الحمد لله أنني لم أعد طفلا !
هل تعلمون ما هي اشق مرحلة في عمر الإنسان؟!، يقول العلماء: إنها السنة الأولى من حياته.. بينما أعتقد أنا أنها السنة الأخيرة من حياته، طبعاً كلامي ليس بالحسبان، ولا يؤخذ بعين الاعتبار، لأنني لست بعالم ولا حتى متعالم.. لكن دعونا (منيّ)، ولنقرأ ما يقوله العلماء، أنهم يقولون: إن المخلوق البشري الذي ولد حديثاً، لا بد أن يشق طريقه ويعتمد على نوعين من المواهب، فهو يستطيع أن يبكي ليعلن عما يعانيه من محن، كما صُنعت عضلات وجنتيه وشفتيه بطريقة صالحة لامتصاص اللبن ـ وليس هناك إنسان على وجه الأرض لم يمص.
كما أن الطفل يولد وهو يكاد يكون أعمى وأصم، فلا بد ان يتعلم كيف يسمع ويرى وهو بمجرد خروجه إلى الدنيا يضخ في دمه ما لا يقل عن ستة ملايين من كرات الدم الحمراء في المليمتر المكعب مقابل أربعة ملايين فقط للشخص البالغ.
وللمولود بعض الحيل التي تساعده في صراعه من اجل البقاء، فعندما تزداد محتويات ثاني أكسيد الكربون في دمه، فإنه يتثاءب لكي يحصل على جرعة إضافية من الأوكسجين، كما يستطيع أن يسعل لكي يتخلص من سائل كان من الممكن أن ينساب إلى رئتيه ويغرقه. ولا شك أن منظر الطفل في سنته الأولى ليس جميلا، بل إنني أكاد أقول: انه بشع حسب مقاييسنا الجمالية التي تعارفنا عليها، ولو أن واحدا منكم استغرب أو استهجن رأيي هذا، فإنني أقول له: هل تقبل أنت، في عمرك هذا أن يكون لك شكل طفل، أي أن يكون رأسك متضخماً يبلغ حجمه ربع طول قامتك، واكبر في استدارته من كتفيك؟!، وان بطنك بارز للأمام، وذراعيك وساقيك صغيرتان هزيلتان؟!
والحمد لله أن أشكال الأطفال تتبدل بعد أن يكبروا، وإلاّ أصبحنا جميعاً نتشابه مع أفلام الكرتون للكائنات الهابطة من المريخ.
على أية حال فرأس الطفل يجب أن يكون كبيراً لكي يحوي كل خلايا المخ التي سوف تلازم صاحبها مدى الحياة، ولو أننا ظللنا نتعلم بنفس السرعة التي يتعلم بها الطفل في عامه الأول لأصبحنا عباقرة نفوق (انشتاين) بعشر مرات.. أما الذراعان والساقان فلا يحتاجهما إلا في وقت لاحق.. وحاستا الذوق والشم تكونان موجودتين لديه منذ البداية، فجربوا أن تقطروا في فمه قطرة ليمون واحدة لتشاهدوا تعبيرات وجهه، كما أنه بواسطة الشم يستطيع أن يميز رائحة الحليب، وبعد ذلك تبدأ مرحلة السمع والإبصار.
وفي الشهر الرابع يبدأ الطفل في رؤية العالم كمكان ساحر جميل، ولم يعد الأكل فقط هو اكبر همه، بل تصبح (المناغاة) والموسيقى والرقص أشياء رائعة في نظره.. وهو في هذه المرحلة بلغ ضعف ما كان عليه يوم الولادة، ولو انه ظل ينمو بهذا المعدل العجيب، لأصبح وزنه وطوله يعادل (الديناصور) بعد أن يبلغ مرحلة المراهقة.. وفي الشهر السابع يستطيع أن يجلس من دون أن يتعب، ويقول (ماما)، ثم يحاول أن يقف ويمشي فيما تبقى من شهوره الثلاثة الأخيرة.
وبعد أن ينتهي ذلك العام الشاق والمرهق بالنسبة للطفل، تبدأ مرحلة الجري والشيطنة والازعاج والتكسير ـ أي تبدأ المرحلة الشاقة والمرهقة لأهل الطفل ـ ولوالدته على وجه الخصوص.
والحمد لله إنني لم اعد طفلاً، ولا تحمل هميّ أي (ماما).
__________
منقــــول
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)