... الدرس العشرون ...
... رمضان شهر البر و الصلة ...

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و بعد .
ينكسر قلب الصائم وتذل نفسه و تزداد رحمته و شفقته , و أحق الناس برحمة الصائم و بره و صلته هم أقاربه و أرحامه .
و رمضان يذكر المسلم بأن له أقارب و أصهاراً و أرحاماً فيزورهم و يصلهم و يبرهم و يتودد إليهم .
قال سبحانه و تعالى : (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم , أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى بصائرهم )) .
قطيعة الرحم من أعظم الذنوب و أفظع الخطايا وأجل الرزايا , وصلة الرحم من أحسن الحسنات و من اكبر الأعمال الصالحات .
يقول أحد الحكماء و هو يذكر تعامله مع أقاربه و موقفه من عشيرته :

و إن الذين بيني و بين بني أبي *** و بين بني عمي لمختلف جداً
إذا هتكوا عرضي و فرت عروضهم *** و إن هدموا مجدي بنيت لهم مجدداً
و لا أحمل الحقد القديم عليهم *** و ليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( لا يدخل الجنة قاطع رحم ) , كيف يدخل الجنة و قد قطع ما أمر الله به أن يوصل , و قد صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة , قال : ألا ترضين أن أصل من وصلك و أقطع من قطعك , قال : بلى , قال : فذلك لك ) .

و صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( ليس الواصل بالمكافيء و لكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها ) , و صح عنه عليه الصلاة و السلام أن رجلاً قال له : ( يا رسول الله : إن لي قرابة أصلهم و يقطعونني , و أحسن إليهم و يسيئون إلي , فقال عليه الصلاة و السلام : إن كنت كما تقول فكأنما تسقهم المل و لا يزال معك من الله ظهير ) و معنى تسقهم الملّ أي توكلهم الرماد الحار .
كان أقارب الرسول عليه الصلاة و السلام إلا القليل من أشد الناس عداوة له , أخرجوه من داره , طاردوه , شردوه , آذوه , حاربوه , فلما نصره الله عليهم عفا عنهم عفواً ما سمع الناس بمثله .

صلة الرحم : تزيد في العمر و تبارك فيه و تزكيه و يكثر به الأجر و تتضاعف به المثوبة .
صلة الرحم : عنوان على كمال الإيمان و خشية الرحمن و امتثال القرآن .
صلة الرحم : تقي مصارع السوء و خزي الدنيا و الآخرة و سوء المنقلب .

يروى في الأثر " أن الله أمرني أن أصل من قطعني و أن أعفو عمن ظلمني و أن أعطي من حرمني " .
و من أعظم الصلات و أرفع القربات بر الوالدين و الحنو عليهما و إكرامهما و الدعاء لهما و طاعتهما في طاعة الله عز وجل (( و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحساناً , إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما , و قل لهما قولاً كريماً , و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة , و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً )) .

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال " يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أبوك " .

ابن عاق ظلم أباه و استهان به و جحد معروفه و أنكر جميله فبكى الأب و أنشد يقول :

غذوتك مولوداً و علتك يافعاً *** تعل بما أجري عليك و تنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت *** لسقمك إلا شاكياً أتململ
كأني الملدوغ دونك بالذي *** لدغت به دوني فعيناي تهمل
فلما بلغت السن و الغاية التي *** إليها مدى ما فيك كنت آمل
جعلت جزائي غلظة و فظاظة *** كأنك أنت المنعم المتفضل

لعل الصيام أعظم مدرسة للبر و الصلة , فهو معين الأخلاق و رافد الرحمة و حبل المودة , من صام رقت روحه و صفت نفسه و جاشت مشاعره و لانت عريكته , لعلنا أن نعود في هذا الشهر إلى أقاربنا فنتحفهم بالزيارة و البذل و الأنس و الدعاء و الصلة , و الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .

اللهم فقهنا في الدين و ثبتنا على سنة إمام المتقين و اهدنا سواء السبيل





إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ



و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد


... محبكم في الله ...
...نجد علي...