+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    جوال نت is on a distinguished road الصورة الرمزية جوال نت
    تاريخ التسجيل
    21 / 02 / 2007
    الدولة
    مجهولة
    المشاركات
    1,034
    معدل تقييم المستوى
    1245

    افتراضي أغنية إلى عندليب كشفت لي جوهر الشعر

    خورخي بورخيس: أغنية إلى عندليب كشفت لي جوهر الشعر

    محاضرات عن قراءاته الأولى بالعربية


    يقول بورخيس في خواتيم محاضرته الاولى التي تحمل عنوان (لغز الشعر).. يقول: «إننا نعرف ما هو الشعر. نعرف ذلك جيدا الى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الاحمر او الاصفر، او معنى الغضب، الحب، الكراهية، الفجر، الغروب، او حب بلادنا. هذه الاشياء متجذرة فينا بحيث لا يمكن التعبير عنها الا بهذه الرموز المشتركة التي نتداولها. وما حاجتنا الى مزيد من الكلمات؟».

    يمكننا اعتبار هذه السطور احدى اهم الاضاءات لعنوان كتابه او محاضراته الست عن (صنعة الشعر).. الشعر باعتباره محض تجليات خاصة مثل تجليات: مذاق القهوة، واللون الاحمر او الاصفر، او الغضب، الحب، الكراهية، الفجر، الغروب، او حب بلادنا.. وهنا يحسن بي ان استشهد لهذه الحالة الاخيرة (حب البلاد) بقول شاعر عربي:

    بلاد ألفناها على كل حـــــالةٍ

    وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

    وتُستعذب الأرض التي لا هوى بها

    ولا ماؤها عذب ولكنها الوطن!

    انه الشيء الحبيب والباهر دون تفسير، لأنه هو هكذا، خُلق فينا مثلما خلقنا... انها حالة صفات غير مقبولة، ولكنها محبوبة، فهل لهذه الحالة من تفسير محدد؟! اذ كيف يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن؟! وكيف تستعذب الأرض التي ليس فيها الهواء الطيب «ولا ماؤها عذب».. والأمر كذلك مع الشعر الجيد فهو شيء حبيب وباهر دون معرفة أو تفسير.

    يقول بورخيس: «هناك أشعار تكون جميلة بصورة لا ريب فيها، دون ان يكون لها معنى، ولكن حتى في هذه الحالة يكون لها معنى: ليس معنى للعقل، وإنما للمخيلة..». ويضيف بورخيس هنا قائلا: «لا توجد بالنسبة لي، على الاقل، صورة واضحة. توجد متعة الكلمات، ومتعة ايقاع الكلمات دون شك، متعة موسيقى الكلمات».

    ان هذا يذكرنا بالشاعر والناقد ت. اس. اليوت الذي يقول بهذا الصدد «.. القارئ الاكثر نضجا لا يحفل بمسألة الفهم، أو قل ليس من أول قراءة».. واليوت يؤكد هذا المنحى من خلال تجربته الخاصة باعتباره شاعرا وناقدا في الوقت ذاته، ويتابع اليوت قائلا: «ان بعض الشعر الذي شغفني هو شعر لم أفهمه من أول قراءة، وبعضه شعر لا أحسبني أفهمه حتى اليوم».

    .. ونمضي في هذا المنحى مع بورخيس، وهو يورد مثالا لنص شعري جميل ومحبوب، دون ان يكون مفهوما.. انه يورد ابياتا يقول عنها: «انها تخلو من المعنى بصورة جميلة، بطريقة تبعث في النفس بهجة مطلقة، انها لا ترمي الى قول أي شيء».. ثم يورد تلك الأبيات:

    أيتها الحمامة المهاجرة المتخيلة

    يا من تشعلين آخر الغراميات

    يا روحا من ضوء، من موسيقى، من أزهار

    أيتها الحمامة المهاجرة المتخيلة

    ويعقب على الأبيات قائلا بأن هذه الأبيات لا تعني شيئا، لم تكتب كي تعني شيئا، ومع ذلك، فإنها متماسكة.. تتماسك كشيء جميل. إنها ـ بالنسبة لي على الأقل ـ جمال لا ينضب.

    ويستشهد بورخيس بكلام لروبرت لويس ستيفنسون الذي يقول «إن مادة الشعر هي الكلمات، وهذه الكلمات، كما يقول ستيفنسون هي لغة الحياة الحقيقية. إننا نستخدم الكلمات للأغراض اليومية التافهة، والكلمات هي مادة الشعر، مثلما هي النغمات مادة الموسيقى. ويتحدث ستيفنسون عن الكلمات كما لو انها مجرد قطع تركيبية مخصصة لتأمين حلول لحاجات عملية، ويبدي اعجابه بالشاعر القادر، بهذه الرموز المتيبسة المكرسة لأغراض يومية، أو مجردة، على تركيب بناء، يسميه ستيفنسون (النسيج).. ويتابع بورخيس هذه الأفكار في مكان آخر قائلا إن الكلمات كانت سحرية في البدء، وتعاد الى السحر على يد الشعراء»!.

    وفي مكان آخر يتابع بورخيس هذه التداعيات حول الكلمات ومدلولاتها في الحياة وفي الشعر، فيرى ان الشعر لا يسعى الى ان يستبدل، بقدرة السحر، حفنة من العملات المنطقية، وإنما هو، بالأحرى، يعيد اللغة الى منبعها الأصلي.. ويتابع قائلا: تذكروا ان (الفريد نورث ويتهد) قد كتب أن من بين الضلالات الكثيرة تبرز ضلالة المعجم الكامل المحكم.. يعني خدعة التفكير في أننا نستطيع أن نجد في المعجم، معادلا ورمزا دقيقا لكل ما تدركه الحواس.. ثم يختتم هذا المورد بالقول: «لا وجود لمثل هذا المعجم»! في محاضرته السادسة والأخيرة التي حملت عنوان (معتقد الشاعر) يعرض لنا بورخيس تجربته الذاتية في كتابة الشعر، فيشير إلى أنه يعتبر كل النظريات الشعرية إنما هي مجرد أدوات لكتابة القصيدة، وأنه يفترض أنه لا بد من وجود معتقدات كثيرة بهذا الخصوص، بقدر ما هنالك من أديان أو شعراء.. كذلك يقول قولاً باهراً وعميقاً بخصوص ما قرأه وما يكتبه.. يقول «أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته، فالمرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، وإنما ما يستطيعه».



    بعد ذلك يروي لنا بورخيس كيف تكشفت له حرفة الشعر، فيورد مقطعاً من قصيدة (كيتس) الشهيرة (أغنية إلى عندليب):

    أنت لم تولد للموت، أيها العصفور الخالد

    يجب ألا يدوسك أناس آخرون جائعون

    الصوت الذي أسمعه عابراً هذه الليلة، هو الذي سمعه

    في الأيام القديمة، الفلاح والملك

    ربما هذا الغناء نفسه، قد شق طريقاً

    إلى قلب روث الحزين، عندما، بحنين إلى المنزل

    توقَّفتْ باكيةً في حقل قمح غريب

    ويعقب بورخيس على ذلك بأن يقول بأنه كان يظن أنه يعرف كل شيء عن الكلمات عندما كان طفلاً، غير أنه يكتشف بعد استغرابه من كلمات القصيدة التي تعتبر الطيور ـ تعتبر الحيوانات ـ شيئاً خالداً.. ويقول أيضاً: «كنت أعتبر اللغة شيئا لقول أشياء، للشكوى، أو للقول إنني لست سعيداً، أو حزيناً، ولكنني عندما سمعت تلك الأبيات (وأنا ما زلت، بطريقة ما، أسمعها منذ ذلك الحين) عرفت أنه يمكن للغة كذلك أن تكون موسيقى وعاطفة» ثم يختتم هذا المورد ـ كما نختتم سطورنا هذه ـ بقوله: «وهكذا راح الشعر ينكشف لي»!

    ___________
    منقـــــــــــول

     
  2. #2
    المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية المودة
    تاريخ التسجيل
    17 / 08 / 2004
    العمر
    32
    المشاركات
    20,806
    معدل تقييم المستوى
    26159

    افتراضي رد: أغنية إلى عندليب كشفت لي جوهر الشعر

    شكرا لك ... بارك الله فيك ... تحياتي .

     
  3. #3
    جوال نت is on a distinguished road الصورة الرمزية جوال نت
    تاريخ التسجيل
    21 / 02 / 2007
    الدولة
    مجهولة
    المشاركات
    1,034
    معدل تقييم المستوى
    1245

    افتراضي رد: أغنية إلى عندليب كشفت لي جوهر الشعر

    مشكور لتشريفك للموضوع

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك