بسم الله الرحمن الرحيم
فضل الشفاعة الحسنة
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
إنَّ الشَّفاعة هي العمل الَّذي يتعبَّد به المرء لربِّه؛ فإنَّه متعبّد بالشَّفاعة وليس متعبّدًا بالنَّتيجة؛ فإنَّ النَّتيجة ليست عليْه وإنَّما هي على ربِّه؛ ولذا قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ((ويقضي الله على لسان نبيِّه ما شاء اللهُ أو ما أحبَّ))، فإنَّ الله - تعالى - هو العليم الحكيم، الَّذي يضع الأُمور مواضعَها اللاَّئقة بها، وقضاء الله تعالى شرعي وقدري.
قضى بالشَّفاعة شرعًا ليبتلي عبادَه فيتبيَّن (واقعًا) مَن يشفع شفاعةً حسنةً فيكون أهلاً للثَّواب، ممَّن يشفع شفاعة سيِّئة فيكون محلاًّ للعِقاب، ممَّن يَعصي نبيَّه بالامتِناع عن الشَّفاعة مع أنَّه أهل لها فيكون محرومًا من الخير.
ويَقضي قدرًا بنتيجة الشَّفاعة؛ فقد تتحقَّق النَّتيجة وقد لا تتحقَّق؛ لما له - سبحانَه - من الحكمة، فإن تحقَّقت النَّتيجة ووقع مقصود الشَّفاعة فهو فضْله - سبحانه - على الجميع، وإن لم يتحقَّق مقْصودها المادّي فقد تحقَّق مقْصودها القدري الشَّرعي وهو الابتلاء، وأمَّا المقصود المادّي فإنَّه - تعالى - يُعطي لحكمة ويَمنع لحكمة؛ ﴿ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [النبياء: 23]، وقد شفع النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لموْلاه مُغيث عند زوجته بريرة لمَّا عَتِقَت أن تبقى من مُغيث بما الزوجيَّة، فقالت: يا رسولَ الله، تأْمُرني؟ قال: ((لا))، قالتْ: لا حاجة لي به.
فلم تقْبل شفاعة النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - مع عِظَم قدْرِه عندها، وشفع النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لجابر - رضِي الله عنْه - عند يهودي بدَين كان لليهوديّ على جابر، فلَم يقْبل اليهوديّ شفاعة النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولَم يكُن عدَم قبول اليهوديّ لشفاعة النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ضعةً من قدْر النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولا رفْعة لشأن اليهودي، بل يسَّر الله - تعالى - قضاء دَين جابر ببركة دُعاء النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لجابر بالبركة في ثَمره، فأوْفى اليهوديَّ حقَّه وبقي عند جابر خير.
وبهذا تتجلَّى حكمة الله - تعالى - في تشْريع الشفاعة الحسنة، وإنَّها لَمن محاسن الإسلام وفضْل الله تعالى على المسلمين من وجوه:
الأوَّل: أنَّها ابتلاء من الله - تعالى - للشَّافع والمشْفوع عنده، أيشْكُران نعمة الله عليهِما بالحياة والفضْل أم يكفُران فيستحقَّان جزاء عملهما؟
الثاني: أنَّها تعويد للنَّاس على الإعانة على الخير ودفْع أسباب اليأس، وعنوان على الرَّجاء والطَّمع في حصول المراد، فهي من الأمور القدريَّة الشَّرعيَّة الَّتي جعلها الله من أسْباب رحْمة العباد بتيْسير الأمور ودفْع المكاره والشُّرور.
الثَّالث: توْجيه العباد إلى تعاطي الأسباب النَّافعة والإيمان بالقدَر، ففيها تَحقيق قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((اعْملوا فكلّ ميسَّر لِما خُلِق له))، فالمحتاج ينظر مَن يشْفع ويلحّ على ربِّه في تحقيق مقْصوده، والشَّافع يحتسب في شفاعتِه ويرجو الله أن ينتفع بها، والمشفوع عنده ينظر في أمرِه فإن كان في وُسْعِه قبول الشَّفاعة وتحقيق المقصود احتسَبَ ذلك عند ربِّه، وإن لم يكن في وسْعِه ذلك فلا يكلِّف الله نفسًا إلاَّ وسْعَها، ولن يتحقَّق إلاَّ ما يقدّره الله ويقضيه؛ فإنَّه - سبحانه - هو مالك المُلْك وربّ الخلق، فلا يكون في مُلْكِه إلاَّ ما يشاء.
مواقع النشر (المفضلة)