الأحداث في ورشتهم: " نحن نرفض أي تسمية غير التي نراها مناسبة"!
"من نحن...؟ نحن كل شاب وشابة مررنا بتجربة قاسية في الحياة، ونحتاج إلى إعادة تأهيلنا وتأهيل مجتمعنا كي نكون مقبولين في الحياة"، تنتقل "حياة" من الكلام الذي خطه زملائها وتحكي بعاميتها: "عنا شي بدنا نطلعوا لبره، وشو يعني إذا مرينا بغلطة؟!"، تصحح الصبية حياة زلة اللسان، وتستأنف "قصدي تجربة، أنا ضد قانون الأحداث، إنتوا عم تحكوا عن حقوق الطفل، بس المجتمع نسي إنو احنا أطفال وما عاملنا على هدا الأساس". هكذا اختار مجموعة من الشابات والشبان الذين تشرف عليهم مراكز رعاية الأحداث أن يعرفوا عن أنفسهم في ورشة العمل التي تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبالتعاون مع منظمة "موفيموندو" الإيطالية ومنظمة اليونسيف بتاريخ 12-13-14/11/2006 في ميتم سيد قريش بدمشق. على مدار أيامها الثلاثة ناقشت الورشة عدداً من المحاور منها؛ التعريف بدور العاملين في المعاهد وتحسينه، ومراجعة الاستمارة المتعلقة بالدراسة الاجتماعية، وتحسن العلاقات بين مختلف فئات العاملين في مراكز الأحداث وبين فئات العاملين المختلفة، وإيجاد قواعد للتعامل داخل كل مركز لفريق عمل فعال، وتحسين العلاقات بين معاهد ومراكز الأحداث ودور الجمعيات الأهلية، ومحاولة إعطاء تعريف جديد للطفل الذي هو في نزاع مع القانون. وللوقوف على الأهداف التي تتوخى الورشة تحقيقها، التقى "مرصد نساء سورية" الآنسة سلمى كحالة، مديرة برنامج حماية الطفل في اليونيسيف، التي قالت: "الورشة عبارة عن تتمة لبرامج تدريبية نعمل عليها مع المسؤولين والمدراء والأخصائيين الاجتماعيين والعاملين في مراكز رعاية الأحداث، بهدف إصلاح وتطوير طرق التواصل والتعامل مع الأحداث، ليستطيعوا بناء جسور الثقة بينهم وبين الأحداث عوضاً عن استخدام أساليب السيطرة، وليتمكنوا من توجيه طاقات الحدث لتستخدم بطريقة إيجابية". ** تواصل ونقل خبرات الورشة في حضورها الذي ضم، إلى جانب العاملين في مراكز الأحداث، قضاة وبعض رجال الشرطة، شهدت أيضاً حضوراً من جانب بعض الجمعيات الأهلية المشاركة في إدارة هذه المعاهد، أو التي تديرها بشكل مستقل كليا، وذلك بهدف الانفتاح على المجتمع والعمل على دمج الأطفال "الأحداث" فيه كما تضيف كحالة. عن مشاركة الجمعيات العاملة مع الأحداث في الورشة تقول السيدة ميرفت زيوار، مديرة جمعية ملاحظة الفتيات بحلب، وهي الجمعية التي تدير مركزاً لحماية وتأهيل الفتيات: "إن النقطة الأهم في هذه الورشة، إضافة إلى تعريفها بمهمة الأخصائي الاجتماعي، هي تمكين الجمعيات والجهات المختلفة العاملة مع الأحداث من التواصل مع بعضها البعض، والتعرف على المشاكل التي تعترضها، ومحاولة تبادل الخبرات في المجال ذاته". وبالتعريف عن العمل الذي تقوم به الجمعية تقول السيدة زيوار "جمعيتنا أهلية خيرية أشهرت عام 1960، ومنذ أربع سنوات تم تطوير المركز الذي نعمل فيه ليصبح مركز نموذجي يستوعب نحو (30) فتاة، واستطعنا إعادة صيانة الطابق العلوي في المركز ليصبح مركز رعاية لاحقة، حيث تحاول الجمعية تأمين الإقامة وفرص العمل للفتيات بعد انتهاء فترة الحكم". أنشطة متعددة تقوم بها الجمعية ومنها إقامة ورشات عمل داخل الجمعية شارك فيه الأحداث ومنها (التوعية بمرض الإيدز)، إضافة إلى عقد أسبوع ثقافي شهرياً يشارك فيه أطباء وربات منازل ومعلمين يلقون محاضرات بشكل تطوعي، وإجراء دورات للخياطة ومحو أمية الحاسب للأحداث. . تتابع الجمعية الفتيات أثناء وجودهم في المعهد، من خلال توكيل محامين متطوعين بقضاياهن، كذلك تتابعهن بعد تخريجهن من المعهد، في إطار أسرهن، وتقدم لهن الدعم لإكمال تعليمهن، وتزويدهن بما يحتجنه من مواد. عمل كهذا الذي تقوم به الجمعية يستلزم ملائمة مالية تغطيه، لذلك تعتمد الجمعية على التبرعات بشكل أساسي، إلا أن الحصول على التبرعات ليس بالسهولة نظراً لما يحمله المجتمع من نظرة خاطئة عن الأحداث، وهو ما تحاول الجمعية تغييره في تواصلها مع المجتمع ومحاولة إعادة دمج الأحداث فيه كما تضيف السيدة زيوار. جمعية رعاية المساجين وأسرهم في حلب كانت حاضرة أيضاً. وبرأي المحامي محمد علي الصايغ، رئيس الجمعية، أن الورشة كان لها عدد من الإيجابيات على أصعدة مختلفة سواء من حيث تبادل الخبرات والآراء بين الجهات المختلفة التي حضرت الورشة، أو من حيث الاستماع للأحداث أنفسهم، ونقل معاناتهم إلى الجهات المعنية لبذل المزيد من الاهتمام في تحسين أوضاعهم، كذلك بالنسبة للتوصيات التي خرجت بها الورشة: "استطاعت الورشة من خلال برنامجها المعد بعناية ليس فقط مناقشة الإشكالات والاحتياجات، وإنما أيضاً الوصول إلى توصيات مهمة جدا اعتقد أنه، فيما لو تم تنفيذها أو تنفيذ معظمها من قبل الجهات الوصائية أو المعنية بالحدث، وقيام تلك الجهات بوضع الخطط المناسبة والمتابعة الجدية لتلك الخطط، فإن ذلك سينعكس ايجابيا على وضع الحدث وحمايته وإصلاحه وأتمنى أن ينقلب تفاؤلي إلى حقيقة وإن كنت غير متأكد من ذلك". ومن جهة أخرى يسجل الصايغ بعض الملاحظات على الورشة منها التأخر في وصول الدعوة للجمعيات المشاركة "كان من المفترض دعوة جميع الجمعيات الأهلية المهتمة بذلك قبل مده مناسبة لإعداد أوراق عمل قبل الحضور إلى الورشة". ولاحظ وجود خلاف كبير لرؤية كل من الجمعيات الأهلية ومراكز الأحداث حول دور كل منهم وحدوده وصلاحياته انعكست على الحوار داخل الورشة، إضافة إلى أن الكثير من الحوارات تركزت حول الخلافات البينية، وحول فهم العاملين ذوي العلاقة لحدود صلاحياتهم وفق أنظمتهم الداخلية.. مما استغرق وقتا طويلا على حساب مناقشة التوصيات والاستمارة الاجتماعية. ورأى أهمية وضع برنامج تدريبي آخر وورشات عمل تعنى بالحدث قبل وصوله إلى تلك المراكز أو المعاهد، أي أولئك الأحداث أو الأطفال المشردين وأطفال الشوارع.. وهذا الموضوع يحتاج لورشة عمل خاصة به. ** حين يعبر الحدث بصوته كان لمشاركة الأحداث في هذه الورشة وقعاً خاصاً من خلال حضورهم، ومشاركتهم في إعداد فيلم قصير عرض خلال الورشة. ورأت السيدة يمن أبو الحسن، الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة التي تدير معهد الرعاية الاجتماعية للفتيات بدمشق بالتشارك مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أن النظرة العامة للأحداث تخضعهم لتوصيف جماعي تغفل فيه خصوصيتهم الفردية التي تراعي طبيعة الحدث وظروفه كأي إنسان آخر. وعن مشاركة الأحداث في الورشة قالت: "التجربة مهمة جداً للفتيات، لكن هذه المشاركة يجب أن تخضع لدراسة وترتيب عال المستوى، نظراً لأن خروجهن من المعاهد إلى هذه الورشات يرتب ارتكاسات مهمة حين عودتهن إلى المعهد إن لم تكن مدروسة جيداً". وأضافت:"هناك ضرورة لعقد لقاءات دورية بين العاملين في هذا المجال ليس فقط بهدف تبادل الخبرات، وإنما أيضاً للتنسيق يما بينهم وحل بعض الإشكاليات التي تفرضها الطبيعة الخاصة لهذا العمل، خاصة في ظل وجود تباين في العقليات بين الجمعيات وإدارات المعاهد، ما يتطلب العمل الحثيث للوصول إلى نقاط تلاقي". ** مراكز الملاحظة تفتقد للملاحظة كانت الورشة مناسبة لاستعراض أحوال مراكز ملاحظة الأحداث والمعاهد المشرفة عليهم، والتطرق للمشكلات التي تعترضها، سواء من حيث الدعم المادي، أو توفير الكوادر المؤهلة، وفي هذا الإطار يقول السيد "سامر ريا"، مراقب في مركز ملاحظة الأحداث في اللاذقية: تأسس المركز في عام 1982، وهو عبارة عن مبنى واسع، إلا أنه ليس مجهز بشكل يتلاءم واستقبال الأحداث. نعاني من نقص كبير في التجهيزات إضافة إلى عدم توفر ميزانية خاصة لشراء الأدوية والملابس، بسبب انعدام المساعدات الخارجية سوى ما نحصل عليه من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كذلك لدينا نقص في الكوادر بشكل عام والكوادر المؤهلة بشكل خاص –لدينا في المركز أخصائي اجتماعي واحد- يشرف على 45 حدث موجودين حالياً في المركز. ويشير السيد ريا إلى مشاكل أخرى تتعلق بالأحداث أنفسهم "كفالة الحدث في اللاذقية مرتفعة حيث تصل في بعض الأحيان إلى 10.000 ل.س! فضلاً عن غياب شرطة مختصة بالأحداث!"، ولا يغفل ريا ذكر بعض الإيجابيات في مركزهم: "لدينا نظام غذائي جيد، ونلحق الأحداث بدورات لمحو الأمية وتعليم الحلاقة". الحال الذي وصفه ريا، ليس ببعيد عن الحال الذي تعيشه معظم مراكز الملاحظة في المحافظات الأخرى كمحافظة دير الزور التي تفتقد لوجود أي أخصائي اجتماعي في مركزها الذي تشرف عليه جمعية رعاية الأحداث بحسب ما أفادنا به السيد حسان بلبل من الجمعية. ** هل توضع التوصيات في الأدراج؟ خرجت الورشة بعدد كبير من التوصيات، تضمنت ضرورة تعديل قانون الأحداث، والارتقاء بوضع العاملين في المراكز لتمكينهم من أداء مهامهم عل الوجه المطلوب، وتأهيل وتدريب الكوادر العاملة في هذا الإطار، وتفعيل العلاقة بين الجمعيات العاملة مع الأحداث وإدارات المراكز، وغيرها من التوصيات، التي اعتدنا رؤيتها في مثل هذه المناسبات. السؤال الذي تردد في الأصداء بعد أنهت الورشة أعمالها: هل سيبقى الكلام حبراً على ورق موصد عليه في أدراج مظلمة كظلمة واقع عبّر عنه الأحداث بكلامهم المتحفظ بعض الشيء -لأسباب واضحة-؟؟ "نحن نرفض أي تسمية غير التي نراها مناسبة"! هذا ما قاله الأحداث بصوت عال في الورشة المعنية بهم! فهل ننتبه بدقة إلى ما يرونه مناسباً؟!