وطني هو ترابُ أرضي، هو أهلي وعشيرتي وضحكات أطفالي، هو عاداتنا وتقاليدنا، هو عالم نفسي في داخل قلبي الصَّغير، يقولون: عن أي وطن تتحدَّثين؟ ألا تَرَيْنَ ترنُّح الأوصال وصراع الأرحام، وتزمُّت الآراء والتشدُّق والكبرياء؟! ألا تعلمين أنْ لا مثاليةَ ولا مساواة ولا حقوق، بل صراخ بلا عدل بين البشر، قليل في رغد يتلذذ، وكثير في جوع يَتَضَوَّرُ ويتشتت؟! قلت: ليس كلُّ القبيح منزوعًا منه الجمال، والخير في أمة الكريم محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول رب العالمين: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6].
أمَّا الشتات وسواد القلوب والفرقة وحدود البلاد والشماتات، فاللهم ارْتُقْ فَتْقَنَا، واجْبُر كسرنا، وأصْلِح ذاتَ بينِنا، قالوا: يا حالمة وهائمة، إنَّا مَقهورون، وتُطارد آذانَنا أبواقٌ تحذِّرنا حقوقَ الإنسان، ونحن الإنسان غَيْرَ أنَّنا مسلمون، طبول تُمنِّينا بالحرية، وكفالة اليتيم، طبول تنذرنا كوارثَ الطبيعة، وتعظم الحيوان على الإنسان، حتَّى صار الكثير منَّا يزهو بأقاويل الغرب، ونَسِيَ عن تعمُّد أو جهل أنَّ كل حقوق الإنسان، والحيوان، والشجر، والذر، والنَّمل، والأرض، والبحار، والأنْهار، من قبلُ نادى بها دينُ الإسلام، الدِّين الخالص والخاتم لجميع الرسالات.
ولكن لماذا اللوم والعيب فينا؟! لماذا اللوم والذُّل بات يعانقُ بجهالة أفكارَنا، وطبولٌ على أرضي تَهُزُّها، وتصدَّعت معها؛ حَزَنًا وحَسْرَةً على حاضرنا البئيس، ومجد ماضينا النفيس؟! وقلت: ألاَ من سطوعٍ للنُّور من جديد يعمُّ أرجاء بلادي؟! ألا من عزة بكمال شريعتنا وقيمنا؟! وددت الصمودَ والعزم؛ لأضمَّ إلى صدري أولادي، وددت عودةَ الخوف على بعضنا البعض، وألفةً وتراحُمًا واتِّحادًا.
يا طبولَ النصر المبين، تقاعسنا عنكِ، ولسنا مسلوبي الإرادة، والله، ما علينا إلا بأنفسنا، ولو خُلِقْنا كذلك ما هدانا الله النَّجْدَيْن، وما جعل النار والجنة، وما كان الخير والشر، ولا تقولوا: هكذا الظروف؛ فما كانت إلاَّ مما قدمت أيدينا، أمَّا عن الأقدار فهي ابتلاءات يختبرنا بها ربُّ العالمين، فأيُّنا أحسنُ عملاً؟ أيُّنا للرحمن مطيع؟ هو الذي خلق الموت والحياة، والظل والْحَرُور، والسكون والحركة، والليل والنهار.
يا أخي في الإنسانية، أَسمِعْنا طبولَ المحبة والسلام، أنت مثلي وما فيك وفيَّ مِلْك لربِّي، اختلفت ألواننا وألسنتنا ولغتنا، والكل فينا مسؤول، الكلُّ فينا مُحاسب، ما أجملَ أنْ يكونَ القلبُ نقيًّا نقيًّا لا غلَّ فيه، ولا حسد، ولا كراهية!
أمَّا عن الجسد الذي يكسو القلب، ففيه الجوارح وهي مسؤولة مثلها مثل القلب، حتى بعد أنْ يسحقها التراب وتفنى، نعم أنت وأنا وجميعنا سيفنى، أنت وأنا ما خَلَقَنا الرحمنُ إلا عَبْدًا، وستأتيه وآتيه يوم القيامة فردًا، سيزول منا الجسد، وتبقى النفس والرُّوح، إمَّا جحيمٌ وعذاب، وإمَّا جنة ورغد.
سبحان الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد!
عفاف عبدالوهاب صديق
مواقع النشر (المفضلة)