شبابنا يسافرون الى دبي مدينة العازبين والنفقات الخيالية |
شبابنا يسافرون الى دبي مدينة العازبين والنفقات الخيالية
ربما أشياؤها الصغيرة التي خلفتها في البيت هي التي تجعله موحشاً أكثر. اليوم، قرر عبد العزيز أن يكنس الغرفة. عطرها في الزجاجة لم ينضب كلياً، لكنه قرر أن يرميها في الزبالة من دون أن يستغرق الأمر شيئاً من تفكيره. لماذا يبقيها؟ لامرأة أخرى تزوره بعد زوجته التي أخذت الأولاد وعادت الى الاسكندرية؟ «أنا لست من هذه النوعية». قالت له عبر الهاتف: «اشتقت اليك والى دبي.. أنا هنا لا أنام». قال مازحاً: «لا أحد ينام في الاسكندرية». اضطرت زوجة عبد العزيز الى الرحيل، على عجل، مخلفة عطرها وأحمر الشفاه وبعض المناديل المنسية في عمق الخزانة. لا يزال يتذكر تلك الليلة: «نام الأولاد وجلسنا في المطبخ. قلت: حسم الأمر، لا يمكننا أن نستمر على هذا المنوال.
صاحب الشقة يزيد الايجار كل سنة بمعدلات متزايدة. يريد تطفيشنا وتأجيرها الى ساكن جديد بعقد جديد يكسبه آلافاً مضافة من الدولارات. صرنا العائلة الوحيدة في الطابق. أجّر الشقة المواجهة الى 16 عاملاً آسيوياً، والشقة المجاورة جعلها مكتباً لخدمات العمالة. أخاف على البنات، كما أننا لم نعد ندخر شيئاً في السنتين الأخيرتين». إنقاذاً للبنات والادخار، عاد عبدالعزيز ليجد نفسه عازباً بعد 15 سنة من الزواج السعيد: «ليست مشكلتي وحدي، المدينة كلها تحولت الى مسكن كبير للعزاب. العائلة تعني تكاليف مدارس وطبابة ونزهات وتسوق في المول. العازب لا يفكر بالادخار. يأتي الى دبي ليعيش نمط حياة لا يجده في مدينته الأم. يجهد طوال النهار ويرقص في الليل».
هل يرقص عبد العزيز؟ «أنا لست من هذه النوعية».
لا تدخر غالبية المقيمين في دبي. ثلث راتبهم يذهب الى جيب محصل الايجارات أول كل شهر. الثلث الآخر تبتلعه التكاليف اليومية للمعيشة: البنزين والمطاعم. قد يقرر أمجد توفير ثمن وجبة من ثلاث وجبات يتناولها يومياً في المطعم، حيث مكان عمله في شركة التسويق. يمر بالتعاونية الحكومية، حيث «الدجاج أرخص وأنظف»، ويعود الى البيت محملاً بفخذين وصدر. الآن حان وقت التنظيف. يقف حائراً أمام الملح والخل والليمون الحامض والبهارات السبعة. ماذا يفعل؟ لقد قرر توفير ثمن وجبة في المطعم لكنه غير قادر على اعدادها في البيت. اجراء مكالمة دولية تصله بأمه القابعة في مطبخ شقة في عمان، يجعله، بمنطق الربح والخسارة، خاسراً طبعاً!
«أحاول الادخار» يقول، «لم أعد قادراً. المدينة تجن. كل شيء فيها يصير أغلى بسرعة قياسية. هي السرعة نفسها التي تبنى فيها الأبراج وتشيد الجسور العالية. قبل يومين، صاحبت رفاقي الى الغداء. اقترحت عليهم بخجل أن ناكل في مطعم باكستاني نظيف ويقدم هامبرغر طازجاً مع بيض مقلي وصلصة الطماطم. نظروا اليّ بازدراء، فدخلنا المطعم اللبناني».
ليس أمجد وحده الذي لم يعد قادراً على الادخار في دبي، التي يقصدها الناس من كل حدب وصوب للعمل وتحصيل فرص مهنية ومعيشية باتت نادرة في بلادهم. فالاحصاءات تتحدث عن أرقام لافتة. من بين كل 100 شخص مقيم في دبي هناك 43 لا يستطيعون الادخار. الباقي قد لا يمانع في زيارة المطعم الباكستاني حيث الطعام أرخص، حتى لو كان مع بيض وصلصة. لكن سويتي، الشابة الفيليبينية، تركت مانيلا وكتب علم النفس الذي تخصصت بدراسته في الجامعة، وقررت أن تجد فرصة للادخار في دبي. وفيما تعمل في مركز اتصالات احدى الشركات، ترد على المتصلين بلباقة وصوت ضعيف يشبه صوت العصافير، تنام في البيت، آخر الليل مع... سبع فتيات في غرفة واحدة. «نأكل، نشرب، نستمع الى الموسيقى، نخبر الحكايات، نتحدث بالتاغالو». «ماغندا أوماغا.. دبي»! تقول لصديقيها وتضحك
هذا يعني بلغة التاغالو «صباح الخير يا دبي».
سويتي، على رغم كل شيء، تدخر. تتقاضى أقل من ألف دولار بقليل، تنفق منها ثلاثمئة تكلفة السرير في سكن البنات. صديقتها توفر أكثر، تنام مع 12 فتاة في شقة واحدة: «لكنها شقة راقية، من غرفتين، وعلى طريق شارع الشيخ زايد». تقول كوشيا: «صديقتي تحسدني، لا لأنني أقيم في شارع الشيخ زايد فقط، بل لأنني أغضبها، فأنا لا أحب فرويد، وهي تقدسه».
كوشيا خريجة فنون اتصالات. تحلم بأن تصنع يوماً ما فيلماً يعرضه مهرجــان دبي السينمــــائي. فيلم عن حكايات 12 فتاة في غرفة في طريق شارع الشيخ زايد، يضحكــــن ... ويدخرن. ماذا تسمي الفيلم؟ «صباح الخير يا دبي».
|
|
Copyright © 2008
mobtker! Inc. All rights reserved
|