بكرة أحلى م النهاردة .. ليه لأ
بكرة أحلى م النهاردة .. ليه لأ
https://mwadah.com/images/imgcache/2010/08/91.jpg
التكنولوجيا فى العالم تتطوًَّر .. وبسرعة البرق.. الإحصائيات تقول : إن التطوًَّر التكنولوجي، خلال العقد الأخير وحده، يفوق التطوًَّر التكنولوجي خلال القرن العشرين كله، بست مرات .. وهذا يعنى أن العالم كله يتغيًَّر.. العالم كله .. بلا إستثناء..
والتطوًَّر التكنولوجي أمر يؤثر حتماً، فى كل نواحي الحياة، سواء فى البلدان المتقدًَّمة تكنولوجيًا، أو حتى المتأخرة فى هذا المضمار.. ولو أردنا أن نصنف عالمنا العربي ، ومجتمعنا المصرى بالتحديد ، فسنجد أنه يقف فى مرحلة متوسطة .. فلا هو بالمتقدًَّم تكنولوجياً ..ولا هو بالمتأخًَّر تقنياً ..
إنه – مثل باقى البلدان العربية – لا يقدًَّم للعالم مبتكرات أو مخترعات ، تساعده على التطوًَّر والتقدًَّم ..ولكنه أيضاً ليس منعزلاً عن التكنولوجيا .. الهاتف المحمول ، فى يد كل منكم ، هو دليل على هذا ..معلوماتكم عن الكمبيوتر، والأنترنت ، والاتصالات ، وآلات السحب النقدى، وغيرها ، تبرهن على هذا .. ولو عدنا عشرين عاماً إلى الوراء ، فسنجد أننا كنا نختلف ..وكثيراً ..
التطوًَّر إذن يتسلًَّل إلينا ..ربما فى بطء ..ولكنه يفعل ..والتطوًَّر يعنى أن تصبح الحياة أفضل، لو أحسنا استغلاله ..فهل نفعل ؟!.. هل نحسن استغلال التطوًَّر ؟!..كلا .. إننا حتماً لا نفعل ..
نظرة واحدة إلى الإحصائيات الرسمية ، تقول : إن الشعب المصري ينفق أكثر من تسعة مليارات من الجنيهات على الهواتف المحمولة ، وما يقرب من أربعة مليارات على الأطعمة الجاهزة، فى حين أنه لا ينفق ملياراً واحداً على القراءة أو الثقافة ..
نحن إذن ننفق على أفواهنا ، فى الأكل والحديث ، ثلاث عشرة مليار ، فى العام الواحد !!..أهذا حُسن استغلال للتطوًَّر والتكنولوجيا ؟!..
الشباب، فى معظمهم، يتعاملون طوال الوقت مع الكمبيوتر وشبكة الانترنت، ولكن كم منهم انتقل من خانة المستهلك، إلى خانة المبتكر؟!..نسبة لا تزيد عن واحد ونصف فى المائة ..وهذه النسبة الضئيلة ، فى معظمها ، هى تطوير لبرامج معروفة ..
ثم أن معظم الشباب يهدر وقته – بمعنى الكلمة – أمام الكمبيوتر ، دون أن يفيد منه سوى المحادثات الألكترونية ، وتنزيل الأفلام والأغنيات..وحتى فى هذا، لا يتبع أبسط القواعد الأخلاقية ..إنه يقوم بتنزيل أغنيات وأفلام مقرصنة، ويدخل فى نقاشات طويلة بالساعات، حول أمور قد تستحق أن نقول: إنها تافهة ..
فهل ينطبق هذا على حُسن استغلال التطوًَّر ؟!..بالطبع لا ..سوق العمل يعانى من عجز فى العمالة، والشباب يشكون من البطالة!!..إشكالية أعجز عن فهمها. ولكنها إحدى سمات الدخول السريع فى عالم التطوًَّر ..تماماً مثل الدخول من عالم الطفولة ، إلى عالم المراهقة ..اضطراب ، وحيرة ، وخوف ، وقلق ، وتوتر ، وعجز عن اتخاذ القرار ، وشكوى من كل شئ ، وأى شئ ..ولكن فترة المراهقة هذه تنتهى حتماً بالنضج ..قد يستغرق هذا وقتاً ، ولكنه حتماً يأتى فى النهاية ..
وهذا ما يحدث فى مجتمعنا الآن بالفعل ..إنه يمر بمرحلة مراهقة ، وانتقال من ديكتاتورية مطلقة ، إلى لمحات من الديموقراطية ، لم يعتدها ، ومازال يخشاها ..
وهذا أمر أشعر به كل يوم ، وخاصة عندما أكتب مقالاً سياسياً ، أعارض فيه أحد رموز الدولة فى عنف ، فتردنى فى يوم النشر عشرات الاتصالات ، من أصدقاء لا يعملون فى المجال ، ويخشون أن أكون قد تعرًَّضت لمكروه ما ، من جراء ما كتبت ..هذا لأنهم لم يعتادو الديموقراطية، ولم يمارسوها، ولم يحاربوا من أجلها، ولا يتصورون بالتالى إمكانية وجودها ..
صحيح أننا لم نبلغ مرحلة نصف كافية من الديموقراطية بعد، ولكن لو قارنّا ما نحن فيه، بما كنا عليه منذ ثلاثة عقود من الزمن، لوجدنا أننا قد تطوًَّرنا وبشدة، فى هذا المضمار ..وعلى عكس ما يبدو ، فهذا التطوًَّر لم يكن هبة من نظام الحكم ..بل كان حتمية ..
حتمية صنعتها التكنولوجيا، التي جعلت العالم يتقارب، على نحو لم يحدث فى تاريخه قط، حتى أن ما يحدث فى أقاصي الأرض نشاهده فى اللحظة نفسها، ونعلم به من خلال ألف وسيلة ووسيلة، خلال لحظات من حدوثه ..نعلم به، ويعلم به العالم، من خلال شبكة الانترنت ، أو القنوات التليفزيونية ، أو الفضائية ، أو الهواتف المحمولة ورسائها ، أو ما سينشأ فيما بعد من وسائل أحدث وأحدث ..
التطوًَّر التكنولوجى إذن هو حتمية ..والديموقراطية العالمية ، المصاحبة لذلك التطوًَّر ، ايضاً حتمية ..بالحسابات إذن ، والدراسات العلمية ، والسياسية ، والاجتماعية ، يثبت حتماً أن بكرة .. أحلى م النهاردة ..وليه لأ ؟!..
التاريخ يقول هذا .. والعلم يقول هذا .. والعقل يقول هذا .. والمنطق يقول هذا .. ولكن العديدين منا ، لا يقولون هذا !!.. فلم ؟!..
الجواب يكمن فى أنهم يرفضون فكرة تطوًَّر الحياة؛ لأنهم يطلبون أن يأتي هذا التطوًَّر فى يوم وليلة، أو لا يأتى أبداً ..وهذا أيضاً مستحيل !..
كل شئ فى الوجود، يحتاج إلى وقت كاف للنمو .. أنت احتجت لسنوات لتكبر .. ولسنوات لتنضج .. ولسنوات لتدرك ..
(إسرائيل)، التى نشعر وكأننا نحاربها منذ الأزل، لا يزيد عمرها عن ستة عقود وبضع سنوات.. (أمريكا)، التى تتزعم العالم الجديد، لم تكن قوة، من نفس الفترة تقريباً.. (روسيا)كانت دولة عظمى، منذ عقدين فقط من الزمان..
المسألة إذن مسألة وقت، ودرجات سلم، لابد وأن تصعدها درجة درجة ، حتى تصل إلى الطابق الذى تريده .. ونحن نصعد تلك الدرجات بالفعل .. ربما نصعدها فى بطء .. ولكننا نصعدها .. ومادامنا نصعد ، فالوصول إلى الطابق الذى ننشده حتمية منطقية .. إنها إذن مسألة وقت .. ومسألة شعب..
فعندما تآزر الناس؛ لمواجهة حادثة مصرع شاب واحد ، بسبب تجاوزات من جهاز الشرطة ، اضطر النظام إلى اتخاذ إجراءات فى هذا الشأن.. عندما طلبنا ، حصلنا على مكسب ما ، وعندما نسكت لا نحصل على أية مكاسب .. عندما نكافح ، نبلغ ما نريد ، وعندما نقف ساكتين ، لا نحصل على أى شئ .. عندما نعمل نربح .. وعندما نتكاسل نخسر .. وهذه هى سنة الحياة .. إنها لا تعطى بلا عمل أو جهد ..
ومشكلة المشكلات، كما رصدتها ، فى زمننا هذا ، هى أن كل شخص قد صار يخشى المواجهة، حتى للمطالبة بحقه .. كل شخص صار ينتظر من ياتى له بحقوقه ..
ومن يبحث له عن عمل .. ومن يجد له سبيلاً للزواج .. وللنجاح .. وبدون العمل ، والكفاح ، والسعى ، والجهد ، والعرق ، والمطالبة ، لن تكون هناك مكاسب أو أرباح ..
بكرة إذن ، ليس أسوأ من النهاردة .. بل نحن أسوأ ممن كانوا قبلنا .. المشكلة إذن فينا .. وليست فى بكرة .. وهذا يصل بنا إلى ختام السؤال .. وليه لأ ؟!.. لماذا لا نعمل ، ونكافح ، ونعرق ، ونجتهد ، ونسعى ، ونبحث ، ونطالب ، ثم نرى ؟!..
لماذا لا نؤمن ببكرة ، ثم نسعى لإثبات إيماننا ؟!.. لماذا ؟!.. لماذا ؟!..لماذا ؟!..
لو طرحنا هذه الأسئلة على أنفسنا ، ولو طرحنا التشاؤم عن نفوسنا ، ولو واجهنا أنفسنا بالحقائق، ولو اقتنعنا بأننا وقود أحلامنا وطموحنا.. لو فعلنا كل هذا، سيصبح من السهل أن يكون بكرة.. أحلى ألف مرة م النهاردة .. وليه لأ ؟!.