-
وانكسر اللحن
وبَينما هُو عَائدٌ إلى مَسكنِه، وعَلى ما يبدو أنَّه كانَ كالاًّ كبقيَّة أيامه الدَّعوية، وفَور اقترابه مِن باب حُجرته إذ يُفاجَأ بِقبضة يد جَذَبتهُ جذبة عنيفة، مِمَّا نتجَ عنه اختلال تَوازنه حيث تَقَهقَر إلى الخَلف - من أثر الجَذبة - كَما ترَكتْ تِلك الجَذبة آثارًا عَلى عُنقه، فَضلاً عَن انشِقاق رِدَائه.
طالَبه صاحب الجَذبة بِأن يَهبهُ من مَال الله، فَتبسَّم ولَم يُعاقِب السَّائل عَلى فِعلته، ثمَّ أمرَ له بِعطاء.
وقَد حَدث أنْ سَألهُ أحدُهم فِي أحد المَجالس قائلاً له: "أَوْصِني"، فأجابه: ((لا تَغْضَب)).
فمن يَكون هَذا الحَليم والمُتناغِم قَوله بِفعله؟! حتمًا إنَّه هُو لا غيره مِن البشر، ذلك الإنسان الَّذي لن يَتكرَّر، مُحمَّدٌ عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام.
فَلم تَهتزّ قَاعدة شَخصيَّته كَونَه أثبتَ بِأنَّ ما يتلفَّظ بِه لِسانه هُو ذَاته مَا تَعمل بِه جَوارحه، وبِذلك فَقد برِئ مِن تِلك الفئة "الفَاعِلة لِعكس أَقوالهَا".
ولأنَّه - عَزَّ وجلَّ - كَتب مُنذ الأَزَل بِأنَّ رسولَنا الكريم - صلَّى الله عَليه وَسلَّم - سَيحظَى بِهذهِ المَكانة، فَقد أودَع فِيه صِفة التَّناغُم أو الهَارمُونيَّة، وتعني الانسِجَام.
وقد اتصَّف هُو - جلّ شأْنه - قَبل كُلِّ المَخلُوقات بِتلك الصِّفة، حيث قَال فِي مُحكم تنزِيله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وفي آيةٍ أُخرى يقول - عزَّ وجلَّ -: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36].
وبِما أنَّ النَّفس البشريَّة جُبلتْ على التناغُم بين الأَقْوال والأفْعال، بل في كَافَّة شُؤون حياتِها، حيث لم تَعتَدْ تلك النَّفس عَلى رؤْية تُوَيجات الأزْهَار فِي أَوْج ابتِهاجها فِي الخَريف.
فحريُّ بنا كأشخاص مُدركين بِأنَّ ما نزرعه اليوم نَحصده في الغد، وكأَنفُس مُؤمنة بقوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] - أن نُعدَّ أطفالَنا إعدادًا يؤهلِّهم لأن يكونوا خُلفاء الله فِي الأرض، وبأن يعمروها بِأفعالهم، وألاَّ تُعمرَ تلك الأرض بِأقوال مُهتزَّة القاعدَة.
فَعندما يتكرَّر سينَاريو "كَذب الأقوال" أمام الطِّفل، فهَاهو يُكوِّن اعتقادًا بأنَّ "مَن يكذب يدخل النّار" وقدْ حَفظها عَن ظهر قلْب، ولكنَّه غَير قَادر عَلى استيعَاب تكرار وَالدِته فوْر إمسَاكها لسمَّاعة الهَاتف للقول: "والله ما هو مَوجود"، بينما يتربَّع والدُه في صَدر المَجلس!
فعندمَا تحدث كلُّ هَذه الأُمور تَختلُّ موازين الأخلاق ومعَاييره التي في طَوْر البِناء، فينتج عَنه تكوين مفهوم مُشوَّه، فيُصبح الطِّفل كَعنْصر مُحايد، لا إلى هَؤلاء ولا إلى هَؤلاء، ويقتصر دوْره على مُشاهدة أرْض الواقع المليء بالمُتناقِضات؛ لِيعيش فيما بَعد شخصًا يَحوي عِدَّة شُخوص تَستوطِنُه، فتارة تَجده يصدق، وأُخرى تَجدهُ في عَداد الكاذبين، وبِهذا يكون قدِ ارتكب كلٌّ من الأبِ والأمِّ جُرمًا عن غير قصد.
وبِما أنَّ من أكثر اللَّحظات إيلامًا تِلك الَّلحظة التي يُدرك فيها المرْء أنَّ لحْنَ قولِه قد كُسر نتيجة اختلاف فعله؛ فَلنُجنِّب أطفالنا تجربة هذا النوع مِن الألم، ولنُعلِّمهم عِوضًا عن ذلك مُتعة "الإنصات" للَّحن دون انقطاع[1].
إن أصبتُ فمن الله وإنْ أخطأتُ فَمن نفسي والشَّيطان.
ــــــــــــــــــــ
[1] للأمانة: فكرة "تناغُم الأقوال والأفعال" مقتبسة من كتاب "لوحات نبويَّة" لمؤلّفه عبدالوهاب ناصر الطريري.
إيناس حسين مليباري
-
رد: وانكسر اللحن
بوركت بالنقل خيوو لموضوع مهم ومؤلم لماذا؟ لان حاضرنا وامسنا والمستقبل يتعلم فية اطفالنا كيف يكذب وبجميع الوان الكذب مع انة لة لون واحد اعاننا الله واعان الله على البشر
جميع ما تشاركنا بة مؤثر ومفيد واتمني من الجميع المرور والاستفادة تقبل تحيتي وتقديري اخي الكريم ,,,ساندرا
-
رد: وانكسر اللحن
شكرا لمرورك العطر على مشاركتي أخت ساندرا
-
رد: وانكسر اللحن
( إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا )
الراوي: عبدالله بن مسعود
المحدث: البخاري
المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6094
خلاصة الدرجة: [صحيح]
-
رد: وانكسر اللحن
شكرا لمرورك على مشاركتي أخي صناع الحياة