دور الإعلام في تعميم معايير قاسية للجمال ومَرضية للنحافة
تلعب وسائل الاعلام على اختلاف أنواعها دور المروج الأول والأهم للمواصفات النموذجية للجمال ولآخر صرعات الموضة. مواصفات تكاد تكون واحدة في كل انحاء العالم، تبتكرها عواصم الموضة وتحذو حذوها كل دول العالم النامية منها والمتحضرة، لتتكرس بذلك صورة محددة للجمال تضع كل من تخرج على مقاييسها في موقع تفقد فيه ثقة الآخرين واعجابهم. وهذه الصورة الاعلامية المثالية تدفع معظم الفتيات الى التماثل بها والوقوع في أسر دائرة مفرغة ليس بغية دخول عالم الشهرة، وانما انطلاقا من أن هذه المعايير الجمالية المكرسة أصبحت هاجسا يؤرق مضاجع الفتيات والنساء العاديات اللواتي يلجأن الى عمليات تجميلية واتباع الحميات العشوائية التي تترك آثارها السلبية على الصحة. فالعارضات والفنانات اللواتي تجتاح صورهن صفحات المجلات والصحف رسمن طريق الجمال وأثرن على ارتفاع نسبة المبيعات أو تدنيها وفق جمال العارضة التي تحتل صورتها الغلاف أو الفنانة وأناقتها وقدها الممشوق بل النحيل. كما أن انتشار القنوات والمجلات المتخصصة بالمرأة وهمومها الجمالية ساهم الى حد كبير في تفشي هذه الظاهرة. أما الخطورة فتكمن في أن هذه الوسائل تلعب دورا «تزويريا» فتخفي الحقيقة وتقتصر مهمتها على تحسين الصورة ليظن المتلقي ان صاحبتها في أبهى حلة. والسبب هو المستحضر الطبي او التجميلي الذي تروج له. وتدفع الراغبات الى استخدامه عشوائيا من دون استشارة طبيب. هذا الواقع يضع الاعلام في قفص الاتهام ويحمله مسؤولية غسل عقول الناس ودفعهم الى تقليد أعمى مع اغفال تام لتأثيرات هذه الوسائل المضرة بالصحة، وعدم توعية المشاهد الذي لا يعرف أن الجمال مسألة نسبية ذات وجوه وأشكال متعددة وليست لها مقاييس محددة تنطبق على جميع الناس. وليس بعيدا عن هذه الأجواء، الجدل الدائر في أروقة بيوت الازياء العالمية، حول مطالبة البعض، ومن بينهم حكومات دول أوروبية، بمنع العارضات النحيفات صاحبات القياس «صفر» اللواتي تقل أوزانهن عن المعايير الدولية من المشاركة في عروض الأزياء حماية لصحتهن وللفتيات اللاتي يقلدنهن. جاءت هذه الدعوات بعد وفاة عدد من العارضات العالميات نتيجة اتباعهن لحمية قاسية أو اصابتهن بمرض البوليميا الذي أصاب الأميرة ديانا ولا يزال يوقع أعدادا كبيرة من الضحايا في الدول الأوروبية بشكل خاص بين المراهقات في متوسط العمر بين 14 و24 سنة. وآخر هذه الضحايا كانت العارضة البرازيلية آنا كارولينا رستون التي توفيت نهاية العام الماضي بعد اتباعها حمية قاسية، أدت الى اصابتها بالمرض، بهدف المشاركة في عرض للأزياء للمصمم العالمي جيورجيو أرماني في اليابان، الأمر الذي لم ولن يحصل!. لا ترى الاعلامية مي منسى عجبا في اختيار الوجوه الجميلة لتتصدر الصحف والمجلات ووسائل الاعلام بشكل عام، خاصة أن الأزياء الراقية تحتاج برأيها الى امرأة تمتلك مواصفات مميزة لتبرز أناقة الزي الذي لا يكتمل من دونها. وتضيف: «الموضة ليست معدة لتناسب المرأة القبيحة» وتستدرك قائلة «لم يعد هناك نساء قبيحات. من خلال الاعلام والموضة السائدة أصبح بإمكان كل امرأة أن تهتم بجمالها وتحافظ على أناقتها كما أن عمليات التجميل صارت في متناول الجميع. لم يعد الجمال حلما مستحيلا». وتقول: «لم يعد هناك اختلاف بين الجمال الشرقي والجمال الغربي. توحدت المقاييس والمواصفات. العارضات أصبحن خليطاً من الشقراوات والسمراوات في كل أنحاء العالم. العولمة وحدت بين أجناس البشر». لكنها تؤكد «أن الاعلام الذي يجب أن يكون حاضرا في الأحداث المهمة لينقلها كما هي، لا يتحمل مسؤولية تفشي هذه الظاهرة، لأن دوره يقتصر على نقل صورة الواقع وما يحصل في كبريات عواصم الموضة». الأستاذ في كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور جيروم شاهين يعزو ما يتعلق باستخدام المرأة الجميلة عنصرا أساسيا في وسائل الاعلام، الى وجودنا في مجتمع ذكوري يستخدم المرأة أداة أساسية لجذب الجنس الآخر ما يساهم في ارتفاع نسبة المشاهدة. ويقول: «معظم وسائل الاعلام في الشرق يمتلكها رجال، وبالتالي عمل النساء محصور في الظهور على الشاشة. اختزلت المرأة في جسد. يلعب الاعلام دورا سلبيا لأن الغاية منه هي استهلاكية تجارية بالدرجة الأولى كما أنه وسيلة ترويج، وعنصر مهم في افساد الرأي العام». وعن التأثير السلبي الذي تتركه وسائل الاعلام على المتلقي من خلال ترويجها لما يبدو وكأنه صورة للجمال المثالي أو النموذجي الصعب المنال، تقول منسى: «يجب أن لا تشعر المرأة بالنقص حيال العارضة النحيلة، ما يظهر على وسائل الاعلام موجود فقط في وكالات الأزياء العالمية التي تفرض مقاييس خيالية. من الاجرام التماثل بها ومحاولة تقليدهن لأن النتيجة في النهاية سترتد سلبا على صحة الفتاة نفسها، وخير دليل على ذلك الحملة الاعلامية التي شنتها الصحف الاسبانية على بيوت الأزياء التي تشجع النحافة المبالغ فيها بالاعتماد على عارضات نحيلات الى درجة كبيرة». ولجهة مسؤولية الاعلام عن تغيير صورة المرأة في الاعلام، يقول شاهين: «لا يمكن أن تتغير صورة المرأة أو دورها الا اذا تغيرت هي نفسها، وذلك عندما تتساوى مع الرجل ليس بالانسانية فحسب بل بالسلطة المالية والاستفادة من قدراتها العقلية والفكرية». وترى منسي «أن لتصميم الأزياء وعرضه ثقافة خاصة تروجها عواصم الموضة العالمية. لكن اذا نظرنا الى آراء مصممي الأزياء العالميين سنكتشف اختلافها في ما بينهم في ما يتعلق بالترويج لمقاييس جمالية محددة، ففي حين يقول كريستيان لاكروا: أريد المرأة المرأة، اشارة منه الى أنوثة المرأة وشكلها المتناسق الذي يبرز تفاصيل الفستان، يصر دار كوكو شانيل ومنذ تأسيسه على المضي قدما بما اشتهرت به مؤسسته التي اشتهرت بجسمها النحيل، الاعتماد على النحافة هدفا أساسيا في مواصفات كل العارضات التي تشارك في عروض الدار». وتضيف: «الاعلام لا يخترع شيئا، وليس مطلوباً منه أن يصحح الخطأ، انما فقط تقع عليه مهمة نقل الصورة باختلاف وجوهها، خاصة أن الموضة موجة وتمر. وهي مرتبطة بفترة معينة تختفي وتزول بعد انقضائها. نحن لا نعيد بناء العالم، نراقب وننقل ما نراه عبر الوسائل الاعلامية». ويرى شاهين أن عدم توعية المجتمع على الأخطار التي من الممكن أن تصيب الفتاة اذا ما تماثلت بما تراه على الشاشة التي لا تلقي الضوء الا على ما هو مغر وجذّاب، لا سيما ما يتعرض له المشاهير والعارضات، يعود الى اهتزاز اقتصاد المحطة المرتبط بشكل أساسي بالعولمة التي تتحكم بكل شيء في حياتنا». ويعتبر «أن الاعلام لم يعد يعتبر السلطة الرابعة كما هو معروف، بل أصبح سلطة ثانية تتحكم بالسياسة، يضع الاقتصاد ولا سيما الاعلان في المركز الأول لأنه يلعب دور المسيطر والمتحكم في الوسائل الاعلامية، فاذا لم تتقيد الأخيرة بمطالب الأولى ستصل الى الهلاك. لذا عدم الاضاءة على الآثار السلبية تستفيد منها وسائل الاعلام التي تربح بنسبة كبيرة اذا كانت صورة الغلاف عبارة عن صورة فتاة جميلة». وتؤكد منسي عودة السينما الأميركية الى الاعتماد على الجمال الطبيعي للممثلات. . «لكن تبقى المجتمعات العربية بعيدة عن هذا المنطلق، لأن شعوبها تنظر الى الجمال بطرق مبالغة أكثر من غيرها، لكن حتى في هذه الدول تختلف أساليب التقيد بالموضة بين فئة وأخرى. بعضها يهتم بالمظاهر الخارجية الصناعية المثيرة للدهشة، لذا لا يمكننا أن نسمي هذا جمالا بل مظاهر خارجية ورغبات. سبب هذه المبالغة يعود الى عقدة النقص التي يطمح صاحبها لابراز نفسه بشتى الطرق». عن السبل التي يمكن الاعتماد عليها لمقاومة ما تبثه وسائل الاعلام لا سيما في جنوح الموضة الى ما قد يسيء لقيمة المرأة ويتناقض مع مجتمعها، يقول شاهين: «عولمة الاعلام الذي يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأمور أخضعت الشرق لكل ما يصدره الغرب، وهذه صورة سلبية، لذا يجب أن يكون المتلقي في موقع وسطي، بعيدا عن الرفض والتقوقع، بل الأخذ ما يناسب شخصية كل انسان وحياته. وبشكل خاص توعية المراهقين ليتعلموا من التمييز بين الصواب والخطأ».