[align=justify]
شمس الصيف الحارقة، تأبى أن تطيل خطاها، فهي لا تريد إلا أن تمنحنا اضمحلالاً للإخضرار!! إيذاناً للخريف بالقدوم، ورياح الخريف المتناوشة، تتعارض أرتالها، لكنها تأبى المنطقية الإقصائية، تبخرٌ يتلوه تبريد، وجبالٌ راسخة تأبى الانحناء، فسنا برقٍ يخطف الأبصار، فمطرٌ رحيم يمنح الكون حياته، فشتاءٌ لا يطيل، غير أنه يمنح الحياة ربيعها الفتان، ولا انفصام، ولا تعارض، فلا إقصاء.
أزلية متناغمة، فتتابعٌ متوال، واثق الخطوة يمشي ملكاً لا يلعن السابق، ويعطي الحياة قدرها اللاحق، لا يعبد المكانة، فلا يتبرك بوتدية المكان.
لم يقصِ الزمان الزمان، ولم يقص المكان المكان، فصلاح الدين هزم الصليبيين، وقطز شلت على يديه أقدام المغول، و يافا لازالت يافا، وبغداد لم تصبح يوماً بيروت.
كون رحيب هو الذي نحيا، أقل الأشياء رحابةً فيه، هي العقول الإقصائية، التي تأبى دوماً أن تتدبر الخطى الرتيبة لهذا الكون، الذي لا تشكل به أكثر من إست بعوضة.
وبعيونٍ قرنيتها محدبة الإطار، تغدو كل الأشياء صغيرة، وضئيلة، ولا شيء كبير سوى هذا الإست الذي يحمل القرنية المحدبة، فلا بهاء الكون يَرتَئِي، ولا عمالقة الوجود تملأ العيون..واثق الخطوة يمشي أحمقاً..
هو المنطق الإبليسي إن شئت، يوم أبى السجود، يوم أخبرته تلك المحدبة الملعونة، أنه سيد الوجود، أو هو "أبو رغال" يوم تقمص بدوره المنطق الإقصائي، فكان يسيراً عليه حتى لو تهدمت الكعبة، فأحسبه بدأت به الأبابيل. فلماذا نتقاصى، ومغناطيسية الهدف قد تشدني وتشدك، وتحتويني وتحتويك، وتعطيني وتعطيك، وأعدك إن انتقصت جاذبيتها، أن أعطيها لتعطيك، ولا انفصام عندي ولا إقصاء، فإني موقنٌ أنه ما كان للأول أن يكون دوماً واحداً، فلماذا تأبى حتى أن تراني الثاني.
أتراها شمس الوجود تزول، لو أشرقت يوماً ولم تتعطر بلقياك، فيملأ الكون ظلام غيابها، أم هل تراه هذا الظلام يمزق تأشيرة الرحيل، فيغشي الكون وجع الفناء حزناً على فراق الإست المجنون.
أم هل تراها ذرات الهواء تفنى، فأراك تحصي عليّ أنفاسي، وإذا ساقوني للموت أتراك تحسدني فَتُحصي عليّ أيامي، وإذا ما قُبرت أتراه ينتقص الوجود الذي تملك، بلحدي وقبري وثراه الثمين!!
أتراك تعلو عليّ بمنصبك، فتقصفني بموضعك، فيغدو لنفسك تقواها، وإذا زاغت فعليّ فجورها، وربي وربك من سواها، مصيبٌ لا تخطئ، وإذا أخطأت فقد أخطأ الآخرون في فهم صوابك، وإذا أصابوا فالخطأ الذي رأوه سيحيق بأيٍ ممن تراهم عدستك المحدبة، فلماذا وأنت تستقصي دوماً فيهم صوابك!! لماذا تتعبها المحدبة، ألم تعلم أنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
أم أنك لا زلت ترى أفلاك الكون لا تسير إلا بهواك، وإعصارات الكون تحميها أهدابك، والقلوب المكلومة لا تنال عزاءها إلا بصوتك، والإنس والجن، والشمس والقمر، والأرض والسماء لا تسير إلا بقانونك وقاعدتك، فاقبل عذري إذاً لأني سأسخر مع برناردشو منك لأنه كان دوماً يقول"اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية"!!.
فلماذا تصر-يا ابن زماني-أن ترى زوالك بحضوري، وغيابك بوجودي، ودموعك بفرحي، وهرمك بشبابي، وظنك بيقيني، وشططك بظني، لماذا واليقين لا يُزيله إلا اليقين، والظن قد لا يتعارض مع الظن، وقد نفرح معاً، وقد تفتح الحياة ذراعيها لنا إلى ما بعد المائة..والأعمار بيد الله.
ولماذا لا تعطش أنيابك إلا عندما تراني، فأراها عطشانة الضغينة، أتريد أن تشربني رغماً عن الحلق الدامي، الذي جرحته دماء الآخرين، ألم تشبع المعدة المسعورة بعد.
فأفق يا ابن زماني..واعلم أن هذا الوجود لا زال يحتويني رغماً عن محدبتك البلهاء.
[/align]
رائد أحمد غنيم
مواقع النشر (المفضلة)