بعد أن أغتصب وقتل ثلاثين طفلا ونسيهم : التوربيني سفاح هز المجتمع المصري
هزت جرائم القتل والاغتصاب التي ارتكبها سفاح شاب يقود عصابة من المراهقين المنحرفين ضمير ووجدان المجتمع المصري هزا عنيفا دفعه الى اعادة النظر في امور كثيرة تتعلق بعمالة الاطفال ودور المجتمع المدني في التنمية، والدور الذي يفترض ان يقوم به القطاع الخاص الذي يتعاظم نصيبه من الثروة القومية مع اتساع نطاق نشاطه الاقتصادي. والسفاح الذي تسببت جرائمه في كل هذه الضجة هو رمضان منصور البالغ من العمر ستة وعشرين عاما والذي تضم عصابته محمد السويس (17 عاما)، واحمد سمير البالغ من العمر خمسة عشر عاما، ومعهما صبيان آخران يحملان اسمين حركيين هما 'بزازة' و'حناطة'. ومن الواضح ان الشذوذ مكون رئيسي في نفسية رمضان منصور الذي يحيط نفسه بالصبية المساعدين له في الاجرام، ويختار ضحاياه من الصبية الذين تتراوح اعمارهم بين 12 و17 عاما. كما ان اسمي مساعديه الهاربين 'بزازة' و'حناطة' لهما دلالات لا يمكن اغفالها، فاسم الاول يعني الحلمة البلاستيكية التي توضع على قنينة اللبن لإرضاع الاطفال، وهو ما يشير الى ارتكاس نفسي وجنسي واضح. كما ان حناطة تعني الطعم اللذيذ وهي اشارة حسية لا يمكن اغفالها. ومن علامات الشذوذ الواضحة ايضا ان ضحايا هذا الوحش هم من الغلمان باستثناء ثلاث فتيات اعتدى عليهن، ومثل بجثثهن، ثم تخلص منهن بالدفن في سراديب وانفاق لم تحدد النيابة التي تحقق معه، مواضعها، وآخر ضحاياه فتى في الثانية عشرة، كما قال للمحققين. وعندما سأله المحققون عن عدد من قتلهم قال انهم كثيرون وليس بوسعه ان يعدهم، لكنه ارشد الشرطة الى حيث دفن التسعة الذين اغتصبهم والقى بهم من فوق ظهر القطار، لكنه لا يذكر عدد الباقين ولا اين دفنهم، لكن النيابة تقدر عدد ضحاياه بثلاثين طفلا. انكشفت العصابة بعد ان كثفت مباحث رعاية الاحداث جهودها لمعرفة ملابسات مصرع الطفل احمد ناجي عبدالفتاح الذي اثبت تقرير الطب الشرعي انه تعرض الى الاعتداء الجنسي، وان وفاته جاءت نتيجة اصابته بكسور في الجمجمة وفي الرقبة والقدمين والذراعين، وهو ما سبب هبوطا حادا في الدورة الدموية، ادى الى الوفاة، وقد كان هذا الطفل واحدا من الضحايا الذين لم يشر اليهم القاتل المنحرف. وقد كشف زعيم عصابة الاغتصاب والقتل عن ان العنف الذي يرتكبه منذ سنوات هو اعادة انتاج لما تعرض له هو نفسه في صباه عندما فر من منزل اسرته ليعمل في مقهى ومطعم في محطة السكة الحديد الرئيسية في القاهرة. كان عمر رمضان آنذاك اثني عشر عاما، وقد وقع تحت سيطرة بلطجي اسمه عبده التوربيني الذي حمل هذا الاسم تشبها بأقوى القطارات وهو القطار التوربيني (الاسباني) الذي لا يقف في طريقه شيء. استولى البلطجي على كل ما كسبه وادخره رمضان الصغير، طوال أشهر من العمل في محطة القطارات، برغم انه يقترضه منه وسوف يرده بعد حين. ولما أصر الصغير على استرداد أمواله استدرجه البلطجي إلى رحلة فوق ظهر القطار حيث كان من السهل عليه أن يسيطر عليه ويغتصبه ثم يلقي به من فوق ظهر القطار المندفع. لم يمت الصغير الذي أصابته هذه الحادثة بإصابات في الوجه وبحول دائم وبجراح غائرة في البطن والساق اليسرى. وعاش مملوءا بالكراهية والرغبة في العنف والإيذاء، دون تمييز. دخل التوربيني السجن، وكبر الصغير ليفعل بكل طفل تقع عليه يداه ما فعله به المجرم الأصلي الذي صار يحمل اسمه، فهو الآن رمضان التوربيني وبمجرد ان أعلنت السلطات تفاصيل جرائم التوربيني تزاحم على أبوابها آباء غاب أطفالهم وانقطعت أخبارهم وظنوهم من ضحايا هذا السفاح، كما تقدم عشرة أحداث من مشردي الشوارع ببلاغات إلى النيابة تتهم رمضان وعصابته بالاعتداء عليهم ومحاولة قتلهم. وقد تحفظت عليهم النيابة وبدأت البحث عن أسرهم لتسليهم إليها. نصف مليون طفل مشرد وهنا لابد من سؤال لا يهدف إلى إطفاء أوار هذه المأساة بقدر ما يهدف إلى وضعها في إطار علمي: كم طفلا مشردا في شوارع مصر؟ كم عدد هؤلاء البؤساء المعرضين لهذا النوع من الانتهاكات؟ ان صبية الورش الميكانيكية وصبية المزارع وخدم البيوت تبدو حياتهم جنة من جنات النعيم إذ قورنت بحياة البؤساء المشردين في الشوارع. يقدر مدير مركز حماية الطفل أحمد صديق عدد المشردين في الشوارع بحوالي نصف مليون طفل، وان كان من الصعب التأكد من صحة هذا الرقم. وقد وجهت الصحافة المحلية اللوم للجمعيات الأهلية البالغ عددها سبعة عشر ألفا لأنها لا تهتم بقضايا مهمة وملحة مثل قضية الطفولة المشردة، وتركز على قضايا حقوقية وسياسية لأن هذه الأخيرة هي التي تجتذب أموال الدعم الخارجي. وقد سألنا الناشط الحقوقي البارز نجاد البرعي عن هذه المسألة فقال لنا إن هناك جمعيات كثيرة تعمل في هذا المجال لكن الإعلام لا يهتم بها.وأضاف: الإعلام يركز على ما تفعله الجمعيات الحقوقية المعنية بالقضايا السياسية الساخنة لأن هذه القضايا هي التي تجتذب مشاهد التلفزيون وسامع الراديو وقارئ الجريدة. ويقول وكيل وزارة الإعلام نائب رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري عادل نور الدين إن القضايا اليومية تفرض نفسها، بشكل متزايد، على الإعلام المصري الذي يتجه إلى أن يضع القضايا المحلية والحياتية في موضع الصدارة لأن حياة المواطن واستقراره يجب أن يكونا مقدمين على أخطر الأحداث الإقليمية والدولية. لكن المؤكد ان انكشاف جرائم التوربيني وما سبق ذلك من انكشاف دعارة الفتيات الصغيرات في وسط القاهرة، هو الذي سلط أضواء الإعلام المصري على عذابات الطفولة المشردة. وبعد ان بدأ الإعلام يهتم بهؤلاء تصاعدت الاتهامات الموجهة إلى الجمعيات الأهلية. وقد صرح مدير مركز حماية الطفل أحمد صديق للصحافة المحلية ان الاتحاد الأوروبي يعمل بالتنسيق مع المجلس القومي للطفولة والأمومة لتمويل جمعيات تعمل من أجل أطفال الشوارع. فماذا عن التمويل المحلي؟ تكشف تصريحات أحمد صديق عن ان تركيز الجمعيات التي تجمع التبرعات لمصلحة الأيتام على الثواب الذي يؤجر به كافل اليتيم والمتبرع له يصرف الناس عن الاهتمام بالتبرع لجمعيات معنية بالطفولة المشردة، ولهذا فواجب الدعاة الدينيين والإعلاميين وقادة الرأي العمل على حشد الرأي العام لانقاذ الطفولة المشردة بكل فصائلها. وتقول التقارير غير الرسمية ان عشر جمعيات أهلية تعمل بالفعل على معالجة مشاكل الطفولة المشردة، ويقول لنا رئيس مركز الكرمة أحمد أسامة أبو دومة: ان واجب الجمعيات الأهلية توزيع الاهتمام على القضايا السياسية والاجتماعية والتنموية بالتساوي. ويضيف: لا بد ان تقترن الدعوة إلى الإصلاح السياسي بالدعوة الى الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وهو يعتبر التنمية وتخفيف حدة الفقر أمرين ضروريين، لأن الجائع سيبيع صوته الانتخابي لمن يعطيه رغيف الخبز، سواء كان صالحا أو فاسدا، وبغض النظر عن كل جهود التوعية السياسية. لكن الذي يمكن ان تفعله الجمعيات الأهلية للطفولة المشردة قليل، وكما تقول التقارير، فإن بعض هذه الجمعيات قد تمنح الطفل استراحة قصيرة اثناء النهار، ثم تغلق أبوابها ليخرج الأطفال الى قسوة الليل الموحشة في المدينة العملاقة. ولا ينسى كاتب هذه السطور كيف كان الأطفال المشردون يدخلون الى دور السينما في الاحياء الشعبية الرخيصة ببطاقة دخول الى الدرجة الثالثة لا تتعدى قيمتها قرشين اثنين، لا ليشاهدوا الأفلام ولكن ليناموا تحت المقاعد الخشبية الطويلة التي يمكن لهم التمدد تحتها في حفلات العرض المستمر التي كانت تبدأ في العاشرة صباحا وتنتهي في الثالثة بعد الظهر. خمس ساعات من النوم، قبل العودة للتشرد، يفوز بها من يملك قرشين. هكذا كان الحال قبل اربعين سنة عندما كان في القاهرة أربعة ملايين، فكيف هو الآن وقد أصبح سكانها يتجاوزون خمسة عشر مليونا من البشر؟ اذا كان القطاع الخاص يريد ان يكون له الدور الأول في اطعام هذه الملايين واسكانها وعلاجها وتعليمها وتوظيفها، فعليه ان يكون له الدور الأول ـ أيضا ـ في تمويل وتوجيه الجمعيات الأهلية التي تعمل على تضميد جراح الطفولة. وبتعبير آخر، فإن تعاظم حصة القطاع الخاص من النشاط الاقتصادي وعائداته المجزية يفرض عليه مسؤوليات كبرى قد يبادر الى تحملها اذا كانت هذه الاحداث المؤلمة قد ايقظته من غفوته. ومن المفترض ان الحملة الإعلامية التي انطلقت عقب انكشاف جرائم التوربيني ستوقظ مجتمعا غافلا طالما قلل من خطورة مشاكل الطفولة. فرغم الضغوط العالمية القوية لمكافحة عمالة الأطفال، فإن كثيرا من المصريين سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين عاديين يرفضون اتخاذ موقف الإدانة لكل اشكال عمالة الأطفال ويصرون على ان تكون الادانة ـ فقط ـ لتشغيل الأطفال في أعمال شاقة أو مؤذية للصحة الجسدية أو النفسية. لكن الواقع صدم الرأي العام بعدد من القضايا التي تحتم اعادة النظر في قضايا الطفولة بشكل عام، بهدف التقليل، قدر الامكان، من عذاباتها. توحيد المعايير يقول الدكتور حسن نورالدين الذي اشتغل بتدريس الاجتماع في عدد من الجامعات لعشرات السنين ان الإعلام الدولي يسعى الى توحيد المعايير أو STANDARDISATION بحيث تصبح الأمور المرفوضة في فانكوفر هي ذاتها المرفوضة في نابولي أو الدار البيضاء أو نيروبي أو كوالالمبور، وهذا غير ممكن. ويضيف الدكتور نور الدين: لو صحت من نومك في فندق من فنادق الخمس نجوم في أي مدينة من هذه المدن فلن تكون بحاجة الى ان تشعل ضوء غرفتك لتعرف محتوياتها، فالموجود في هذه الغرفة هو الموجود في كل فنادق العالم المماثلة. نحن نسكن فنادق متشابهة، ونحمل هواتف نقالة متشابهة، ونقود سيارات متشابهة، ونشاهد مسلسلات وأفلاما متشابهة، ونأكل في احيان كثيرة طعاما متشابها يقدم لنا بالطريقة ذاتها، أينما ذهبنا. ثم يقول بحزم: لكننا مختلفون، خاصة فيما يخص المعايير الأخلاقية، القرية الكونية ستتوحد في كل شيء الا الثقافات التي هي أساس المعايير الاخلاقية ونسأله: وما علاقة هذا بعمالة الأطفال؟ ويرد قائلا: في المجتمعات الأوروبية والأميركية، الآن، لا مجال لعمالة الاطفال. اما في العالم الثالث فيمكن ان يكون الطفل مصدرا لرزق الأسرة التي لا يكفيها الدخل المتحصل من عمل الأبوين معا. واذا كان من حق الطفل الغربي ان ينعم بطفولة هنية ورغدة فان الطفل في العالم الثالث قد يموت جوعا، هو واسرته، ان لم يعمل في ورشة او في مزرعة. . هذا الذي يقوله استاذ علم الاجتماع تؤكده 'صباح' وهي حارسة بناية (بوابة بلغة القاهرة) في الثلاثين من عمرها، جاءت من الفيوم قبل سنوات هي وزوجها لتعمل في حراسة بناية بحي الدقي مهمتها هي ان تكون مفتوحة العينين طوال الساعات الممتدة من السادسة صباحا عندما تفتح باب البناية الرئيسي حتى الواحدة من صباح اليوم التالي، وان تصحو من نومها، بعد ذلك، لتفتح الباب لمن يأتي متأخرا أو من يغادر شقته مبكرا. اضافة الى ذلك فهي مكلفة بتنظيف مدخل البناية ودرجات السلم وامام الشقق صباح السبت من كل اسبوع وتلبية احتياجات السكان من المشتريات البسيطة. قواعد العمل تغيرت بعد عام من وصول صباح وزوجها لاستلام وظيفتهما في الدقي، اصبحت ابواب البناية مفتوحة ليل نهار. ولا احد يسأل الداخل الى العمارة او الخارج منها عن هويته او وجهته. وامتدت خدمات صباح وزوجها الى البنايات المجاورة والشوارع المجاورة. فهما ينظفان سلالم بنايات عدة ويلبيان طلبات سكانها. وتخدم صباح في اكثر من شقة، لدى اكثر من اسرة. وتنظف سيارات بعض السكان. وتعاون زوجها في شراء الاجهزة المنزلية المستعملة واعادة بيعها للاسر الاشد فقرا، في العاصمة او في الارياف. ورغم هذا كله وجدت صباح انها مضطرة لان ترسل ابنتيها للعمل عند اسرتين كخادمتين. البنت الكبرى سافرت مع سيدتها الى الولايات المتحدة وعادت بعد عامين، لان ابن عمها خطبها وسيعقد القران بمجرد ان تتم البنت عامها السادس عشر الميلادي. اما اختها الاصغر سنا فتعمل لدى زوجين مسنين لم ينجبا. ومهمتهما الوحيدة هي ان تناول سيديها كوبا او عصا او صحيفة. وقد تتقدم مهاراتها، في المستقبل القريب فتعد كوبا من الشاي، او تطبخ وتنظف لتستغني الاسرة، بذلك عن الخادمة الاكبر سنا، التي تقوم بهذا العمل. الدخل لا يكفي تقول صباح ان عمل البنتين ضروري لان الدخل الذي تحققه هي وزوجها غير كاف، لكن سيدات الحي يقلن ان صباح لم تعد تعمل بمجردالصعود من تحت خط الفقر الى اعلى، الى حيث يوجد قليل من الضوء وقليل من الأكسيجين، انها بدأت العمل بهذا الهدف، لكنها الان تسعى لتحقيق هدف أبعد، هدف الخروج من زمرة الخدم. انها تشتري الارض الزراعية في الفيوم، وقد بنت بيتا وتقول خادمات اخريات انها تبني كل عام طابقا جديدا في ذلك البيت لكي تؤجره. وعلى هذا المنوال تجد في مختلف احياء القاهرة حراس البنايات يعملون هم وابناؤهم في العديد من المهن المشروعة وغير المشروعة، في كدح يومي لتكوين ثروة صغيرة تعلو بهم درجة على السلم الاجتماعي. لكن الصورة تبدو مقبضة عندما تقترب من صبية ورش السيارات، الذين اصبحت ملابسهم بنية غامقة لكثرة ما شربت من الزيت والدخان ووجوههم وايديهم ملوثة بالزيوت وعيونهم مليئة بألم مكتوم او بذعر صارخ. الباشمهندس سرحان (باش تعني رئيس، وهو بهذا المعنى مهندس كبير أو كبير المهندسين، لكنه لم يتخرج في اي معهد فني ولم يتلق تعليما يتجاوز المرحلة الابتدائية) صاحب ورشة سيارات كبيرة في روض الفرج الحي الشعبي الشهير قال لنا: كل طفل من هؤلاء مرشح لان يكون صاحب ورشة سيارات كبيرة او صغيرة. وما لم يتعلم اليوم، في الورشة، ففي غد لن يكون مؤهلا، إلا للانضمام الى طابور الباحثين عن عمل، او الى الكسالى الذين ينامون على مكاتب الحكومة ويتسلمون رواتب هزيلة، ولا يستحقونها، نهاية كل شهر. لكن عمالة الاطفال تأخذ، في بعض الاحيان، شكلا يبلغ من القوة درجة تجعل من المستحيل القبول بها. والمثل الصارخ على هذا النوع من التشغيل، هو عمالة الاطفال في المحاجر، خصوصا في محافظة المنيا. وقد حضرنا ندوة عن عمالة الاطفال نظمتها السفارة الايطالية، ودعت اليها وزير الضمان الاجتماعي الدكتور ابراهيم مصيلحي ورئيسة المجلس القومي للامومة والطفولة السفيرة مشيرة خطاب والفنان خالد سليم وعددا من الاعلاميين. . وقد اتفق الجميع على ان تأمين دخول مناسبة للاسر التي تبعث بأطفالها الى المحاجر هو السبيل الوحيد لانقاذ هؤلاء البؤساء الصغار من تحجر الرئة، وهو المرض الذي يصيب الاطفال الذين يعملون في المحاجر. وركزت مداخلات كثيرة على ان الاساليب الادارية والشرطية ليست الحل الانسب لقضايا كهذه لان الفقر هو الذي يفترس طفولة هؤلاء الاطفال لانه هو الذي دفع آباءهم إلى تعريضهم لمثل هذه الاعمال. وقد فجرت مداخلة من اعلامي كان يجلس في صفوف الجمهور سؤالا احرج الجميع: هل تحجر الرئة قاصر على الاطفال الذين يعلمون في المحاجر؟ هل تعرفون شيئا عن قرية كفر العلو؟ سر الحرج ان اطفال القرية اصابهم تحجر الرئة لان مصانع الاسمنت قريبة منهم. وهذه المصانع ايطالية. ولان الندوة اقيمت في السفارة الايطالية فقد كان السؤال محرجا. لكن ذلك لم يمنع الحاضرين من المطالبة بمراعاة الابعاد البيئية، وهو ما تفعله شركات الاسمنت الآن باستخدام اجهزة التنقية (الفلترات) التي تحجب جانبا كبيرا من الأذى. لكن الواجب يقتضي نقل المصانع بعيدا عن السكان او نقل السكان بعيدا عن المصانع. هذا التلوث الذي يصيب الكبار والصغار هو جزء من تدهور بيئي تقول مصادر وزارة البيئة في مصر انه يستنزف خمسة في المائة من اجمالي الناتج المحلي سنويا. مكافحة التلوث وتعمل وزارة البيئة على تحجيم التلوث، بشكل عام، والتلوث الصناعي، بشكل خاص، وقد بدأت الوزارة في الاسبوع الثاني من ديسمبر المرحلة الثانية من المشروع القومي للتحكم في التلوث الصناعي الذي يشمل الشركات الكبرى، في القاهرة والاسكندرية، في مجالات الحديد والصلب والاسمنت والاسمدة، باعتبارها الاكثر خطرا على البيئة. ويقول لنا رجل اعمال شاب هو أيمن بسيوني الذي يشتغل بتوريد المواد الغذائية للمدارس: إن الاهتمام بالتغذية المدرسية يجب ان يكون شاملا لكل مدارس المرحلة الابتدائية، طوال العام الدراسي، وأن تكون الوجبة الغذائية مشتملة على مكونات تساعد الاطفال على مقاومة التلوث وتزيد مناعتهم. ويضيف ايمن بسيوني: ان الوجبات الغذائية عامل رئيسي في منع اطفال الاسر الفقيرة، وهم اغلبية ساحقة، من التسرب من التعليم، وهي - بالتالي - وسيلة فعالة في تقليل اعداد اطفال الشوارع.