يا مُسَوّف بالمتاب حتى شاب
يا من ضيّع في الغفلة أيام الشباب
يا مطرودا بذنوبه عن الباب
إذا كنت في الشباب غافلا ، في المشيب مسوّفا ، متى تقف بالباب؟
كم عوملت على الوفاء؟ ما هكذا فعل الأحباب
الظاهر منك عامر، والباطن ويحك ، خراب
كم عصيان كم مخالفة ، كم رياء , كم حجاب؟
ولّى طيب العمر في الخطايا ، يا ترى تعود إلى الصواب؟
ما بعد الشيب لهو، كيف يجمل بالشيخ التصاب؟
أنت لو قدمت في متقادم عمرك الطاعة ، لخفف عنك الحساب
كيف والعمر ولى في الغفلة وفي طلب الأسباب؟
إذا أنذرك المشيب بالرحلة ، ولم تقدّم الزاد ماذا يكون الجواب ؟
ليت شعري أهل المعاصي كيف عيشهم يطيب " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب "
[align=right]يروى أن محمد بن واسع رأى شبابا في المسجد ، قد خاضوا في بحر الغيبة والضلالة ، فقال لهم : أيجمل بأحدكم أن يكون له حبيب ، فيخالفه ليفوز به غيره؟ فقالوا : لا. فقال : أنتم قعود في بيت الله تخالفون أمره ، وتغتابون الناس .
فقالوا : قد تبنا.
فقال : يا أولادي ، هو ربكم وحبيبكم ، وإذا عصيتموه ، وأطاعه غيركم ، خسرتموه. وربحه غيركم ، أفلا يضرّكم ذلك؟
قالوا : نعم.
فقال : ومن خالفه ، وربما يعاقبه لو عاقبه ، أفلا تغيرون على شبابكم كيف يعاقب بالنار والعذاب وغيركم يفوز بالجنة والثواب؟
قالوا: نعم وحسن رجوعهم إلى الله تعالى .[/align]
[align=right]وأنشدوا :[/align]
[poem=font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal, normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا فاسلك إلى المولى سبيلا = ولا تطلب سوى التقوى دليلا
وسر فيها بجد واجتهاد = تجد فيها المنى عرضا وطولا
ولا تركن إلى الدنيا وعوّل = على مولاك واجعله وكيلا
وإن أحببت أن تعتزّ = عزا يدوم فكن له عبدا ذليلا
وواصل من أناب إليه واقطع = وصال المسرفين تكن نبيلا
ولا تفني شبابك واغتنمه = ومثل بين عينيك الرحيلا
ولا تصل الدنيا واهجر بنيها = على طبقاتهم هجرا جميلا
وعامل فيهم المولى بصدق = يضع لك في قلوبهم القبولا [/poem]
[align=right]ومن كتاب أنس المريدين وقدوة الزاهدين : قال يزيد بن الحباب : مررت بحمدونه المجنونة وهي قاعدة على قارعة الطريق وعليها جبّة صوف مكتوب بين كتفيها ، بمداد هذا البيت المفرد:[/align]
[poem=font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal, normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سلب الرقاد عن الجفون تشوّقي = فمتى اللقا يا وارث الأموات[/poem]
[align=right]قال : فسلمت عليها ، فردت السلام
فقالت : ألست أنت يزيد بن الحباب؟
قلت لها : نعم ، فبم عرفتيني؟!
قالت : اتصلت المعرفة في الأسرار، فعرفتك بتعريف الملك الجبار .
ثم قالت: أسألك.
قلت: اسألي .
قالت: ما هو السخاء في الدين؟
قلت لها : المسارعة إلى طاعة المولى .
قالت: يا يزيد. آه آه، ليس هذا مسارعة ، إنما المسارعة إلى طاعة الله أن لا يطلع على قلبك وأنت تريد منه شيئا بشيء، ثم أنشأت تقول هذين البيتين:[/align]
[poem=font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal, normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
حسب من الحبيب بعلمه = أن المحب ببابه مطروح
فإذا تقلب في الدنا ففؤاده = بسهام لوعات الهوى مجروح[/poem]
[align=right]ويروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قرأ : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " فقال : هذه موعظة وعظ الله بها المسلمين ، وذلك أن الحور العين تقول لولي الله ، وهو متكئ على نهر العسل وهي تعطيه الكأس، وهما في سرور ونعيم : أتدري يا حبيب الله متى زوجنيك الله ربي؟ فيقول : لاأدري . فتقول: نظر إليك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين وأنت في ظمأ الهواجر، فتباهى بك الملائكة ، وقال: أنظروا يا ملائكتي إلى عبدي ، ترك شهوته ولذته ، وزوجته وطعامه وشرابه رغبة فيما عندي ، أشهدكم أني قد غفرت له ، فغفر لك يومئذ وزوجنيك.[/align]
لله درّ أقوام لاطفهم بأنسه، فتقرّبوا إليه بقلب سليم
أذاقهم حلاوة مناجاته ، فكل منهم بحبه يهيم
أسكن قلوبهم حبه ، فليلهم بالأشواق ليل سليم
طهرها من الهوى، فحب الدنيا عنها راحل، وحب الآخرة مقيم
على كل حال لا يعرفون سواه ، فأهلا به من تنعّم ، وأهلا به من نعيم
[poem=font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal, normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
للصالحين كرامات وأسرار = لهم من الله تخصيص وآثار
صفت قلوبهم لله واتصفت = بالصدق واكتنفت بالنور أنوار
واستغرقت كل وقت من زمانهم = في طاعة الله أوراد وأذكار
صاموا النهار وقاموا الليل ما سئموا = حتى تعرّفت على الظلماء أسحار
خلو به وراق الليل منسدل = حتى لهم قد تجلت منه أنوار
طوبى لهم فلقد طابت حياتهم = وشرّفت لهم في الناس أقدار
فازوا من الله بالزلفى وأسكنهم = جنات عدن فنعم الدار والجار[/poem]
[align=right]ويروى عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه كان على بعض جبال مكة يحدّث أصحابه ، فقال : لو أن وليا من أولياء الله تعالى قال لهذا الجبل : زل ، لزال فتحرّك الجبل ، فضربه إبراهيم برجله، وقال له اسكن ، إنما ضربتك مثلا لأصحابي .
وروي عنه أيضا أنه ركب البحر فتحرك ريح عاصف فوضع إبراهيم رأسه ونام .
فقال أصحابه : أما ترى ما نحن فيه من الشدة ؟
فقال : أوهذه شدة ؟
قالوا : نعم .
قال: لا ، وإنما الشدة الحاجة للناس ، ثم قال : إلهي ، أريتنا قدرتك ، فأرنا عفوك ، فصار البحر كأنه قدح زيت.وعنه أيضا أنه كان في بعض الطرق مع أصحابه ، فتعرّض لهم أسد ، فقال له أصحابه : يا إبراهيم ، هذا السبع قد ظهر لنا ، فقال : أرونيه ، فلما نظر إليه إبراهيم ، قال : يا قسورة ، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به ، وإلا فتنحّ عنا.
قال: فضرب الأسد بذنبه ، وولى هاربا ، فتعجبنا منه حين فقه كلام إبراهيم - رضي الله عنه ونفعنا به.[/align]