-
مساحة للتنوير..
عبد الرَّحمن الكواكبي (1854 - 1902 م) مفكر، وعلامة سوري رائد من رواد التَّعليم، ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية، وكاتب، ومؤلف، ومحامي، وفقيه شهير.
ولد في سنة 1271 هـ الموافق 1849 في مدينة حلب لعائلة لها شأن كبير، ووالده هو أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي، والدته السَّيدة عفيفة بنت مسعود آل نقيب وهي إبنة مفتي أنطاكية،
وفي سوريا في مدينة حلب الَّتي كانت تزدهر بالعلوم، والفقهاء والعلماء درس الشَّريعة، والأدب، وعلوم الطبيعة، والرِّياضة في المدرسة الكواكبية الَّتي تتبع نهج الشريعة في علومها، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده مع نفر من كبار العلماء في حلب.
لم يكتف بالمعلومات المدرسية، فقد اتسعت آفاقه أيضا بالإطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة، وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة في العالم، فأستطاع أن يطلع على علوم السِّياسة، والمجتمع، والتَّاريخ، والفلسفة، وغيرها من العلوم.
بدأ الكواكبي حياته بالكتابة إلى الصحافة، وعين محرراً في جريدة الفرات الَّتي كانت تصدر في حلب، وعرف الكواكبي بمقالاته الَّتي تفضح فساد الولاة، ويرجح حفيده سعد زغلول الكواكبي أن جده عمل في صحيفة "الفرات" الرَّسمية سنتين تقريبا، براتب شهري 800 قرش سوري، وقد شعر إن العمل في صحيفة رسمية يعرقل طموحه في تنوير العامة، وتزويدها بالأخبار الصَّحيحة، فالصُّحف الرَّسمية لم تكن سوى مطلب للسلطة، ولذلك رأى أن ينشئ صحيفة خاصة، فأصدر في حلب صحيفة "الشَّهباء" عام 1877، وكانت أول صحيفة تصدر باللَّغة العربية، وسجلها بإسم صديقه، كي يفوز بموافقة السُّلطة العثمانية أيامها، وبموافقة والي حلب، ولم تستمر هذه الصَّحيفة طويلاً، إذ لم تستطع السُّلطة تحمل جُرأته في النَّقد، فالحكومة كما يقول الكواكبي نفسه "تخاف من القلم خوفها من النار".
بسبب حبه للصحافة، والكتابة تابع جهاده الصحفي ضد الاستبداد فأصدر عام 1879 باسم صديق آخر جريدة "الاعتدال" سار فيها على نهج "الشَّهباء" لكنها لم تستمر طويلا فتوقفت عن الصدور، وبعد أن تعطّلت صحيفتاه الشهباء والاعتدال، أنكبَّ على دراسة الحقوق حتى برع فيها، وعيّن عضواً في لجنتي المالية، والمعارف العمومية في حلب، والأشغال العامة (النَّافعة) ثم عضواً فخريا في لجنة إمتحان المحامين للمدينة، وبعد أن أحس أن السلطة تقف في وجه طموحاته، انصرف إلى العمل بعيدا عنها، فاتخذ مكتبا للمحاماة في حي الفرافرة إحدى احياء مدينة حلب قريبا من بيته، كان يستقبل فيه الجميع من سائر الفئات، ويساعدهم، ويحصل حقوق المتظلمين عند المراجع العليا، ويسعى إلى مساعدتهم ،وقد كان يؤدي عمله في معظم الأحيان دون أي مقابل مادي، حتى اشتهر في جميع أنحاء حلب بلقب (أبي الضعفاء).
تقلد عبد الرحمن الكواكبي عدة مناصب في ولاية حلب فبعد أن عين عضواً فخرياً في لجنتي المعارف والمالية، عين مديراً رسمياً لمطبعة الولاية، رئيسا فخريا للجنة الاشغال العامة في حلب، وحقق في عهده الكثير من المشاريع الهامه التي افاد بها حلب، والمناطق التابعة لها، وفي 1892 عين رئيسا لبلدية حلب، واستمر الكواكبي بالكتابة ضد السِّلطة الَّتي كانت في نظره تمثل الاستبداد، وعندما لم يستطع تحمل ما وصل اليه الامر من مضايقات من السلطة العثمانية في حلب الَّتي كانت موجوده آنذاك، سافر الكواكبي إلى آسيا الهند، والصين، وسواحل شرق آسيا، وسواحل أفريقيا وإلى مصر حيث لم تكن تحت السَّيطرة المباشرة للسلطان عبد الحميد، وذاع صيتة في مصر، وتتلمذ على يدية الكثيرون وكان واحدا من أشهر العلماء.
أمضى الكواكبي حياته مصلحاً، وداعية إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية، وقد شكل النوادي الإصلاحية، والجمعيات الخيرية الَّتي تقوم بتوعية النَّاس، وقد دعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات، وقد قسم الأخلاق إلى فرعين فرع أخلاقي يخدم الحاكم المطلق، وفرع يخدم الرَّعية! (المواطنون)، أو المحكومين، ودعا الحكام إلى التَّحلي بمكارم الأخلاق لأنهم الموجهون للبشر، ودعا لإقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التُّركية، وطالب العرب بالثورة على الأتراك، وقد حمل الحكومة التُّركية المستبدة مسؤولية الرعية! (المواطنون)، وقد ألَّف العديد من الكتب، وترك لنا تراثا أدبيا كبيرا من كتب عبد الرحمن الكواكبي طبائع الاستبداد،
ومصارع الإستعباد الَّذي يعد من أروع ما كتب، وأم القرى، كما ألَّف العظمة لله، وصحائف قريش، وقد فقد مخطوطين مع جملة أوراقه، ومذكراته ليلة وفاته، وله الكثير من المخطوطات والكتب والمذكرات التي طبعت، وما زالت سيرة، وكتب، ومؤلفات عبد الرحمن الكواكبي مرجعا هاما لكل باحث، وقد توفي في القاهرة متأثراً بسمٍ دس له في فنجان القهوة عام 1320 هـ الموافق 1902 حيث دفن فيها، وأني لأنصح بقراءة كتابه المفيد جداً جداً : ( طبائع الإستبداد، ومصارع الإستعباد ).