يا أمّة الإسلام.. انظروا إلى الأمم السابقة كم من أقوام كانوا ممن يعبدون الأصنام وهم بزعمهم أنهم يعبدون الله.. وعندما كانوا يُسألون ما هذه الأصنام التي تعبدونها وما حقيقتها..؟ تراهم ومن عجزهم عن أن يستتروا من سوء فعلهم يقولون: بأننا ما نعبدهم إلا ليقرّبونا من الله زلفى، وبانعدام البيّنة والبرهان لديهم تراهم كيف يهرعون ليواروا سوءاتهم بحجّة الاجتهاد بقولهم: هذا ما وجدنا عليه آباؤنا..!!.
وهنا أريد أن أسأل كل واحد منكم وليحتفظ بالجواب لنفسه لعلّه من خلال تفكره في الإجابة أن يتدارك نفسه قبل فوات الأوان ويعرف أين موقعه من عبوديته المخلصة والخالصة لله وحده، ولعلّه أيضاً أن يدرك من جانب آخر ماذا فعل إبليس ببني البشر، ومن ثم يفرّق ما بين منهجية علمه وغاية عمله وما بين وحي إبليس ومأربه.
وابتداء بالسؤال: بأنه من أوصل الأمم السابقة إلى أن يعبدوا الأصنام..؟ وكيف وصل بهم الحال إلى ما وصلوا إليه..؟ أليسوا هؤلاء هم ممن أُنزل على آباءهم الكتب والصحف السماوية...؟ فكيف وصل بهم الأمر لأن يجسّدوا الإله بصورة من الصور.. أو بهيكل من حجر.. وينعتونه بأوصاف "تصلح لنسج الأكفان".
فمنهم من قدّسوا النار غباء، ومنهم من عبدوا النجوم جهالة، ومنهم من كانوا يسجدون للأصنام جهارة, ومنهم من جعلوا لله ولداً.. وغيرهم الكثير ممن أشركوا ومن ثم ضلّوا عن السبيل بسبب أنهم راحوا يتعبدون الله بالتقليد الأعمى.
والحقيقة تنبئنا بأنه ما أوصل حال الأمم السابقة إلى ما وصلوا إليه إلا لأنهم كانوا في بداية انحرافهم راحوا يعبدون الله لمجرّد العبادة فقط وليس سعياً منهم لأن يحققوا الغاية من تلك العبادة إلى أن أصبحت مع مرور الأيام هذه العبادة عادة، ووصل بهم الأمر أيضاً إلى أنه إذا عُرض عليهم الحق وبانت لهم الحقيقة جلّية ينكرون ذلك ويقولون بدعوة أن هذه إلا أساطير وشعوذات شياطين, ويتهمون كل من يدعوا إلى غير ما هم عليه بأنه خارج على الملة والدين.
فكانت هذه الغاية العظمى لما كان إبليس يسعى لها.. ولقد حصل له ذلك فيما كان همّه هو أن يحجبهم عن الغاية من العبادة والمقاصد منها إلى أن تصبح العبادة طقوس وعادة، ومن ثم تتحول فيما بعد إلى هياكل وأصنام يتعبدون بها بحجّة هذا ما وجدنا عليه آباءنا.... وكما قلت سابقا بأن الأصنام ليست بالضرورة أن تكون حجارة.
ولعلّكم من بعد ذلك كله لو نظرتم إلى واقع حال اليوم وما يجري في هذا العالم وما يحدث ثم تساءلتم: كم من الوثنيات اليوم في هذا العالم..؟ ولو أردنا أن نحصي ما في زماننا اليوم من ضلالة في الدين وانحراف في العقيدة لوجدنا بأن ما من صنم عُبد أو كفر أو معصية أو بدعة كانت قد فُعلت منذ العهد الأول للبشرية إلى يومنا هذا إلا وهي الآن حاصلة وواقعة اليوم في زماننا.. والواقع يشهد على ذلك.. !!.
أليس في زماننا هذا إذا ما أن وقعت حادثة كونية كزلازل أو براكين أو عواصف أو غيرها ترى هناك ممن يقول بأنها "غضب الطبيعة".
ثم انظروا إلى هؤلاء الذين يمارسون الظلم والقهر في هذا العالم كيف يعيثون في الأرض الفساد.. هل الظالم عندما يظلم هو مؤمن حقاً بأن هناك إله أو حساب..؟ أم ترونه يؤوّل ما يفعله بأنه هو الصواب بينما هو يمارس نظام "القاضي والجلاد", وإن سألته لماذا قتلت ذاك الرجل وما الذنب الذي أقترفه..؟ تراه كيف يظهر بصورة المجتهد ويقول: بأنه لو لم أقتله لكان قد قتلني..!!.. وكم من أهل هذا الزمان ممن يعمل بمقولة "أنا ومن بعدي الطوفان".. وكم هناك ممن يعتقد بأنه بالمال هو على كل شيء قدير"..!!.
انظروا إلى هذه الأمّة كم هناك ممن يعبدون الله بالعادات ويقدّسون العُرف ويعتبرون التقاليد التراثية من الدين الحنيف, وكم من الانحرافات والبدع ومن انعدام الأمانة وسوء الأخلاق في هذه الأمّة.
أما عَلِمَ هؤلاء بأن حقيقة مشروعية العبادة وتحقيق الغاية منها هي أقدس وأجلّ من العبادة بحدّ ذاتها مثلما أن حرمة المؤمن عند الله أفضل من حرمة الكعبة الشريفة مع أن المؤمن يطوف من حولها امتثالا لأمر الله وطاعته له.. أم حسبوا بأن الله عندما اشترط عليهم العبادة لقوله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }. هي لمجرّد العمل بالعبادة فقط، أو لعلّهم لم يدركوا بعد أن طاعة الله مشروطة لقبولها هو بتحقيق الغاية منها، وإذا لم يحققوا الغاية من طاعتهم فما عبدوا الله في عبادتهم
لأن الله ما فرض العبادة على العبد إلا من أجل ضمان تحقيق الصلاح له والإصلاح لمن حوله وليس من أجل أنه سبحانه وتعالى هو بحاجة لها، فالله غني عن العالمين، إلا أننا نحن الذين بحاجة إلى هذه العبادة، فهو الحكيم الخبير بنا عندما فرضها علينا، وهو الشهيد والرقيب علينا عندما نؤديها، وهو الحكم والعدل عندما سيحاسبنا عليها....
***********
مواقع النشر (المفضلة)