المرأة العربية في المناهج التربوية... أي سياسة مستقبلية؟
يخرج أبي للعمل طوال النهار ليجني المال, فيما تقضي أمي نهارها في المنزل للاهتمام بنا", هذه الجملة أو ما يشبهها أذكرها من كتب القراءة في المرحلة الإعدادية, تكررت في السنة الثانية وفي الثالثة وربما في الرابعة. فصار من البديهي في مخيلتنا نحن التلامذة الصغار أن يكون الأب خارج البيت ليعمل, وأن تلازمه أمهاتنا للاعتناء به وبنا, من دون أن ترسم لها وظيفة أخرى في الحياة, وحفظناها بهذا الشكل. لم نعد التفكير في الصورة التي شاركت مناهجنا التربوية في ترسيخها على رغم خروج نسبة كبيرة من النساء إلى سوق العمل. لكن الحديث عن صورة المرأة في المناهج التربوية اللبنانية لا يقتصر فقط على الصورة المترسخة حول دورها كربة بيت فقط, إنما يمتد بالطبع ليطاول تعريف دورها في المجتمع وحقوقها. وقد اعيد طرح صورة المرأة في المناهج على بساط البحث أخيراً, خلال ندوة نظمها تجمع "باحثات" بمشاركة تربويين وأساتذة علم نفس وعلم اجتماع ومتخصصين في قراءة الجندر. طرح صورة جديدة الدكتورة فاديا كيوان (أستاذة جامعية وعضو سابق في الهيئة الوطنية للمرأة) شددت بداية على اتصال جرى بين أعضاء الهيئة ورئيس المركز التربوي في ذلك الحين الدكتور منير أبو عسلي لضرورة التنبه إلى صورة المرأة في المناهج التي كانت قيد الإعداد والتجديد في ذلك الحين, واستجاب أبو عسلي للطلب ونظمت ورشة عمل حول صورة المرأة اللبنانية في المناهج التعليمية. وبين بعض الباحثين أن الصورة لم تتغير في المناهج الجديدة. الحياد الايجابي وصفت الدكتورة كيوان صورة المرأة في المناهج الجديدة بأنها ليست سلبية ولا ايجابية, وقالت إن "لبنان انتقل من النص السلبي إلى الحياد الإيجابي الذي لا يغير النمط التقليدي في التربية". ورأت أن "الرجال والنساء في لبنان غير جديين في محاولات تغيير الصورة النمطية عن المرأة, التركيبة اللبنانية العائلية - المذهبية - الطائفية هي السبب في ذلك وهي المشكلة البنيوية الكبيرة التي لم يطلها نضال الحركة النسوية". وشددت كيوان على أن الحركة النسوية "لن تتمكن من تنزيه صورة المرأة لأن هذه الصورة مرتبطة بالتكوين الثقافي للبنانيين الذي يطاول البنيان الأساسي لهذا المجتمع, حيث تغلب فكرة العائلة الممتدة في القبيلة, ويغلب مبدأ القوة وتغلب الذكورة". وتذكّر كيوان في دراسة أعدتها عام 1998 حول "صورة المرأة في المناهج وفي الكتب المدرسية في لبنان", بأن تقرير اللجنة الدولية للتربية للقرن الحادي والعشرين - والتي كانت قد شكلتها اليونيسكو - يؤكد أن هناك ضرورة "لمشاركة المجتمع التربوي بكل فئاته والمجتمع الأهلي بكل فاعلياته في أي مشروع تربوي مستقبلي". وفي هذا الإطار, رأت أنه من الناحية الشكلية "لا يمكن سوق أي مأخذ على نهج المشاركة الذي تم اعتماده من القيمين على ورشة النهوض التربوي, والمناهج التربوية الجديدة ليست من صنع جهة رسمية بل من صنع القوة التربوية الحية في لبنان". لكنها توقفت عند تركيبة القوى التي شاركت في وضع المناهج وعند نسبة النساء المشاركات, "فتبين وجود اختلال واضح في التوازن بين الرجال والنساء في حجم المشاركة في إعداد المناهج". وسألت: "كيف نريد أن تعكس لجان هي في معظمها من الرجال صورة جديدة عن المرأة وأين هي المرأة من المشاركة المتوازنة في عملية بهذه الأهمية؟". استعراض المناهج وفي مقارنة بين الكتب المدرسية القديمة في لبنان والمناهج الجديدة, ترى كيوان أن السياسة التربوية العامة غير تقليدية, لكن "استعراض المناهج التربوية التي تم اقرارها عام 1997, يُظهر أن واضعي المناهج تنبهوا لئلا يخطئوا بحق المرأة عبر إعادة انتاج لا شعورية لصور تقليدية لها. أما مناهج المواد الأدبية والاجتماعية فلا تأتي على ذكر اشكالية حقوق المرأة أو أي صور خاصة لها". وتختتم كيوان تلخيصاً أن المناهج الجديدة "لا تتضمن أي انزلاق في الصور التقليدية ولكنها لا تتضمن أي موقف علني ملتزم بالعمل على إدخال مفاهيم وصــور جديـــدة في الثقافة الاجتماعيـة اللبنانيــة". كيف السبيل إلى تغيير الصور التقليدية للمرأة؟ الإجابة قد تبدو بديهية, لكن هذا السؤال يبدو غائباً عن اهتمامات معظم الجمعيات المتخصصة وفئات المجتمع المدني اللبناني, على رغم أن بعض قطاعاته مهتمة بحقوق المرأة.ا