السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فوائد الصيام وآدابه
الحمد لله ، الذي شرع لعباده الصيام ، لتهذيب نفوسهم وتطهيرهم من الآثام ، أحمده وهـو المستحـق للحمد ، وأشكره على نعم تزيد عن العد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته ، كما أنه لا شريك له في ملكه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أتقى من صلى وصام وحج واعتمر ، وأطاع ربه في السر والجهر ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه ، وتمسك بسنته إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً ...
أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله ــ عباد الله ــ ، اشكروا الله أن بلغكم شهر رمضان ، ومكَّنكم من الصيام والقيام .
فإن الصيام من أنفع العبادات ، وأعظمها آثاراً في تطهير النفوس ، وتهذيب الأخلاق . فمن فوائده : أنه يسبب تقوى الله تعالى ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ، فالصيام يدخل العبد في حظيرة التقوى ، التي هي فعل ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه ، فيقي بذلك نفسه من النار ، ومن جميع المخاوف . ومن فوائد الصيام : أنه يكسب العبد الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : { وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون } .
ومن فوائد الصيام : أنه يعود الإنسان الصبر والتحمل والجلد ؛ لأنه يحمل الإنسان على ترك مألوفه وشهوته ، عن طواعية واختيار .
ومن فوائده : أنه يمكن الإنسان من الانتصار على نفسه ، فإن النفس ميالة إلى الشهوات ، فإذا أعطاها الإنسان ما تشتهي دائماً ، تغلبت عليه ، وربما انحرفت به إلى ما لا تحمد عقباه .
قال تعالى : { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } ، فالصائم يملك زمام نفسه وينتصر عليها .
ومن فوائد الصيام : أنه يضعف مجاري الشيطان في البدن ؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فالعبد إذا أتاح لنفسه ما تطلبه من الشهوات ، فإن ذلك مما
يساعد الشيطان على التمكن منه وإضلاله ، وحمله على الأشر والبطر ، وغير ذلك من الخصال الذميمة .
والصيام يسد هذا الباب من أساسه ، ويطرد الشيطان .
ومن فوائد الصيام : أنه يذكر العبد بنعمة الله ، فإنه إذا ذاق مس الجوع والعطش ، عرف قدر نعمة الله عليه ، حيث يسَّر له الطعام والشراب في أوقات الحاجة إليه ، فيشكر الله على ذلك ويعرف حاجته إلى ربه .
ومن فوائد الصيام : أنه يحمـل على الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين ، فإن الصائم إذا جاع تذكر الجائعين ، وإذا عطش تذكر العطشى ، فيحمله ذلك على البذل والصدقة والإحسان إلى المحاويج .
ومن فوائد الصيام : أنه يقمع الكبر والترفع على الناس ، فإنه إذا صام الغني والفقير والملك والصعلوك والشريف والوضيع ، فإن العبد يتذكر أنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ، وأن الناس كلهم عباد الله ، تجري عليهم أحكامه على حد سواء ...
ومن فوائد الصيام : أنه سبب لاجتماع كلمة المسلمين ، وارتباط بعضهم ببعض ، فإنهم يصومون في وقت واحد ، ويفطرون في وقت واحد ، فكان ذلك مما يسبب ائتلافهم ، ويزيل أسباب الفرقة والنفرة فيما بينهم .
ومن فوائد الصيام : أنه يسهل فعل الطاعات ، فمن يلاحظ حال الصائمين في رمضان ، وما هم عليه من تحري الطاعة ، وتحري سبيل الخيرات ، وابتعادهم عن المعاصي ، ورغبتهم في الإحسان ، يدرك أن الصوم من أعظم أسباب الهداية ، ويدرك معنى قوله تعالى : { وأن تصوموا خيرٌ لكم } ، وقوله ــ ــ : « الصوم جنة » أي : وقاية من المحذور ..
ومن فوائد الصيام : أنه يسبب صحة البدن ، بخلو المعدة من أخلاط الطعام المضرة ، ففيه صحة للقلب من الأخلاق الذميمة ، وصحة للبدن من الأمراض المؤذية ، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تحصى ...
عباد الله : واعلموا أن للصوم آداباً تجب مراعاتها . فالصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ، ولسانه عن الكذب ، والفحش ، وقول الزور ، وبطنه عن الطعام ، والشراب ، وفرجه عن الرفث ، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه ، وأن فعل لم يفعل ما يفسد صومه ، فيخرج كلامه نافعاً صالحاً ، وكذلك أعماله ، فهو بمنزلة الرائحة ، التي يشمها من جالس حامل المسك ، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته ، وأمن فيها من الزور ، والكذب ، والفجور ، والظلم . هذا هو الصوم المشروع ، لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب .
ومن آداب الصيام : أن لا يكثر من الطعام في الليل ، بل يأكل بمقدار ، فإنه ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه ، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقية ، وكذلك إذا شبع وقت السحر ، لم ينتفع بنفسه في غالب النهار ، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور ، ثم إنه يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل ؛ لأن المراد من الصيام أن يذوق طعم الجوع ، ويكون تاركاً للمشتهى .
ومن آداب الصيام : تأخير السحور ، بحيث يبدأ الصيام عند طلوع الفجر الثاني ، قال تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } .
ومن آداب الصيام : تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس إما بمشاهدة أو سماع أذان المغرب ، وبعض الناس يُخِلّون بذلك ، بحيث يسهرون معظم الليل ، ثم يتسحرون ، وينامون قبل الفجر بساعة أو أكثر ، وهؤلاء قد ارتكبوا عدة أخطاء :
أولاً : أنهم صاموا قبل وقت الصيام .
ثانياً : ربما تركوا صلاة الفجر مع الجماعة ، فعصوا الله ، بترك ما أوجب عليهم من صلاة الجماعة .
ثالثاً : ربما يخرجون صلاة الفجر عن وقتها ، فلا يصلونها إلا بعد طلوع الشمس ، وهذا خطر عظيم ، قال الله تعالى : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهـون } ، وقـال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } ، والسهو والإضاعة المذكوران في الآيتين هما إخراج الصلاة عن وقتها .
فاتقوا الله ــ يا عباد الله ــ ، ولا تبنوا دينكم من جانب ، وتهدموه من جانب آخر ، فإن الإسلام ينبني على خمسة أركان : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام . فأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون . أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } .