العرب قادمون (في المشمش)
في الستينات من القرن الماضي انتشرت جملة اخذ يرددها البعض بفزع وهي: (الروس قادمون)، ومرت الستينات، وأعقبتها السبعينات، ثم الثمانينات، ولم تنتصف التسعينات إلاّ و(البالونة) الروسية الكبيرة المنتفخة (بنشرت) ـ أي نفست ـ لان التجربة (الماركسية) ـ خصوصاً في روسيا، ولا أنسى في البانيا، (واليمن الجنوبي) ، تلك التجربة كانت للأسف مثل (الحمل الكاذب)، والمصيبة أنها أضاعت على شعوب العالم كله أكثر من سبعة عقود وهي تعيش على الأمل. وحدها الصين التي عرفت كيف أن (تلعب على الحبال)، ومن (مضحكات الدهر)، أن ماو تسي تونغ حاول أن يفرض الماركسية اللينينية فرضاً على شعوب الصين، وهي الشعوب الزراعية التي تجري التجارة في عروقها مجرى الدم، واكبر دلالة انه ما من جالية صينية هاجرت إلى دولة من دول العالم إلاّ وعملت ونجحت، بل وسيطرت في مجالاتها التي تتقنها، وقد أضاع (ماو) من عمر الصين ثلاثة عقود كاملة ذهبت هباء في ثورته الثقافية المراهقة، غير أن تلك الدولة الجبارة نهضت بعد وفاته، وها هي تقول للعالم بملء شدقيها: (نحن قادمون)، وفعلا ها هي الصين قادمة، ليس بالكلام أو الحمل الكاذب، ولكن بالوقائع والأرقام.
منذ منتصف الأربعينات كان الدكان الصيني هو اصغر مكان على وجه الأرض للبيع (بالتجزئة)، فليس هناك شيء عندهم ليس له فائدة، من المسامير الصدئة، إلى أعواد الخيزران، إلى الازارير، إلى الأطباق المكسورة، إلى (الخلاقين) ـ أي الأقمشة المهترئة ـ إلى أعقاب السجائر.. كل شيء على الأرض يمكن الاستفادة منه في منطقهم، وهم يستغربون كيف يستغني الإنسان في البلاد الأوروبية والأمريكية مثلاً عن تلك الثروة. فورقة الإعلان وهي ورقة الإعلان، من الممكن أن يقرأها أو يتأثر بها الصيني ولكنه لا يرميها بعد ذلك في صندوق الزبالة مثلما نرميها نحن، وإنما هو يحتفظ بها لأنها صالحة للكتابة عليها في وجهها الآخر.
وفي أثناء الهجوم الياباني على (شنغهاي) سنة 1933، صدر الأمر إلى العمال الذين يكنسون الشوارع أن يخلوها، غير أنهم ثبتوا في أماكنهم وقتل منهم من قتل، أما البقية الباقية فكانوا يتسابقون لأخذ شظايا القنابل وبيعها على المصانع لتصهرها وتحولها إلى فؤوس ومحاريث.
عندما دخلت بوارج وسفن الأمريكان والأوروبيين بعد الحرب إلى ميناء (شنغهاي) لفت نظرهم نظافة الميناء، ولكنهم عندما عرفوا السبب ذهب عجبهم، حيث أن كل ما تقذف به البواخر في الماء من مخلفات، سواء كانت أوراقا أو أخشابا أو قوارير فارغة أو حتى فاكهة فاسدة، كلها ينتشلها أصحاب القوارب الذين يتحلقون حول السفن، كلها يصنعونها، وكلها يعلفون بها خنازيرهم ومواشيهم، ولا شيء (للكب).
ويقول أحد الأوروبيين عندما ذهب إلى الصين بعد الحرب العالمية الثانية: لقد لاحظت أن الكلاب الصينية كلما شاهدت أوروبيا تنبح عليه، واعتقدت أنها تميز ملامح الأوروبي من ملامح الصيني، غير أن احد الصينيين قال لي: لا، فكلابنا تميز رائحتكم وتنفر منها، عندها ذهبت للاستحمام وفركت جسدي بالصابون جيداً، ثم تعطرت ببعض العطور الصينية، وما كدت اخرج للشارع إلاَ والكلاب تطاردني وتنبحني.
فذهبت إلى صديقي الصيني احكي له ما حصل، فقال لي: هل تدري لماذا؟!، فسألته: لماذا؟!، قال: انتم تستحمون كل يوم لأنكم بطبيعتكم حيوانات قذرة في حاجة إلى كثرة الاغتسال.
الحمد لله إننا نحن معشر المسلمين نتوضأ في اليوم الواحد خمس مرات، وهذا فرض رباني، فلا خوف علينا من القذارة.
ولكن وبما أن (الصينيين قادمون) الآن، فمتى يقول أحفاد أحفاد أحفاد (عدوا للعشرين)، متى يقول أحفادنا: (العرب قادمون)؟!، اعتقد أن ذلك سوف يتم بعد أن (تتحرر فلسطين).. والله اعلم.
______ ________
منقــــــــــــــــــــول
مواقع النشر (المفضلة)