة الكهف التي تليها تتجلّى لنا هذه الأبعاد بصورة أوضح. وما أحوج الناس اليوم إلى تدبّر معاني السورتين في مثل هذه الأجواء التي تحيط بنا. كيف لا، والعواصف تعصف بالكثير من حقائق الواقع التي كانت تبدو راسخة. ويبقى الوحي الكريم هو الطبيب الوحيد الذي يلامس القلوب المؤمنة، فيزيل ما بها من شوائب الشك والحيرة والتردد. وما أجملَ أن تتعلق القلوبُ بالأمل الذي مصدره اليقين: " كتب اللهُ لأغلبنَّ أنا ورسلي…".

     
  4. #24
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: من أسرار الأسماء في القرآن الكريم

    :: الآخــرة ::




    عندما تؤمن المدرسة الوجوديّة بالعبثيّة، وعندما ترفع شعاراً يقول:" لا شيء له معنى إلا الموت"، فإنها تكون قد عبّرت بوضوح عن الحقيقة التي يهرب من مواجهتها الماديّون، لأن هذه النتيجة لا بد أن يصل إليها كل من أنكر اليوم الآخر؛ فعظمة الكون، وإبداع الخلق، والهدفيّة المتجليّة في كل صغير وكبير من هذا الوجود، كل ذلك يفقد معناه عندما نعتبر أنّ الدنيا هي نهاية المطاف.

    إذا كان وجودي ينتهي بالموت، فلماذا أعيش ؟! هل يوجد في الحياة الدنيا ما يسوّغ الاستمرار فيها ؟! وماذا يعنى التزامنا بالمبادئ والقيم، وماذا يبقى من سلطة الالزام إذا ما أقصينا الدين ؟! وما مدى منطقية القول: هذا يجوز، وهذا لا يجوز ؟! نعم فبإمكانك أن تشكك في كل القيم، ويمكنك أن ترفض كل شيء، ويمكنك أن تفعل ما تشاء، لأن الدنيا هي نهاية المطاف. نعم سيكتشف الناس أن إنكار اليوم الآخر يُفرغ الحياة الدنيا من معناها، وعندها لا بد أن تكون السيادة للفلسفة العبثيّة، وعندها سيكون الانتحار هو الشجاعة التي تستند إلى العقل والمنطق، وسيكون الاستمرار هو الغباء الذي يورث الجبن والتردد.

    حتى الآخرة تفقد معناها عندما يكون لها نهاية. ومن هنا كان الخلود من أكبر حقائق اليوم الآخر، بل إنّ الرغبة الملحة لدى الإنسان في البقاء والاستمرار لهي من أوضح حقائق النفس البشريّة، وكأنّه لا يصلح لعالم الخلود إلا من رُكّب فيه الميل إلى الخلود. وقد جاء الدين منسجماً مع حقائق الخلق، فكانت الآخرة من حقائق الوجود، وكان الخلود من حقائق الآخرة. وهنا يتحقق الانسجام الكامل في كل شيء، وبذلك تظهر الفلسفة الماديّة كعارض مرضي، وشذوذ تأباه البشريّة، لأنه يتناقض مع فطرتها. لذا سيبقى الإلحاد استثناءً غير قابل لأن يكون القاعدة.

    من يقرأ القرآن الكريم يجد أنّ قضية اليوم الآخر تكاد تكون هي القضية الأولى، وتحظى بمساحة ضخمة في كتاب الله العزيز، ويكتشف أنّ صلاح الدنيا لا يكون إلا بالايمان بالآخرة، وأنّ صلاحها هو المقدمة الضرورية لصلاح الآخرة، ولا مجال للفصل بين العالمين، بل لقد باءت كل محاولات الفصل، عبر التاريخ البشري، بالإخفاق الذريع. وأبرز علامات هذا الإخفاق الإيمان بالعبثيّة، والشعور بفقدان الهدفيّة، وانهيار القيم الأخلاقية. وليس عجيباً بعد ذلك أن نسمع أنّ أعلى نسبة للانتحار في العالم هي في البلاد الاسكندنافيّة، والتي هي الأولى في مستوى الرفاه المادّي. وليس غريباً أيضاً أن نجد الجموح والتمرد يسودان في المجتمعات الغربية، التي سادت فيها، يوماً ما، فلسفة احتقار الدنيا، وانتشرت فيها الرهبنة وتقديس العزلة، التي عبّر عنها أصدق تعبير بعض كتّاب الغرب في تلك العصور عندما قال :" إنّ القديس فلاناً لم يرتكب إثم غسل الوجه ثلاثين عاما، وإنّ القديس فلاناً لم يرتكب إثم غسل الرجلين خمسين عاما، أمّا نحن، فواأسفاه، ندخل الحمّام كل يوم !".

    تكرر (اليوم الآخر) في القرآن الكريم 26 مرّة. وتكررت كلمة الآخرة بمعنى اليوم الآخر 113 مرّة. وتكرر ( يوم الدين) 11 مرّة، وتكرر ( يوم القيامة) 70 مرّة. فكيف بنا إذا أحصينا أيضاً: يوم الحساب، ويوم التغابن، والصاخّة، والحاقة، والجنة، والنّار، …… وغير ذلك، من الألفاظ الدالّة على اليوم الآخر؟! في المقابل نريد من الذين قرأوا التوراة الحالية، والعهد القديم، أن يدلونا على نص واحد يُصرّح بعقيدة اليوم الآخر لدى اليهود. في حين نجد هناك أكثر من نص في الأناجيل المتداولة ينص على عقيدة اليوم الآخر. وهذا يعني أنّ قضية اليوم الآخر عند اليهود هي قضيّة اجتهاديّة. وبإمكانك بعد ذلك أن تفهم الكثير من مواقفهم وسلوكيّاتهم … !!

     
  5. #25
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: من أسرار الأسماء في القرآن الكريم

    :: الظّـــن ::


    هل يستطيع العربي الفصيح أن يستوعب أنّ الظّن قد يأتي بمعنى اليقين؟ لا نظنّ ذلك. ولكنّ الكثير منّا قد يقبل هذا القول على مضض، لأن أهل التفسير يقولون بأن الظّن قد يرد أحياناً في القرآن الكريم بمعنى اليقين، ويستشهدون للتدليل على مذهبهم هذا بمثل قوله تعالى: " الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ". فلمّا قالوا إنّ العقيدة لا بد لها من جزم، ولما رأوا أنّ الإيمان لا بد أن يكون قاطعا، قادهم ذلك إلى حتمية القول بأن الظّن قد يأتي بمعنى اليقين. ولم يقولوا لنا لماذا شاء الله تعالى أن يقول: " يظنون" بدل "يوقنون" !!

    يبدو أنّ الخطأ نتج عن زعمنا بأنّ العقيدة يجب أن تكون جازمة حتى ينجو المؤمن يوم القيامة. ولا ندري من أين جئنا بهذا الزعم في مواجهة آيات صريحة تَقبلُ من العبد أن يسلك وفق غلبة الظّن، وإلا فما معنى أنّ الإيمان يزيد وينقص؟ يقول الله تعالى: " وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً ". فمعلوم أن لا مجال للزيادة على ال 100% ولا مجال للنقصان. هذا إذا كان المطلوب هو الجزم القاطع. وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أنّ القرآن الكريم يُسمّي العقيدة إيماناً. وقد نزلت الرسالات لتبني الإيمان في النفوس ليبلغ الإنسان درجة اليقين. وعندما يتكلم القرآن الكريم عن وظيفة الرسالات المنزّلة يُذكِّر بالنتائج المرجو تحققها، والأدلة على ذلك في القرآن كثيرة، مثل قوله تعالى: " ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ". وهذا لا يعني إطلاقاً أنّ الذي أسلم نفسه لله تعالى، وهو في دائرة غلبة الظن، غير مقبول عند الله. بل إنّ الآيات الكريمة واضحة وصريحة في قبول من يسلك على ضوء غلبة الظن. والمشكلة هنا في تحكيم وجهة النظر السابقة في النص القرآني.

    يقول سبحانه وتعالى: " إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ". فلا يصحّ في الدين أن يكون كلّ الظنّ إثماً، لأنّ هناك الكثير من المسائل في العقيدة والشريعة لا يمكن الوصول فيها إلى درجة اليقين؛ فلا بد عندها من الاستناد إلى الظن الغالب. والمقصود بالظن الغالب هنا هو الظن الذي يغلب الظنون الأخرى. وعليه فإذا كان الظن في مواجهة الدليل اليقيني فإنه يكون مذموما. وكذلك يُذم الظن في مواجهة غلبة الظن. انظر قوله تعالى: " إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ". فلا قيمة للظن في مواجهة الحقيقة.

    فرّق البعض بين العقيدة والشريعة فقالوا: إنّ العقيدة لا تثبت إلا بالدليل القطعي، أمّا الشريعة فتثبت بالدليل الظنّي. وعندما نبحث عن سند شرعي لهذا التفريق يصعب أن نجده. بل نجد أنّ الأحاديث الكثيرة تُثبتُ بأنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يبعث آحاد الناس لتعليم العقيدة والشريعة، ولم يكن يُفرّق؛ فلم نجده، مثلا، عند تعليم العقيدة يشترط، عليه السلام، الكثرة التي تبلغ حد التواتر. ويجدر هنا لفت الانتباه إلى أنّ كل حكم شرعي فيه جانب إخباري (عقيدة)، وفيه جانب تشريعي؛ فعندما نقول: " الصلاة فرض"، فإنّ هذه العبارة هي خبر يتضمن طلباً، فمن أنكر فرضيّة الصلاة كفر، ومن لم يُصلّ عصى.

    وكما وقع أولئك في الخطأ فوصلوا إلى نتائج عجيبة، كذلك وقع خصومهم في خطأ أكبر عندما ذهبوا إلى أنّ العقيدة الجازمة تثبت بخبر الواحد، فقالوا إنّ خبر الواحد يوجب العلم، واستدلوا على ذلك بفعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقد كان يبعث آحاد الناس ليعلموا العقيدة، وقد تواترت الأخبار بذلك. وفي الحقيقة أنّ فعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، يُعتبر دليلاً على جواز أن يكون ناقل العقيدة والشريعة شخصاً واحدا، أو آحاداً من الناس، وأنّه يجوز لنا أن نُصدّق آحاد الناس، ولا فرق في ذلك بين عقيدة وشريعة. ولكن من أين لنا أنّ خبر الآحاد يوجب العلم الجازم، والله سبحانه وتعالى يقول: " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم..."، وهو القائل سبحانه: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة..." ؟! والعجيب هنا أنهم لا يقبلون في إثبات دَيْن على مدين بشهادة رجل واحد، حتى ولو كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثم هم يوجبون التصديق الجازم بخبر رجل واحد أو امرأة واحدة في دِين يلتزمه المليارات من البشر إلى يوم القيامة.

    هناك فرق بين التصديق ووجوب التصديق؛ فمن البدهي أنّه يجوز لنا أن نتتلمذ في العقيدة أو الشريعة على عالم واحد، أو على آحادٍ من العلماء، ولكن من قال بأننا ملزمون بتصديقه أو تصديقهم، في كل ما يقول أو يقولون، وعلى وجه الخصوص عندما يتعارض قولهم مع ظاهر القرآن الكريم، أو ظواهر الشريعة، أو بدهيّات العقول؟!

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 5 من 7 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك