عندما كنت بعيدا عن جزيرتي الفاضلة أشياء كثيرة حدثت .. أحداث وقعت ..حروب قامت .. و مجاعات أتت على أرواح قوم قبل بطونهم .. و انفجارات هزت العالم فغيرت المعالم .. موت ، استشهاد ،انتحارات ، و أعاصير ، و كل شيء فيه لون الدم و رائحة الحقد و طعم الإرهاب….
كل ذا حدث و أنا بعيد عن جزيرتي الفاضلة – تلك الجزيرة التي صنعتها هنا بخط يدي كما صنع أفلاطون بأفكاره مدينته الفاضلة- أحسست حينها أني أنا المعني بهذه الأحداث ، أنا من كنت بيدقا حرك تلك الحروب..أنا من نخره الجوع ، أنا ذلك الانتحاري الذي فجر نفسه و قتل خصمه ، أنا ذلك المدني الذي طالته شظايا الانفجارات ، أنا من مت آلاف المرات ، على طريقة أحمد ياسين و ياسر عرفات ، أنا من اعتقلت آلاف المرات على طريقة تيسير علوني و صدام حسين ، سجنت ألاف المرات في غوانتنامو و أبو غريب!!!
ذلك أني عندما كنت في جزيرتي الفاضلة كنت أرقب الأحداث من هناك ، مرة بعين الدهشة والاستغراب ، و مرة بعين الدهشة و الاستغراب أيضا ، ذلك أن عين الرضا و الإعجاب لم يصبها العمش أو الرمد أو الطمس، لكنها أضحت لا ترى شيئا يدعوها إلى الرضا و الإعجاب!!.
ذلك أني عندما كنت في جزيرتي الفاضلة كنت قد صنعت لنفسي عالما مثاليا غير طوباوي ، عالما حرا مغايرا تماما للعالم الحر الذي يبشر به (القسيس) جورج بوش !! أقول ما أريد عندما لا يعجبني العجب ولا الصيام في رجب .. أتكلم عن الإرهاب كما أتكلم عن عرّابه و راعيه!! أتكلم عن المقاطعة و أنا أدعو إلى المصالحة ، أبشر بالحب و السلام كما أبشر بإشهار سيف العدل و الحق ضد الظلم و الطغيان في كل مكان ، مشاغب في كلماتي ، ساخر و ناقم و لاذع .. ربما؟
لكن الأكيد أن ما أبشر به له نكهة استعمار ، إني أنوي أن أوسع حدود جزيرتي حتى تصل جنود أفكاري إلى مشارف عقول قرائي بعدما غبت عنها ردهة من الزمن ..و من اليوم لا أريد أن أكون أنا من تقع عليه الأحداث ، و تقوم في دياره الحروب ، و يطاله الجوع و تعصف به الأعاصير و يعتقل مرة و يسجن مرة ، بل سأكون من يصنع الحدث و يغير الأحداث بقدر الجهد و الطاقة و الثقة بالنفس ..فأهلا بكم جميعا ضيوفا على جزيرتي الفاضلة ، و إن كان الحال يقول:
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنـــــــــا
نحن الضيوف و أنت رب المنزل
مواقع النشر (المفضلة)