*سؤالٌ يعيد طرح نفسه علىّ كلما نسيته ، ويعود بشكل اقوى في كل مرة ، لاوياً ذراع قناعاتي ، مسيطراً علّي لمرحلة او حصة او قسط ..او برهة من الزمن ثم انساه لأتذكّره !.
-الانسان : هذا الكائن المجهول ، المزيج المتباين ، والنسيج المتناقض ،صاحب التركيبة الشخصية القائمة بالاختلاف وعليه.
-والانسانية ، هذه الكلمة التي ترمز- في خطاباتنا واحاديثنا وكتاباتنا- للأخلاق العليا في شخصية الانسان فنقول عن ذاك الذي يدسّ المال في جيب الفقير انه صاحب مواقف انسانية بينما نقول عن اللص الذي سرق ريال الفقير انه: عدو للانسانية.ومجرم !
-الفقير انسان ، والمانح انسان ، ولكن في المقابل فان اللص انسان ايضا !.
-المقاتل الغربي المعسّكر في اقاليم الشرق البائسة –الذي نكره سلوكه ووجوده- شئنا ام ابينا هو انسان وان قتل الانسان ، بالضبط هو انسان كالمقتول ، بلغة العقل هوانسان .
لكنه ارتكب جريمة القتل والثاني كان الضحية ، والضحية –ربما- لو لم يكن مقتولا لكان قاتلا ! ،أي انه لو لم يكن المتضرّر لكان القنّاص المتمتّرس في انتظار الضحايا !
-اشعر وكأن الصورة –المراد بثّها – قد ابتعدت عني وعنكم قليلا ولكن :
-الملائكية صفة مأخوذة من الملائكة وتعني-كما افهمها حين يبثها البعض- الصفاء الخالص ، أما الحيوانية او البهيمية فهي صفة البهائم والحيوانات التي تسّيرها الغرائز ..حسب فهمي ، وللشركاء " الجنّ " صفاتهم ، وللانس صفات .
-وكما تعلّمنا في صفوفنا الاولى في " تعليم البدايات وبدايات التعليم"، علمنا ان الله-سبحانه وتعالى -قد خلق الملائكة من النور والجان من النار والانس من الطين والحيوان من الماء .
-لا ادري ! ، ولكن حين نردد مصطلح الانسانية او نتخذ منها صفة عليا نخلعها على كل صاحب مسلك حسن في تعامله مع اخيه الانسان فإننا نرتكب خطأ ونكرر ذلك في كل مرة !.. اذ كيف نقبل بذلك اذا مااتفقنا ولو بشكل جزئي على ان " الانسانية " تعني الانسان بشكل كامل وشامل ، وبكل تفاصيله ؟لأنها مأخوذة منه .
-القاتل والمقتول من نفس الشجرة ! ، والجريمة سلوك انساني !
-قابيل وهابيل من خلالهما كانت نقطة انطلاق أول جرائم الدم في الارض ..والاول انسان والثاني ايضا ،فمن خلالهما اتت جريمة القتل الاولى وسقطت اول قطرة دم بشرية.. عنوّة ، وسنّة الدفن اتت لاحقا وشاعت وهي مأخوذة عن " غراب مجرم قتل اخاه هو الاخر ودفنه بعد ان فرغ من ازهاق روحه" ، والتفاصيل محفوظة في القرآن ..والله هوالذي ارسله ليلهم القاتل الطريقة الصحيحة للحفاظ على كرامة اخيه الميّت !!

-الأم حين ترعى طفلها ..وتحيطه بالحنان والاهتمام فإنها تمارس انسانيتها ..كما انها تمارس انسانيتها ايضا عندما ترفع السكين لتغرسها في صدر رجل يريد قتل صغيرها !
-في المشهد الأول وفي المشهد الثاني ..هي انسانة حقيقية كاملة- من وجهة نظري- بينما قد يصفها البعض بالجنوح عن مسار الانسانية لإرتكابها جريمة قتل ، حتى وان كان الهدف منها والدافع لتلك الجريمة هو منع وقوع جريمة كانت ستقع بحق بريء عاجز !
-إذاً : الرحمة والعطف والحنان صفات انسانية وجدناها في الأم التي احتضنت طفلها بكل حب ، ووجدنا فيها صفات- وحشية – حسب آراء محلّلي الزواية الاخرى متمثّلة في ارتكابها لجريمة قتل انسان.. ! وهنا اسأل : هل نقول عنها في هذه الحالة ونحن نحّلل التفاصيل ونعطي الخلاصة - انها)انسانة متوحّشة) لأنها جمعت صفات انسانية واخرى حيوانية حسب تصنيف البعض ؟
-في الغابة : الحيوان ، الأم تطعم صغارها ، ترضعهم ،تحيطهم برعايتها ، ولكنها في المقابل تغرس مخالبها وانيابها في جسدٍ آخر لتستمر الحياة اما دفاعا عن او تأميناً لـــ ..، وحتى الوحوش والتي استحدثنا- استنادا الى سلوكها- مفردة جديدة اضفناها الى لغتنا..الا
و هي " الوحشية " ..اقول حتى الوحوش ..تعطف وترحم وتعتني وتتكاتف في اطار عائلتها وجماعتها وقبيلتها من الحيوانات !..فهل نقول عن اللبوة مثلاانها انسانة لأنها تعطف على صغارها الاشبال-كالكائن البشري ..الأم- ونصفها بالوحشية حين تنشب مخالبها في رقبة الحمار الوحشي ، ونقول وعلى هذا الاساس : ان اللبوة هي الاخرى " انسانة متوحّشة" ؟

* من زاويتي ، تكون وجهة نظري كالتالي :

-الصفات الاخلاقية والسلوكيات العليا ليست محصورة في الانسان فقط ولا حكرا عليه ، فكم حيوانا انقذ انسانا ؟..
-الصفات الاخلاقية والسلوكيات الدنيا ليست للحيوان فقط ولا محصورة فيه ..فكم انسانا قتل امه ؟
-اذاً –ان اصبتُ و ان اخطأت في تصوّري هذا – ارى انه ليس عدلا ابدا ان تكون كلمة (انسانية) دارجة ومتداولة كمفردة ترمز الى جوهر الانسان الاعلى فقط..وسلوكه الاجتماعي والاخلاقي ..السامي ..بل يجب ان نبحث عن مفردة بديلة لتأطير الصورة "الأنقى " المضيئة ووضع حدودها ، ووقف تداخل العناصر ، كي ننجح في فرز خيوط النسيج ، او ان نعيد النظر في استخدامنا لكلمة " الانسانية " ونتفق جميعا بعد ذلك على انها مفردة تعني الانسان بكل تفاصيله ، و في الحب و الحرب يبقى الانسان انسانا ..!
-فالانسانية مفردة تتصف بالشمولية-من وجهة نظري- ..لا تعني الايمان بــ( بعض الانسان) والكفر ببعضه الباقي.. واقصد انها اوسع من ان نحصرها لخدمةالجانب المضيء فقط من شخصية الكائن البشري !
-لا ادري في الواقع هل وُفقت في بث فكرتي التي اشغلتني و اوليتها اهتمامي والتي قد تكون تافهة جدا في نظر الآخر ..ولا تعنيه .ولاتستحق منه ان يتوقف عندها لحظة .
- ولكني طرحتها لأنني مؤمن تماما بأن نصيبنا من "المعرفة " عبارة عن حصص غير متشابهة ولا متساوية لا في القيمة ولا في القدر ، من انسان لآخر . والجهل ايضا لنا منه حصصنا وان تعلّمنا وعلمنا ماعلمنا..!
-والانسان الافريقي قال مثلاً احببته واردده دوما : " من لايعرف شيء ..يعرف شيئا آخر " !
-ولذا طرحت فكرتي – بلا خجل-.لأتعلم وغيري ، فلاتبخلوا بجرعة ..معرفة ؟