حرمة الأسرار
[GRADE="FF0000 32CD32 32CD32 FF0000"]يختلف كل إنسان عن الآخر في خلقه وطباعه وتدينه ومدى تمسكه بالضوابط الدينية والأخلاقية على حد سواء، ويلعب هذا الاختلاف دوراً رئيسياً في تصنيف الناس إلى أنماط متنوعة ولكن جميعها تواجه طريقين لا ثالث لهما هما الخير والشر.
وهذان الطريقان هما وحدهما المعيار الذي تتحدد على أساسه الخصال الحميدة أو الطباع السيئة لكل إنسان والتي بدورها تنم عن مدى الالتزام الأخلاقي من عدمه، وإذا كانت مجمل سلوكيات المرء تنم عن خلقه، فإن هناك تصرفات قد تبدو بسيطة للغاية ولكنها تدل على طبيعة الإنسان، فقد يبدو ذلك في التعامل مع الفقير والضعيف والصغير بطريقة تدل على الرحمة التي تملأ قلبه وهي صفة لو توافرت في شخص ما، جعلته عطوفاً محباً للآخرين، كما أن هذه الصفة تعلي من قدره بين الناس وتجعله قريبا من طريق الخير.
أيضا الإنسان الذي يحفظ أسرار الآخرين ويحترم خصوصياتهم ولا يحاول استغلالها في الإساءة إليهم هو أيضا إنسان خلوق يعتبر ما يعرفه سراً عظيماً لا يحق لأحد الاطلاع عليه.
حفظ السر بصفة عامة هو فضيلة أخلاقية لا تتوفر في كثير من بني البشر، فكم من أصدقاء ائتمنوا على أسرار ولكنهم خانوا الأمانة ولم يراعوا حقوق الصداقة ولم يقفوا كثيراً أمام الرادع الأخلاقي الذي يمنعهم من إفشاء سر صديق، ومثل هؤلاء لا يجب الوثوق بهم ويبدو مظهر الواحد من هؤلاء ناعما ليستدرج صاحبه إلى البوح له بأسراره، ثم يتولى هو بعد ذلك نشر تلك الأسرار بغض النظر عما إذا كان هذا السلوك سيضر بصاحبه أم لا، معتقداً انه بذلك يعزز مكانته بين الناس باعتباره العالم ببواطن الأمور.
ولأن العلاقات الاجتماعية شبكة شديدة التعقيد يحتاج فيها الناس بعضهم بعضاً، فانه من الطبيعي أن يلجأ شخص ما إلى المقربين منه للبوح لهم بأسرار طلبا لمشورتهم أو نصحهم أو مساعدتهم له أو حتى مجرد التخفيف عنه، ومن ثم فإن من استودع سراً إنما تلقى على عاتقه مسؤولية لا يتحملها إلا أخلص الناس، ولذلك كان من الضروري تخير أمين السر ممن يتصف بالأمانة، وحصر هذا الاختيار في أشخاص بعينهم، وذلك لأن خروج السر إلى أكثر من شخص يعني شيوعه ولا يجب الوثوق بمن يسعون الى الاطلاع على السر، لان ذلك ينم عن طبيعة متطفلة لا تؤتمن على شيء، وفي أهمية حفظ السر يقول تعالى: “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً” (الإسراء: 34).
ويقال إن قلوب العقلاء حصون الأسرار وكم من أناس أودعت لديهم أسرار فلم تضق بها صدورهم مهما طال الزمان وتباعدت المسافات بين صاحب السر وبين حافظه، لأن هؤلاء يعتبرون الأمر راجعاً الى التزامهم الشخصي بغض النظر عن أي شيء آخر، وحتى إذا اختلفوا مع أصدقائهم فإنهم لا يحاولون استغلال ما كانوا يطلعون عليه من أسرار في الإساءة إلى من وثق فيهم من قبل، وحتى إذا أساء الطرف الآخر إليهم.
في الأمور الشخصية على المرء أن يتعلم أن هناك أموراً لا يجب اطلاع احد عليها وان تطلبت الظروف فيجب ألا يتم ذلك إلا في أضيق الحدود ومع أهل الثقة فقط، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين الزوجين، فكلاهما مطالب بحفظ سر الآخر وعدم استغلال هذا السر عند اقرب خلاف في الإساءة الى شريكه.
ولأن في الزواج سكناً ومودة، فيجب أن يكون الزوج الملاذ الآمن لزوجته حينما يلم بها شيء، والشيء نفسه مع الزوجة التي تحفظ سر زوجها وتعينه في السراء والضراء وتكون خير مثل للمرأة الصالحة التي حثنا ديننا على الاقتداء بها، لأن الأسرار الزوجية تعتبر أسرارا محرمة، وفي الدلالة على ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها”.
ما يحدث في الواقع يبتعد للأسف عن تلك المبادئ الأساسية، فالبعض يستبيح أسرارا اؤتمن عليها، بل ويستغلها في تحقيق مآرب شخصية، وهذا إن دل فلا يدل إلا على خواء إنساني وفقر أخلاقي.[/GRADE]
صحيفة الخليج - الدين للحياة
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)