السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الثورة الفنلندية
حتى عقد الثمانينيات كانت فنلندا تتصدر دول العالم من حيث نسبة الوفاة بأمراض القلب وانسداد الشرايين. وكانت الإحصائيات تشير إلى وفاة معظم الرجال والنساء (فوق سن الثلاثين) بالجلطة أو السكتة القلبية دون سابق إنذار. وبسبب قدم الظاهرة لم يدرك الفنلنديون - على المستوى الشعبي - حجم الكارثة التي يعانون منها (وكانوا ينظرون للسكتة القلبية كطريق طبيعي للموت) ..
أما سبب تفشي هذه الظاهرة فكان استهلاكهم المفرط للحوم والدهون الحيوانية - مقابل الخضروات والمنتجات الزراعية .. فبسبب أشهر الشتاء الطويلة (حيث يقع جزء كبير من البلاد ضمن الدائرة القطبية) صعب الاعتماد على الزراعة كمصدر رئيسي للطعام في حين غدت اللحوم (والشحوم) مصدر الغذاء الرئيسي للفنلنديين؛ فبالإضافة إلى تناولهم كميات كبيرة من الزبدة والسمن الحيواني، كانت اللحوم المقددة ودهون الأبقار والرنة تصنع كقوالب جاهزة للأكل (تصنع ب 312طريقة مختلفة) . وهكذا كان من الطبيعي أن ترتفع لديهم نسبة الكولسترول وتهتك الأوعية الدموية - وبالتالي وفاتهم بأمراض القلب وانسداد الشرايين !
... وحين وصل الوضع إلى مستويات غير مقبولة قررت الحكومة بدء ثورة شعبية لرفع الوعي الصحي للمواطنين وتغيير نمط غذائي ألفوه منذ قرون . وشيئا فشيئا بدأت الأمور تتحسن ونسبة الوفيات تنخفض حتى تراجعت فنلندا اليوم إلى المركز "التاسع عشر" (في حين احتفظت بالمراكز الأولى دول تتمتع بذات الطقس والعادات الغذائية مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء وجورجيا وروسيا الاتحادية/ بالترتيب) !
... والثورة الفنلندية - ضد أمراض القلب والشرايين - ثورة حميدة أنقذت حياة الملايين (مقارنة بالثورات العسكرية التي حصدت أرواح الملايين) .. وقبل أن نطالب بتقليدها واستنساخها يجب أن تتوفر لدينا إحصائيات دقيقة وقائمة احتمالات واضحة عن أكثر ما يقتل الناس في هذه البلاد (حيث أتت أمراض القلب في فنلندا في أعلى قائمتها الصحية) .. ووجود مثل هذه القائمة مطلب وطني مُلح لأن (مجرد وجودها) يعطي الناس وعيا أكبر بالمخاطر الصحية المحيطة بهم .. ففي الولايات المتحدة مثلا توجد قائمة صحية ب(احتمالات الوفاة) التي قد يتعرض لها المواطن هناك خلال حياته ؛ فهناك مثلا:
@ احتمال من بين خمسة احتمالات لوفاته بأمراض الأوعية والشرايين.
@ واحتمال من بين (7) لوفاته بالسرطان.
@ واحتمال من بين (23) لوفاته بالسكتة القلبية.
@ واحتمال من بين (36) لوفاته بحادثة عرضية.
@ واحتمال من بين (100) بحادث سيارة.
@ واحتمال من بين (121) بسبب الانتحار.
ويتراجع احتمال الوفاة كلما نزلنا أسفل القائمة حتى تنتهي بثلاثة احتمالات غريبة:
@ احتمال من بين (147.717) للوفاة بسبب كلب شرس !
@ واحتمال من بين (200.000) للوفاة بسبب نيزك أو مذنب !!
@ واحتمال من بين (500.000) للوفاة بسبب تسونامي !!!
ومن خلال هذه القائمة يدرك المواطن العادي خطورة أمراض القلب والسرطان - في حين توليها الجهات المسؤولة اهتماما أعظم وميزانية أعلى ووعيا شعبيا أفضل .. وفي المقابل، تنخفض احتمالات الوفاة بالتدريج حتى تصل لمستويات قد لا تستحق أكثر من تذكير الناس بوجودها - في حين يصبح من السذاجة الحديث عن احتمال وفاة أي مواطن بسبب كلب أو نيزك أو تسونامي !!
وهكذا ؛ رغم إعجابي الشخصي بالثورة الفنلندية إلا أن تطبيقها يتطلب (أولا) وضع قائمة بأهم المشاكل الصحية التي نعاني منها وتركيز جهودنا على أكثرها خطورة وإلحاحا .. وحتى تفكر وزارة الصحة لدينا باستحداث قائمة من هذا النوع أرشح (أربع مشاكل صحية) تستحق إعلان الثورة ضدها :
@ الأولى: البدانة والمشاكل الناجمة عنها ..
@ والثانية: حوادث السيارات والطرق ..
@ والثالثة: أمراض القلب والشرايين ..
@ والرابعة: جهلنا (نحن) بالإسعافات الأولية وكيفية إنقاذ الآخرين ..
____ _____
منقـــــــــول
مواقع النشر (المفضلة)