[align=justify]
الحسد داء ينهك القلب والجسد، صاحبه ضجر، وعلاجه عسر.. ما ظهر منه فلا يُدَاوى، وما بطن منه؛ فمداويه في عناء، إنه قرين الكفر، وحليف الباطل، وعدو الحق، منه تتولَّد العداوة، وبه تحصل القطيعة، وتتفرَّق الجماعة، وتتقطَّع الأرحام، ويُفَرَّق الشمل، وتتشتت الألفة، وتُوغَر الصدور، وتفسد الضمائر.
بالحسد يجرم الأبرياء، وتشوَّه الحقائق، ويجرح المستورون.. تَلَهٍ بسرد الفضائح، وتَشَهٍ بكشف السُّتور.
الحسد متنفَّس حقد مكظوم، ومتقلَّب صدر فقير إلى الكنف الرحوم.
الحسد يُفْسِد الدين، ويُضْعِف اليقين، ويُكْثِر الهمُّ، ويُسْهِر العين، ويذهب بالمروءة، ويجلب الذل.
الحسد يأكل الحسنات، ويُفْسِد الطاعات، ويبعث على الخطايا، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: (إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)أو قال:(العشب). [1]
إن الحسد يمنع قبول الحق، ويحمل على المضي في الباطل .. طبيعة الحسد طبيعة لئيمة تأبى إلا أن تجهر بالسوء، وتأمر بالفحشاء، وتنكر المعروف، وتقبِّح الحسن، وتذمُّ الممدوح، وتقطع ما أمر الله به أن يوصل .. يبيع على بيع أخيه، ويزيد بالسلعة وهو لا يريد شراءها، ويخطب على خطبته، ويضايقه في عمله، وينقصِّه في علمه، ويتهمُّه في كسبه، ويكذُّبه في مقالته.
الحسد يحمل على كتمان الحق، وإنكار الفضل لأهل الفضل .. إذا علم خيرًا؛ أخفاه، وإن اطلع على عيب؛ أفشاه، وإن لم يعلم؛ حاول الكذب، ولربما تعمَّد الكذب .. قاتله الله من داء فكم من صلة قطعها! وكم من رابطة مزَّقها! وكم من دم سفكه! فبالحسد قتل قابيل هابيل، وبالحسد عقَّ إخوة يوسف أباهم وأضاعوا أخاهم: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } [يوسف: 8].
الحسد يهوِّن على صاحبه الكذب والغيبة والغدر والنميمة والسعاية والاحتيال، والمكر وتلمُّس المعائب، وتعظيم الأخطاء واستجماع الزلات.
الحسود امرؤ واهن العزم، كليل اليد، جاهل بربه، غافل عن سننه، لما فاته الخير؛ تحوَّل يكيد للموفقين، ليس بمدرك حظًا، ولا بغالب عدوًا.. يعيش في طول أسف، وملازمة كآبة، وشدة تحرق، لا يجد لنعم الله عليه طعمًا، ساخطًا على من لا يترضاه، منغَّص المعيشة، محروم الطلبة، لا هو بما قسم له يقنع، ولا هو على ما لم يقسم له يقدر.. إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت.
[/align]
للشيخ
صالح بن حميد - حفظه الله-
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه أبو داود و البيهقي وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.