أثار منتدى التنمية السياسية في ندوة حوارية اليوم جدلاً سياسياً واسعاً في أوساط سياسيين وقانونيين وقادة أحزاب سياسية حول الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات اليمنية.
وفي الندوة التي نظمها المنتدى بتمويل من مؤسسة فردتش ايبرت الألمانية استعرض الدكتور محمد عبدالملك المتوكل استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء – ورقة عمل بعنوان " القوانين اليمنية وحقوق الإنسان في الشرعية الدولية تمحورت الندوة حول مضامينها.
وانتقد الدكتور المتوكل قصور التشريعات المحلية في كفالة بعض حقوق الإنسان خاصة المتعلقة بقضايا " حرية العقيدة ، والمساواة ، والحقوق السياسية والمدنية" مؤكداً في استعراضه لكثير من النصوص القانونية التي تكفل الحقوق المذكورة أنها صيغت بمفهوم ضيق خاصة في قضيتي المساواة وحرية العقيدة .
وناقشت الندوة الحوارية ازدواجية التشريعات اليمنية في قضايا " حرية العقيدة ، والمساواة، والحقوق السياسية والمدنية وسط انتقادات المشاركين تجاهل الندوة للحقوق الاقتصادية ، وانحصارها في قضية المساواة بين الرجل والمرأة .
عبدالوهاب الآنسي الأمين العام المساعد للتجمع اليمني للإصلاح في تعقيبه على المشاركين في الندوة قال كلنا نعلم أن الرجل والمرأة أقصوا من الحكم بعد الخلافة الراشدة حينما انحصر الحكم في اسر معينة ، الأمر الذي اثر على حقوق الرجل والمرأة سلبا وأعاد تقاليد وعادات الجاهلية .
وقال الآنسي أن هذا الإقصاء أثر سلبا على حياة الناس جميعاً وحرمهم من الحكم والسياسية وهما من القضايا الهامة في حياة الإنسان ,مشيرا إلى أن إبعاد الناس عن السياسة من أكبر المنكرات. وأكد على ضرورة أن ينهض المسلمين لتحقيق الواجبات الكفائية بطريقة صحيحة لتحقيق التكافل الشامل ، مؤكداً أن الإسلام أنصف المرأة في الحقوق والواجبات .
من جهته قال الدكتور عيدروس النقيب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الإشتراكي اليمني أن الحديث عن تميز المرأة لا يعني أن حقوق الذكور كما يرام ، مؤكداً أن الظلم يكون متساوياًَ بحق الجنسين الرجل والمرأة في حالات كثيرة ، فالانتقاص كما يؤكد النقيب قائم بين الجنسين إلا أنه يكون مركباً بحق المرأة في أحايين كثيرة .
وانتقد النقيب تجاهل الندوة لقضايا الحقوق الاقتصادية التي تتدهور إلى الأسوأ يوماً بعد آخر .
وأكد أن تخلف المنظومة التشريعية المحلية وإشكالية فهمها هي السبب الرئيسي في التفاوت القائم بين التشريعات المحلية والدولية خاصة المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان.
المتوكل في دراسته انتقد تجاهل السلطة للتشريعات المحلية والدولية في كثير من ممارساتها الخاطئة تجاه القضايا الحقوقية.
وكشف أستاذ السياسة بجامعة صنعاء عن تناقضات في نصوص بعض القوانين المحلية مع نصوص اخرى في تفاقيات ومعاهدات دولية صادقت اليمن عليها ، في إشارة منه إلى المادة (18 ) من الإعلان العالمي لحقوق التي تكفل حرية الفكر والوجدان والدين للشخص ، الأمر الذي تناقضه السلطة اليمنية ممارسه في المادة (295) من قانون الجرائم والعقوبات التي تقر الإعدام بحق المرتد عن دينه بعد استتابته ثلاثة أيام وإمهاله ثلاثين يوماً . . . . تابع
وقال الدكتور المتوكل : لم يقتصر - واقع الممارسة - انتهاك حق المواطن في معتقده على من يغير دينه وإنما شمل الطوائف والمذاهب في إطار الدين نفسه ، مشيراً إلى أسباب التضييق التي تمارس على أتباع المذهب الاثنى عشري وعلى المذهب الزيدي واعتقال العديد من يعتقد انتمائهم للمذهبين ومصادرة كتبهم وإغلاق مراكزهم التعليمية مستشهداً بحرب صعدة .
وفي قضية المساواة التي يكفلها الدستور لجميع المواطنين في الحقوق والواجبات في المادة (41) أكد المتوكل وجود مواد في الدستور نفسه تنتقص من حق المواطن غير المسلم في الحصول على تلك الحقوق ، في إشارة منه إلى المواد ( 107،64،131 ) اللاتي تحدد شروط من يرغب ترشيح نفسه لمناصب رئاسة الجمهورية ولعضوية البرلمان وفي تولي منصب رئاسة الوزراء ، وهو ما اعتبره المتوكل مخالفة صريحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق دونما أي تمييز في الجنس واللون العقيدة ويتعارض أيضاً – بتأكيده - مع الحقوق المدنية والسياسية التي يؤكد عليها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
وتناولت دراسة المتوكل حول ازدواجية التشريعات اليمنية ما وصفتها بأبرز الجوانب التميزية بالنسبة للمرأة من نصوص القوانين النافذة خاصة في القوانين " الجرائم والعقوبات ، الأحوال الشخصية ، وقانون الجنسية ، وقانون الإثبات العام " خاصة المواد المعلقة بقضايا دية المرأة وميراثها وحقها في إبرام عقد زواجها وحرمان أبنائها من الجنسية اليمنية في حال زواجها من أجنبي ، وكذا ما يتعلق بالشهادة في القضايا كدليل قضائي, واعتبر ذلك ناتجاً عن النظرة الدونية للمرأة وعدم الثقة في عقلها.
وعن قضايا الحقوق السياسية والمدنية انتقد المتوكل انتهاكات السلطة للنصوص القانونية والدستورية الكافلة لتلك الحقوق, في إشارة منه إلى انفراد الحزب الحاكم بالسلطة وتسخيره للوظيفة العامة والمال العام لمصلحته وللمحافظة على بقاء سلطته ، واصفاً الديمقراطية العربية باللعبة الناتجة عن ثقافة سلطوية كما هي نتائج مؤسستين منشأهماغير ديمقراطية " عسكرية أو عشائرية أو الاثنين معاً ".
وقال المتوكل – الأمين العام المساعد لاتحاد القوى الشعبية – أن مفهوم الأنظمة العسكرية للديمقراطية هي التي يجب الا تغير مواقفها ولا تحد من سلطاتها ولا تؤثر على مصالحها وامتيازاتها ولا تتجاوز الخطوط الحمراء في نقدها.
وأضاف: فإن هذه الأنظمة تتخذ من الأساليب والوسائل والإجراءات ما يجعل اللعبة الديمقراطية في هذه الحدود, مذكرة شعوبها بديمقراطية الصومال والعراق.
واستعرض في ورقته تجربة الديمقراطية في اليمن وأداء أحزاب المعارضة التي تجد نفسها لا تنافس حزباً وإنما تنافس مع الدولة بكامل إمكانياتها وسلطاتها كما تجد المعارضة – بحسب المتوكل – حزباً حاكماً قد تماهى مع السلطة وكأنه احد أجهزتها وتحت أمره كل إمكانياتها وسلطاتها ، مستعرضاً في الوقت ذاته الانتهاكات والممارسات غير القانونية وغير الدستورية والتي رافقت الانتخابات الماضية ( رئاسية ومحلية ) في ممارسات السلطة المتعمدة .
وانتقد المتوكل تشريعات محلية تعارض الحق الذي كفله الدستور للمواطنين في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً وثقافياً ، وهو ما يتعارض في الوقت ذاته مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، في إشارة منه إلى قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم (1) العام 2001م الذي وضع بتأكيد المتوكل قيوداً وموانع ومحظورات أسقطت الحق المطلق في تكوين الجمعيات والمنظمات الأهلية المضمونة بنص المادة (58) من الدستور ، منتقدا في الوقت ذاته قصور التشريعات المحلية في تلبية حقوق أقرتها اتفاقيات دولية صادقت اليمن عليها خاصة المتعلقة بحق المواطن بحرية الرأي والتعبير, في إشارة منه إلى الانتهاكات التي طالت العديد من الصحفيين والصحف ونشطاء الأحزاب السياسية المعارضة لأسباب سياسية . . . . تابع
المتوكل في ورقة عمله انتقد أيضاً عدم التزام اليمن بالاتفاقيات الدولية التي تبادر في المصادقة عليها دون تحفظ ، حتى ولو كانت تتناقض مع كثير من التشريعات المحلية .
واعتبر ذلك مشكلة تواجه كثير من الأنظمة العربية بما فيها اليمن التي تظهر كرماً وتسابقاً على توقيع مثل تلك الإعلانات والاتفاقات لا امتناعاً بم تحتويه – حد تعبيره – وإنما حرضاً على أن تظهر دولياً بمظهر الدولة التي تحترم الشرعية الدولية وحقوق الإنسان لأنها مطمئنة من الناحية العملية لن تنفذ إلا ما تريد ، وهو ما اعتبره المتوكل أسوء الانتهاكات التي تمارسها السلطة بحق الدستور والقانون في ظل غياب الفصل بين السلطات وغياب سيادة القانون والقضاء المستقل واستمرار تضخم سلطة الفرد على حساب صلاحيات المؤسسات .
دراسة الدكتور المتوكل حول " القوانين اليمنية ... وحقوق الإنسان في الشرعية الدولية" أثارت ردود أفعال مختلفة في أوساط المشاركين في الندوة ومداخلات المحاضرين.
وحظيت الدراسة بتأيد بعض المشاركين في الندوة وبموافقة آخرين على بعض مفرداتها لكنها قوبلت بانتقادات مشاركين آخرين تابعين للحزب الحاكم خاصة تعقيبات مقرر لجنة الشئون الدستورية بمجلس النواب النائب سنان العجي وكذا تعقيبات المحامي احمد الوادعي ، المشاركين "امل الباشا,وجمال الجعبي,ومحمد سالم عزان,ومحمد سيف العديني" اتفقوا في تعقيباتهم مع كثير من مضامين ورقة الدكتور المتوكل واختلفوا في بعضها.
امل الباشا رئيسة منتدى الشقائق لحقوق الانسان انتقدت تجاهل المتوكل لقضايا الحقوق الاقتصادية كونها الاساس الضامن للحقوق السياسية.
وقالت الباشا ان اكثر من 50% من السكان تنتهك حقوقهم الاقتصادية,وهو ما اعتبرتة الباشا قنابل موقوتة للمستقبل إذا ظلت كما هي دون البدء بمعالجة أخطائها.
من جهته اكد محمد سيف العديني رئيس دائرة التنظيم والتأهيل للتجمع اليمني للإصلاح في محافظة اب في تعقيبه على المتوكل أن التضييق على أنصار المذهبين الزيدي والاثنى عشري إنما في حقيقة الأمر صراع سياسي ولا دخل له بتجربة الدين والمذهب .
وقال العديني ان النظام إذا اختلف مع المذاهب أو الجماعات الإسلامية أو القبلية يبدأ باعتقال ومطارده أعضائها,فالمسألة بتأكيد العديني تنطلق من" سياسة فرق تسد".
وأشار رئيس دائرة التنظيم في إصلاح اب إلى وجود مواد دستورية متقدمة ومتطورة لكنها للأسف حسب قوله – لا تطبق ولا تقوم المعارضة بتوعية الشعب بها والمطالبة الجماهيرية بتطبيقها خاصة المادتين (4،5) في باب الأسس السياسية و( 24،27) في باب الأسس الاجتماعية والثقافية ،( 36،40) في باب أسس الدفاع الوطني ، وجميع مواد باب حقوق وواجبات المواطنة الأساسية ، وكذا المادة( 1499) في باب السلطة القضائية .
محمد يحي عزان " الأمين العام السابق لتنظيم الشباب المؤمن " نفى من جهته مخالفة القوانين اليمنية النافذة للمواثيق الدولية مرجعا ذلك لأمرين ، الأول أن الدستور اليمني قيد قبول الاتفاقيات والمواثيق الدولية (بعموميتها), الثاني أن الدستور يؤكد أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات, لذا يجوز مخالفة القوانين والمواثيق الدولية لأنها ليست معصومة كونها معتمدة على دراسة الظواهر, كما أنها نصت على حق الفرد في اختيار أفكاره ونط حياته. . . . تابع
من جهته أكد المحامي جمال الجعبي في تعقيبه على الدكتور المتوكل أن نسبة كبيرة من الفجوة القائمة بين النصوص الوطنية والاتفاقات الدولية يمكن إزالتها في حال صادقت اليمن على البرتوكولات الاختيارية أو تفعيل آلية الرقابة بجهود مجتمعة .
وعلى خلاف سابقيهم ذهب المحامي أحمد الوادعي والنائب سنان العجي مقرر اللجنة الدستورية بمجلس النواب إلى أن ما جاء في ورقة المتوكل هو ما تطرحه أحزاب المعارضة في الفعاليات وفي الصحافة, محاولة منها تبرير فشلها في الانتخابات وفي كسب تأييد الناس.
واكد الوادعي والعجي أن اليمن حقق مكسباً لم تحظ به بعد كثير من الدول العربية حتى أوكلت إلى القضاء الفصل في الطعون الانتخابية وهو مكسباً يحب تطويره وتجذيره من خلال الإصرار على تحقيق نظام كفيل يجعل القضاء مستقلا بالمعنى الصحيح.
|