بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

أما بعد:
فإن من محاسن الشريعة الإسلامية المطهرة إنها جاءت بمنع الضرر وتحريمه والوعيد عليه لما ينتج عنه من الشرور وسوء العواقب في الدنيا والآخرة, قال تعالى: ﴿ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾ [النساء: 12]، وقال سبحانه: ﴿ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233]، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: ((لا ضرر ولا ضرار)).

فمن قواعد الشريعة الإسلامية العظيمة منع الضرر سواء كان بتقوية مصلحة أو سعي إلى مفسدة فالضرر غير المستحق لا يحل إيصاله وعمله مع الناس بل يجب على المؤمن بالله واليوم الآخر أن يمنع ضرره وأذاه عن الخلق من كل وجه، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانــه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، ولا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، أي غوائله وشروره.

ومن صور المضارة المحرمة شرعا الممقوتة طبعا ومع ذلك يسعى فيها بعض الناس مستخفين بشأنها غير مبالين بعواقبها في العاجل والآجل:
1- الغش في البيوع: بكتم عيوب السلع وبخس أوزانها أو أعدادها أو وضع علامة الأصلي عليها، وهي ليست كذلك، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من غشنا فليس منا))، وقــال - عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ على أصحابه عند البيعة: النصح لكل مسلم.

2- الضرار بالوصايا: بأن يخص الشخص احد ورثته من زوجة أو ولد بأكثر مما له، أو ينقص الوارث بعض حقه، أو يوصى لغير وارثه بقصد الاضرار بالورثة، وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن الرجل أو المرأة ليعمل بطاعة الله تعالى ستين سنة فيضار بوصيته فيدخل النار)).

3- مضارة الزوج لبعض زوجاته: بأن يضيق عليها أو يؤذيها ويعضلها لأجل أن تطلب منه الطلاق، وتبذل له من المال مثل ما أعطاها مهرا أو اكثر أو يحرم إحدى الزوجتين شيئا من حقها لحساب الزوجة الأخرى، وقد جاء في الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت له زوجتان فمال إلى احداهما جاء يوم القيام وشقه مائل)).

4- الوشاية بالناس: عند ذوي السلطان بالتحريش عليهم، أو نقل الكلام على وجه تسليطهم على الناس ليظلموهم في أموالهم أو منع حقوقهم، أو إيصال الاذى إليهم فمن يسعى بشيء من ذلك من غير حق فهو مضار ظالم باغ ينتظر من الله تعالى العقوبة العاجلة، أو الآجلة ولو بغى جبل على جبل لدك الله الباغي منهما, وما من ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم.

ومن قبيح المضارة ما يفعله بعض الموظفين من حبس أوراق الناس عندهم بأوهى الأعذار حتى تفوت مصالحهم وتكسد سلعهم ويتحملوا نفقات باهظة في المراجعات والتعقيب، أو دفع أجور للمحامين.

إلى غير ذلك من صور المضارة التي يرتكبها بعض الناس في حق إخوانه المسلمين غافلا أو مستهينا بما توعد الله تعالى به المضارين الظالمين.

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ﴾ [الفرقان: 19]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، واخبر - صلى الله عليه وسلم -: ((أن دعوة المظلوم يرفعها الله فوق السحاب ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين))، وجزاء الذين يلحقون الضرر بالناس بأي وسيلة وأسلوب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ضار ضار الله به))، فإن الجزاء من جنس العمل ومن ضاره الله ترحل عنه الخير وحل به الشر وأحاط به الخطر قال تعالى: ﴿ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ﴾ [الأنعام: 164]، وقال الشاعر:
ومامن يدٍ إلا يدالله فوقها
ولاظالم إلا ويبلى بظالم
وفي المثل: من حفر لأخيه حفرة وقع فيها.

فالواجب على الجميع أن يحذروا المضارة وان يسعوا في الأسباب السارة فإن الساعي في الخير مبارك أينما كان والمضار ملعون على كل لسان والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.