[align=center]
بيان فضيلة التوكل
أما من الآيات: فقد قال تعالى: " وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ".
وقال عز وجل: " وعلى الله فليتوكل المتوكلون ".
وقال تعالى: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه ".
وقال سبحانه وتعالى: " إن الله يحب المتوكلين " وأعظم بمقام موسوم بمحبة الله تعالى صاحبه ومضمون كفاية الله تعالى ملابسه فمن الله تعالى حسبه وكافيه ومحبه ومراعيه: فقد فاز الفوز العظيم فإن المحبوب لا يعذب ولا يبعد ولا يحجب.
وقالت تعالى: " أليس الله بكاف عبده ".
فطالب الكفاية من غيره والتارك للتوكل هو المكذب لهذه الآية.
فإنه سؤال في معرض استنطاق بالحق كقوله تعالى: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ".
وقال عز وجل: " ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ".
أي عزيز لا يذل من استجار به ولا يضيع من لاذ بجنابه والتجأ إلى ذمامه وحماه وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره.
وقال تعالى: " إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ".
بين أن كل ما سوى الله تعالى عبد مسخر.
حاجته مثل حاجتكم فكيف من يتوكل عليه.
وقال تعالى: " إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ".
وقال عز وجل: " ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون ".
وقال عز وجل: " يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ".
وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد فهو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار والتوكل على الواحد القهار.
وأما الأخبار: فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود: " أريت الأمم في الموسم فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل فأعجبتني كثرتهم وهيأتهم فقيل لي: أرضيت قلت: نعم قيل: ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب " قيل: من هم يا رسول الله قال: " الذين لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون " فقام عكاشة وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " اللهم اجعله منهم " فقال آخر فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " سبقك بها عكاشة ".
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ".
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله تعالى كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ".
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " من سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله أوثق منه ويروى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال: " قوموا إلى الصلاة " ويقول: " بهذا أمرني ربي عز وجل قال عز وجل: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: لم يتوكل من استرقى واكتوى ".
وروي أنه لما قال جبريل لإبراهيم عليهما السلام وقد رمي إلى النار بالمنجنيق: ألك حاجة قال: أما إليك فلا وفاءً بقوله حسبي الله ونعم الوكيل إذا قال ذلك حين أخذ ليرمى فأنزل الله تعالى: " وإبراهيم الذي وفى ".
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود ما من عبد يعتصم بي دون خلقي فتكيده السموات والأرض إلا جعلت له مخرجاً.
وأما الآثار: فقد قال سعيد بن جبير: لدغتني عقرب فأقسمت علي أمي لتسترقين فناولت الراقي يدي التي لم تلدغ.
وقرأ الخواص قوله تعالى: " وتوكل على الحي الذي لا يموت " إلى آخر فقال: ما ينبغي للعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى.
وقيل لبعض العلماء في منامه: من وثق بالله تعالى فقد أحرز قوته.
وقال بعض العلماء: لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما قد كتب الله لك.
وقال يحيى بن معاذ: في وجود العبد الرزق من غير طلب دلالة على أن الرزق مأمور بطلب العبد.
وقال إبراهيم بن أدهم: سألت بعض الرهبان: من أين تأكل فقال لي: ليس هذا العلم عندي ولكن سل ربي من أين يطعمني.
وقال هرم بن حيان لأويس القرني: أين تأمرني أن أكون فأومأ إلى الشام.
قال هرم: كيف المعيشة قال أويس: أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة.
وقال بعضهم: متى رضيت بالله وكيلاً وجدت إلى كل خير سبيلاً نسأل الله تعالى حسن الأدب.
الشطر الأول في التوحيد
بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل
اعلم أن التوكل من باب الإيمان وجميع أبواب الإيمان لا تنتظم إلا بعلم وحال وعمل والتوكل كذلك ينتظم من - علم - هو الأصل و - عمل - هو الثمرة و - حال - هو المراد باسم التوكل.
فلنبدأ ببيان العلم الذي هو الأصل وهو المسمى إيماناً في أصل اللسان إذ الإيمان هو التصديق وكل تصديق بالقلب فهو علم وإذا قوي سمي يقيناً ولكن أبواب اليقين كثيرة ونحن إنما نحتاج منها إلى ما نبني عليه التوكل وهو التوحيد الذي يترجمه قولك: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له " والإيمان بالقدرة التي يترجم عنها قولك " له الملك " والإيمان بالجود والحكمة الذي يدل عليه قولك " وله الحمد " فمن قال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " تم له الإيمان الذي هو أصل التوكل أعني أن يصير معنى هذا القول وصفاً لازماً لقلبه غالباً عليه فأما التوحيد فهو الأصل والقول فيه يطول
ونكتفي بهذا القدر علي أمل أن نواصل مره أخري[/align]