[align=justify]
اعلم: أن المنهمك في الدنيا المكب في غرورها، يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره، وإن ذكره؛ كرهه، ونفر منه، ثم الناس:
* إما منهمك.
* أو تائب مبتدىء.
* أو عارف منتبه.
فأما المنهمك ؛ فلا يذكره، وإن ذكره؛ فيذكره ليأسف على دنياه، ويشتغل بذمِّه، وهذا لا يزيده ذكر الموت من الله –تعالى- إلا بعدًا.
وأما التائب ؛ فإنه يكثر ذكر الموت؛ لينبعث به من قلبه الخوف والخشية، فيفي بتمام التوبة، وربما يكره الموت خيفة أن يختطفه قبل تمامها أو قبل إصلاح الزاد، وهو معذور في كراهة الموت. ولا يدخل بهذا تحت قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (من كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه)، فإنه إنما يخاف لقاء الله لقصور وتقصيره، فهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلا بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه، فلا يعدُّ كارهًا للقائه، وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له، لا شغل له سواه، وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا.
وأما العارف ، فإنه يذكر الموت دائمًا، لأنه موعد لقاء الحبيب، وهو لا ينسى موعد لقاء حبيبه، هذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت، ويحبه ليتخلص من دار العاصين، وينتقل إلى جوار رب العالمين، كما قال بعضهم: حبيب جاء على فاقة.
فالتائب معذور في كراهة الموت، وهذا معذور في حب الموت وتمنيه، وأعلى منهما من فوَّض أمره إلى الله –تعالى-، فصار لا يختار لنفسه موتًا ولا حياة، بل تكون الأشياء إليه أحبها إلى مولاه، فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضى، وهو الغاية والمنتهى.
وعلى كل حال، ففي ذكر الموت ثواب وفضل، فإن المنهمك في الدنيا قد يستفيد بذكر الموت التجافي عن الدنيا؛ لأن ذكره ينغص عليه نعيمه ويكدره.
المرجع
مختصر منهاج القاصدين
للإمام
أحمد بن قُدامة المقدسي -رحمه الله-
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)