الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فقد قال الباري - عز وجل -: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52].
وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
وقال - جل جلاله -: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55 - 56].
وقال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
لا شَكَّ - أيها الإخوة - أن الدعاء له أهمية عظيمة في حياة المسلمين، أفرادًا وجماعات، وخصوصًا إذا كان صادرًا عن أناس أهل صلاح من العلماء والدُّعاة، وما أجمله عندما يكون بظهر الغيب لإخواننا، الذين حلَّت بهم مصائب الدُّنيا، ونوائب الزمان؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10].
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: أنَّه سمع رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلاَّ قال الملك: ولك بِمِثْلٍ))؛ رواه مسلم.
وعنه أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكَّل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثلٍ))؛ رواه مسلم.
فما أجملَها في هذا اليوم المبارك، الذي هو يوم الجمعة، لو أنَّ إمام الحرم المكي - زاده الله تشريفًا - حين دعا شمل بدُعائه إخوتَه في العراق مثلما خَصَّ بدُعائه إخوانًا لنا في فلسطين، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنَّ جُرحَنا لبليغٌ، ومُصيبتنا لعظيمة.
والله، إنَّها لغُصَّة تؤلمنا، وجرح في قلوبنا يُدمِينا، ويزيدنا همًّا إلى همومنا، وضَيْمًا إلى ضيمنا، عندما يتغافل عنَّا أئمة وعلماء المملكة العربية السُّعودية، ويتناسَوْن إخوةً لهم في كَرْبٍ وشدة، والذي يُؤلمنا أكثر أنَّهم هم مادة الإسلام وخميرته في هذه الأرض المباركة، وهم رعاةُ جنابِ الكتاب والسنة المطهرة، وحملة رايةِ التوحيد في وجه الشرك والضلال.
إنني أُناشدكم باسم الله الأعظم أيها العلماء الأجلاء، أنْ لا تنسوا هذا الموضوع الذي يُؤرِّقنا دائمًا، ألاَ وهو: الدُّعاء لإخوتكم في العراق، على منابر الجمعة، وعبر وسائل الإعلام؛ فإنَّه يُقوِّي أواصر المحبة والأخوَّة، ولكيلا نكون كالذين قال فيهم الباري - عز وجل -: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53].
فعليكم أن لا تغفلوا عن إخوانكم إذا ما ابتلاكم ربُّكم - جل جلاله - بهذه النعم، ولأن الأصل في الملة والعقيدة والشريعة الاتِّحاد فيها، كلها اتحاد روحي جامع لكلِّ أواصر المودة والمحبة في الله، وهذا الاتحاد أصلٌ عظيم بعث الله - جل وعلا - به الرُّسل، وأنزل فيه الكتب، إنَّه اتِّحاد التوحيد المضاد للشرك بكلِّ تفاصيله وجزئياته.
وهذا ما نلمسه بدِقَّة إذا ما تأملنا حديثَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفقهنا ما يروم تحقيقه من هذا الحديث الذي هو: ((مثل المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى))، وفي البخاري بلفظ: ((ترى المؤمنين)).
فالعلماء - زادهم الله رفعة - في الحرمين الشريفين هم الرأس المدبِّر لهذا الجسد، وهم عقله المفكِّر، فكيف ينسَوْنَ جزءًا جريحًا في هذا الجسد الذي تكفَّلوا برعايته؟!
قال الألباني - رحمه الله -: وجوب المحبة والولاء:
ومن الواجب على العُلماء أيضًا وعلى مُختلف اختصاصاتِهم، فضلاً عن بقية الأمة: أن يكونوا متمثلين قولَ نبيهم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثل المؤمنين...))؛ الحديث.
وقال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ في شرح قول ابن عباس:
"ووالى في الله": "هذا بيان لِلازم المحبة في الله، وهو الموالاة فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مُجرد الحب، بل لا بد مع ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب، وهي النصرة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين باطنًا وظاهرًا، ونحن نتمنَّى عليكم الدُّعاء فقط".
ونحن نذكِّر بالدعاء لا غير؛ فلا تحرمونا بركته.
فلا تنسوا الدُّعاء للإخوة، من نساء أرامل، وأطفال يتامى، وشيوخ، وجياع، وسجناء، وجرحى، ومرضى، وشهداء، وغيرهم، وخصوصًا من المسجد الحرام - زاده الله جل وعلا تشريفًا - في الجُمَع المباركات، ولكم منَّا كل الوُد والمحبة والتقدير والاحترام،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
علي محمد سلمان محيميد آل عسكر العبيدي