هل يحتاج الشعر إلى قاموس؟
هل يحتاج الشعر إلى قاموس؟
المصطلحات الأدبية والأشكال التعبيرية التي ظهرت من عصر فيرجيل حتى اليوم
جاكلين سلام
لا يكتفي هذا الكتاب بتقديم الشعراء وكتاباتهم، ومدارسهم وعصورهم، بل يقدم إلى جانبها إشارات الطرق خلال رحلة أدبية معرفية تمتد منذ أقدم العصور وتشمل ثقافات العالم وخريطة الشعر باختلاف أساليبه ومسمياته وأوائل الرواد في كل حقبة ومدرسة وطفرة قديمة ومعاصرة، متضمناً أكثر من 250 قصيدة كشرح تفصيلي مساعد للتعريف بكل مصطلح شعري. ولعل القارئ العربي في أمسّ الحاجة إلى مثل هذا الكتاب، أو كتاب مماثل
في الفكرة، مما يسهل له فهم الشعر، ويتيح للكاتب أن يصبح مدركاً في العمق لماهية ما يقرأ ويكتب.
شعراء من عصر فيرجيل، مالتون، أوفيد، شارلز سيميك، عمر الخيام، بريتون، لوركا، روبرت فروست، ريتا دوف، جون أشبري، وباوند، أي منذ بدء السلالات الشعرية وإلى آخر خرزة في الخلق الإبداعي، تطالعنا تفاصيل إبداعاتهم في «قاموس الشعر» في إصدار جديد هو الثاني من تحرير الشاعر جون دروري John Drury، وهو شاعر أميركي سبق وأن أصدر العدد الأول من قاموس الشعر، وله مجموعتان شعريتان، وكتاب عن «خلق الشعر»، كما حاز بعض الجوائز الشعرية. يدرّس الكتابة الإبداعية في الجامعات الأميركية.
يقول دروري في مقدمة الكتاب: «مهما كان نوع الشعر الذي يفضله القارئ فإن هذا القاموس هو محطة، مكان وخريطة، وقود، مقبلات، ومساعدة أولية، هدفه الأخذ بيد القارئ، كذلك تشجيع الكاتب على اكتشاف الماضي». إنه لا يكتفي بتقديم آخر الكتابات، بل يقدم إلى جانبها إشارات الطرق خلال هذه الرحلة الأدبية المعرفية التي تمتد منذ أقدم العصور وتشمل ثقافات العالم وخريطة الشعر باختلاف أساليبه ومسمياته وأوائل الرواد في كل حقبة ومدرسة وطفرة قديمة ومعاصرة، متضمناً أكثر من 250 قصيدة كشرح تفصيلي مساعد للتعريف بكل مصطلح شعري.
ليست المتعة وحدها ما يجنيه القارئ العادي أو الكاتب من الإبحار في هذا الكتاب، بل المعرفة بخلفية هذه التيارات الأدبية المتضاربة والمتجددة التي لا تزال تتجدد. ولعل القارئ العربي في أمس الحاجة إلى مثل هذا الكتاب، أو كتاب مماثل في الفكرة، مما يسهل العقبات أمام القارئ العادي، ويتيح للكاتب أن يصبح مدركاً في العمق لماهية ما يقرأ ويكتب.
يقوم تبويب الكتاب وفق ترتيب الأحرف الأبجدية، فيقع تحت حرف الألف مثلا، جميع المصطلحات الأدبية والأشكال التعبيرية التي ظهرت حتى اليوم، والتي تبدأ بحرف الألف مثل «أبستراك بويتري، أكسنت، أكاديميك فيرس، أوتوماتيك رايتينغ، أنثولوجي...». وكل تعريف مرفق بأكثر من شاهد مرفق مع شرح مبسط للقاعدة التي يتبعها هذا الصنف من الكتابات، خاصة تلك القديمة الموزونة، التي تعتمد على بحور وموسيقى وتقطيعات محسوبة بعدد الأسطر والقفلات. هل يحتاج الشعراء لهذا القاموس؟.. سؤال تطرحه «دانا جويا»، كاتبة المقدمة، وتؤكد على ضرورته، إذ تتحدث عن أهمية التعليم الرسمي الذي يؤسس معارفنا، وأهمية الحيز الأثقل والأهم الذي يقع على عاتق كل فرد وكاتب وهو التعليم الذاتي، وقد يكون الأصعب الذي لا يتوقف عند حد ولا ينتهي حتى بالنسبة للكتّاب الكبار الذين اجتازوا مراحل متقدمة في الشهرة والمجد. تقول دانا جويا: «التعليم يجب أن يكون مصحوباً بتوجيهات ورشاقة، سهولة المنال والدهشة.. عشاق الشعر سوف يجدون في هذا الكتاب المتعة». وتشير إلى أن ما نفعله بالمصادفة قد يكون أحياناً أكثر أهمية مما نخطط لتعلمه. وهذه المتعة تكون أعمق حين يكون هناك دليل يضيء طريق الذهن والقلم.
لا يقتصر الكتاب على تعريف أنواع ومصطلحات وأساليب، بل يأخذنا إلى التفاصيل، إذ يخصص أبوابا يعرّف فيها: الكلمة، والجملة، والقصيدة، والشعر، والنثر، الصورة، والمدارس والأساليب والأنواع والأشكال اللغوية والشعرية، والشعرية الصوفية الإسلامية، السخرية، والشعر الحكائي والشفاهي، الذي يكتب على فقرات متتابعة، والشعر الذي يكتب بفقرات مرقمة، القصيدة الطويلة، الهايكو، الشعر المحكي، والسياسي، والديني، وشعر المناسبات، والمراثي.. الخ، بما يمكن أن يكون مادة قيمة ومساعدة للناقد، بالإضافة إلى الشاعر والقارئ، بل ويذهب أيضاً إلى تذكيرنا بأن هناك ما يصنف شعراً تحت خانة «ضد ـ القصيدة»، ويعرفه بأنه النص الذي يتمرد ضد الكتابة الرسمية، الافتراضية، وعملية انتقاء المفردة، والصورية، والرتم، وضد كل تقاليد الشعر. ويورد مثالاً عن هذه الحالة لشاعر من تشيلي هو نيكانور بارا، مواليد 1914، في كتاب بعنوان «أنا أيضاً لا أحبه». وهنا فقرة من نص كشاهد على هذه الكتابة، عنوان النص «مزلاج الساحل»:
«لنصفِ قرن/ كان الشعر جنة/ من العبث الجليل/ حتى أتيتُ/ وبنيتُ مزلاجي الساحلي/ حلّق بعيداً إن شعرتَ برغبة في ذلك/ وليست غلطتي إن رجعتَ/ وأنت تنزف من أسنانك وفمك».
يخصص الكتاب صفحات لتعريف هذه المصطلحات، وكيف تشكلت، وأشهر المدارس والأشخاص الذين كانوا وراء تشكيلها، وباختصار يقول: إنها مجموعة من الشعراء الذين يجتمعون تحت عريضة يتفقون على افكار وعلى تعريف الشعر وعلى الشكل الذين سيكون عليه شعرهم أيضاً. أو لتصنيف الشعر الكلاسيكي ضمن خانات تبعا للحقب الزمنية التي كتب فيها. وقد تصدر هذه الحركات بيانات أو مجلات أو أنثولوجيا تعرض وجهة نظرها. ومن هذه الحركات يذكر: الرفئيلية، السريالية، الشعر اللغة، الصورية، الذهنية، المجازية، الرمزية، مقاومة هارلم، الشعر الاعترافي، مدرسة نيويورك، وعلاقة هذه المدارس والحركات بالفن التجريدي في تلك الحقب. ويلاحظ أن النقاد قاموا لاحقا بتصنيف هذه المدارس ودراستها على الغالب . ويذكر أن بعض مدارس الشعر الانجليزي القديم خاصة، كانت تنسب إلى أسماء الحكام والملوك خلال تلك الحقب وفي تلك المناطق، كشعر الحقبة الـ « فيكتوري، اليزابيث، هنري الرابع، جيمس الأول..». وكانت هذه الحركات كالأحزاب السياسية تتعارك وتتنازع وتعتمد على الدعاية لإيصال فكرتها ودحر بيانات الآخرين.
يقول الشاعر الإنجليزي ويليام بتلر ييتس، الذي كان عام 1908 من أبرز شعراء المدرسة الرمزية: «من خلال النزاع مع الآخرين نصنع المجاز، ومن خلال الشجار مع أنفسنا نصنع الشعر». لكن العدد ليس مقياساً لقوة هذه المدرسة دون الأخرى. كما ان المدارس، حسب تعبير ييتس ايضاً، تقوم على ما تكرهه وليس على ما تحبه في المدارس الأخرى. فلنقل مثلاً إن الشاعر عزرا باوند صاحب المدرسة الصورية التخيلية، شكل هذه المدرسة لنفوره من البلاغة، وكل المدارس الكلاسيكية السابقة.
وربما من هنا نستطيع أن نعلل بعضاً من جوانب الصراع ما بين أتباع قصيدة النثر الحديث وبين شعراء الموزون، مع الملاحظة بأن هذا الصراع قد أخذ مدى زمنياً أكبر مما يحتاج، هذا إذا نظرنا إلى جميع هذه المدارس التي كانت تظهر في الغرب وتجد أتباعاً، ثم تختفي، وتحل محلها أساليب أخرى من الكتابة، وهذا التجديد هو الذي يمنح الشعر والشعراء شرف المعركة الإنسانية والمسعى الجليل لخلق الانشودة الأكثر جمالاً وقوة وفاعلية وديمومة.
للقارئ أن يقف في أي زاوية من الكتاب ويبحث عن معنى وإضاءة مصاحباً وهج الأقدمين وابتكارات المحدثين. ففي خانة حرف الراء مثلا يرد تعريف الرباعيات المعروفة بـ «ستانزا عمر الخيّام»، التي تنبع من تراث وتقاليد الصوفية في الإسلام، وهي الأعمال التي كتبت بالفارسية في القرن الثاني عشر، كما يتطرق الكتاب إلى تعريف شعر الغزل كنمط في الكتابة ويقول: الكلمة عربية وتعني الكلام عن الحب، أو البكاء على الغزال الذي يقع في شباك الصياد، وهو شعر غنائي كتب في الأصل بالفارسية والعربية ولغات الشرق الأوسط. وهو عبارة عن اربع أو خمس قفلات على أبعد تقدير. وقد جرّب فريدريك غارسيا لوركا هذا الأسلوب من الكتابة، بالإضافة إلى عدد من الشعراء الأميركيين الذين استخدموا الوزن والموسيقى مع بعض التحريف وأذكر منهم شاعراً كنديا «جون تومسون»، الذي كتب أبيات من شعر الغزل بعدد سنوات عمره، ثم انتحر ونشرت القصائد بعد رحيله. كذلك ما كتبته الشاعرة «أدريان ريتش» الأميركية المعروفة «بالنسوية». أو يطالعنا هذا المصطلح Tercet أو الثالث بالإيطالية ويعرف بـ (ستانزا)، تتألف من ثلاثة أسطر، تتشكل وفق ترتيب تتابعي له قاعدة. وكمثال على الحالة قصيدة لإميلي ديكنسون نأخذ منها هذا المقطع:
«هذه هي الأيام، تعود فيها الطيور
قليل جداً ـ طائر أو اثنان ـ
يلقيان نظرة على الماضي»
من هو القارئ، لمن يكتب الشعراء؟.. سؤال مطروح دوماً في صلب العملية الإبداعية قبل نضج الكتابة وبعد الانتهاء منها. وفي تعريف محرر الكتاب جون رودري، ان القارئ أو الجمهور، هو الجهة التي يكتب لها الشاعر، يقرأ لها أو يرسل لها مادته. القارئ هو الشخص الذي يتخيله الشاعر بأنه سيقرأ نصه، وهو الجمهور الخيالي. الشاعر يجب أن يكون قارئاً كي يكتب بالنتجية شيئاً يستحق القراءة.
وبناء عليه لا ندري إلى أي مدى يمكننا الاستدلال على معاناة القارئ العربي، سواء الشاعر أو المتلقي للشعر، وذلك في ظل غياب الكتب النقدية المبسطة والعميقة التي من شأنها أن تكسر الهوة ما بين القارئ المجتهد وتهيئ الأجيال لمستقبل شعري أوفر حظاً. قد يكون دعم الترجمة من قِبل المؤسسات المعنية مهماً، لكن هذا لا يعفي الشعراء والنقاد الكبار من واجب وضع خبراتهم في كتب تكون دليلاً للقصيدة العربية في جميع حقبها العسيرة والمضاءة.
* شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا
________
منقـــــول
رد: هل يحتاج الشعر إلى قاموس؟
شكرا لك ... بارك الله فيك ... تحياتي .
رد: هل يحتاج الشعر إلى قاموس؟