واقع المرأة في الأمم .. مناقشة لمشاكل العزلة النسائية
يختصر الطهطاوي نقلاً عن أحدهم في العبارة التالية خصائص الواقع المسيطر على المرأة العربية، مسجلاً في الوقت نفسه اختلافاً بين نظرة كل أمة إلى نسائها. قال بعضهم: ((إن النساء عند الهمل معدات للذبح، وعند بلاد الشرق كأمتعة البيوت وعند الأفرنج كالصغار المدللين)) وذلك نتيجة ملاحظة الفوارق الاجتماعية والمادية بين المجتمع الغربي المتمثل في المجتمع الفرنسي الذي عاش فيه الطهطاوي، وبين المجتمعات العربية، والوقوف على النظرة المغايرة التي ينظرها الفرنسيون إلى نسائهم والتي تجعل منهن موضع ثقة واحترام على العكس مما هو سائد في الشرق، إذ يفرض انتقالهن من عهدة الوالد إلى الزوج ثم إلى الابن. فهل يمثل النموذج الاجتماعي المتمثل في خضوع النساء لبعض أوجه القهر والاستغلال مظهراً من المظاهر المسلكية الحاصلة في العالم؟ بفعل الدين مثلاً أم مظهراً من المظاهر السياسية الناتجة عن نظام معين؟ وهل لامست عبارة الطهطاوي الحقيقة في إعطاء صورة عما يسود الواقع النسائي عالمياً؟ مع إقرارنا بعدم توفر الصحة المطلقة في هذه العبارة، لابد من التوقف عند بعض العوامل المؤدية إلى اعتماد نظام ما، وفي أثر هذا النظام وارتباطه مع مجمل العلاقات السائدة داخل هذا المجتمع أو ذاك وأهمها النمط التربوي على صعيد الأفراد والمؤسسات. ـ التباين في تربية الجنسين: تختلف المناهج التربوية المتبعة في الشرق في نظرتها لكل من الجنسين سواء في القواعد السائدة عبر التوجهات العائلية أو المدرسية. فتقتل في الفتاة معظم الجوانب الإيجابية الفعالة وتسلبها ما تمتع به من قدرات فطرية، بينما تعزز في الشاب إمكانيات وهمية تتهاوى أمام أدنى انخراط في الحياة العملية، إذ يكتشف عمق الثغرة القائمة بين الأوضاع المهيأ لها والأوضاع المطلوبة واقعياً وعلى الأخص حين يفاجأ بفعل الخبرات الشخصية والتجارب الحياتية بأن ما ربيت عليه أية فتاة وما تحمس كثيراً لتأكيده في شخص شقيقته مثلاً لن يستطيع أن يقدم له حياة سعيدة على الصعيد النفسي المحدود، وفي إطار الزواج كمؤسسة اجتماعية هي نواة الحياة كاملة. إن ما يفرض على المرأة لا يمكن إلا أن يوصف بأن حالة من حالات الحياد السلبي مقارنة مع ما يسعى الرجل إلى ممارسته من حضور متطفل! فهل تساهم هذه المفارقة في خلق مواطنين قادرين على الإيفاء بالتزامات الواقع العربي الحاضر ومقتضيات العصر إذ هي بحاجة لمساهمة جميع الأفراد والطاقات، وانطلاقاً من أن الأمم لا تكون إلا بأفرادها دون استثناء. فالشكل الذي يفرض من خلال هذا المنظار على نصف أفراد المجتمع لا يتوافق اطلاقاً مع أي دور قد تنتدب الشعوب نفسها إلى تحقيقه ـ كما أن عقد التفوق الفارغ والغاء المسؤوليات يؤديان إلى تغذية روح التخاذل والتخلي في النصف الآخر. فالتربية ليست عملية اعتباطية وإنما هي عملية اجتماعية شديدة الصلة بالنظم السياسية والاجتماعية المنتدبة لبلوغ أهداف الأمة. فهل بالإمكان استمرار العزل النسائي ومناقشته بعيداً عن الظروف السياسية والاجتماعية لواقع معين؟ يرى الكواكبي في العبودية النسائية ظاهرة من ظواهر النظام الاستبدادي الذي عصف بالوطن العربي أيام الاحتلال العثماني فقال: ((الاستبداد والعلم ضدان متغالبان)) وقال أيضاً: ((يخشى المستبد علوم الحياة مثل الحكمة النظرية والفلسفية والعقلية وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع ... يبغض المستبد العلم لنتائجه وببغضه أيضاً لذاته)). وهذا يعني أن للعلم أهمية قصوى على طريق تغيير الذهنية وتطويرها، ومن ثم على صعيد تحديد وتطوير نظرة المجتمع للفرد سواء أكان ذكراً أم أنثى، وربط الكواكبي بين مختلف مظاهر الجهل والغبن التي تسيطر على أمة من الأمم، فرأى في الاستعمار وجهاً من وجوه التخلف الفكري والعقلي التربوي وقال بدوره: أن ((كل قدرات الفرد على العطاء والإنتاج لابد وأن تنمي من خلال المربين المتفاعلي مع القضايا المتنوعة، المسلحين بالعلم والتمرين والأمثولة الصحيحة، فإذا اقترن الجهل وكان سمة من سمات المربين والقيمين على أعمال التنشئة والتربية ابتعدنا كلياً عن الغايات المرجوة، الهادفة إلى تنشيط مختلف القوى الاجتماعية. فهل يغدو من المعقول إذن التسليم بما قال مونتسكيو: في العبارة التالية؟ ((من المخالف للواقع أن يكون النساء سيدات في المنزل كما كان الأمر عند المصريين وهل من المنطق إحاطة المرأة بهذا القدر من الاستغلال الداخلي والخارجي مع اعترافنا الأكيد بما تضطلع به من مسؤوليات، أهمها ما تمارسه على صعيد إعداد الأجيال وتلقنها مبادئ الاكتساب الأولى.؟!