شالح بن هدلان القحطاني

**الأرطاوي** · 02 / 01 / 2006 08 : 10 PM

شالح بن هدلان

يبدأ الحديث عن شالح الهدلان بالحديث عن أخيه (الفديع) الذي كان برا بأخية الكبير يرعى الإبل ويحمي الذمار .

يطيع أخاه الكبير بكل شيء وقد ذاعت شجاعته بين الناس فلا يجرؤ أحد أن يقترب من إبل (شالح الهدلان) مادام (الفديع) معها .

وكان الفديع شاعراً أيضاً ، لأن الفروسية لا تفترق عن الشعر لدى هؤلاء الأبطال ، وفي قصيدة للفديع يخاطب بها أخاه شالحاً ، قال :

يا (بو ذعار) أكفيك لوني لحالي وأصبر على الدنيا وباقي تعبها

وإن غم أخوه معترين العيالي أنا لخويه سعد عينه عجبها

أفديك يا شالح بحالي و مالي يا فارس الفرسان مقدم عربها

وقد تأثر (شالح) بهذه القصيدة فأجاب على أخيه الأصغر بقصيدة قال فيها :

لا واخوٍ لي عقب فرقاه باضيع كني بما يجري على العمر داري

أخوي يا ستر البني المفاريع ومطلق لسان اللي باهلها تماري
ليته عصاني مرة قال : ما طيع كود أني أصبر يوم تجري الجواري

أنا أشهد أنه لي سريع المنافيع عبد مليك لي و لأني بشاري

جداع سفرين الوجيه المداريع مخلي سروج الخيل منهم عواري

كان (شالح) قد توقع بهذه القصيدة مصير أخيه الذي كان فارساً مغامراً لا يتورع عن خوض أشد المعارك خطورة . وهكذا كان الأمر كما توقع (شالح) إذ شارك (الفديع) في معركة غير متكافئة وقتل أمام عيني أخيه الذي أمر رجاله أن يكفنوا الأخ الشجاع ويدفنوه على مقربة من (هضبة خفا) حيث وقعت المعركة
وهكذا يموت الفرسان ، تجد أكفانهم معهم ، وتراهم يدفنون دائماً في أقرب مكان من موقع المعركة التي يقتلون فيها ، ورثى (شالح) أخاه الفديع بقصيدة تقطر أسى ، قال فيها :

أمس الضحى عديت روس الطويلات وهيضت في راس الحجا ماطرا لي

و تسابقن دموع عيني غزيرات وصفقت بالكف اليمين الشمالي

و جريت من خافي المعاليق ونات والقلب من بين الصناديق جالي

وأخوي ياللي يمم قارة (خفا) فات من عاد من عقبه بيستر خمالي ؟

ليته كفاني سو بقعا و لا مات و أنا كفيته سو قبر هيالي
وليته مع الحيين داعي الجمالات و أنا فدا له من غبون الليالي

وأخوي ياللي يوم الأخوان فلات من خلقته ما قال : ذلك و ذالي

تبكيه هجن تالي الليل عجلات ترقب وعدها يوم غاب الهلالي

وتبكي على شوفه بني عفيفات من عقب فقده حر من الدلالي

كان لـ (شالح) ثلاثة صبية أكبرهم (ذعار) وأصغرهم (عبد الله) والأوسط (ذيب) وقد تعهد الأب أولاده بعناية فائقة يربيهم على الفروسية وقول الشعر وتعهد بصفة خاصة أوسطهم (ذيب) الذي كان يتوسم فيه مواهب فارس متميز .
كان (شالح) في كل ما يقدم عليه يتذكر أخاه (الفديع) ويعد العدة للأخذ بثأره ، وأخيراً سنحت الفرصة خلال معركة مع (عتيبة) حيث قتلوا بثأر (الفديع) فارساً مشهوراً هو (عبيد بن الأمير تيك) ، فكان ذلك ثأراً كبيراً أوجع رجال (عتيبة) .

ومما يجمل ذكره ، أن أخا القتيل وهو شاعر مشهور ، واسمه (ضيف الله بن تركي) رثي أخاه عبيد بقصيدة رائعة ، هذه بعض أبياتها :

يا ونتي ونة كسير الجبارة إلى وقف ما احتال ، ولياقعدون

عليك يا شباب ضو المنارة عليك تر فات الصبايا ينوحن

الخيل عقب (عبيد) ما به نمارة وش عاد لو راحن وش عاد لو جن

يا شيخ ماتامر عليهم بغارة كود الجروح اللي على القلب يبرن
وقد سمع (شالح) بهذه القصيدة التي تتوعده هو وقومه فأجاب عليها بقوله :

(ضيف الله) اشرب ما شربنا مرارة إصبر وكنك (شالح) يوم حزن

راح (الفديع) اللي علينا خسارة واخذ قضاه (عبيد) حامي ثقلهن

يمني رمت به ما تجيها الجبارة اللي رمن بـ (عبيد) في متعلجهن

من نسل أبوي وضاري للشطارة يصيب رمحه يوم الأرماح يخطن

و(عبيد) خللي طايح بالمعارة عليه عكفان المخالب يحومن

وعاداتنا بالصيد نأخد خياره ثلاثة الجذعان غصبن بلا من

يا قاطع الحسني ترى العلم شارة لابد دورات الليالي يدورن
ومن حل دار الناس حلوا دياره لابد ما تسكن دياره و يغبن

ومن شق ستر الناس شقوا أستاره ومن ضحك بالثرمان يضحك بلا سن

كان (شالح) لا يفارق بنظره ولده (ذيب) إذ ينظر إليه دائماً بعين المستقبل فيرى فيه الفارس الذي يتأمله ذخراً وسنداً ، وذات يوم وقد بلغ (ذيب) الرابعة عشرة ، حدث أن إجتمع مشائخ الحي ، أقرباء (شالح) يتدارسون أمراً ولم يدعو (شالح) إلا في نهاية الإجتماع حيث أرسلوا له رسولاً بالحضور ، فرفض لأنهم إجتمعوا قبل أن يخبروه وقرر الرحيل عنهم . وعبثاً حاول هؤلاء الشيوخ إسترضاء (شالح) الذي رحل عنهم بالفعل مع ولده (ذيب) ونزل عند قبيلة (الدواسر) بعد أن بعث إلى أقربائه أبياتاً قال فيها .

أنا ليا كثرت لشاوير ماشير وحلفت ماتي بارز مادعاني

وأنا صديقه في ليالي المعاسير وإلا الرخا كل يسد بمكاني

وشوري ليا هجت توالي المظاهير شلفا عليها رايب الدم قاني

شلقا معودها لجذع المشاهير يوم السبايا كنها الديدحاني

وهكذا رحل (شالح) إلى الدواسر مع ولده (ذيب) الذي لم تمر إلا فترة قصيرة على وجوده معهم ، حتى أغارت إحدى القبائل فاشتبكوا معهم في معركة شارك فيها (ذيب) حيث طارد أحد الفرسان وغنم منه فرسه الشهيرة في (عتيبه) كلها تسمى (العزبه) . وقد أطنب المؤلف في وصف مظاهر الفرح التي تجلت على وجه (شالح) وهو يرى ولده (ذيب) يأتي إليه ويسلمه عنان تلك الفرس الأصيلة والتي بلغ من شهرتها أن الأمير محمد بن سعود وأمير حائل محمد بن رشيد بعثوا الرسل إلى (شالح) يطالبونه برد تلك الفرس فأبى عليهم هذا الطب قائلاً إنها لا تصلح إلا لذيب ، وأنشد :

يا سابقي كثرت علوم العرب فيك علوم الملوك من أول ثم تالي

لأني بلا بايع ولاني بمهديك وأنا اللي أستاهل هدو كل غالي

وأنتي من الثلث المحرم ولا أعطيك وأنتي بها الدنيا شريدة حلالي

ومع أن (شالح) كان في منتهى السعادة بولده (ذيب) وبموقعت الذي بلغه في الشجاعة والفروسية ، إلا أنه كثيراً ما كان يحتضنه أمام شيوخ القبيلة ثم ينفجر باكياً . وإذ لامه الشيوخ على تصرفه هذا ، قال لهم أن الدنيا ستحرمني من (ذيب) وأن من يخوض غمار الحروب بهذه السن ، لا يمكن أن يكون من أصحاب الأعمار الطويلة .

ومن الأمور التاريخية الهامة التي حدثت لـ (شالح بن هدلان) وولده (ذيب ) ، أن خيلاً للمغفور له الملك عبد العزيز أغارت على ظعينة (شالح بن هدلان) فتخلص منهم بشجاعته وشجاعة ولده (ذيب) ، وعندما سمع الملك عبد العزيز قال :

- لو عرفت أن الظعينة تعود لـ (شالح بن هدلان) لأمرتهم بالرجوع عنها لأنه شخص طيب ولا أحب أن أفاجئه هو وأبناؤه عند محارمهم وعند إبلهم .

وقد أرسل الملك عبد العزيز رحمه الله كتاباً إلى (شالح) يؤكد فيه العفو عنه ويعطيه الأمان ليرجع بالسمع والطاعة . وفعلاً رجع (شالح) وجاء للسلام على الملك عبد العزيز الذي أمر الجميع بعدم التعرض له ، كما سمح لـ (ذيب) أن يأتي للسلام عليه . وهكذا كان خلق وشهامة الملك عبد العزيز وتقديره لشجاعة الرجال ، ومن الأشعار الجميلة التي قالها (شالح) وهو يخاطب ولده بعد أن كبر في السن وضعفت قوته هذه الأبيات :

يا ذيب أنا يابوك حالي تردى وأنا عليك من المواجيب يا ذيب

تكسب لي اللي لاقح عقب عدا طويلة النسنوس حرشا عراقيب

أنا أشهد أنك باللوازم تسدا وعز الله أنك خيرة الربع بالطيب

ليت على درب المراجل مقدى ما فيك يا ذيب السبايا عذاريب

وشاءت الأقدار أن يحدث ما توقعه (شالح) لولده ، إذ أخذ (ذيب) في أحد الأيام معه خمسة عشر فارساً من أصحابه وذهب ليغير على (عتيبه) ، وهناك كمن لهم أحد السقاة ببندقيته فأطلق النار لتصيب مقتلاً من (ذيب) بالذات .

وهكذا إستودعه رفاقه كهفاً بجانب الوادي وقفلوا راجعين إلى ديارهم . وذهب الشخص الذي رماه فشاهده ممدداً في الكهف وبيده خاتم ، فعرف أنه رئيس القوم فذهب إلى جماعته ليخبرهم بما حدث .

وعندما جاء الجميع إلى الكهف عرفوا أن القتيل هو (ذيب) ، وحلت الكارثة بالأب (شالح) الذي صار يبكي ولده (ذيب) ويرثيه :

يا ربعنا ياللي على الفطر الشيب عز الله أنه ضاع منكم وداعه

رحتوا على الطوعات مثل اليعاسيب وجيتوا وخليتوا لقلبي بضاعه

خليتوا النادر بدار الأجانيب وضاقت بي الآفاق عقب إتساعه

تكدرون لي صافيات المشاريب وبالعون شفت الذل عقب الشجاعة

يا ذيب أنا بوصيك لا تأكل (الذيب) كم ليلة عشاك عقب المجاعة

كم ليلة عشاك حرش العراقيب وكم شيخ قوم كزته لك ذراعه

كفه بعدوانه شنيع المضاريب ويسقى عدوه بالوغي سم ساعة

ويضحك ليا صكت عليه المغاليب ويلكد على جمع العدو بإندفاعه

كني بعد فقده بحامي اللواهيب وكني غريب الدار مالي جماعة

من عقب (ذيب) الخيل عرج مهاليب ياهل الرمك ما عاد فيهن طماعه

قالوا: تطيب وقلت: وش لون باطيب وطلبت من عند الكريم الشفاعة

* * *

ذيب عوى وأنا على صوته أجيب ومن ونتي جضت ضواري سباعه

عز الله أني جاهل ما أعلم الغيب والغيب يعلم به حفيظ الوداعة

يالله يا رزاق عكف المخاليب يا محصي خلقه ببحره وقاعه

تفرج لمن صابه جروح معاطيب وقلبه من اللوعات غاد و لاعه

صار السبب مني على منقع الطيب ونجمي طمن بالقاع عقب إرتفاعه

أبا أنذر اللي من ربوعي يبا الطيب لا يأخذ إلا من بيوت الشجاعة

يجي ولدها مذرب كنه الذيب عز لبو ه وكل مقال طاعة