دور المرأة التربوي ... المأمول والمعوقات
من الأمور التي اجتمع عليها المربون إقرارهم بأهمية التربية بوصفها عاملاً رئيساً في توجيه الأفراد نحو أهداف المجتمعات، ولمدى أهميتها فقد لفتت انتباه العلماء المسلمين الذين دوَّنوا في موضوعات التربية الإسلامية مؤصلين لها، ومبرزين عناصرها وأهدافها وسبلها، والمؤثرات التي تؤثر في نتائجها، والتأثيرات التي تشعها التربية الإسلامية في المجتمع، بل كان من اهتمام علماء التربية الإسلامية التركيز على التربية البيتية أو المنزلية باعتبارها قاعدة أساسية في إعداد الأفراد موضحين بشكل بارز أهمية دور الوالدين في تلك المهمة. وتبعاً لهذا فإن إبراز دور المرأة التربوي والعوامل التي تساعد على إظهار ذلك الدور بوصفها وظيفة من أهم الوظائف بل هي أهم ما يجب أن تتقنه المرأة، والأمور التي تعيقها عن أداء وظيفتها تلك يعد موضوعاً جديراً بأن يهتم به كل من يعنيه أمر التربية والنشء ومستقبل الأمة. دور المنزل في تنشئة الفرد: تعد السنوات الأولى التي يقضيها الطفل في منزله من أكبر المؤثرات المسؤولة عن تشكيله في المستقبل؛ ذلك أن المجتمع المنزلي يعد أول مجتمع ينمو فيه الطفل ويتصل به ويستنشق الجو الخلقي منه، بل إنه ومن خلال الجو العاطفي الموجود في البيت فإن الطفل يعتمد على والديه في أحكامه الأخلاقية وفي مَدِّه بتقاليد وعادات وأعراف مجتمعه. لذا فان للوالدين دوراً هاماً في تربية الطفل لا يستطيع المعلم أو أي شخص آخر أن يحل محلهما؛ فقد يستطيع المعلم أن يزوِّد الطفل بحصيلة من المعلومات قد تجعل منه دائرة معارف، لكنه يفتقد ما للوالدين من تأثير على اتجاهات الطفل نحو الحياة. ولهذا فقد حرص علماء التربية الإسلامية على تأكيد ضرورة إعداد المرأة لممارسة دورها بل وانتقائها قبل إنجاب الأولاد مؤكدين على حقيقة أن تربية النشء تحدث قبل ولادتهم باختيار الأمهات. الأدوار التربوية المناطة بالمرأة الأم: مما هو معروف بالبديهة أن الأدوار التربوية المناطة بالمرأة الأم تتخذ أهميتها من كونها هي لب العمل الوظيفي الفطري الذي يجب أن تتصدى له المرأة، وهذا يعني ضرورة أن تسعى الأم إلى ممارسة دورها بشكل يحقق نتائجه التي يأملها المجتمع، وهذا يعني أيضاً ضرورة إعداد المرأة الأم لأداء ذلك الدور قبل مطالبتها بنتائج فعالة، وأعتقد أن ذلك الإعداد لا بد أن يشمل: 1 - غربلة المناهج الدراسية: بحيث يكون الغرض الأساسي من تلك الغربلة وإعادة الصياغة إعانة (المرأة الأم) في وظيفتها داخل منزلها الذي يُعد المقر الوظيفي الرئيسي لها؛ لا أن يكون دور المناهج الدراسية تهيئة المرأة لتمارس وظيفة خارج المنزل، وفي حالة إعادة التكوين والصياغة هذه؛ فإن المناهج ستساهم في دعم دور الأبوين في إعداد الفتيات للاقتناع أولاً بمهمتهن الأولى، ثم في التعرف على صور وأنماط عديدة لأصول التربية السليمة وطرقها، والتي من الممكن الانتقاء منها حسب عدد من المعطيات ووفقاً للظروف المواتية، وبهذا ستؤدي المناهج الدراسية دورين أساسين: أ - دوراً إعدادياً للمرأة للقيام بوظيفتها التربوية. ب - دوراً مسانداً ؛ حيث ستشكل المناهج معيناً نافعاً تستمد منه المرأة سبلاً وطرقاً تربوية ناجحة ونافعة 2 - الإعلام: نظراً لأن إعداد المرأة لممارسة وظيفتها التربوية يشكل ثقلاً عظيماً في النظرة الشاملة لمصلحة الأمة عموماً؛ فإن إعادة اهتمامات الإعلام بتلك المسألة من الأهمية بمكان؛ وهو أمر يستلزم قيام جميع القنوات الإعلامية بإبراز ذلك الدور والتركيز على ممارسة المرأة دورها بنفسها؛ فهي وظيفة لا يجوز فيها التوكيل، بل إن تصدي المرأة لدورها بنفسها بوصفها أيضاً مربية يعد مسلكاً عظيماً في رقي الأمة، بل هو الطريق الأساسي لتحقيق آمال الأمة ثم إعادة صياغتها فعلياً عبر التربية إلى نواتج قيِّمة تضاف إلى رصيد الأمة الحضاري، ولأجل ذلك فإن من الضروري أن تضع وسائل الإعلام ضمن أهدافها تبني المفهوم القائم على أن رقي الأمة مطلب إسلامي حضاري لن يتأتى إلا من خلال إعادة تكوين النظريات التربوية وتأسيسها بما يتفق مع الأصول والمصادر السليمة التربوية المعتمدة على المصادر الإسلامية، وأيضاً من خلال إعداد الكوادر التي تستطيع ترجمة تلك النظريات إلى واقع؛ أي العناية والتشجيع لإعداد المرأة الأم المربية التي تمتص ما يجب أن تفعله لتعيد تكوينه رحيقاً تربوياً يداوي جراح الأمة. 3 - تبني مسؤولية التربية: لا تستطيع المرأة أن تؤدي دورها التربوي ما لم تتبنَّ تلك القضية وجدانياً من خلال حملها لهمّ التربية، ويقينها التام بدورها في إعداد الفرد، وانعكاس ذلك على صلاحه وصلاح الأمة، ثم سعيها الدؤوب نحو تزويد من تعول تربوياً بما صح وتأكد من مغانم تربوية كسبتها من خلال ما نالته في رقيها التربوي الإسلامي، ويتأتى ذلك عن طريق دعم حصيلتها العلمية الشرعية؛ إذ إن جزءاً من مهامها التربوية يعنى بتشكيل عقيدة الأبناء ومراقبتها، وتعديل أي خلل يطرأ عليها. ولهذا، ولأهميته فإن أول دور يُناط بالأم هو: 1 التربية العقائدية: لا تتمكن الأم من القيام بتلك المهمة ما لم تكن معدة لهذا الأمر من خلال علم شرعي يعينها على أداء هذه المهمة، ولا يعني هذا أن تتوقف المرأة عن ممارسة ذلك حتى تكون طالبة علم. إن على الأم معرفة الأساسيات التي لا يقوم دين العبد إلا بها كأصول المعتقد وما تشمله من أصول الإيمان، وأقسام التوحيد وشروط لا إله إلا الله ونواقض الإسلام، وأقسام الشرك والكفر وأنواع النفاق، كما أن عليها معرفة الحلال والحرام خاصة ما استجد في هذه الأزمنة من مستجدات أوضح العلماء حكمها. إن دور المرأة الأم هو قيادة قاطرة التربية في أرض مليئة بشوك الشبهات المضلة، والشهوات المغرية، والفتن السوداء. على المرأة الأم أن تدرك أن منهج تربية النشء في الإسلام يقوم في أصوله وأساساته على مرتكز الإيمان بالله وحده، وهو منهج متوافق مع نظرة الله التي فطر الناس عليها. إن التطبيقات الضرورية لهذا الدور التربوي الهام تتضح من خلال عدد من الإجراءات منها: تربية الأبناء على حب الله ورسوله، ربط قلوبهم بالله ومراقبته في كل تصرفاتهم، ويكون ذلك منذ طفولتهم المبكرة؛ ويُوجَّهون إلى إرجاع كل نعمة إلى الله وحده، وحينما تشب أعوادهم يُعوَّدون على قراءة كتب العقيدة المناسبة لأعمارهم. التربية السلوكية: بتأكيد أهمية البيت في تبني السلوكيات الطيبة تتضح مسؤولية ما تقوم به المرأة في تفعيل دورها العظيم في زرع هذه السلوكيات، وقلع أي سلوك سيئ ينشأ في حديقتها التربوية حيث رعيتها الصغيرة، وتهذيب أي سلوك ينشأ منحرفاً عن مساره. إن مهام المرأة في ذلك الدور كما هو في جميع مهامها التربوية لا بد أن يسير بمشاركة الوالد تدعيماً وعوناً، وفيما يخص مهمته التربوية؛ فإن تعاضد المرأة والرجل في بذر السلوك الحسن وتكوين القدوة الصالحة له أنجع الأمور للوصول إلى نتائج سريعة ومثمرة، ولأن المربين قد أدركوا أن من ضمن الأسس التي ترتكز عليها المنهجية التربوية الإسلامية في التربية هو إيجاد القدوة الحسنة؛ فقد حرصوا على ذلك الأمر من منطلق أن الطفل يبدأ إدراكه بمحاكاة ذويه ومن حوله حتى يتطبع بطبائعهم وسلوكياتهم وأخلاقهم. . وفي مقابل غرس السلوكيات الحسنة كان إهمال أي سلوك يأخذه الطفل من البيئة المحيطة يعني تشرُّبه السلوكيات الخاطئة واستنكاره أي نصيحة مقومة له. وغالباً ما يأتي الإهمال من قِبَل الوالدين جميعاً أو باتكال أحدهما على الآخر، أو كما قال ابن القيم: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبَل الآباء". ولهذا أيضاً كانت المنهجية التربوية الإسلامية تعتمد على مراقبة سلوك الطفل وتصرفاته وتوجيهه في حينه إلى التعديل المناسب لذلك السلوك مهما كان ذلك السلوك حقيراً أو عظيماً). وتبعاً لذلك فإن من تطبيقات تلك المهمة التربوية: 1 - حفظ الطفل من قرناء السوء. 2 - أن تمارس المرأة مهمتها بإخلاص في غرس الفضائل والعناية بالواجبات، وتعويد الصغار على معالي الأمور. 3 - ربط النشء بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، وتعليقهم بما تشمله سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتراجم الصحابة من علو ورفعة وعزة. 4 - أن تضع المرأة شعاراً تطبقه في تربية من تعول تعتمد على تفعيل حديث الرسول -ص-: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناس بخُلق حسن". التربية النفسية: تعتمد تلك المهمة على إقرار حقيقة في الصحة النفسية هي أن العطف والحنان بلا إفراط ولا تفريط هما أساس الصحة النفسية لدى الأفراد؛ فينشأ الأطفال ويشب النشء وهم مترفلون بهذه الصحة؛ ولهذا فقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم صفة الحنان في نساء قريش بقوله: "صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده". وهذه التربية النفسية لا تتأتى فقط بما تمنحه الأم من رعاية وحنان وعطف جُبلت النساء عليه، وإنما لا بد من تعاضد الوالدين جميعاً في تهيئة البيئة المنزلية لتكون بيئة صالحة هادئة ينشأ فيها الطفل متزناً واثقاً من نفسه؛ إذ ثبت أن الحياة العائلية المضطربة والمشاحنات بين أفراد الأسرة وبخاصة قطبيها الأب والأم يؤثران بشكل ملحوظ على تكوين شخصية مضطربة تنفر من الحياة وتكرهها، وثبت أيضاً أن أغلب الأمراض الخُلُقية مثل الأنانية والفوضى وفقدان الثقة بالنفس وعدم الإحساس بالمسؤولية والنفاق إنما تبذر بذرتها الأولى في المنازل، وأن من الصعوبة على المدرسة والمجتمع استئصال تلك الأمراض إذا تزمَّنت وتمكنت في نفس النشء أو الأطفال. التربية الجسمية: تبدأ تلك التربية منذ وقت مبكر حين تركز المرأة عنايتها بما خُلق في رحمها من خلال اهتمامها بالتغذية والراحة، ثم تستمر تلك التربية بعد الولادة حين يضع المنهج الإسلامي مسألة الرضاعة وتغذية الرضيع من المسائل الأساسية التي تُكلَّف بها المرأة. قال الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة {البقرة: 233}. ولكي تمارس الأم ذلك الدور لا بد أن يكون لديها وعي تام بأهمية هذا الجانب التربوي المعتمد على الثقافة الصحية المتوازية مع التطبيق العملي لهذه الثقافة. . معوقات في أداء الأدوار التربوية: إذا كانت تلك بعض الأدوار التربوية المناطة بالمرأة بوصفها أُمّاً فإن مما يُعطل تلك الأدوار عن أداء مهمتها بفعالية، ومما يعيق المجتمع عن الحصول على ثمار يانعة معوقات من الممكن حصرها في: 1 - معوقات ذاتية تتمثل في: - قصور في الإعداد النظري للمرأة لممارسة دورها التربوي. - قلة وعي المرأة بأهمية دورها التربوي وأهمية ناتجها على المجتمع. - إشغال الأم أو انشغالها بممارسات ثانوية تعطل وظيفتها الأساسية كانشغالها بوظيفة خارج المنزل. 2 - معوقات خارجية تتمثل في: - الاعتماد على شخصيات بديلة تمارس دور الأم كالمربية الخارجية والخادمة، ويتأتى ذلك الاعتماد السلبي حين تعتقد الأم أن التربية عبء لا ناتج له معطل لقدراتها. - تشجيع وسائل الإعلام المرأة للخروج من المنزل وممارسة أدوار بديلة لدورها الأصلي الأساسي، بل الدعاية لتلك الأدوار والوظائف واعتبارها خدمات أولية تقدمها المرأة للمجتمع تفوق في ناتجها دورها التربوي، وهذه الدعاية ساهمت في صرف المجتمع عن تأكيد دور الأم المربية إلى تشجيع دور الأم العاملة أو المرأة العاملة؛ وذلك بتشجيع تأخير الإنجاب. - عدم قيام المؤسسات التعليمية بأدوارها في إعداد المرأة الأم وتشجيعها لممارسة دورها التربوي إضافة إلى ازدحام قائمة المناهج الدراسية بمواد بعيدة الصلة عن الحاجات الفعلية للمرأة مما يترتب على ذلك عدد من النتائج أبرزها طول فترة اليوم الدراسي باعتبارها أول تلك النتائج، وثانيها طول فترة المرحلة الدراسية، ثم ثالثها ضعف إعداد المرأة تربوياً، وتبعاً لذلك فقد تتأخر المرأة أو تتعطل في أداء دورها التربوي. توصيات: أَخلُص من ذلك كله إلى عدد من التوصيات تتعلق بالمرأة المربية والنشء والطفولة بل والأسرة مما يعزز فعالية المرأة: أولاً: تكثيف البرامج التعليمية في مدارس تعليم البنات فيما يخص إعداد المرأة إعداداً فعلياً لأداء دورها الوظيفي. ثانياً: إنشاء مراكز لأبحاث الطفولة والناشئة تكون غايتها بحث أفضل السبل لوضع منهجية تربوية قائمة على أصول شرعية قادرة على مواجهة المتطلبات المتصاعدة للحياة العصرية؛ بحيث تمد تلك المراكز الأمهات ودور الحضانة ومدارس المرحلة الابتدائية بالأبحاث والدراسات فيما يخص الطفولة والناشئة وكيفية تواؤمها مع المجتمع بما يحافظ على أصالة التربية. ثالثاً: إنشاء مراكز لسلامة الطفولة ودعمها، غايتها بث وعي إعلامي وقائي للأمهات والآباء فيما يخص سلامة أطفالهن من كافة أنواع المخاطر كحالات الحرق، والغرق، والخنق، والسقوط، ... إلخ. رابعاً: تكثيف المواد الإسلامية وخاصة مسائل التوحيد في مناهج ما قبل المدرسة، وعرضها بطريقة تناسب عقول الصغار؛ ففي هذه المرحلة تغرس مبادئ التوحيد بأنواعها الثلاث في عقولهم الغضَّة، مما يشكل دعماً لجهود الوالدين في تلك القضية. خامساً: إنشاء هيئة عليا للدراسات الأسرية التربوية تختص بتذليل كافة السبل لدعم البرامج التربوية في مناهج التعليم، وتهيئة الظروف لتحقيق توافق أسري داخل البيوت من خلال البرامج والدورات التدريبية التي تشمل فيما تشمل دورات أسرية لمرحلة ما قبل الزواج ثم مرحلة ما بعد الزواج، كما يكون من ضمن اختصاصها فتح قنوات اتصالية مع الأمهات لبحث ما يعتريهن من مشاكل تربوية تعيقهن عن أداء دورهن.
 
Copyright © 2008 mobtker! Inc. All rights reserved