إشكالية المرأة العربية في البيئة الغربية
مقابل الغياب شبه التام لتقييم وتحليل وضع المرأة في بيئتنا العربية والإسلامية، نجد حضوراً مكثفاً لنقد وتقييم التجربة الغربية عموماً ونموذجها حول المرأة خصوصاً.
هل هذا الحضور المكثف للغرب هو هروب من الواقع، وعجز عن الإجابة على أسئلة العصر؟ أم أنه عين الواقع؟
أ ـ مبررات نقد النموذج الغربي:
تعددت المبررات بتعدد المداخل المنهجية التي من خلالها تمت معالجة موضوع المرأة.
عبدالوهاب المسيري الذي يبدو أن بحثه يندرج ضمن مشروعه لتفكيك الخطاب العلماني، فإن نقده لمنظومة التحديث والعلمنة الغربية ولنموذجها النسوي يجد مبررة في الخلط بين المفاهيم التي تعرفها بيئتنا الثقافية نتيجة الغياب الملحوظ ((للبعد النقدي في الدراسات العربية والإسلامية للمفاهيم والمصطلحات الغربية)).
1 ـ إبراز هيمنة نظام قيم النموذج الغربي:
((نعيش منذ مدة مرحلة غلبة وهيمنة نظام النموذج الغربي، وتراجع مذهل لنظام قيمنا، فهو الذي يؤطر ويتحكم في تطور الظاهرة الاجتماعية ناهيك عن الظواهر الأخرى: الفكرية والسياسية والاقتصادية. وفي هذا الإطار يمكن فهم طبيعة السجلات التي تميز مجتمعاتنا في موضوع مثل موضوع المرأة … )).
2 ـ إبراز آثار هذه الهيمنة على مستوى المرأة:
((إن النموذج الغربي في المسألة النسائية يقدم خارج خصوصياته كعنوان كوني يشكل أفقاً ومطمحاً لكل المجتمعات البشرية، فلا غرو بعد ذلك أن يصبح نموذج المرأة الغربية معياراً تفصل عليه المجتمعات الأخرى نسختها، وقاموساً يعاد من خلاله إنتاج المسألة النسائية، فالعلاقة بين المرأة (المركز) والمرأة (الأطراف) هي علاقة الغالب بالمغلوب، واستمرار هذه العلاقة يتم من خلال قاهرية سلطة الانبهار التي تشل قدرات المغلوب على الإبداع والابتكار، ولا تسمح له إلا بالتقليد)).
3 ـ إزاحة هالة الأسطورة عن النموذج الغربي للمرأة:
كيف يمكن تكسير هذه العلاقة (علاقة الغالب بالمغلوب)، وتحرير المغلوب من سلطة الانبهار التي تشل قدراته على الإبداع والابتكار؟
إن هذا الأمر يتطلب ((الإحاطة الشاملة بحقيقة المرأة في الغرب (النموذج/ المقياس)، وهذا يقتضي الكشف عن وجهي الثقافة: الخطاب المنطوق والخطاب المسكوت، لتتجلى الصورة (الواقعية) وتنهار الصورة (الأسطورية).
يتضح مما سلف أن الخطاب الإسلامي في نقده للنموذج الغربي عموماً يستهدف:
1 ـ إبراز تميز النموذج الإسلامي عن النموذج الغربي.
2 ـ إبراز خطورة هيمنة نظام قيم النموذج الغربي.
3 ـ تأكيدُ استحالةِ استنبات النموذج الغربي في بيئتنا الإسلامية.
4 ـ تكسير قاهرية سلطة الانبهار التي يمارسها النموذج الغربي من خلال تعريته وإبراز تهافته وهذا ما يتجلى بوضوح أكبر في الصورة التي يرسمها للمرأة داخل البيئة الغربية.
ب ـ وضعية المرأة في البيئة الغربية:
تتفق هذه الكتابات رغم تعدد المداخل والمناهج التي من خلالها عالجت موضوع المرأة، على أن المرأة في البيئة الغربية تعيش حالة من الظلم ومن الانحراف كانت لها نتائج وخيمة على الأسرة والمجتمع عموماً، وعلى المرأة خصوصا. بل إننا نجد نفس الأفكار تداول بين الكتاب الذين تعرضوا بالتحليل والنقد لوضعية المرأة الغربية، مع اختلاف بالطبع في مستويات الطرح وعمقه.
أما المرابط ففي إطار سعيه للإحاطة الشاملة بحقيقة المرأة في الغرب يكشف عن حالتين من الغبن تعيشهما هاته المرأة، وذلك من خلال استنطاقه وجهي الثقافة اللذين يؤطران مسألة المرأة: الخطاب المنطوق والخطاب المسكوت.
الأولى: من خلال اختزالها في أنموذج الرجل باعتماده النموذج/ المقياس
وهذا ((مضر بقضية المرأة أساساً ومخل بميزان العمران البشري، (لأن هذه المقاربة) تسلط الضوء وتجلي معالم المرأة المطابقة والمقتربة من تلك التي عند الرجل، وتحجب أو تسقط ما يميزها وتنفرد به)).
هذا الوضع هو نتيجة منطقية للنظام الثابت الذي ((يتحكم في الثقافة التي تؤطر مسألة المرأة: وضعيتها، موقعها، دورها، حقوقها، واجباتها .. ، والذي يتمثل في معادلة يختلف التعبير عنها من عصر إلى عصر، ولكن جوهرها ثابت: الرجل فكر وعقل، قوة ونشاط (Actif)، المرأة جسد جنسي، عواطف، سلبية (Passif). وينتج عن هذه المعادلة أن الرجل متفوق والمرأة دونية … )).
الثانية: كانت لها نتائج وخيمة على نفسية المرأة، وتتجلى في عملية التأنيث التي ((انتزعت الجسد (جسد المرأة) من وظيفته البيولوجية لتشييئه وتحويله إلى مادة للبصر والفرجة والمتعة (الأنثى المؤنثة) )). وقد تولت مؤسسات صناعة المتعة والموضة هذه المهمة من خلال ((تطويع وتحوير الجسد ليتناسب وشروط الأنوثة المصطنعة)).
أما عبدالوهاب المسيري فانطلاقاً من اتخاذه الأسرة نقطة بدء ووحدة تحليلية فإن أزمة المرأة في نظره ((هي في واقع الأمر جزء من أزمة الإنسان في العصر الحديث، وهي تنبع من هذه الحركية الهائلة المرتبطة بتزايد معدلات الاستهلاك التي تَسِمُ إيقاع حياتنا الحديثة، ومن وجود هذه الاختيارات الاستهلاكية التي لا حصر لها ولا عدد، والتي تحاصرنا وتحد من حركتنا، إن الدراسة المتأنية ستبين لنا أن المشكلة تنبع من أن الرجل قد تم (تحديثه) بشكل متطرف، وتم استيعابه في هذه الحركية الاستهلاكية العمياء بحيث أصبحت البدائل المطروحة أمامه تفوق بكثير البدائل المطروحة أمام المرأة)). أي أن أزمة المرأة في الغرب هي أزمة حداثة صيغت على مقاس الرجل ولصالح الرجل. وكان من نتائج ظاهرة تحرير المرأة في الغرب داخل إطار الترشيد المادي وإطار الفكر المادي الصراعي الواحدي المتمركز حول الأنثى بروز ما يسمى بظاهرة تأنيث الفقر وتأنيث الجهد النفسي.
إذا كان هذا هو وضع المرأة في البيئة الغربية (امرأة تم اختزالها في أنموذج الرجل وتم تسليعها وفق متطلبات السوق الاستهلاكية) وهذه هي حقيقة النموذج الغربي (نموذج مادي صراعي) فما هو رد فعل كتابنا هؤلاء تجاه المبشرين بهذا النموذج من أبناء جلدتنا، وأقصد بذلك الحركة النسوية العربية ومَن يتبنى مواقفها.