بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:( مثل ما بعثني الله به من الهدى و العلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ و العشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها و سقوا و زرعوا ، و أصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء و لا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله و نفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ، و مثل من لم يرفع بذلك رأسا ، و لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) . رواه البخاري و مسلم
تضمن هذا الحديث من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا لمعظم احوال الناس و اقسامهم بالنسبة الى ما بعث الله به رسوله من الهدى الى الصراط المستقيم و العلم بأصول الدين و احكام الشريعة ، و ذلك في صورة تشبيهية أبرزت أصنافا ثلاثة من الناس و اصنافا ثلاثة من الأرض هذه بالنسبة الى الغيث الذي ينزله الله من السماء الى الأرض و تلك بالنسبة الى العلم و الهدى اللذين انزلهما الله من السماء و بعث بهما نبيه محمد ليبلغهما للناس .
1- مثل ما بعث الله به نبيه كمثل الغيث : تشبيه الهدى والعلم الرباني بالغيث تجود به السماء ، فهما امران فيهما حياة الناس المعنوية حياة سعيدة باذخة المجد عزيزة الجانب و الغيث فيه حياة الأرض و نضارتها ، و امران منزلان على رسول الله صلوات الله عليه من السماء ، نقيان طاهران من كل باطل او فساد ، يقدمهما الى الناس جميعا ليتعلموا و يهتدوا .
2- طائفة طيبة من الأرض يشبهها طائفة طيبة من الناس : ففي الأرض طائفة طيبة حسنة التربة كما في الناس طائفة طيبة امام غيث الهدى و العلم قسما طيبا حسن الفطرة متعطشا للمعرفة مستعدا لخير الحياة يعرض عليه الايمان فيقبله بلهفة و شوق كما تستقبل الأرض الغيث من السماء حتى اذا خالط منه عقلا واعيا و قلبا مطمئنا و نفسا هينة لينة تدفقت منه الأعمال الصالحة وتفجرت منه ينابيع الحكمة تسقي الواردين وتمنح القاصدين و تعلم الجاهلين و افرادها متفاوتون في مقادير الهداية و العلم والعطاء .
3- طائفة أجادب من الأرض يشبهها قسم من الناس : ففي الأرض طائفة لا خصب فيها و لا خير عندها ولكنها مطمئنة الجانب يصيبها الغيث من السماء فتحفظه في منخفضاتها فيأتي الناس فيجدون ما عندها من ماء فيأخذونه فينتفعون به مع تفاوت مقادير حفظها له و كذلك في الناس اما م غيث الهدى والعلم طائفة أجادب لا تقبل في ذاتها خير فلا تنبت عملا صالحا و لا تمنح خيرا و لا ثمرا لكنها تستوعب ما يلقى اليها من علم و معرفة استيعاب الحفظ المجرد لا استيعاب الحفظ مع العمل والتطبيق فيأتي اليها طلاب العلم فيجدون ما عندها من ذلك فيتعلمون و يعلمون به و ينتفعون و ينفعون به .
4- طائفة قيعان من الأرض يشبهها قسم من الناس لا خير فيه : ففي الأرض قيعان صخور ملساء و رمال قاسية ينزل عليها الغيث من السماء و لكنها لا تمتص الماء و لا تمسكه و لا تحفظه لا تنبت كلأ ولا عشبا ولا تفيد و لا تستفيد من الغيث كآخرين من الناس لا يسمعون و لا يهتدون بهذا الهدى و الغيث الذي ينزل من السماء فتظل قلوبهم قاسية كالحجارة بل اشد قسوة فهي لا تقبل من الحق عملا و لاعلما يحجبها عن الخير شئ في نفوسها فهم الكفرة الجهلة و العياذ بالله فلا خير عندهم لأنفسهم و لا لغيرهم .
--------------------------------------------------------------------------
ما يستفاد من الحديث :
-------------------
1- الناس ثلاثة أقسام : أ) متعلمون عاملون نفّاعون مثلهم كمثل الأرض الطيبة .
ب) متعلمون غير عاملين فيهم نفع لغيرهم دون أنفسهم مثلهم كالأجادب من الأرض .
ج) لا عاملون ولا يتقبلون العلم و المعرفة فهم لا خير فيهم لأنفسهم و لا لغيرهم ومثلهم كمثل القيعان من الأرض .
2- بلاغة الرسول صلوات الله عليه في تقريب الحقائق العلمية بالأمثلة و التشبيهات الحسية لأنه ادعى الى تثبيت الحقيقة في نفوس السامعين و اكثر تأثيرا في توجيهها لـلخير .
3- ما جاء به الرسول من هدى و علم يتضمن حياة الناس كما أن الغيث فيه حياة الأرض
مواقع النشر (المفضلة)